ملخص
زلزال المغرب أعاد الحياة لعدد من المهن التي أصابها الكساد وفي مقدمتها البناء والبقالة والخياطة.
من رحم المآسي والمصائب تنبعث منح وفوائد أو كما قيل قديماً "مصائب قوم عند قوم فوائد"، هذا ما حصل خلال زلزال المغرب الذي ضرب قرى عديدة في جبال الأطلس الكبير، لكن هذه الكارثة أنعشت مهناً وقطاعات تجارية بعينها.
وفي خضم عمليات التضامن الشعبي الهائل مع ضحايا الزلزال الذي تسبب في مصرع أزيد من ثلاثة آلاف شخص، عادت الحياة إلى مهن عديدة وارتفع الإقبال عليها بشكل لافت، منها خياطة وبيع الخيام ونقل البضائع والبناء والبقالة وتجار الأغطية وغيرها من المهن.
وحري بالذكر أن زلزال الثامن من سبتمبر (أيلول) الجاري وصف بكونه الأعنف من نوعه في المغرب منذ أكثر من قرن، إذ بلغت قوته سبع درجات على سلم ريختر، وأفضى إلى تشريد عشرات الآلاف.
مهنة البناء
تشهد مناطق الزلزال المدمر في المغرب حالياً عملية ضخمة لإعادة الإعمار والبناء ستدوم لخمس سنوات، وتستهدف زهاء 4.2 مليون نسمة في أربعة أقاليم، تتمركز على تشييد مساكن لآلاف المتضررين من هذه الكارثة الطبيعية.
ويراهن المشتغلون في مهنة البناء والتشييد على مخططات إعادة بناء وإعمار المناطق المنكوبة من أجل إنعاش مهنتهم التي تعرف ركوداً نسبياً في هذه الفترة الراهنة، وتتسابق شركات البناء على الظفر بصفقات البناء والإعمار.
وتنتعش مهن ترتبط بالبناء والإعمار، خصوصاً في المدن المجاورة لمناطق الزلزال، بمراكش وتارودانت، مثل بيع الأسمنت والحديد والخرسانة والطوب وغيرها من مواد ومستلزمات البناء.
يقول في هذا السياق، مقاول البناء، عبدالله الروبيو، إن "مأساة الزلزال جاءت بفرصة اقتصادية مهمة لمقاولي البناء والعاملين في هذا القطاع الحيوي، ومن المرتقب أن يتم بناء آلاف البيوت والمنازل للسكان المتضررين".
ويوضح مقاول البناء ذاته أن العدد الهائل من المباني المنهارة جراء الزلزال، والتي خصصت لها ميزانية مالية كبيرة، من شأنه أن يخلق رواجاً في مهنة البناء التي تكابد خلال الأشهر الأخيرة عدم استقرار.
وتفيد أرقام رسمية حديثة كشف عنها الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية، فوزي لقجع، بأن عدد المنازل المنهارة سواء كلياً أو جزئياً يصل إلى 59 ألفاً و647 بيتاً، بينما بلغ عدد الدواوير المتضررة (الدوار هو تجمع سكاني قروي) 2930 دواراً.
الخيام والأغطية
خياطة وبيع الخيام تعد أيضاً من المهن الأخرى التي لاقت رواجاً كبيراً غير مسبوق في مرحلة التعافي وإيواء سكان المناطق التي هزها الزلزال العنيف، الذين يقدر عددهم الإجمالي بـ2.8 مليون نسمة، وفق إحصاءات رسمية حديثة.
ويعزى الإقبال على الخيام إلى الحاجات المتزايدة لآلاف المتضررين من القرى الجبلية النائية التي دمرها الزلزال بالمغرب، لأنهم في حاجة ماسة إلى هذه الخيام الموقتة إلى حين تشييد بيوت لهم من طرف السلطات المتخصصة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول في هذا السياق، صاحب محل الخياطة وبيع الخيام في منطقة الحوز التي استهدفها الزلزال، عبدالمولى الحوزي، إن هناك إقبالاً كبيراً على خياطة وشراء الخيم، خصوصاً من طرف الجمعيات و"المحسنين" وفاعلي الخير.
ويشرح المتحدث ذاته بأنه مباشرة بعد الزلزال قصد آلاف المتطوعين، أفراداً وجمعيات، مناطق الزلزال مصحوبين بمساعدات ومواد غذائية، لكن تبين بعد ذلك أنه صار هناك اكتفاء من المواد الغذائية، فتنامت الأصوات بضرورة توفير الخيام والأغطية للسكان الذين يبيتون في العراء.
واستطرد بأن هذه الحاجة المتزايدة للسكان الذين هدمت لهم بيوتهم الطينية، ويترقبون بناء وتشييد بيوت جديدة لهم بعد بضعة أشهر، هي التي دفعت الجمعيات الخيرية والأفراد أيضاً إلى اللجوء إلى خدمات خياطي الخيام وباعتها لسد الخصاص الكبير في هذا الجانب، لا سيما مع قرب تساقط الأمطار وبرودة الطقس في فصل الخريف.
ومن المهن الأخرى التي وجدت ضالتها بعد الزلزال المدمر، بيع الأغطية التي يسميها المغاربة "الكواش" أو "المانطات"، وأقبل المتطوعون والمحسنون على شراء كميات كبيرة من الأغطية بهدف توفيرها للسكان المتضررين تحسباً لأيام البرد القارس المقبلة.
النقل والبقالة
مهنة "النقل السري" أو ما يسميه المغاربة "الخطافة" هي بدورها ازدهرت بشكل لافت بعد حدوث الزلزال، واستفادت من تنقل آلاف المغاربة يومياً إلى مناطق الزلزال لزيارتها ومواساة الساكنة هناك، وتخفيف عبء الصدمة والخسائر عنهم.
واغتنم العاملون في مجال "النقل السري"، الذي يعتبر نقلاً غير مرخص له قانوناً من خلال تحويل مركبات خاصة إلى وسائل نقل عمومية، فرصة الزلزال من أجل نقل المتطوعين والمتضامنين والبضائع والسلع إلى مناطق الزلزال البعيدة.
وكثيراً ما يلجأ المتطوعون الراغبون في الوصول إلى مناطق الزلزال المنكوبة إلى خدمات هذا النوع من النقل بالنظر إلى رخص أسعاره مقارنة مع النقل المرخص المخصص لنقل البضائع، والذي بدوره عرف انتعاشاً ملحوظاً في فترة ما بعد الزلزال.
ومن أبرز المهن الأخرى التي انتعشت وما زالت بعد الزلزال مهنة البقال، أو "مول الحانوت" كما يسميه المغاربة، الذي كان عليه إقبال من طرف الراغبين في دعم المتضررين، من خلال شراء المواد الغذائية المختلفة، كما عرفت الأسواق التجارية الكبرى إقبالاً غير مسبوق من طرف الجمعيات الخيرية والأفراد والأشخاص الذاتيين الذين هبوا لشراء المؤن والمواد الغذائية لإيصالها إلى مناطق الزلزال.
وتعلق الباحثة في علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس ابتسام العوفير على ازدهار تلك المهن بقولها إنه "في كل المجتمعات البشرية عندما تحل أزمة أو كارثة أو وباء ما تتعرض مهن معينة للانتكاسة، بينما تعرف مهن أخرى نوعاً من الانتعاشة".
وتضيف الباحثة "على سبيل المثال في أزمة كورونا عرفت مهن في المغرب رواجاً منقطع النظير، من قبيل بيع المنظفات وصنع الكمامات، حتى إن هناك من حقق ثروات مالية بفضل هذا الوباء"، مشيرة إلى أنه "في الزلزال الأخير انتعشت مهن لها ارتباط بحاجات الناس المنكوبين، مثل خياطي الخيام وبيع الأغطية والمواد الغذائية".
وخلصت المتحدثة إلى أن "الدورة الاقتصادية والاجتماعية تقوم بدورتها كاملة عند كل حدث جلل في المجتمع، خصوصاً خلال الأزمات والكوارث التي ترفع أقواماً وتذل أقواماً آخرين، وتفلس مهناً وتنعش أخرى، مثل أي دورة حياتية تتأرجح بين الهبوط والصعود".