Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يرسم النفط تحولات جديدة مع نهاية 2023؟

أسعار الخام تواصل تقلباتها السعرية مع تلقيها دعماً مباشراً من خفوض "أوبك+"

 دفعت تقلبات أسعار العام الحالي خام برنت القياسي إلى أدنى مستوى له منذ 2021 خلال يونيو الماضي (أ ف ب)

ملخص

 الاستهلاك العالمي للنفط بلغ في المتوسط 103 ملايين برميل يومياً للمرة الأولى خلال يونيو الماضي.

تمر أسواق النفط العالمية بعام صعب في 2023، إذ تتعرض لتقلبات حادة على وقع تطورات العرض والطلب وسط تباطؤ الاقتصاد الصيني وخفوض "أوبك+" وتداعيات حملة التشديد النقدي من قبل "الفيدرالي الأميركي"، إلى جانب استمرار التوترات الجيوسياسية والسياسات العالمية المتعلقة بالخام.

ووسط تلك العوامل وغيرها تراجعت أسعار النفط قبل أن تعود وتتعافى، إذ دفعت تقلبات الأسعار خلال العام الحالي خام برنت القياسي إلى أدنى مستوى له منذ عام 2021 في يونيو (حزيران) الماضي، بما يزيد قليلاً على 70 دولاراً للبرميل، ولكن خلال ثلاثة أشهر وحسب لامست الأسعار مستويات سعرية مرتفعة مسجلة أعلى مستوياتها منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، بدعم من توقعات نقص الإمدادات واستمرار الخفوض الطوعية من جانب السعودية حتى نهاية العام.

دعم مباشر

وبحسب متخصصين فإن أسعار النفط حصلت على دعم مباشر من استمرار حال الضيق في المعروض النفطي العالمي، في وقت بدأت السعودية، أكبر مصدر للخام في العالم، بخفض إنتاجها بمقدار مليون برميل يومياً منذ مطلع يوليو (تموز) الماضي مع استمراره حتى نهاية العام الحالي، إضافة إلى خفوضها الإنتاجية داخل "أوبك" والخفوض الطوعية الإضافية من جانب روسيا، مما يطيل أمد قيود الإمدادات التي أعلنتها منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها في التكتل المعروف باسم "أوبك+" لدعم الأسعار.

ومجدداً قررت الرياض تمديد تقليص إمدادات النفط لدعم استقرار الأسواق وسط ضبابية مشهد الطلب العالمي على الخام، بسبب التعافي الهش لاقتصاد الصين ونهج التشديد النقدي في أوروبا وأميركا.

وأعلن مصدر مسؤول في وزارة الطاقة السعودية أن الرياض ستمدد الخفض الطوعي لإنتاج النفط بمقدار مليون برميل يومياً حتى نهاية العام، بحسب وكالة الأنباء السعودية، وكذلك قال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك في بيان منفصل إن خفض الصادرات بمقدار 300 ألف برميل يومياً سيتم تمديده للفترة نفسها، وعلى رغم أن المتعاملين كانوا يتوقعون حجم الخفوض إلا أن فترة سريانها تفوق المتوقع.

استنزاف المخزونات

ومن المرجح أن تسهم استراتيجية الرياض وموسكو في استنزاف المخزونات بصورة أكبر مع زيادة فروق الأسعار المرتبطة بآجال العقود الأساس عند تأجيل التسليم، مما يشكل منحنى تسعير صعودي.

وزاد فرق الأسعار بين أقرب عقدين لخام غرب تكساس الوسيط تسليم ديسمبر (كانون الأول) المقبل بأكبر نسبة منذ منتصف 2022، كما تلقت آفاق نمو الطلب على النفط عام 2023 دفعة قوية من زيادة الاستهلاك الصيني بأكثر من التقديرات، كما شهدت توقعات المعروض النفطي من خارج "أوبك" زيادة ملحوظة، خصوصاً بعد تمديد سياسة خفض الإنتاج من جانب تحالف "أوبك+".

وتأتي تلك التوقعات عقب ما قالته وكالة الطاقة الدولية في أحدث تقرير لها من أن "الطلب العالمي على النفط بلغ مستوى قياسياً وسط استهلاك قوي، وهو اتجاه قد يعزز الأسعار"، مضيفة أن "الاستهلاك العالمي بلغ في المتوسط 103 ملايين برميل يومياً للمرة الأولى خلال يونيو الماضي".

وإلى جانب تلك الخفوض الإضافية الطوعية تظهر مجموعة من العلامات التي تشير إلى أن السوق العالمية تعاني شحاً في المعروض، ومن بينها تراجع المخزون التجاري في الولايات المتحدة بنحو 60 مليون برميل منذ أن بلغت ذروتها منتصف مارس (آذار) الماضي، وهي تبلغ الآن أدنى مستوى لها منذ أواخر عام 2022.

ومع ذلك لا تزال هناك مخاوف في شأن الطلب، خصوصاً في ظل التوقعات المتعلقة بالصين، أكبر مستورد للخام عالمياً، فعلى رغم أن تدفقات النفط الخام إلى البلاد منذ بداية العام تتقدم بكثير عن وتيرة العام الماضي، فإن بكين خزنت المزيد وصدرت بعض الوقود المعالج وسط ضعف محلي.

ومما يسلط الضوء على التحديات أيضاً أن ثاني أكبر اقتصاد عالمي يسجل بيانات اقتصادية ضعيفة منذ أشهر، مع تعثر تعافيه في مرحلة ما بعد جائحة كورونا.

وحققت أسعار النفط خلال أغسطس (آب) الماضي مكاسب شهرية، إذ ارتفع الخامان القياسيان برنت وغرب تكساس الوسيط 1.7 و2.2 في المئة على التوالي.

وقال البنك الوطني الأسترالي عبر مذكرة حديثة، إن ارتفاع الأسعار عن 90 دولاراً للبرميل (على أساس مستدام) مطلوب لجذب إمدادات "أوبك" إلى السوق مجدداً، وكذلك لتحفيز منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة على زيادة نشاط التنقيب.

معادلة العرض والطلب

وتتحكم في تحديد سعر النفط أهم سلعة استراتيجية في العالم، وهي معادلة العرض والطلب، فكلما قل حجم الإمدادات التي تضخ في الأسواق زاد السعر، والعكس صحيح.

وتراجع إنتاج "أوبك+" منذ قرار بعض دول التحالف في أبريل (نيسان) الماضي لإزالة البراميل من السوق بدءاً من مايو (أيار) 2023، بينما سجل إنتاج النفط الخام للتحالف أدنى مستوى له منذ عام خلال يونيو الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن المرجح أن ينخفض الإنتاج في سبتمبر (أيلول) الجاري إلى حد كبير، بسبب الخفض الطوعي الإضافي لإنتاج النفط السعودي وانقطاعات الإنتاج في الدول الأعضاء الأخرى.

وأخيراً رفع بنك "باركليز" توقعاته لسعر خام برنت القياسي لعام 2024 بمقدار ثمانية دولارات للبرميل إلى 97 دولاراً للبرميل.

وعزا البنك البريطاني هذه التوقعات إلى تباطؤ نمو الإمدادات من خارج دول "أوبك+"، خصوصاً الولايات المتحدة، وتراجع الصادرات من جانب بعض منتجي التحالف بسبب قيود هيكلية في الإنتاج، وكذلك توقع "باركليز" عجزاً في المعروض النفطي بواقع 670 ألف برميل يومياً خلال 2023، و250 ألف برميل يومياً في 2024.

استقرار مستدام

وفي الصدد ذاته قال المتخصص في الشؤون النفطية كامل الحرمي، "نرى الآن إلى حد ما استقراراً سعرياً مستداماً لأسعار النفط ومناسباً لأعضاء ’أوبك+‘ لا سيما وأن التحالف أصبح أقوى بتنسيقه الدوري بين الأعضاء".

وأضاف الحرمي أن "هناك تقارباً وتفاهماً وتنسيقاً مع التزام شامل من أعضاء المنظمة بحصص الإنتاج، إذ إن كبار المنتجين ضخوا بكميات كبيرة من الإنتاج اليومي في سبيل تحقيق معادلة ونطاق سعري ليحصل الأعضاء على توازن في موازنات دولهم، وقد نكون حصلنا على آلية جديدة وأفكار لتحديد سعر البرميل على أسس واضحة وتصور ورؤية جديدين".

وأشار إلى أن التحالف حقق سعر 87 دولاراً للبرميل، ووصلت السعودية مثلاً للسعر التعادلي المطلوب، لكن على أن يستمر لأعوام أخرى مقبلة من دون توقف مع التمديد، وكذلك حققت الإمارات وقطر الأرقام المطلوبة، لكن الخوف على معظم أعضاء التحالف والتي تزيد أسعار تعادل لديها على 90 دولاراً، وهذا هو التحدي العاجل والمؤلم لدول مثل الجزائر ونيجيريا والعراق وإيران حالياً".

وتوقع أن تواصل خفوض "أوبك+" تقديم مزيد من تشديد سوق النفط الضيق بالفعل، مما يدفع برنت نحو 100 دولار للبرميل في وقت أقرب مما كان متوقعاً في السابق.

وختم الحرمي قائلاً إن "السوق النفطية تطرح تساؤلات حول مدى قدرة الصين على تحقيق النمو الاقتصادي والاستمرار في دعم الطلب ومن ثم أسعار النفط".

أهم العوامل

من جهته يرى الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن طارق الرفاعي أن "أهم العوامل التي تؤثر في التحولات السعرية في أسواق الخام تتمثل في الطلب على النفط الذي يأتي من الصين والهند"، مشيراً إلى أن "هناك شكوكاً في عودة بكين لما كانت عليه قبل جائحة كورونا، في ظل وجود انكماش الأسعار بسبب ضعف القطاع العقاري، ولا سيما بعد انهيار شركة ’إيفر غراند‘".

وأكد الرفاعي أن المستثمرين في حال قلق متزايد حالياً وبانتظار دعم مباشر للاقتصاد، متوقعاً أن يدخل الاقتصاد الصيني مرحلة تباطؤ مستمر مما يؤدي إلى ركود اقتصادي، موضحاً أن خفوض "أوبك+" ستتواصل لاستعادة التوازن بين العرض والطلب، ومضيفاً أن هناك ضعفاً في إمدادات الخام بعد التمسك بسياسية الخفض من قبل تحالف "أوبك+" الذي يتزامن مع ضعف اقتصادي بمنطقة اليورو والولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى استمرار هبوط أسعار النفط عالمياً إلى نرى توازناً بين العرض والطلب.

أسعار عادلة

من جانبه قال محلل أسواق النفط العالمية أحمد حسن كرم إن الأسعار المرجوة لدول "أوبك+" أعلى بكثير من الأسعار الحالية، فغالبية هذه الدول الأعضاء تعتمد بصورة كبيرة على الإيرادات النفطية لسد موازناتها العامة أو مشاريعها التنموية، موضحاً "لذلك كانت قرارات التحالف الأخيرة بخفض الإنتاج إلى جانب بعض الخفوض الطوعية من بعض الأعضاء، محاولة منها لرفع أسعار الخام لتصل إلى المستويات المرجوة للجميع، وتضمن توازن السوق النفطي بالأسعار العادلة".

ويرى كرم أن هناك رياحاً عكسية تجعل من ارتفاع أسعار النفط أمراً أكثر تعقيداً، خصوصاً بعد انخفاض معدلات النمو الاقتصادية للدول الصناعية الكبرى ورفع معدلات الفائدة التي تشكل عوامل مضادة لرفع أسعار النفط، ولهذا نرى عدم استقرار خلال الفترة الماضية.

وأضاف، "أسعار النفط المرتفعة بالشكل الأقصى تلعب دوراً رئيساً في انخفاض معدلات النمو، وعليه فما تواجهه الصين من تباطؤ المعدلات الاقتصادية هو ما تحاول ’أوبك+‘ العمل عليه لإيجاد أسعار نفط عادلة من شأنها أن توازن الأسواق العالمية".

اقرأ المزيد

المزيد من البترول والغاز