أطلقت السعودية منذ وقت باكر من رؤيتها الطموحة العنان لإمكانات البلاد السياحية في مناطق أشهرها الدرعية والعلا وجزر في البحر الأحمر ومدينة الأحلام "نيوم"، إلا أنها لم تفتح نافذة السياحة الجبلية في المملكة الغنية بتضاريسها سوى هذا اليوم، عندما أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إطلاق مشروع "قمم السودة" جنوب غربي البلاد، ليكون عنواناً لهذا النوع من السياحة المطلوبة عالمياً، وذلك في أعلى نقطة ارتفاع على خريطة البلاد، حيث "السودة" وأبها التي تغنى السعوديون طويلاً بسحابها وجبالها، ومناخ طبيعتها الخلابة.
وجاء في تفاصيل الإعلان أن المخطط يستهدف تطوير السودة وأجزاء من رجال ألمع تحت مسمى "قمم السودة"، لتكون "وجهة جبلية سياحية فاخرة فوق أعلى قمة في المملكة العربية السعودية على ارتفاع يصل إلى 3015 متراً عن سطح البحر، في بيئة طبيعية وثقافية فريدة من نوعها"، في منطقة عسير جنوب غربي السعودية.
سياحة جبلية فاخرة
وتشير وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) إلى أن ولي العهد الذي أشرف على إطلاق المشروع، أكد أنه "سيعكس الوجه الجديد للسياحة الجبلية الفاخرة من خلال توفير تجربة معيشية غير مسبوقة، وسيسهم المشروع في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 وتنمية القطاع السياحي والترفيهي، ودعم النمو الاقتصادي من خلال المساهمة في زيادة إجمالي الناتج المحلي التراكمي بأكثر من 29 مليار ريال (7.8 مليون دولار)، وتوفير آلاف الوظائف بشكل مباشر وغير مباشر".
وأضاف أن المخطط العام "يؤكد سعينا إلى تفعيل الجهود العالمية في الحفاظ على البيئة والثروات الطبيعية والتراثية وحفظها للأجيال المقبلة، وبما يسهم في تنويع مصادر الدخل وبناء اقتصاد جاذب للاستثمارات الدولية والمحلية".
— واس الأخبار الملكية (@spagov) September 25, 2023
وذكر الأمير محمد بن سلمان وفقاً للوكالة أن مشروع "قمم السودة" سيحدث إضافة نوعية للقطاع السياحي وإبراز الجانب الثقافي للسعودية، وجعلها وجهة سياحية عالمية، "وسيكون لدى العالم فرصة لاستكشاف جمال قمم السودة والتعرف على تراثها الفريد وثقافتها الأصيلة ومجتمعها المضياف، وخوض تجارب لا تنسى في أحضان الطبيعة وعلى متن السحاب".
تنوع التضاريس
ومن المقرر أن يوفر المشروع خدمات الضيافة الفاخرة لمليوني زائر على مدار العام، كما سيعتمد المخطط العام في تصاميمه على الهوية العمرانية المحلية، ليضم ست مناطق رئيسة، هي "تهلل، سحاب، سبرة، جرين، رجال، الصخرة الحمراء"، التي تتنوع مرافقها بين الفنادق والمنتجعات الجبلية الفاخرة، والقصور والوحدات السكنية ذات الإطلالات الآسرة والمتاجر الفارهة، إضافة إلى نقاط الجذب الترفيهية والرياضية والثقافية، إلى جانب تطوير 2700 غرفة فندقية و1336 وحدة سكنية، و80 ألف متر مربع من المساحات التجارية، بحلول عام 2033.
وتستهدف السعودية منذ إطلاق رؤيتها الاقتصادية 2016 تنويع مصادر الدخل التي كانت في الماضي تعتمد على نحو شبه كامل على النفط، موظفة في سبيل ذلك موقع الدولة الجغرافي المتنوع، الذي أعلنت قيادة البلاد توظيفه سياحياً ولوجستياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلى ذلك يتكون المخطط العام لقمم السودة من ثلاث مراحل رئيسة، من المتوقع أن تكتمل أولى مراحله في عام 2027، إذ تتضمن المرحلة الأولى تطوير 940 غرفة فندقية و391 وحدة سكنية و32 ألف متر مربع من المساحات التجارية.
وتقع "قمم السودة" على مساحة كبيرة من الغابات والجبال التي تمتد لأكثر من 627 كيلو متراً مربعاً، مع مساحة بناء لا تتجاوز واحداً في المئة منها، مما يعكس التزام شركة السودة للتطوير بحسب قولها بحماية البيئة وتطبيق معايير الاستدامة، والمحافظة على الموارد الطبيعية وتنميتها في منطقة المشروع التي تضم السودة وأجزاء من رجال ألمع، بما يدعم جهود مبادرة السعودية الخضراء.
ملاذ هادئ لليوغا والهايكنغ
وتوضح النشرة التعريفية عن المشروع أن منطقة قمم السودة مؤهلة لأن تكون ملاذاً هادئاً لمحبي الطبيعة والاسترخاء والاستجمام على مدار العام، فهي محاطة بأماكن تتيح استكشاف الطبيعة الخلابة من حول الزائر والتفاعل معها بما في ذلك المتنزهات الوطنية، وشبكة من مسارات الهايكينج ومزارع البن ومناحل العسل المحلي، وسط خيارات متعددة وتنوع بيولوجي واسع، يوفر مجالاً للتناغم مع الطبيعة من خلال مجموعة من تجارب الرفاهية الفاخرة، بما في ذلك المنتجعات البيئية الخاصة ومراكز اليوغا ومراكز التأمل والوحدات السكنية الفاخرة.
يذكر أن "السودة للتطوير" هي إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة، تهدف إلى تطوير وجهة جبلية سياحية مميزة، والحفاظ على البيئة الطبيعية والموروث الثقافي الإنساني في منطقة المشروع.
غنى التراث والمناخ
وتشير المعلومات الواردة عن المنطقة التي تقررت إقامة المشروع عليها، إلى تميزها بالمناخ المعتدل في كل الفصول، إذ تتراوح درجات الحرارة فيها ما بين اثنين تحت الصفر شتاء إلى نحو 25 درجة في الصيف، بينما تعيش مدن أخرى مثل الرياض ومكة القريبة منها مناخاً تصل درجاته إلى قريب من الضعف في ذروة حرارتها.
وليس تنوع التضاريس والمناخ ما يميز المنطقة وحسب، ففيها كذلك وحولها قسط كبير من إرث السعودية الثقافي المتعدد، واشتهرت بقراها الثقافية وطابعها العمراني والتاريخي الخلاب، إلى جانب احتضانها أعداداً كبيرة من المبدعين والشعراء والرسامين، الذين أغنوا تجربتها الحضارية، سواء في مركز المنطقة أبها، أو قرى الثقافة وقصورها المحيطة، في رجال ألمع وبلحمر والمسقي والمفتاحة، وغيرها.
وتعتبر من أغنى مناطق السعودية بالفنون الأدائية الشعبية والألحان والقصائد الشعرية والفنون التشكيلية ومناحل العسل المحلي ومزارع البن والقهوة والأزياء التراثية التي توارثتها الأجيال، بينما تحتضن ما يزيد على 200 موقع تراثي موثق بما فيها القرى الصغيرة والمساجد والقصاب وأبراج المراقبة والحصون الجبلية، يسعى عديد منها إلى أن يكون ضمن مواقع التراث العالمي لدى منظمة "يونيسكو"، التي أقرت من "القط العسيري" كأحد فنون التراث غير المادي العالمية لديها.