Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سياسة بايدن تؤهله ليكون زعيما لحزب العمال في بريطانيا

لدى الحزبان ما يجمعهما ناهيك عن تقاسم اللغة والثقافة بين البلدين

الرئيس الأمريكي جو بايدن يتحدث بجوار رئيس اتحاد عمال السيارات المتحدين شون فاين   (رويترز)

ملخص

سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن تبدو أخيراً قريبة من عقيدة حزب "العمال" البريطاني اليساري الوسطي

إن مركز الجذب في السياسة الأميركية يمكن أن يكون محيراً بالنسبة للمراقب البريطاني، فهنا لدينا دولة نتقاسم معها الثقافة واللغة، وهم مثلنا يسيطر على حياتهم السياسية حزبان رئيسان يمثلان ظاهرياً اليسار واليمين، ولكن ما سبق هو نصف الحقيقة فقط. 

إن حزب المحافظين البريطاني لديه ما يجمعه مع الحزب الديمقراطي الأميركي أكثر بكثير مما لديه مع الحزب الجمهوري، خصوصاً في ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، وما يعتبر في نطاق يمين الوسط في لندن يعتبر يسار الوسط في العاصمة الأميركية واشنطن، وبصورة مماثلة يصنف الحزب "الديمقراطي" تقليدياً على يمين نظيره المفترض حزب "العمال".

كان ذلك هو النظام الطبيعي للأمور ولمدة طويلة، لكننا اليوم نمر في حياتنا في مرحلة من الشذوذ التاريخي، فالرئيس اليوم في البيت الأبيض، وهو زعيم وسطي وفقاً للمعايير الأميركية، ينتهج سياسات تعتبر إلى يسار نهج كير ستارمر الموعود برئاسة الحكومة البريطانية.

كل ذلك أصبح جلياً خلال الأسابيع القليلة الماضية حين قام السيد بايدن باتخاذ خطوات أكثر جرأة لإظهار دعمه للنقابات العمالية والحركة العمالية [الأميركية] في وقت يبدو فيه حزب "العمال" البريطاني الذي أسسته النقابات العمالية، يشد في الاتجاه المعاكس.

الثلاثاء الماضي أصبح بايدن أول رئيس أميركي على الإطلاق يقوم بزيارة وقفة احتجاجية عمالية عندما انضم إلى عمال في قطاع صناعة السيارات مضربين في ميشيغان، وكما لاحظت صحيفة "نيويورك تايمز" في تغطيتها للموضوع أنه "ليست هناك أية سابقة مماثلة لزيارة قام بها رئيس في منصبه إلى وقفة احتجاجية لعمال مضربين عن العمل".

وراجع خبراء في مؤسسة الرئاسة الأميركية التاريخ حتى عام 1902، وتحديداً إلى زمن الرئيس ثيودور روزفلت الذي قام بدعوة عمال مناجم الفحم المضربين عن العمل إلى البيت الأبيض، في سبيل المقارنة.  

في هذه الأثناء في المملكة المتحدة فإن زعيم حزب "العمال" كير ستارمر (وهو كان قد سمي على اسم مؤسس حزب العمال النقابي كير هاردي)، لا يتوقف عن إبعاد نفسه من النقابات التي كانت قد أسست الحزب الذي يقوم هو اليوم بقيادته، وخلال العام الماضي قام كير ستارمر بانتقاد أعضاء من حزبه لقيامهم بزيارة الوقفات الاحتجاجية التي نظمها الممرضون المضربون، وهو كان قد قال لمحطة "سكاي نيوز" الإخبارية إنه "من غير الممكن أن يجلس المرء على طاولة الحكومة ثم يقوم بعد ذلك بالانضمام إلى وقفة احتجاجية".

وخلال الإضراب نفسه الذي تزامن مع أزمة غلاء المعيشة، رفض ستارمر حتى منح الممرضين المضربين أي دعم ولو شفهياً حين كانوا يطالبون برفع أجورهم لتعكس غلاء الأسعار التي تسبب بها التضخم.

بالطبع إنهما زعيمان مختلفان يسعيان إلى بناء ائتلافهما الخاص من الناخبين، وهي عملية تتطلب قدراً من العمل الاستراتيجي والرسائل الموجهة، ولكنه ربما من المفيد التوقف هنا لإجراء مراجعة للعواقب التي قد يتسبب فيها مثل هذا التغيير، وماذا يمكن أن يعنيه للزعيمين.

إن القطيعة بين حزب "العمال" والنقابات العمالية لم تبدأ مع ستارمر، فلقد جرى ذلك على يد توني بلير، مهندس حزب "العمال الجدد" New Labour الذي شعر بأنه من الضروري التخلي عن السبب الأساس لتأسيس حزبه في محاولة لكسب تأييد ناخبين محافظين وقطاع الأعمال، وستارمر على ما يبدو وضع رهانه على طريق مماثل يشقه نحو السلطة.

كان يمكن للرئيس بايدن أن يسلك الطريق ذاته، وما كان يسعى إلى إقناع المقترعين الأميركيين به خلال حملته في انتخابات 2020 هو خبرته ووسطيته، لكن سياساته بدت وبصورة إيجابية على أنها سياسات تذكر بحزب "العمال" البريطاني القديم، فخلال تلك الحملة أعلن بايدن التزامه بأن يكون "أكثر الرؤساء الأميركيين المؤيدين لنقابات العمال"، ومع زيارته الوقفة الاحتجاجية الثلاثاء يبدو بايدن عازماً على الوفاء بوعده.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن ذلك لا يشكل النقطة التي ينتهي فيها الافتراق عن النهج السائد لدى العمال الجدد، وأحد الخطوط التي تفرق بين تياري اليمين واليسار والذي كان تقليدياً هو نفسه على ضفتي المحيط الأطلسي، يتعلق بقضية الإنفاق أو التقشف أو بين مبدأي الحكومة الكبيرة [واسعة الصلاحيات] من ناحية والقطاع الخاص من ناحية أخرى.

وفي هذا الإطار يتشارك حزب المحافظين البريطاني الرأي مع الجمهوريين بأن قطاع الأعمال يبلي بلاء أفضل، وكانت سياسة التقشف التي انتهجها المحافظون أساساً للسياسة الاقتصادية التي سادت على مدى العقد الماضي في المملكة المتحدة، وهو نهج أدى إلى تعميق عدم المساواة في المجتمع وتراجع مستويات معيشة كثير من البريطانيين، ولأعوام طويلة روج حزب العمال لإنهاء سياسة التقشف (بالفعل كان سلف ستارمر جيريمي كوربين مؤيداً في الوقت نفسه لنقابات العمال ومعارضاً للتقشف، ولكن تلك قصة أخرى)، إلا أن ستارمر كان أقل تمسكا بهذه المسألة ومعلناً "أنا أعارض سياسة التقشف ولكنني أعلم أنه علينا أن نكون حذرين في سياستنا المالية".

مرة أخرى كان بإمكان بايدن الوسطي أن يختار سلك الطريق ذاته، ولكن بدلاً من ذلك قام بالترويج في حملته الانتخابية للوعد بتوفير استثمار حكومي ضخم في مجال البنية التحتية والقطاع الصحي، ونجح في القيام بذلك إلى حد كبير.

إن حزمة التحفيز للتعامل مع جائحة كورونا والبالغة 1.9 تريليون دولار أميركي التي أقرها خلال الأشهر الأولى من وصوله إلى البيت الأبيض، وتضمنت دفعات نقدية مباشرة وائتمانات ضريبية بإمكانها خفض نسبة الفقر لشريحة الأطفال بنسبة النصف والعمل على توسيع المساعدات في العناية الصحية، وصفها السيناتور بيرني ساندرز بأنها "أهم خطوة تشريعية مخصصة لتستفيد منها طبقة العمال في التاريخ الحديث لهذا البلد".

كما أنجز بايدن أيضاً مشروع قرار يسمح بإنفاق تريليون دولار على البنية التحتية، وحوله قانوناً أدى إلى تحويل مليارات الدولارات إلى الولايات الأميركية وحكوماتها المحلية للعمل على تجديد الطرق المتقادمة والجسور والطرق العابرة للولايات وكثير غيرها.

وهناك بالطبع كثير من الجوانب حيث قام بايدن بتخييب آمال التقدميين في ملف الهجرة ومحاربة الجريمة مثلاً، كي لا نذكر إلا قضيتين، لكنه في ما يتعلق بالمبادئ الأساس التي كانت قد طبعت في يوم من الأيام حزب "العمال" البريطاني، فلا بد من أنه قد ينظر إليه بالنسبة إلى بعضهم من أعضاء ذلك الحزب بأنه أمثل رئيس حكومة لم يحصلوا عليه.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء