ملخص
بلغت قيمة معاملات التجارة الإلكترونية في إندونسيا وحدها نحو 52 مليار دولار العام الماضي وتشكل منصة "تيك توك" ما نسبته خمسة في المئة منها
أقدمت الحكومة الإندونيسية أخيراً على حظر أنشطة التجارة الإلكترونية على منصات التواصل الاجتماعي، لأسباب أهمها الحفاظ على البيئة التنافسية العادلة وحماية المتاجر الرقمية والمنصات الإلكترونية.
وتمثل التجارة الإلكترونية على المنصات الاجتماعية أحد الروافد المهمة والمستحدثة في الاقتصاد الرقمي، ومع دخول المنصة الصينية "تيك توك" مجال التبضع الرقمي من خلال منصتها "سوق تيك توك- TikTok Shop" في عدد من البلدان أبرزها إندونيسيا ووجهت بالحظر. فيما أعرب الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو عن قلقه من تزايد تأثير سوق "تيك توك" في الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلاد، وأعلن أن "تيك توك" يجب أن تظل منصة للتواصل الاجتماعي وليست وسيلة لممارسة الأعمال.
وتسعى دول الخليج العربي إلى وضع تشريعات وقوانين تنظم عملية التجارة الإلكترونية على منصات التواصل، وتحمي المستهلكين خصوصاً مع تنامي هذا النوع من التجارة في المنطقة خلال السنوات الأخيرة.
التجارة الإلكترونية والمنصات الاجتماعية
تشكل التجارة على منصات التواصل الاجتماعي أحد طرق التجارة الإلكترونية الحديثة التي بدأت تلقى انتشاراً خلال الفترة الأخيرة خصوصاً في منطقة الأرخبيل. ولكن استخدام وسائل التواصل ذاتها في الأعمال التجارية قد يهدد خصوصية المستخدمين وإمكان استخدام معلوماتهم الشخصية وفهم رغباتهم، علاوة على ذلك قد يتعرض المستخدمون لأخطار عدة منها الاحتيال والبرمجيات الخبيثة وتسريب البيانات.
في إندونيسيا وحدها بلغت قيمة معاملات التجارة الإلكترونية نحو 52 مليار دولار العام الماضي، وتشكل منصة "تيك توك" ما نسبته 5 في المئة. وافتتح التطبيق الصيني التابع لشركة "بايت دانس" فرعاً للتسوق من خلال منصته التي يتابعها أكثر من 112 مليون مستخدم في إندونيسيا التي أصبحت من بين الأسواق القليلة التي أطلق فيها التطبيق الصيني هذا القسم. فيما عبرت الشركة الصينية عن أسفها لقرار الحظر الإندونيسي معلنة امتثالها للتشريع الجديد واتخاذ مسار بناء تجاهه.
الحظر الإندونيسي
أعلنت وزارة التجارة الإندونيسية الأسبوع الماضي حظر معاملات المدفوعات الرقمية والتجارة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لحماية التجار غير الموجودين على وسائل التواصل، وأرجعت القرار إلى أن عملية التسعير على منصات وسائل التواصل الاجتماعي تهدد ملايين من الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وبحسب تصريحات لوزير التجارة الإندونيسي ذو الكفل حسن يعمل التشريع الجديد على إرساء العدالة والإنصاف في التنافسية بين الأعمال إلى جانب السعي إلى ضمان حماية بيانات المستخدمين على هذه المنصات واستخدامها للمصالح التجارية، كما يسعى الحظر إلى منع هيمنة الخوارزميات، وتحول وسائل التواصل الاجتماعي لمنصات تجمع بين التجارة الإلكترونية والتسوق والعمل البنكي في الوقت نفسه.
التشريع الإندونيسي الجديد تطرق إلى ثلاث نقاط رئيسة، وهي ضرورة التزام جهات الأعمال بالمتطلبات القانونية المتعلقة بالتراخيص ومعايير الجودة واللوائح الضريبية، وتقييد مشغلي الأعمال على منصات التواصل الاجتماعي بصفتهم منتجين فقط وليسوا بائعين، وحظر إجراء أي معاملات دفع من خلالهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما تشير مصادر اطلعت على مسودة التشريع إلى ضرورة بيع منتجات يزيد سعرها على 100 دولار في منصات التجارة الإلكترونية الدولية لإندونيسيا كحد أدنى لبعض العناصر التي تشترى من الخارج، إضافة إلى استيفاء معايرها المحلية الأخرى.
ويشير باحثون إندونيسيون إلى أن التشريع الجديد يعمل على تحقيق التوازن، يقول الباحث في مركز دراسات السياسة الإندونيسي محمد نضال إن قرار قصر منصات التواصل الاجتماعي على المحتوى الترويجي فقط بمثابة حل وسط بين مؤيدي ومعارضي التجارة الاجتماعية، فإذا حظرت التجارة على مواقع التواصل الاجتماعية تماماً، كما كان مخططاً له في الأصل، فإن ذلك سيتعارض مع جهود الحكومة لدعم المشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.
حماية الشركات المحلية
تمثل الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة دوراً رئيساً في النمو الاقتصادي بإندونيسيا، وبحسب بيانات لوزارة الشركات الصغيرة والمتوسطة تمثل هذه الشركات ما يقرب من 97 في المئة من العمالة، وحوالى 56 في المئة من إجمالي استثمارات الأعمال ويبلغ عدد هذه الشركات 62 مليون شركة بحسب إحصاءات حديثة.
وتولي الحكومة الإندونيسية أهمية كبرى لهذه الشركات، ويبدو ذلك في عدد من الخطوات التي تتخذها الحكومة على رأسها وجود وزارة خاصة بشؤون الشركات تلك الشركات، كما أن الحكومة تقدم برامج عدة لتطوير المهارات والتدريب، وتعمل على إنشاء بنية تحتية للتقنية تسمح باتصال أفضل وزيادة التنافسية وتسريع نمو الاقتصاد الرقمي في إندونيسيا.
ويأتي الحظر الجديد حماية لهذه الشركات التي تشكل ركيزة رئيسة في الاقتصاد الإندونيسي، وتخشى الحكومة من تأثره وتضرره نتيجة لمنصات التواصل الاجتماعي.
وكان وزير التعاون والشركات الصغيرة والمتوسطة ألمح أخيراً إلى أن عديداً من البائعين تعرضوا لخسارة وصلت إلى 50 في المئة من مكاسبهم بسبب عدم قدرتهم على المنافسة مع المنتجات التي تباع على الإنترنت، كما هاجم منصة "تيك توك شوب" لانخراطها في عملية تسعير ضار. فيما أعرب الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، عن قلقه من تزايد تأثير سوق "تيك توك" في الشركات الصغيرة والمتوسطة بالبلاد.
التجارة الرقمية في الخليج
بلغ حجم التجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نهاية العام الماضي نحو 49 مليار دولار، إذ تعد من بين المناطق الأسرع نمواً في العالم. كما أشارت توقعات إلى أن حجم هذا النوع من التجارة سيصل في المنطقة العربية مجتمعة خلال العام الحالي إلى 100 مليار دولار.
وتستخدم بعض المنصات الاجتماعية في التجارة الإلكترونية بالمنطقة العربية، ويعد موقع "سناب شات" في مقدمة المنصات الاجتماعية التي تشهد إقبالاً على الترويج للمنتجات في السعودية، بينما حل تطبيق "واتساب" في المقدمة بالإمارات، فيما خلصت دراسة حديثة إلى أن شباباً في الأردن ومصر هم الأكثر تسوقاً على قنوات مواقع التواصل الاجتماعي.
وتوقعت شركة أميركية أن تتسارع وتيرة التجارة الإلكترونية في دول الخليج خلال السنوات المقبلة، وذكرت أن مبيعات التجارة الإلكترونية ستصل إلى 52 مليار دولار سنوياً بحلول 2025. ومن المتوقع أن يصل عدد المستخدمين لسوق التجارة الإلكترونية في الخليج العربي إلى 44 مليون مستخدم بحلول 2027 بزيادة تقدر بما يزيد على ثلاثة في المئة عن العام الحالي. وفي السعودية تنامت التجارة الإلكترونية خلال العام الماضي بنسبة 65 في المئة لتصل إلى 32 مليار دولار عام 2022.
وكانت جمعية حماية المستهلك السعودية أعلنت العام الماضي أن موقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام" ليس منصة تجارية، وأن الحسابات الموجودة عليها لا تنطبق عليها متطلبات التجارة الإلكترونية التي فرضتها وزارة التجارة.
وحذرت من التعامل مع هذه الحسابات في شراء المنتجات، وأنها رصدت شكاوى عدة وبلاغات متعلقة بالاحتيال والمماطلة عند التعامل التجاري مع حسابات "إنستغرام"، فيما يصدر جهاز حماية المستهلك في مصر بين حين وآخر تحذيرات في شأن بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعمل بشكل غير قانوني، مناشداً المستهلكين بعدم الإفصاح عن أية معلومات شخصية لهذه الصفحات والحسابات المشبوهة من دون التأكد من وجود كيان قانوني لها.
وتشترط الرياض لمزاولة نشاط التجارة الإلكترونية حصول المتجر الرقمي على سجل تجاري من وزارة التجارة أو وثيقة العمل الحر من وزارة الموارد البشرية، كما يضع مجلس التجارة الإلكترونية بالمملكة 13 معيار امتثال للمتاجر الإلكترونية يجب توافرها لضمان وحفظ حقوق المستهلكين.
كما تمنح الإمارات تراخيص مخصصة للأعمال التي تمارس عبر الفضاء الرقمي، إذ يجب على ممارسي الأعمال التجارية على المواقع الإلكترونية أو وسائل التواصل الاجتماعي تقديم طلب ترخيص إلى دائرة التنمية الاقتصادية في الإمارة المعنية.
ويتوقع أن تتعرض منصة "تيك توك" ومتجرها "تيك توك شوب" في بعض الدول العربية، إلى حظر موقت بهدف تنظيم التجارة المحلية وإيجاد تراخيص مخصصة في هذا المجال. خصوصاً مع نمو متابعي المنصة الصينة في العالم العربي، إذ تقدر بعض الإحصاءات بأن بتجاوز عدد مستخدمي النشطين المنصة في المنطقة العربية 50 مليوناً، مما يعني نمو القاعدة الجماهيرية للمنصة.
ويخشى خروج عديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة النافذة بالمنصة مستقبلاً في حال بسط نفوذ المتجر الرقمي لـ"تيك توك" في الشرق الأوسط، إذ أظهرت استبيانات حديثة أن قضاء المستخدمين وقتاً على "تيك توك شوب" في منطقة جنوب شرقي آسيا أدى فعلياً إلى تراجع الوقت الذي يقضونه على مواقع التجارة الإلكترونية الأخرى بنسبة كبيرة.