ملخص
الكاتب شكري أنيس فاخوري يعطي الأولوية للنص ولا يعترف بمقولة إن الكاتب هو الحلقة الأضعف
يقر بعض الكتاب بأنهم الحلقة الأضعف في اللعبة الدرامية ويعيدون السبب إلى الاتفاقات المجحفة في حقهم التي تجبرهم على التنازل عن حقوقهم في ملكية نصوصهم، وتالياً إجراء كثير من التعديلات عليها من دون أن يحق لهم الاعتراض، فضلاً عن الشلل الذي يخيم على الوسط والذي يجعل بعض شركات الإنتاج تحصر تعاملها بمنتجين محددين، عدا عن الاستغناء عن خدمات الكتاب بعد اجتياح الأعمال المعربة لسوق الدراما العربية، وفي المقابل يرفض كتاب آخرون هذه المقولة متسلحين بالقانون الذي يمنحهم الحق بالملكية الفكرية حتى إن بعضهم يفضل اعتزال الكتابة على التدخل في نصه أو المسّ به.
فكيف يتعامل الكتاب مع مقولة إنهم الحلقة الأضعف في صناعة الدراما التلفزيونية؟
كمن في فمه ماء
الكاتب السوري إدريس محمود يشدد على أهمية الكاتب ويرى أنه الشرارة الأولى في أي عمل درامي، ولكنه يعدد مجموعة من العوامل التي تقيّده موضحاً "العقود التي يوقعها الكاتب تمنعه من المطالبة بأي شيء، وهو بمثابة عقد تخلٍّ أو تنازل بالكامل عن المادة الأدبية لتصبح ملك المنتج، إلى ذلك، لم تعد الحكاية هي العنصر الأهم بل توجد عناصر أهم منها مثل العنصر البصري والنجوم الذين يقدمون المادة الفنية وهذا خطأ بالمطلق لا تتحمله الجهة المنتجة وحدها بل الكتاب أيضاً"، ويتابع "في أوروبا وأميركا الكتاب أصحاب سطوة ويسبب إضرابهم بخلل في العملية الإنتاجية بينما الوضع عندنا ليس كذلك لعدم وجود جهات رسمية للكتابة، مما يحول دون توحد الكتاب حول أفكار معينة ويجعلهم الحلقة الأضعف مع أنه يفترض أن يكونوا أصحاب الحقوق الراسخة والمستمرة، لكن علاقتهم بنصوصهم تنتهي بمجرد أن يتنازلوا عنها أو أن يبيعوها لشركة إنتاج، وعزاؤهم الوحيد التعامل مع مخرج أمين على النص أو مع شركه تحترم تعاقداتها وهي تعاقدات ظنية بينما يقول الورق إن لا علاقة لهم بنصهم".
ويعيد محمود الأسباب إلى مجموعة تراكمات يفصلها قائلاً "هي بدأت مع دخول مجموعة من الكتاب والمنتجين الدخلاء إلى المهنة جاهزين لتقديم تنازلات لأنهم دخلوا المجال من أجل الشهرة وأن تذكر أسماؤهم في شارات المسلسلات مهما كان مستواها، وتضاف إلى ذلك الصياغة القانونية للعقود التي تحتاج إلى مراجعة دقيقة، كما يفترض أن يشرحوا للمؤلف مقتضيات الكلام الذي يوقّع عليه"، ويشدد على أهمية الراحة المادية بالنسبة إلى صاحب المصنف الأدبي لكي لا يكون هذا العمل هو مصدر دخله الوحيد ويجبر على تقديم تنازلات من أجل لقمة العيش، "فهو يتعرض للغش في أول عقد يوقع عليه ومع الوقت يعرف أنه عقد إذعان ويجبر على القبول به، وكل العقود تصاغ بطريقة واحدة، مع تفاوت بسيط بين عقد وآخر وبين دولة وأخرى أسوأها في لبنان وسوريا".
ويؤكد محمود أن لديه مادة فنية لكنه بانتظار مخرج يثق به ويخبره بالتعديلات التي يقوم بها بعد أن يتم النقاش فيها ويقنع أحدهما الآخر، "وبسبب ما يحصل أشتغل على مشروع خاص يتناول الدراما التفاعلية بطريقة جديدة تمكّن المشاهد من صناعة مسلسله بنفسه، مثلاً، المخرج مروان قنوع أجرى تعديلات كثيرة على مسلسل ’داون تاون‘ ومع أن التعديلات طبيعية في كل الأعمال ويوجد هامش تعديل للمخرج لأن النص على الورق يختلف عما هو عليه على الأرض، لكن تحصل في بعض الأحيان تغييرات جذرية ومقصودة تبدّل توجه العمل مع أنها يفترض أن تصب في مصلحة الحكاية فقط، لكن التعديلات التي تحصل اليوم كمن وضع ماء في فمي وجعلني أقول ما لم أقله لإرضاء خواطر النجوم وزيادة عدد مشاهدهم أو لتقليص عدد مشاهد ممثل آخر، أو لمصالح إنتاجية إذ تعقد اتفاقات بين مدير الإنتاج والمخرج، ولدى مديري الإنتاج كثير من الأسرار عن كيفية إتمام الصفقات".
منتج تافه ومخرج ضعيف
في المقابل، لا يوافق الكاتب أحمد الحبيل على مقولة إن الكاتب هو الحلقة الأضعف في الدراما، بل يعتبر أنه يحتل المرتبة الثالثة بعد المنتج والمخرج لكنه يستدرك "في الفترة الأخيرة، أصبحت تدخلات المنتجين والمخرجين في النصوص كثيرة جداً وتكون أحياناً إيجابية عندما يدخل الكاتب بعض الأمور، أو بسبب رؤية المخرج، والكاتب لا يدخل في صدام معه عندما تكون رؤيته صحيحة، وفي المقابل، هناك تدخل سلبي يقوم به منتج تافه في العمل لا يفقه شيئاً في السياق الدرامي وبناء الشخصيات، ثم يأتي مخرج ضعيف ينصاع الممثلون والمنتج والكاتب لطلباته من دون اعتراض".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن الشلل الذي يخيّم على الوسط الفني والذي يؤدي إلى حصر التعامل مع كتاب دون سواهم واستبعاد الآخرين، عدا عن تكرار النصوص في الدراما الخليجية، يستشهد الحبيل بكلام الممثل عبدالحسين عبدالرضا "عندما كان يوجه هذا السؤال إليه كان يقول إن الأفكار عندنا قليلة لأن مشكلاتنا قليلة، وكلامه يعني أن البلد الذي فيه أزمات وأحداث كثيرة يقدم مواضيع في الدراما أكثر من البلد الذي تكون مشكلاته بسيطة، لذلك نحن نضطر في الدراما الخليجية إلى طرح قضايا من خارج البلد".
عقدة بسيطة
الكاتب شكري أنيس فاخوري يعطي الأولوية للنص ولا يعترف بمقولة إن الكاتب هو الحلقة الأضعف في العمل الدرامي، "فالنص هو الأساس والإخراج والإنتاج يكملانه، والكاتب الضعيف هو الذي يقبل بالتوقيع على عقد يسمح للشركة المنتجة بالاستيلاء على نصه لأنه يكون ’مستقتلاً‘ لبيعه. وهناك حدود للتدخل في النص ومن يريد أن يغير بالطريقة التي ترضيه فليكتبه بنفسه، وعادة يقرأ المخرج النص ويناقشه مع الكاتب لأن لديه رؤية وبعد الاتفاق على كل التعديلات يبدأ بالتصوير، ومن غير المسموح أن يغيّر شيئاً إلا في حال صادف عقدة بسيطة خلال التصوير".
عدم تراجع واعتزال
الكاتبة منى طايع تشير إلى أن التدخل في النصوص هو الذي يمنعها من قبول العمل مع المنتجين "أرفض المساس بنصي من دون العودة لي وهذه مشكلة بالنسبة إليهم، لكنني لن أتراجع عن موقفي حتى لو اعتزلت الكتابة، وحتى المخرج لا يحق له التدخل لأن وظيفته هي إيصال النص للناس بشكل أفضل بما أنه اقتنع به ولا يحق له التصرف به كما يحلو له، وفي حال شعر بأن النص يحتاج إلى تغيير فمن الأجدى ألا يقبل به من الأساس لأن فيه ثغرات أو يمكن أن يطلب من الكاتب إجراء بعض التعديلات عليه، وفي حال تنازل عنه الكاتب فالقرار يعود له، ولكن نصوصي كاملة ولا أسمح لأحد بالمساس بها، وأجتمع قبل التصوير بالمخرج والممثلين حتى إنهم يمكن أن يقترحوا عليّ أفكاراً تعجبني أضيفها إلى النص".
حقوق الملكية الفكرية
الكاتب المصري أيمن سلامة يرفض الرأي الذي يعتبر أن الكاتب هو الحلقة الأضعف في العمل الدرامي ويعبر عن وجهة نظره قائلاً "حتى لو كان مخرجه من أهم المخرجين ونجمه من أهم الممثلين وتوافرت له كل العناصر الإنتاجية، لكن نصه ضعيف يكون مصيره الفشل لأن الحدوتة والقصة المطروحة والكلام الذي يقال أساس العمل الناجح".
ويرى أن المؤلف الضعيف هو الذي يقبل بشرط التنازل عن نصه أو بزيادة عدد مشاهد على حساب ممثل آخر "المؤلف الكبير لا يمكن أن يوافق على شروط مماثلة، والنص القوي لا يتدخل به أحد، حتى الضرورات الإخراجية لا وجود لها لأن الكاتب يعرفها جيداً عند كتابة نصه، لذا فإن التدخل مرفوض تماماً بالنسبة لي لكن لا شيء يمنع من الاستماع إلى كل الآراء وبعد الاتفاق وإنجاز الكتابة من الصعب جداً أن تحصل تدخلات أو تغييرات لأن العمل سيهدّ مباشرة".
ويردف سلامة أن قانون الملكية الفكرية يحمي حقوق المؤلف ولا يوجد شيء اسمه تنازل بل تفويض لشركات الإنتاج أو المخرج أو المنتج بتقديمه إلى الجمهور، ولكنه يبقى ملكه ويتقاضى مقابله أجراً مادياً معيناً، ويشير إلى أن الورش تفسد الدراما وليس الكتاب المحترمين "فمن يشارك في الورش أطفال صغار همهم الوحيد هو المال من دون التفكير بالبعد الفكري أو الإبداعي. شكسبير وموليير لم تكن لديهما ورشة لأن التأليف هو عملية إبداعية ذاتية تخرج من ذات المبدع"، وينتقد سلامة موجة المسلسلات المعربة قائلاً "هي تقلص فرص العمل أمام الكتاب، كما يفترض بالعمل أن يكون محلياً ينبع من قضايا المجتمع، ولا يصح أن أقدم قضايا المجتمع الأميركي أو التركي أو الإسباني للمجتمع المصري أو اللبناني لأن لكل مجتمع قيماً وأخلاقاً ومبادئ خاصة والفن ينبع من بيئته، صحيح أن هناك قضايا تجمع بين الشعوب لكنها قليلة جداً ويجب الاعتماد بالدرجة الأولى على فكر المؤلف".
نقطة قوة
الكاتب هوزان عكو يؤكد أن لا عمل درامياً من دون كاتب، لذلك لا يمكن أن يكون الحلقة الأضعف، ويوضح "الحلقة الأضعف يحددها ضعف النص وليس ضعف العملية، وكل شركات الإنتاج تقدر قيمة الكاتب الذي يقدم نصاً قوياً ويعطي المشروع نقطة قوة، والنص القوي هو الذي يحكم كل شيء ولذلك لا يمكن أن يكون الكاتب هو الحلقة الأضعف".