ملخص
بين كيم جونغ أون وهتلر وستالين وتيتو قواسم عديدة مشتركة في ما يتعلق بالتحرك بالقطار بدلاً من الطائرة... فما قصة تلك القطارات؟
قلعة متحركة وحصن منيع يسير على قضبان وهيكل عملاق مدرع مضاد للرصاص وربما قصر أخضر فاره يحيطه الغموض، جميعها بعض من أوصاف لطالما ارتبطت بقطار زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون المكون من 21 عربة، الذي ظل حديث المهتمين في شأن الدولة النووية منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، حين استقله كيم في أثناء رحلته الخارجية الأولى منذ أربع سنوات، التي اختار أن تكون إلى روسيا للقاء الرئيس فلاديمير بوتين.
ولقطارات الملوك والرؤساء دلالات ورسائل، ما بين التعبير عن الفخامة والتميز وأيضاً الإخلاص لإرث الأجداد، حتى الخوف من الطائرات والهلع من مخططات الاغتيال ومن المطبات الهوائية في الجو، والبحث عن الطرق الأكثر أمناً للتحرك.
وربما يستقل زعيم كوريا الشمالية، السياسي الأكثر غموضاً وغرابة على وجه الأرض قطاره لأكثر من سبب، ولكن ظهوره المتكرر فيه لا يزال يفجر تساؤلات وحيرة في عصر عنوانه العريض هو التقدم الهائل في كل مجالات الحياة، فلماذا يختار رجل الأسلحة النووية والصواريخ قطاراً بطيئاً بينما يمكنه اختصار ساعات وربما أيام إذا ما اختار وسيلة نقل أكثر إنجازاً!
ميراث الخوف
في وقت يتسابق فيه الزعماء السياسيون على اقتناء الطائرات الأكثر فخامة وكلفة من أجل رحلاتهم للخارج، فإن رئيس كوريا الشمالية يفاجئ العالم بأنه لا يزال يتمسك بالتحرك بالقطار كوسيلة شديدة الكلاسيكية على خطى جده، وكذلك أبيه الذي استقل 12 رحلة بالقطار طوال 17 عاماً حكم فيها البلاد، ويقال إنه فارق الحياة إثر أزمة قلبية على متن القطار قبل 12 عاماً، إذ توالت التفسيرات التي تحاول أن تشرح سبب تمسك كيم بتلك الوسيلة، ولكنها لا تزال تصب في خانة التكهنات نظراً إلى ضبابية المعلومات الواردة في شأن الدولة المعزولة تماماً والمعاقبة دولياً بسبب نشاطها النووي.
ويتردد أن الزعيم كيم المتباهي دوماً بقدرات بلاده في ما يتعلق بالأسلحة، يخشى السفر بالطائرات على رغم أنه استقل أكثر من طائرة رئاسية في ما قبل، والترجيح الأقرب إلى الواقع أنه ربما يبحث عن التميز بلجوئه لتلك الطرق فمن غير الطبيعي أن يستعمل زعيم دولي القطار للتنقل في القرن الـ21، وهناك من يرى أيضاً أنه وسيلة يسهل تأمينها، إذ يسير خلفه قطار وآخر أمامه، ومن أهم مميزات القطار بحسب التقارير المتداولة أنه فاخر بشكل يتناقض كلياً مع الفقر المدقع الذي يعيش فيه الشعب الكوري الشمالي.
ويتضمن قطار كيم أصنافاً شتى من الأطعمة الفرنسية واليابانية والصينية والروسية والكورية بالطبع، كما أنه مضاد للرصاص ومصمم بشكل يحاكي قطاري الأب والجد الراحلين، إذ يضم قاعات اجتماعات على درجة عالية من الفخامة ويتردد أيضاً أن هناك نساء فاتنات يسهمن في قيادة قاطرته، ولكن على ما يبدو أن البطء الشديد هو من ضمن خطة التأمين أيضاً.
القطارات كوسيلة نقل تبدو جذابة بالنسبة إلى الزعماء ولكن في عصور سابقة، ولهذا لا يزال الاستغراب يصاحب أي حديث عن قطار كيم الأخضر، الذي يدخل إلى عربته سيراً على سجادة حمراء، وبجانبه حاشيته الأمنية، وهو أمر يستدعي على الفور ما كان يفعله جوزيف ستالين "الـ18 من ديسمبر (كانون الأول) 1878 - 5 مارس (آذار) 1953" زعيم الاتحاد السوفياتي الذي حكم البلاد منذ منتصف عشرينيات القرن الماضي وحتى رحيله في 1953، فطوال تلك المدة لم يغادر حدود الاتحاد السوفياتي إلا نادراً خوفاً من أية مؤامرة لاغتياله.
كان القطار حاضراً بقوة في الزيارات الخارجية القليلة جداً التي أجراها ستالين بخاصة أنه كان يفضل استقبال الوفود الدولية من دون أن يذهب بنفسه، ولكنه بعد شهرين من نهاية الحرب العالمية الثانية اضطر للسفر إلى ألمانيا لمقابلة وفود بريطانية وأميركية، وحينها اختار أن تكون الرحلة بكاملها باستخدام قطار مدرع ومصفح، وقطع مسافة تزيد على 800 كيلومتر، وكان يرافقه قطار آخر أيضاً مهمته التأمين والمراقبة، فيما نشر الاتحاد السوفياتي حينها ما يقرب من 20 ألف جندي للوجود بموازاة خط السير، من أجل مزيد من الحماية.
البطء ضمن خطط التأمين
أيضاً يمكن استدعاء ذكرى مشابهة للزعيم النازي أدولف هتلر الذي عرف عنه حبه للتنقل في ألمانيا النازية مستعملاً قطار الفوهرر في أربعينيات القرن الماضي، إذ كان الوسيلة الأكثر أمناً بالنسبة إليه لا سيما إبان اشتداد المعارك في فترة الحرب العالمية الثانية، وكان يسافر به بين مدن ألمانيا ويتجول حول جبهات القتال بصحبة حاشيته ورجال حكومته.
واللافت أن زعيم كوريا الشمالية على ما يبدو استلهم من هتلر تلك الطريقة، إذ عرف عن الزعيم النازي لجوئه إلى وسيلة التأمين نفسها، أي قطار بالخلف وآخر بالأمام، فيما قطاره الشخصي في المنتصف كي يتسنى له الاستعداد لصد أي هجوم، فيما عدد عربات القطار نفسه تصل إلى 17 تتوزع بين عربات الأمتعة والطعام والموظفين، إضافة إلى وجود مدرعات مضادة للطائرات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الفكر نفسه أيضاً كان مسيطراً على أداء أول رئيس ليوغسلافيا جوزيف بروز تيتو، الذي حكم البلاد منذ أوائل خمسينيات القرن الماضي وحتى وفاته، فالزعيم الاشتراكي كان مولعاً بالتحرك بالقطار الأزرق، حيث قابل فيه كثيراً من كبار السياسيين بالعالم وبينهم الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر، والهندي جواهر نهرو، وشهدت قاعة اجتماعاته لقاءات شتى مع سياسيين من الاتحاد السوفياتي، في حين نقل جثمان تيتو بعد أن فارق الحياة عبر القطار نفسه أيضاً، وعلى رغم الفكر الاشتراكي الذي تنباه تيتو ولكن القطار الذي أصبح مزاراً سياحياً، يتميز بالرفاهية والمقتنيات الثمينة، وبالأثاث رفيع المستوى والأواني الأنيقة.
كما هو واضح فالهلع كان يحرك الزعماء الأكثر إثارة للجدل وللعداوات كذلك، فما كان يقودهم عادة هو الخوف من التعرض لعمليات اغتيال، فهناك على سبيل المثال فارق زمني يصل إلى 80 عاماً تقريباً بين عصر الرئيس الكوري الشمالي وبين فترة زعيمي ألمانيا النازية والاتحاد السوفياتي، وعلى رغم ذلك لا يزال هناك شعور مسيطر بأنهم مستهدفون بشكل خاص من جبهات عدة.
وفي حين تبدو المعلومات الواردة في شأن قطار كيم وكأنها اجتهاد، إلا أنه بعد عقود بات من اليسير معرفة التفاصيل كافة حول قطار هتلر الذي صنع بواسطة السكك الحديدية الألمانية في نهاية الثلاثينيات، ووصل وزنه إلى 1200 طن، وعلى رغم ذلك كان يتحرك بسرعة 120 كيلومتراً في الساعة وأكثر توفيراً للوقت من قطار الزعيم الكوري الشمالي، وكان معروفاً أن هتلر يرغب في بعض الأوقات وحينما تواتيه الظروف في الظهور على شرفاته لتحية الجماهير المصطفة، ومن المعروف أن القطار الذي تتوفر بعض اللقطات عنه دمر بأوامر منه خوفاً من الوقوع في قبضة الأعداء بعد الهزيمة المدوية في الحرب العالمية الثانية.
نزهة في العاصمة الصيفية
وفي متحف المتنزه التاريخي بمدينة الإسكندرية شمال مصر يقبع قطار الملك فاروق الأثري الذي صنع على أيدي مهندسين وعمال مهرة من شركة فيات الإيطالية العريقة، وكان يفضل الملك الذي حكم مصر منذ عام 1936 وحتى مغادرته على يخت المحروسة إبان ثورة يوليو (تموز) 1952 التي أنهت عصر الملكية في البلاد، التنقل بالقطار الفخم خلافاً لما عهده والده الملك فؤاد الأول حيث كانت العربة الملكية هي الوسيلة الأكثر راحة بالنسبة إليه.
ونجا القطار المميز بلونيه الفضي والأخضر من التخريد، إذ ظل قابعاً في المخازن لأكثر من 70 عاماً، ليعاد ترميمه مع الحفاظ على طابعه الأثري، بخاصة أنه يتكون من عربتين فاخرتين، واحدة كانت للملك وحاشيته والأخرى لأعضاء الحكومة، وكان ينتقل فيه الوزراء أيضاً إلى الإسكندرية كل عام باعتبارها العاصمة الصيفية للحكم المفضلة للملك، واعتادت الجماهير أن تقف لتحيته ووزرائه في رحلتهم السنوية إلى عروس البحر المتوسط.
تميز القطار الملكي المصري بالفخامة وبأحدث التجهيزات المتاحة وقتها سواء في ما يتعلق بمطبخه المزود بآلات كهربائية متطورة في عصرها، وكذلك تعدد أجهزة التليفون، إضافة إلى الأثاث المميز، وآلات تشغيل الأسطوانات الموسيقية المفضلة للملك فاروق، ونظراً إلى اهتمامه الكبير بالقطار أنشأ الملك محطة قطار ملكية في قصر القبة لاستقبال زواره القادمين من المحطات المختلفة.
تفقد حال الرعية
منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي عرف الشعب المغربي رحلات ملكية بالقطار كان يجريها الملك الحسن الثاني، إذ كان يختار أن يطمئن على أحوال البلاد والعباد متجولاً في أنحاء البلاد بقطار أميركي الصنع، ويتردد أنه كان هدية من شاه إيران محمد رضا بهلوي إذ كانت تربطهما علاقة طيبة.
ومن أبرز الطقوس التي كانت تصاحب تنقلات الملك الحسن الثاني بتلك الوسيلة هي أنه يحب الجلوس في المقصورة الرئيسة التي تتزين بألوان علم البلاد، ومن حين لآخر كان يلوح للجماهير التي تنتظر طلته، في حين كان تحركاته مثار قلق للدوائر الأمنية التي كانت تجتهد في تأمين الموكب وذلك من طريق نشر الجنود على طول المسار.
وعلى رغم أن القطار الرمادي لا يزال بحالته إلا أن ابنه الملك محمد السادس الذي تقلد العرش من ربع قرن تقريباً من النادر ما يلجأ إلى تلك الوسيلة في التنقلات، إذ لا يزال القطار بحالة جيدة وتتم صيانته بصفة دورية بإشراف الهيئة الوطنية للسكك الحديدية، إلا أنه يقف منذ سنوات في محطته بمدينة الرباط بلا حراك.
أما قطار العائلة الملكية الإنجليزية فهو من أقدم القطارات الفارهة على وجه الأرض، إذ يعود لعام 1842، بحسب صحيفة "دايلي ميل"، فيما كشف عنه رسمياً بعد هذا التاريخ بنحو قرن كامل من الزمان، وأشرفت على تفاصيله الملكة فيكتوريا التي لم تكن تفضل السفر عبر أية وسائل أخرى، بخاصة أنها كانت ترى أن من الأجدر بالملك أن يذهب بنفسه ليرى عن قرب أحوال الشعب، بالتالي كان القطار بمثابة قصر فاخر متحرك على قضبان، ويزين من الداخل بالأقمشة الثمينة وبجدران مطلية بماء الذهب وبالطبع أدخلت تحديثات متعددة على مدار العصور على بنيته، في حين استبدل البنيان الخشبي بآخر فولاذي لمزيد من التأمين، وذلك خلال فترة الحرب العالمية الثانية حينما كانت تستخدمه العائلة الملكية للتنقل والسفر بأمان خلال هذه السنوات المضطربة.
وفي الثمانينيات أضيفت عناصر جديدة للقطار وأصبحت عرباته مصفحة ومدرعة وجهزت لتصبح مضادة للصواريخ، لكنه حتى الآن يحافظ على وتيرته البطيئة ولا تتجاوز سرعته 60 كيلومتراً في الساعة في حين أن القطارات المعتادة تصل إلى سرعات فائقة تساوي أربعة أضعاف هذا الرقم وربما أكثر.