سيتجاوز نتنياهو المصاب حربا لم يتوقعها وسيهزمه السلام

ورد في أول جملة من افتتاحية صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الصحيفة الليبرالية التي تباع نسختها الإنجليزية في إسرائيل ضمن نسخة صحيفة "نيويورك تايمز"، لا يمكنها أن تكون أكثر وضوحاً: "إن الكارثة التي نزلت بإسرائيل خلال العطلة اليهودية بمناسبة "سمحات التوراة" أو فرحة التوراة، يتحمل مسؤوليتها بشكل واضح شخص واحد هو بنيامين نتنياهو".

إن صحيفة "هآرتس" لم تكن تتحدث عن الفشل الاستخباراتي الضخم جداً فقط، قبل نجاح حركة "حماس" في هجومها القاتل الذي شنته من غزة في يوم العطلة الدينية الذي يحتفل بنهاية عيد العرش. وذكرت الصحيفة في الافتتاحية أيضاً مسألة تشكيل حكومته الائتلافية والسياسات التي انتهجها بحق الفلسطينيين، وهي الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل على الإطلاق.

لكن الصحيفة لم تكن وحدها في العموم في توجيه ذلك الاتهام ضد ما كان قد أطلق عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت "تعنت" نتنياهو. حتى أن صحيفة "إسرائيل ياهوم" Israel Hayom  اليمينية، والتي تعتبر تاريخياً مؤيدة لنتنياهو، كانت قد نشرت مقال رأي يوم الإثنين كتبه محلل الشؤون الدفاعية المخضرم يواف ليمور Yoav Limor، والذي عنونته الصحيفة على "أنه فشل بنسب كبيرة لا يمكن تصورها، ولقد فاقم سوءها الفراغ على مستوى القيادة في إسرائيل".

ربما قد يظهر مستقبلاً أن التقرير الذي يتحدث عن أن نتنياهو قد تجاهل إنذاراً قبل عشرة أيام من الهجوم كان قد تلقاه من مصر، بأن عملاً "غير اعتيادي" و"خطير للغاية" كان يتم الإعداد له في غزة ــ وهو ما نفاه نتنياهو تماماً ــ قد يظهر لاحقاً أنه ليس حقيقياً. لكن السؤال ما زال مطروحاً عما إذا كان نتنياهو سينجو ليس من تداعيات الحرب الجارية، ولكن مما سيكون بالتأكيد التحقيقات التي ستجرى بخصوص الظروف التي أدت إلى مقتل ما يقدر بأكثر من ألف قتيل إسرائيلي، إضافة إلى عدد يتعذر إحصاؤه من الإصابات بين الفلسطينيين في غزة.

الكثيرون، وخصوصاً وليس حصراً، من بين المؤيدين لنتنياهو في صفوف حزب الليكود، يعتقدون بأنه سينتهي. فمن المعروف أن نتنياهو، وهو رئيس الوزراء الذي خدم على رأس السلطة لأطول فترة في إسرائيل، هو شخصية مشهورة عالمياً في قدرته على الاستمرار. وذلك يعود ليس فقط لقدراته المكيافيلية، والتي سيقوم باستخدامها من دون أدنى شك، على الأقل في فترة ما بعد الحرب، من خلال بحثه عن كبش فداء يحمله مسؤولية ما جرى، من قادة أجهزة الاستخبارات أو قيادة الجيش. إن الأمر يتعلق أيضاً بالإرادة. والحال أن رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مئير Golda Meir اضطرت للاستقالة خلال عام بعد حرب "يوم الغفران" عام 1973، التي وعلى غرار المجزرة التي ارتكبها كل من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" يوم السبت، والتي كانت حكومتها قد فشلت في توقعها ــ حتى أن ذلك حدث على رغم تقرير لجنة "أغرانات" الذي أعلنت فيه عن براءتها من "أي مسؤولية مباشرة" عما جرى. كما قام رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، الذي أصيب بالإحباط بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وخسر السيطرة الكاملة عليه، بالاستقالة بعد عام من ذلك.

لكن لا يمكن تجاهل نهج نتنياهو السياسي الأوسع. فهذا الرجل وافق قبل عشر سنوات (باعتراف الجميع وعلى مضض، وإلى حد كبير في مسعى منه لكسب رضى الرئيس باراك أوباما)، "مرغماً" على تأييد فكرة إقامة دولة فلسطينية تقوم جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل، وقام برمي ثقله كداعم للمتشددين من القوميين اليهود المعادين للعرب المعارضين بقوة لحل الدولتين. فهم عازمون، وفيما يقومون بخنق الحصار حول غزة، على مضاعفة عدد المستوطنين اليهود ورفعه إلى أكثر من مليون إسرائيلي يقيم في مستوطنات الضفة الغربية (والتي تعتبر غير شرعية وفق القانون الدولي)، وأن يقوموا بترسيخ احتلال كان قد اضطهد الفلسطينيين المحاصرين والمحرومين منذ 56 عاماً.

لكن الاتفاق الثلاثي المفترض والذي يتم التفاوض في شأنه حالياً بين الولايات المتحدة الأميركية والسعودية ــ التي كانت قد قالت في يوم من الأيام إنها ستعترف بدولة إسرائيل فقط في حال التوصل إلى حل الدولتين ــ كان [نتنياهو] قد ادعى علانية أنه سيمكنه إنهاء "الفيتو" الفلسطيني بخصوص مثل هكذا اتفاق. وليس الهدف من قريب أو بعيد أن نغفر أو بالأحرى أن نتغاضى عن جرائم الحرب التي ارتكبتها "حماس"، من خلال قولنا إن نتنياهو قد أسهم في إيصال العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية إلى أسوأ مراحلها منذ انتهاء الانتفاضة الثانية بين عامي 2004-2005. لكن الفلسطينيين هم اليوم في حالة أسوأ بكثير من الوضع الذي كانوا عليه في تلك الفترة.

ولدى نتنياهو بعض الامتيازات. ومهما كانت مرحلية، فإن الانقسام الذي يشهده المجتمع الإسرائيلي والذي تسببت فيه عملية إصلاح المحكمة العليا، قد تم إنهاؤه. وجنود الاحتياط الذين كانوا قد رفضوا القيام بواجباتهم العادية بسبب عملية إصلاح المحكمة العليا التي كانوا يعارضونها، قد عادوا إلى أداء وظائفهم بسبب مجزرة يوم السبت الماضي. أحزاب المعارضة الرئيسية وافقت على التفاوض للانضمام إلى حكومة وحدة وطنية حربية، فيما يبذل نتنياهو، زعيم الحرب، كل جهده لإعادة تشكيل صورته التي تأذت بشكل كبير بوصفه رجل إسرائيل "الأمني".

ثم هناك حال الأوضاع السياسية الأميركية، والتي بدورها تصب أيضاً في مصلحة رئيس الوزراء. فبعد الاعتداءات الشنيعة، جاءت ردود الفعل السريعة من قبل الحزبين الرئيسيين وإعرابهما عن دعمهما لإسرائيل، لم يأت ذلك فقط على لسان الرئيس جو بايدن وحده، لكنها صدرت أيضاً من كافة غرف الكونغرس، والذي من دون شك كان أمراً مؤثراً للغاية. ولكن مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية وهي على بعد أكثر بقليل من عام من الآن، فإن قدرة الرئيس بايدن على المناورة والطلب من إسرائيل العمل على ضبط النفس في هجماتها الكبيرة على غزة ــ "والتي لا تزال في بدايتها"، كما كان نتنياهو قد قال ــ هي محدودة بشكل كبير جداً.

لقد كانت محاولة دونالد ترمب توجيه اللوم إلى بايدن وتحميله مسؤولية عدوان "حماس"، وأن يدعي أنه لو كان رئيساً لما كان الهجوم قد وقع من أساسه، هو بالطبع أمر غير معقول كما أنه ليس له أي أساس. ولكن ذلك يكشف أنه يسعى لتحويل إسرائيل إلى قضية انتخابية. وحتى قبل صدور تصريحات ترمب، كان مكتب الشؤون الفلسطينية في وزارة الخارجية الأميركية قد شعر بضرورة مسح تغريدة نشرها كانت تدعو "الجميع إلى الامتناع عن العنف والقيام بهجمات انتقامية". وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أيضاً قام بمسح تعليق آخر كان قد نشره يدعم من خلاله مساعي تركيا للتوسط من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار. بايدن كان بطيئاً في دعوته من أجل وقف القصف على غزة عام 2021، هذه المرة ربما سيكون أبطأ بكثير.

لقد قام ترمب من جديد هذا الأسبوع بتقديم نفسه على أنه أعظم أصدقاء إسرائيل. وهو ليس كذلك ــ بالطبع إن قراره نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس في عام 2018، كان جزءاً من المراحل الأولية البطيئة التي أفضت إلى الأزمة الحالية. لكنه ربما يكون من أفضل أصدقاء نتنياهو الآن.

لذلك إنه لضرب من الجنون أن يصار إلى الاعتقاد بأن نتنياهو قد انتهى. على رغم ذلك، إن وضعه محفوف بالأخطار، وذلك ليس فقط بسبب فشل المؤشرات الاستخباراتية خلال وجوده على رأس السلطة، أو ربما مباشرة بسببه بوصفه رئيساً للوزراء، وأن يتوقع مجزرة يوم السبت ــ وعجزه عن تسهيل حماية القوات المسلحة للمواطنين الإسرائيليين بشكل أسرع عندما بدأت العملية في التطور. 

إنه من الجيد جداً بالنسبة [إلى وزير المالية الإسرائيلي] بيزليل سموتريش Bezalel Smotrich، أن يقول للحكومة، كما كان قد نقل عنه، إن على الهجوم الانتقامي على غزة أن لا "يأخذ في الاعتبار كثيراً مسألة الرهائن الإسرائيليين". لكن الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة (وعددهم تقريباً 130 وفق بعض ادعاءات الجماعات المسلحة) هو أمر خطير للغاية، وكان غائباً من الحروب السابقة التي تم شنها ضد "حماس" في الماضي. فحتى لو كتبت لهم النجاة من عمليات القصف الحالية، وهذه "إذا" كبيرة، فإن أصوات صراخ عائلاتهم المتحرقين للعمل على إطلاق سراحهم ــ وربما مقابل ثمن إطلاق إسرائيل عدد كبير من المحتجزين الفلسطينيين في سجونها ــ هو أمر سيكون من الصعب مقاومته.

إضافة إلى ذلك، إن لائحة الاتهامات ضد نتنياهو يمكنها أن تكون هائلة. حتى ولو أنه لم يتم تحذيره بشأن تهديد محدد مصدره غزة، لقد كان واضحاً وبشكل متكرر بالنسبة إليه منذ بداية الربيع الماضي (وأيضاً وبكل المعايير في الوقت الحالي)، وكان واضحاً لكافة كبار القيادات العسكرية والاستخباراتية، بأن تصرفاته غير المسبوقة والمستفزة بسبب تصميمه على "إصلاح" المحكمة العليا، كانت تؤدي إلى تقسيم، وفي الوقت نفسه إضعاف، القوات المسلحة، التي هي جزء أساسي من المجتمع الإسرائيلي. بالطبع، عندما كان وزير الدفاع يوآف غالانت قد قال له في مارس (آذار) الماضي، بأن عملية إصلاح القضاء في البلاد "تهدد الدولة الإسرائيلية" جاء رد نتنياهو عبر قيامه بإقالة وزير الدفاع (لكنه عاد عن قراره بعد أسبوعين، لأن الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي كانت قد وصلت إلى أوجها).

إن السخرية في كل ما جرى، هو أن أحداث نهاية الأسبوع الماضي قد أثبتت شيئاً، وهو أن ما وصفته افتتاحية صحيفة "هآرتس" بأنه "سياسة خارجية إسرائيلية تجاهلت علناً وجود حقوق الفلسطينيين" قد فشلت حتى في تأمين الأمن للمواطنين الإسرائيليين، وكان ذلك ليكون من خلال المحاولة في وقت مبكر أكثر العمل على حل القضية، بدلاً من "إدارة" النزاع وما أفضى إليه ذلك. ربما، ولكن ذلك أمر قد لا يمكن الاعتماد عليه، إن غالبية الرأي العام في إسرائيل ستقوم الآن في الالتفاف حول نتنياهو خلال، وحتى ما بعد هذه الحرب الفظيعة. وحتى لو أنهم فعلوا ذلك، فإن التاريخ لن يكون متساهلاً جداً في حكمه عليه.