ملخص
استمرار ضعف الطلب مع تراجع مبيعات المساكن يزيد فجوة دين الشركات العقارية مقابل عائداتها ويضطرها إلى اتخاذ إجراءات حاسمة
بدأت التدخلات الحكومية الصينية لمساعدة قطاع العقار المتدهور في البلاد في التعافي من أزماته الخانقة تؤتي بعض الثمار، وإن كان من المتوقع أن تستمر المشكلات لبضعة أعوام مقبلة قبل أن يستقر القطاع الذي يشكل أكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي لثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وبحسب تقرير مفصل من مؤسسة التصنيف الائتماني العالمية "ستاندرد أند بورز" فإن السياسات الحكومية بتسهيل الائتمان لشركات التطوير العقاري ودعم الشراء في المدن الكبرى ستجعل معدلات المبيعات عند نطاق ما بين 10 تريليونات يوان (1.37 تريليون دولار) و11 تريليون يوان (1.5 تريليون دولار) سنوياً، بالتالي سيقل معدل هبوط المبيعات العام المقبل 2024 بنسبة خمسة في المئة، مقابل تراجع المبيعات بما بين 10 و15 في المئة العام الحالي 2023.
ويتوقع أن يشهد تعافي القطاع العقاري الصيني من أزماته الحالية مساراً غير سوي، أي استقرار أجزاء منه بداية ثم انعكاس ذلك على بقية القطاع.
ولا تعني السياسات الحكومية حلاً سريعاً لأزمة المديونية والسيولة لدى شركات عقارية خاصة كبرى مثل مجموعة "إيفرغراند" ومجموعة "كانتري غاردن"، فهذه السياسات تفيد أكثر شركات العقارات الحكومية التي يسهل عليها الوصول إلى السيولة بالاقتراض من النظام المصرفي الرسمي.
وتدعم السياسات الحكومية الحالية زيادة المبيعات في المدن الكبرى، أما الشركات الأكثر انكشافاً على القطاع العقاري في المدن الصغرى والأقل أهمية، فستظل تعاني تراجع المبيعات والعائدات، بالتالي أزمات السيولة وتراكم الدين.
وبحسب التقرير الذي يستند إلى الأرقام والبيانات والمعلومات الرسمية الصينية وإلى بيانات الشركات الخاضعة للتصنيف الائتماني، فإن التوقعات للقطاع العقاري تبدو مزدوجة، إذ هناك أخبار جيدة وأخرى سيئة، والخبر الجيد الأساس هو أن أزمة القطاع التي تبدو قريبة من القاع ستبدأ بالتعافي، أما الخبر السيئ فهو أن التعافي لن يكون سهلاً، إذ يمكن أن يستمر الوضع عند القاع لفترة طويلة قبل أن يبدأ منحنى التحسن.
ومن التحليلات التي تسبق قرارات التصنيف الائتماني، فإن السياسات الحكومية الحالية إنما تشجع المبيعات في شريحة المساكن الباهظة وفي المدن الكبرى، أما المناطق الأقل والمساكن الأدنى أسعاراً فستظل الشركات التي تنشط فيها تعاني تراجع المبيعات وتدهور ثقة المستهلكين ومن ثم ستظل نسبة ديون تلك الشركات إلى عائداتها من أعمالها كبيرة.
وإضافة إلى تسهيلات السياسات الحكومية لشركات العقار الرسمية أكثر من الشركات الخاصة، فإن الشركات الحكومية تعمل أكثر في قطاع المساكن غالية الثمن وفي المدن الكبرى، ومع سهولة وصولها إلى الاقتراض ستكون في وضع أفضل كثيراً من الشركات الخاصة التي ستظل تتعرض لضغوط متعددة.
لكن في الإجمال، ستبقى كل شركات القطاع الحكومية والخاصة تواجه مشكلة تراجع المبيعات لمدة عام أو عامين، بحسب تحليل "ستاندرد أند بورز"، فمعدلات المبيعات تعتمد في نسبة 80 في المئة منها على ثقة المستهلكين بالقطاع العقاري، وهي ثقة شبه منهارة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة مع سلسلة الإفلاسات للشركات العقارية نتيجة التخلف عن سداد الديون.
وكانت الشركات الخاصة تعمل بطريقة الاقتراض عبر سندات دين خارجية بنسبة فائدة عالية جداً وتستخدم السيولة في شراء الأراضي وبيع الوحدات مبدئياً قبل بدء البناء، ومع تراجع المبيعات تراكمت الديون ولم تستطع تلك المجموعات الاقتراض من السوق الداخلية، بخاصة من القطاع المصرفي الرسمي نتيجة تشديد الحكومة قواعد الائتمان، فتخلفت عن سداد مستحقات الدين الخارجي.
إجراءات المواجهة
بدأ مسلسل إفلاس المجموعات العقارية الخاصة الكبرى قبل عامين حين تخلفت مجموعة "إيفرغراند" عن سداد مستحقات ديون بالمليارات بينما بلغت ديونها وقتها 300 مليار دولار وتعد أكبر مديونية شركات في العالم.
وتوالى إفلاس الشركات العقارية مع استمرار تراجع المبيعات ونقص السيولة، بالتالي التخلف عن سداد التزامات سندات الدين في مواعيدها.
ومع أن هبوط معدلات مبيعات المساكن يطغى على السوق العقارية الصينية كلها، إلا أن شركات التطوير الحكومية تظل في وضع أفضل من المجموعات العقارية الخاصة، فبحسب بيانات مؤسسة معلومات العقارات الصينية زاد نصيب الشركات الحكومية من المبيعات العقارية في الأشهر الأولى من العام الحالي حتى يوليو (تموز) بنسبة ستة في المئة، ليصل نصيبها إلى نحو ثلثي مبيعات العقارات في الصين خلال تلك الفترة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقدر التقرير بأن فجوة حجم الدين إلى العائدات والسيولة للشركات العقارية الخاضعة للتصنيف سترتفع عام 2023 إلى نحو خمسة أضعاف، مقابل ثلاثة أضعاف عام 2019 أي قبل أزمة وباء كورونا.
وكي يستقر القطاع سيكون على الشركات العقارية اتخاذ إجراءات من قبيل زيادة هامش رأس المال ببيع الأصول غير الأساس وتدبر تعزيز الموارد من خلال زيادة معدلات التأجير وأذرعها لإدارة العقارات.
استمرار تراجع المبيعات
على رغم السياسات الحالية للحكومة بتسهيل الوصول إلى الائتمان وتشجيع المبيعات في شرائح مساكن معينة، فإن ذلك لن يؤدي سوى إلى استقرار شرائح السوق العقارية العليا وفي المدن الكبرى، والأمل يبقى في أنه مع استقرار تلك الشريحة من السوق يمكن أن تبدأ الثقة ببقية السوق تتحسن بما يعني تخفيف أزمة الشركات الخاصة.
ويرجح تقرير "ستاندرد أند بورز" أن توقف تلك السياسات الانهيار الكامل للمبيعات الذي يمكن أن يؤدي إلى انهيار القطاع العقاري كله ودخول الاقتصاد الأوسع في أزمة حقيقية، لذا يخلص التقرير إلى أن المبيعات العقارية في السوق الصينية ستستقر في الربع الرابع والأخير من العام الحالي عند مستوى ما بين 900 مليار يوان (123 مليار دولار) وتريليون يوان (136 مليار دولار)، وذلك مستوى مبيعات أفضل قليلاً من معدلات الربع الثالث من العام حين كانت المبيعات عند 800 مليار يوان (109 مليارات دولار)، ويرى معدو التقرير أن الهبوط في المبيعات في الربع الماضي من العام كان موقتاً.
وبحسب ما توقع التقرير فإن الحكومة الصينية ما زالت لديها وسائل لتخفيف أزمة القطاع العقاري أكثر، ومن تلك الوسائل، إضافة إلى السياسات الحالية، إقرار مزيد من التيسير في قيود شراء البيوت وتخفيف قواعد القروض العقارية التي تتطلب دفعات أولية كبيرة، ومن شأن ذلك أن يزيد الطلب في السوق العقارية بما يخفف من تخمة المعروض العقاري ويسهل زيادة عائدات الشركات من المبيعات.