في وقت تركّز اهتمام اللبنانيين على تصنيف وكالة Standard and Poors، نظراً إلى حجمها وتأثيرها في الأسواق، فاجأت وكالة "فيتش" الداخل اللبناني وأربكته بخطوتها خفض التصنيف إلىCCC أي مستوى الخردة وغير صالح للاستثمار بالنسبة إلى السندات السيادية التي تصدرها الدولة اللبنانية.
وخفض تصنيف "فيتش"، مضافاً إلى خفض تصنيف "موديز" السابق يكرس مستوىCCC لتصنيف ديون لبنان. أما "ستاندرد آند بورز" التي غردت خارج سرب خفض التصنيف، فاستطاعت بخطوتها منح لبنان فسحة أمل للخروج من عنق زجاجةِ تعثر الاقتصاد بسبب الخلافات السياسية المستمرة، والرهان على الأشهر الستة المقبلة. فإما الخروج من الأزمة، وإما الغوص في دوامة نهايتها قد لا تختلف كثيراً عن سيناريو اليونان.
"فيتش" تخفض تصنيفها الائتماني للبنان من -B إلى CCC
وعرضت "فيتش" في تقرير مفصل أسباب خفض التصنيف الائتماني للبنان. ورأت أولاً أنه يعكس تصاعد الضغوط على نموذج التمويل اللبناني والمخاطر المتزايدة لقدرة الحكومة على خدمة ديونها. وبحسب "فيتش"، فإن الضغط على ودائع القطاع المصرفي واحتياطات المصرف المركزي بالعملات الأجنبية وزيادة الاعتماد على الهندسات المالية الاستثنائية غير الاعتيادية لمصرف لبنان لاجتذاب السيولة، توضح زيادة الضغوط على التمويل. فالحكومة اللبنانية تعتمد إلى حد كبير على التمويل من المصرف المركزي لسداد الدين في الأسواق المحلية والسندات الدولية. كما يحتاج لبنان إلى تدفقات كبيرة لرؤوس أموال لتمويل العجز الكبير في كل من الميزانية والحساب الجاري.
وبحسب تقديرات "فيتش"، فإن إجمالي حاجات التمويل الخارجي ستشكل 24 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2019. كما لحظت أن مجموع الودائع في المصارف التجارية (باستثناء ودائع القطاع العام)، انخفض منذ نهاية عام 2018 وحتى نهاية يونيو (حزيران) الماضي.
أما ارتفاع ودائع العملات الأجنبية بنسبة 3.6 في المئة على أساس سنوي في يونيو 2019، فسببه تحويل الودائع بالليرة اللبنانية إلى الدولار من دون دخول تدفقات جديدة، لتبلغ نسبة "الدولرة" 71.5 في المئة في يونيو، ارتفاعاً من 68 في المئة العام الماضي.
وأشارت "فيتش" إلى أن فارق أسعار الفائدة بين الودائع بالليرة اللبنانية والودائع بالدولار الأميركي، تراجع. كما عزت "فيتش" خفض تصنيفها للبنان إلى تراجع الثقة الناتج من عدم الاستقرار السياسي المحلي وعدم فعالية الحكومة في بيروت، ما أدى إلى تدهور النمو الاقتصادي، إضافة إلى المخاطر الجيوسياسية، بما فيها السياسة الأميركية ضد إيران (وحزب الله) وضعف العلاقات بين لبنان ودول الخليج. أما العناصر الأساسية التي قد تدفع بالوكالة إلى رفع التصنيف في المرحلة المقبلة، فهي:
- تحسن تدفقات الأموال من الخارج كودائع غير المقيمين إلى النظام المصرفي أو تدفقات نقدية أخرى من جهات داعمة.
- تحسن ديناميات الدين العام، سواء من خلال التشدد المالي أو تحقيق نمو اقتصادي أقوى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"ستاندرد آند بورز" تمهل لبنان
من جهة أخرى، أكدت وكالة "ستاندرد آند بورز" على تصنيفها الائتماني للبنان عند B-/B وأبقت على نظرتها المستقبلية السلبية، موضحةً أن ثقة المستثمرين بلبنان تراجعت إلى حد كبير، ويظهر ذلك من خلال تراجع الودائع واحتياطات العملات الاجنبية في أول 6 أشهر من العام 2019. فغير المقيمين والمستثمرين الأجانب سيستمرون بتحفظهم، إلاّ إذا استطاعت الحكومة اللبنانية تخطي تبايناتها السياسية وتطبيق الإصلاحات الهيكلية لخفض العجز الكبير وتحسين نشاط الأعمال.
وتوقعت "ستاندرد آند بورز" أن تواصل احتياطات النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان المركزي بالتراجع ولكنها ستبقى كافية لتمويل حاجات الحكومة للاقتراض والعجز الخارجي للبلاد على مدار الأشهر الـ12 المقبلة. ولحظ التقرير الخطوات التي بادرت الحكومة إلى اتخاذها كإقرار موازنة عام 2019، متضمنةً إجراءات تقشفية أكثر مما كان متوقعاً، ما يعكس تعاوناً سياسياً بين الأفرقاء اللبنانيين. كما رحب التقرير بإقرار خطة لإصلاح قطاع الكهرباء لخفض العجز. ويبقى المضي قدماً بالإصلاحات الهيكلية الضرورية.
مقاربة إيجابية لوزارة المالية
ما إن أصدرت "فيتش" و"ستاندرد آند بورز" تصنيفهما، حتى بادرت وزارة المالية اللبنانية إلى الرد، فاعتبرت في عدم خفض تصنيف "ستاندرد آند بورز"، إشارات إيجابية إلى عمل الحكومة، خصوصاً لجهة بدء الإصلاحات في المالية العامة في موازنة 2019 واستكمالها في موازنة عام 2020 وتحديداً في موضوع الجمارك والكهرباء، ما يخفض العجز تدريجاً.
أما بالنسبة إلى خفض وكالة "فيتش" تصنيف لبنان، فرأت وزارة المالية أنه يعود إلى التحديات الناجمة عن ازدياد الضغط الخارجي جراء انخفاض الودائع وبطء تنفيذ خطة الكهرباء. واعتبرت وزارة المالية أن التصنيفين يشكلان تذكيراً للبنان بأن عمل الحكومة ليس ترفاً بل ضرورة قصوى في المرحلة المقبلة، لا سيما مناقشة موازنة 2020 وإحالتها إلى مجلس النواب والإسراع في تنفيذ خطة إصلاح قطاع الكهرباء ومكافحة التهرب الضريبي وإطلاق العجلة الاقتصادية.
مرّر لبنان استحقاق التصنيف في ربع الساعة الأخير. وفي ما يبدو أن هناك استيعاباً محليّاً لخطورة الوضع الاقتصادي والمتطلبات الملحّة للعمل. يبقى الخوف في "بلاد الأرز" من التعطيل السياسي.