كان وزير سعودي شرح لجمع من الصحافيين الأجانب الطريقة التي يتعاملون بها مع "الأزمات الدولية" المفاجئة، فقال إن رئيسه في إشارة إلى ولي عهد البلاد الأمير محمد بن سلمان، "لا توقفه الأزمات، إلا بقدر ما يعيد نصب أشرعته لاقتناص الفرص".
قد يكون هذا الاقتباس، يساعد على فهم آلية التفكير القائمة اليوم في الرياض، وهي تستقبل مئات قادة المال والأعمال من 90 دولة حول العالم اليوم الثلاثاء، فهي لم تغير من جدول أعمال مؤتمرها السنوي مبادرة مستقبل الاستثمار، أو "دافوس الصحراء" كما تسميه الصحافة الأجنبية، على رغم الرهانات على أن حرب غزة التي تهدد الإقليم كله بتمدد العنف، ستدفع أقطاب الاقتصاد في أميركا والصين وأوروبا وآسيا القادمين، إلى تغيير خططهم بالتوجه إلى المملكة العربية، التي قالت إنها ماضية في توظيف موقعها لتغدو جسراً بين الشرق والغرب، وسط إقليم على شفير الهاوية.
وهكذا فإن الحرب الدائرة في المنطقة، مثل أزمات أخرى سبقتها تحدت انعقاد المبادرة؛ إن كان بعض الفرقاء ينظرون إليها باعتبارها عائقاً، يرى المنظمون في الرياض أن التعامل مع تلك لأزمات التي لا يمكن التنبؤ بها، هو أهم المحاور التي صممت المبادرة لمعالجتها. وكان شعار دورة هذا العام "البوصلة الجديدة"، لتدفع بالنقاش العالمي في المنتدى المقام في الفترة ما بين 24-26 أكتوبر (تشرين الأول) نحو توصيف آليات التعاطي مع "المخاطر والفرص" في خضم حالة عدم اليقين العالمية.
أخبار مروعة لا تحجب الفرص
وفي هذا الصدد قال المدير التنفيذي لمؤسسة المنتدى ريتشارد أتياس "إن الأخبار المتعلقة بالصراع في الشرق الأوسط مروعة، وتوضح سبب أهمية اجتماع القادة وصانعي السياسات معاً لمعالجة القضايا العالمية التي تواجه الإنسانية".
وأضاف "يواجه العالم مجموعة من التحديات غير المسبوقة، ومن واجبنا أن نستخدم قدرتنا على جمع القادة والمستثمرين والمبتكرين والمفكرين من جميع أنحاء العالم في الأسبوع المقبل لتحديد حلول فعاله لهذه القضايا".
#فيديو_واس | ريتشارد آتياس: المملكة هي مجتمع حيوي والمشاركون في مبادرة مستقبل الاستثمار يتطلعون لاكتشاف المنطقة.#واس_اقتصادي pic.twitter.com/MedsdGSwAd
— واس الاقتصادي (@SPAeconomic) October 21, 2023
وإذا كان "رأس المال جبان" كما هو شائع في الحكمة الاقتصادية، فإن التنفيذيين ورجال القطاع الحكوميين أقدر على تقييم المخاطر على هذا الصعيد، فكان تأكيد أفواج منهم الحضور، واحداً من بين المؤشرات على أن نقاشات المنتدى السعودي، صارت مكاناً لاقتناص الفرص، تصعب مقاومة إغرائه، فكانت أعداد المسجلين نحو خمسة آلاف شخص.
ولفتت "ايكونوميك تايم" الهندية إلى أن وزير التجارة والصناعة بيوش جويال كان بين صناع القرار الاقتصادي، الذين أكدوا حضورهم، بغية الاجتماع بكبار القادة ورجال الأعمال في الرياض لمناقشة سبل تعزيز التجارة والاستثمارات بين البلدين، ورئاسة جلسة مغلقة حول موضوع "من المخاطر إلى الفرص: استراتيجيات الاقتصادات الناشئة في عصر السياسة الصناعية الجديدة " مع وزير الاستثمار السعودي.
إلغاء محدود
ونقلت وكالة "رويترز" عن المنظمين أن نحو 300 من "صناع القرار" الصينيين سيحضرون المؤتمر، وهو ضعف عدد الحضور العام الماضي مع تعميق الرياض لعلاقاتها مع الصين على رغم المخاوف الأميركية.
ومع أن التمثيل الأفريقي ظل خجولاً قياساً بزخم الحضور الآسيوي والغربي، إلا أن حضور رئيسي روندا وكينيا المنتدى، وعديد من المؤسسات المالية في القارة الواعدة، يكسران حدة الغياب.
وقال أتياس إن حوالى 15 شخصاً فقط ألغوا حضورهم إلى المؤتمر السنوي هذا العام، في حين أثارت الحرب في غزة مخاوف من صراع أوسع يمكن أن يؤثر في منطقة الخليج.
وحظر بنك "يو بي أس" السويسري سفر موظفيه داخل المنطقة، لكنه يعد الاستثناء حتى الآن، وقالت مصادر مصرفية عدة في منطقة الخليج إنها ليس لديها خطط للإلغاء، مدفوعة بمؤشرات دولية وتقارير مالية عدة، ترصد تنامي الفرص الاستثمارية في السعودية، التي استحوذت على ما يقرب من 40 في المئة من رسوم الخدمات المصرفية الاستثمارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفقاً لبيانات " LSEG" البريطانية العام الماضي.
وأظهر تقرير صندوق النقد لسنة 2023 نظرة أكثر إيجابية لاقتصاد السعودية، وصنفها الأسرع نمواً بين اقتصادات مجموعة "الـ20"، بنمو بلغ 8.7 في المئة مقارنة بالعام المنصرم وبزيادة نمو الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 4.8 في المئة عن العام السابق، "مما يعني أن المساهمة النفطية في مختلف القطاعات الاقتصادية آخذة في الانحسار، تلازماً مع أحد أهم أهداف رؤية المملكة 2030، إذ شكلت الإيرادات غير النفطية نحو 43 في المئة من إيرادات الموازنة السعودية الإجمالية للربع الثاني"، وفق الباحث السعودي في شؤون الطاقة فيصل الفايق.
البوصلة نحو الشرق
وتأتي النسخة الجديدة من المنتدى (السابعة) وسط قمم دولية شهدتها السعودية من دون انقطاع، في حراك متنام، يتوج سعي الأمير محمد بن سلمان إلى رفع المكانة الجيوسياسية للمملكة بهدف تأمين التحالفات الاستثمارية والتجارية، والسعي إلى الحوار ووقف التصعيد مع الأعداء الإقليميين السابقين، والتركيز على الشركاء الشرقيين وسط توترات مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أعقبتها تفاهمات سمحت بالوصول إلى لغة مشتركة مع الحليفين التاريخيين، خصوصاً في ظل الحرب الدائرة في الشرق الأوسط.
ويهدف منتدى هذا العام إلى إظهار هذا التحول نحو الشرق، إذ قال الرئيس التنفيذي لمبادرة مستقبل الاستثمار لـ"رويترز" إن 70 متحدثاً سيكونون من آسيا، منهم 40 صينياً.
وقال أتياس، "يعكس مؤشر مستقبل الاستثمار هذا العام التحولات العالمية في القوة الاقتصادية نحو الشرق، إذ تلعب الصين والهند والدول التجارية في جنوب شرقي آسيا دوراً مركزياً، كما يتم الاعتراف بشكل متزايد بالشرق الأوسط كنقطة محورية في هذا التحول"، في إشارة إلى مبادرة الممر الأخضر بين الهند وأوروبا عبر السعودية، الذي أطلقته الرياض بالشراكة مع أميركا والهند في قمة "الـ20"، قبل نحو شهر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن المقرر أن يتحدث رجل الأعمال الهندي رئيس شركة "ريلاينس إندستريز"، موكيش أمباني، وكذلك نيل شين، رئيس شركة "سيكويا تشاينا"، وهي ذراع شركة "سيكويا" لرأس المال الاستثماري في وادي السيليكون، ورئيس مجلس إدارة شركة "HOPU Investments" فانغ فنجلي من بين آخرين.
سيكون كبار الماليين في "وول ستريت" الكبار حاضرين أيضاً، أمثال جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورغان"، وجين فريزر من "سيتي"، إضافة إلى كبار الشخصيات المصرفية العالمية التي تتمتع بحضور قوي في آسيا مثل بنك "إتش أس بي سي" و"ستاندرد تشارترد"، جميعهم على قائمة الحضور.
بين النظرتين بعيدة المدى والقريبة
وقالت أليس جاور، مديرة الشؤون الجيوسياسية في شركة "Azure Strategy " في لندن، "من خلال الحفاظ على علاقات عمل مع كل من الشرق والغرب، ومن خلال إعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية على اختيار الأطراف السياسية، تأمل السعودية الاستفادة من العلاقات الاقتصادية وتنميتها مع لاعبين متعددين".
وتتمحور قضايا النقاش في المنتدى على الآثار الاقتصادية للصراعات التي يعيشها العالم حالياً، والتغير المناخي، واستراتيجيات الذكاء الاصطناعي، في وقت يجتمع فيه القادة للبحث عن حلول مشتركة للتحديات الاقتصادية الكبيرة.
ويتسلح المنتدى بالتفاؤل نحو التصدعات الدولية، بالنظر إلى ثقة المستثمرين تميل إلى اتخاذ توقعات على المدى البعيد وتمتلك درجة من المرونة في مواجهة الصدمات الجيوسياسية، مقراً بأن "التوقعات على المدى القصير قد تبدو مثيرة للقلق، بينما التوقعات على المدى الطويل سوف تكون أفضل".