ملخص
ينام أطفال غزة جياعاً لعدم توافر الخبز في بيوتهم، فكم ينتظر الأب من الوقت ليحصل على أرغفة ساخنة؟ وما هي حصته؟
بصوت عال كانت الطفلة ناريمان تصرخ من الجوع حائرة تسير في منزلها بقطاع غزة، تذهب إلى أمها وتطلب بإلحاح كسرة خبز، ثم تتجه إلى والدها تخاطبه "بابا جعانة"، واستمرت على هذا الحال حتى أصيبت بالإرهاق ومددت نفسها على الفراش إلى أن غفت عيناها.
بحسرة نظر الوالد إلى ناريمان الصغيرة النائمة وهي جائعة، وأخذ يضرب كفاً بكف، فليس بمقدوره أي شيء يفعله ليطعم طفلته التي لم تأكل الخبز منذ صباح أمس، تأفف الأب من دون أن ينطق بأية كلمة، لكن ملامح وجهه كانت تروي الحال الذي وصل إليه.
أما الأم فأخذت تبكي بحرقة على وضع بيتها الذي نفذ منه الدقيق وغاز الطهي، وكانت تتمنى لو كان لديها حفنة من الطحين وأعواد من الحطب لتعد لصغارها رغيفاً يتقاسمونه لملء بطونهم الخاوية من قلة الطعام.
في غزة أصبح الحصول على دقيق القمح أمراً نادراً جداً، ومن لديه مخزون من الطحين يعد من الأشخاص المحظوظين، وبات معظم السكان يعتمدون على شراء الخبز من المخابز في ظل انقطاع الكهرباء وانعدام وجود غاز الطهي.
ويكافح المدنيون من أجل كسرة خبز ويعتبرون أن العملية العسكرية التي تشنها إسرائيل في غزة عنوانها "حرب التجويع"، ويصطفون أمام المخابز في طوابير طويلة للحصول على كمية محدودة من الأرغفة الساخنة.
كان والد ناريمان من بين الذين وقفوا في الطوابير أمام المخابز، لكن عندما وصل إليه الدور أبلغه البائع أن الدقيق انتهى ولن يحصل على خبز هذا اليوم، وعاد خالي اليدين من دون أرغفة تسد رمق بيته، لكنه يصر على العودة في اليوم التالي إلى المخبز عله يحصل على نصيب من الأرغفة.
وعند السادسة صباحاً يبدأ سكان غزة في التوافد نحو أبواب المخابز، ويصطف المئات في طوابير طويلة يصل طول بعضها إلى 500 متر لشراء أرغفة الخبز، ويضطرون إلى الانتظار لوقت طويل جداً قد يزيد على خمس ساعات من أجل رغيف العيش الذي أصبح عزيزاً هذه الأيام، والشخص المحظوظ هو الذي يصل إلى محطة الخبز ويشتري فقط بـ 1.5 دولار، أي نصف ربطة خبز تضم 30 رغيفاً فقط وتزن كيلوغراماً واحداً، وعليه الاكتفاء بها إذ ترفض المخابز منح الأفراد أكثر من هذه الكمية لضمان حصول أكبر عدد من الأسر على الخبز.
ولا تكفي الـ 30 رغيفاً أي أسرة في غزة، فغالبية العائلات تضم في الأقل خمسة أفراد إذا لم تؤو نازحين، وهذه الكمية من الخبز يأكلها الأطفال في وجبة طعام واحدة فقط، فيما لا يتبقى لهم خبز لتناول وجبات أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكما يكافح السكان من أجل أرغفة معدودة فإن المخابز هي الأخرى تعاني شح القمح وغاز الطهي، وفي الأوقات الطبيعية يستهلك قطاع غزة يومياً من سلعة الطحين نحو 400 طن (الطن يساوي 1000 كيلوغرام)، منها 150 طناً في المخابز، بحسب ما يوضح مدير عام وزارة الاقتصاد في غزة أسامة نوفل.
ويقول نوفل، "هذه الكميات غير موجودة في غزة بسبب وقف سلاسل التوريد نتيجة الحصار، فالقطاع يعتمد على استيراد الدقيق من إسرائيل، وبعد 18 يوماً من الحرب نفدت جميع كميات الطحين من المستودعات، وخلال يومين سينفد مخزون المخابز ولن تستطيع مواصلة عملها في تقديم الخبز للمواطنين، وهذا ينذر بمجاعة".
وما يفاقم الأزمة هو انتهاء مخزون غاز الطهي مما تسبب في توقف عدد كبير من المخابز، إذ بات يعمل في غزة عدد محدود لا يزيد على 20 مخبزاً من أصل 130، فيما اضطر الخبازون في مدينة رفح إلى تحويل أفرانهم التي تعمل بالغاز إلى أخرى تشعل بنار الحطب.
أما في شمال القطاع، وهي المنطقة المهددة بالإخلاء، فانقطعت بصورة تامة إمدادات الخبز وأصبح المواطنون هناك يواجهون خطر الموت جوعاً واضطر الآلاف منهم إلى الانتظار لأكثر من 10 ساعات في طوابير طويلة جداً أمام المخابز للحصول على القليل من الخبز وسط شح غير مسبوق.
ووسط شح الدقيق في جميع المخابز تدخلت "أونروا" وقررت توزيع مخزونها مجاناً، فيما تجري الأمم المتحدة محادثات مع إسرائيل من أجل إمداد الأفران بالوقود.
وعلى رغم هذه الحال الإنسانية المبكية إلا أن إسرائيل قصفت نحو سبعة مخابز في غزة ودمرتها بالكامل، ويقول رئيس جمعية أصحاب المخابز في القطاع عبدالناصر العجرمي "أثناء اصطفاف عشرات المواطنين على أبواب المخابز أغار الجيش الإسرائيلي على الأفران أو في محيطها مما تسبب في سقوط عشرات الضحايا".
ويضيف، "إسرائيل تريد منع سكان غزة من الحصول على الخبز والتسبب في مجاعة، والقصف على المخابز أثناء ازدحام الأفراد يعني أن الجيش الإسرائيلي يقصد إيقاع أكبر قدر من الضحايا، وأصبح الحصول على بعض أرغفة الخبز رحلة محفوفة بالأخطار".
ومن إسرائيل يقول المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي "نراعي الأعيان المدنية أثناء العمليات العسكرية، ولن نقصف أهدافاً إلا لأسباب عسكرية، كما أننا سمحنا بإمداد غزة بالمساعدات الإنسانية".