ملخص
تعد سوق "ماركاتو" أهم المعالم التجارية في إثيوبيا وترتبط كإرث تاريخي بالاستعمار الإيطالي
تعد سوق "ماركاتو" من أهم المعالم التجارية في إثيوبيا، وتقع وسط العاصمة أديس أبابا بمنطقة كيتيما (Ketema)، وتجمع بين إرث تاريخي في ارتباطها بالاستعمار الإيطالي الذي عمل على تأسيسها وتحديثها، وتشتهر بكونها السوق الشعبية الأكبر على مستوى شرق أفريقيا. ويرجع تاريخها إلى عام 1899، بدأ كبقعة صغيرة تجمع خليطاً من التجارة والخدمات، وبعد دخول الإيطاليين خلال السنوات القليلة من سيطرتهم على إثيوبيا (1936-1941) عملوا على تثبيتها في مكانه، وتطويرها كمركز لبيع السلع والبضائع والتبادلات التجارية المختلفة، وأطلقوا عليها اسم "ماركاتو"، وهو مرادف لكلمة "سوق" باللغة الإيطالية دلالة على النشاط التجاري الأجنبي الذي انطلقت معه السوق.
مدينة حديثة
توصف مدينة أديس أبابا كمدينة حديثة في التقسيمات التاريخية للعواصم العالمية، أسسها الإمبراطور الإثيوبي منليك الثاني (1844- 1913) حاكم إقليم شوا في عام 1885، وأصبحت عاصمة البلاد في عام 1893. وبنى فيها الإمبراطور القصر الإمبراطوري، الذي لا يزال مقراً للرئاسة بمنطقة أرات كيلو، وبعض المقار الحكومية. وخلال العهد الاستعماري جعل منها الإيطاليون في عام 1936 عاصمة لمنطقة نفوذهم في شرق أفريقيا، وكانو قد بنوا وأسسوا فيها عديداً من المرافق الخدمية من ضمنها سوق "ماركاتو" في موقعها الحالي ليكتسب صفة السوق القومية لجميع الأعمال والنشاطات التجارية.
وبعد عودة الإمبراطور هيلا سيلاسي من منفاه الاختياري في عام 1941، وهزيمة الإيطاليين خلال الحرب العالمية الثانية، تطورت أديس أبابا، وأخذت سوق "ماركاتو" طابعها المحلي بعد أن كان يغلب عليها الطابع الأجنبي، فحل كثير من التجار الإثيوبيين محل الأجانب وبدأت السوق تتوسع.
مسجد أنور قطب السوق
ارتبطت سوق "ماركاتو" بمسجد أنور العتيق الذي شيده الإيطاليون في منتصف القرن الـ19، ويعد من أشهر المساجد في منطقة شرق أفريقيا، وشكل منذ إنشائه معلماً بارزاً في المنطقة يؤمه المسلمون من مختلف المناطق، وأصبح المسجد قطباً يدور من حوله نشاط السوق، حيث عاصر بدايات حركة السوق ونشاطه كموقع يؤدي فيه المسلمون صلواتهم أثناء نشاطهم التجاري، وشيد أخيراً على مساحة تتجاوز الـ25 ألف متر مربع، ويقال إن حماسة الإيطاليين لإنشائه عائدة لاجل كسب ود المسلمين الذين شكلوا وجوداً لا يستهان به منذ ذلك التاريخ. ورافق المسجد بناء عديد من المحلات التجارية لتحيط به من مختلف الجهات كأوقاف داعمة له.
اكتسبت السوق طابعاً شعبياً نتيجة التعدد الذي ظل يتسارع في تنوع بضاعتها من ملبوسات وأحذية وخردوات ومحاصيل وخضراوات وفاكهة، وغير ذلك من البضائع المحلية الصنع أو المستوردة التي يحتاج إليها المواطن، والتي تأتي غالبيتها من طريق التهريب من الدول المجاورة كالصومال وجيبوتي وكينيا والسودان.
وظلت السوق القبلة التجارية الأولى لمختلف الفئات بما توفرها من بضائع وتتيحه من فرص نشاط متنوع للعمال وكبار التجار والسماسرة والصغار منهم. واتسعت في نشاطها لمختلف أصحاب الأطماع والمواهب، كما اتسعت رقعة المنطقة من حولها في أحياء سكنية عريقة، ومواقع تجارية متخصصة بالمنتجات الواردة من الأقاليم المختلفة، ومواقف الباصات السفرية المتجهة لجميع أصقاع البلاد.
وحدات متنوعة
يقول الصحافي الإثيوبي أنور إبراهيم إن "سوق ماركاتو هي أكبر الأسواق المفتوحة في إثيوبيا وشرق أفريقيا بمساحة شاسعة مترامية الأطراف تتجاوز فيه أعداد الدكاكين والمحال التجارية الـ12 ألفاً، ويعمل بها عدد هائل من التجار، وأصحاب المحلات والعمال والسماسرة، فضلاً عن الشركات المختلفة التي يقدر عددها بنحو 9500، بما فيها من طواقم الموظفين". ويضيف "تضم السوق أيضاً وحدات متنوعة، ومصانع صغيرة للصناعات المحلية كالأحذية والملبوسات والمصنوعات التقليدية، وتباع فيها مصوغات الذهب والفضة بمختلف أشكالها والمصنوعات الجلدية ومختلف المنتجات الإثيوبية من محاصيل القهوة والشاي والحبوب، ومنتاجات الأخشاب والحديد والبلاستيك والصناعات اليدوية والفلكلورية، وغيرها".
ويوضح إبراهيم، "تنقسم سوق ماركاتو إلى أقسام عدة منها محال الملابس الرجالية والنسائية والأحذية، وكل أنواع الإلكترونيات إلى جانب محال الأقمشة بجميع أشكالها والمفروشات. ويعد مسجد أنور العتيق أحد أهم المعالم في السوق لتوسطه المكان وما تضمه أطرافه من محلات تجارية حديثة مشهورة ببيع الإلكترونيات والأدوات الكهربائية. وتزدحم الفضاءات المنتشرة في أزقة السوق بالبائعين المتجولين".
ولفت أنور إلى أنه "من أهم المعالم اللافتة في سوق ماركاتو ازدحامها بالبضائع من كل الأصناف، بخاصة الملابس والأحذية والأدوات الإلكترونية. وتمتاز السوق بمواسم مرتبطة ببيع المحاصيل المحلية، حيث يزداد نشاطها في هذه الأثناء بحركة التجار والمزارعين القادمين من مختلف الأقاليم لبيع منتجاتهم وشراء المستلزمات الضرورية. وإلى جانب ذلك تتعدد زيارات التجار الإقليميين لسد نقائص حاجات محالهم التجارية في الأماكن المختلفة خارج أديس أبابا". وتبلغ جملة المعاملات اليومية لحركة السوق ملايين الدولارات نظير البضائع الجديدة والمستعملة. ويتم يومياً نقل آلاف الأطنان من البضائع والحاجات إلى كل المدن والولايات. ولعديد من الشركات مقار داخل السوق، ويوجد في "ماركاتو" أكثر من 170 فرعاً للبنوك الإثيوبية المختلفة لخدمة التجار والمتعاملين بالداخل والخارج.
عشوائية منتظمة
من جهته يقول الباحث الاجتماعي عباس محمد كوركي إن "سوق ماركاتو على رغم اكتظاظها بالزبائن من مشترين والسياح وغيرهم لا تضيق أبداً على حركة الزوار، إذ تتسم بـ(العشوائية المنتظمة) في كثير من أقسامه. وبمرور الزمن أصبحت هذه العشوائية نظاماً تعوده الناس في حركتهم المتوائمة مع حركة السوق. ونشأت المواقع المتخصصة لبيع السلع بطريقة تدرجية، وأصبح عديد من النقاط في السوق معنية بسلع محددة". ويضيف "لا يلقى الباحث عن بضاعة ما وسط عشوائية السوق، صعوبة في الوصول إلى ما يريده، حيث بات للسلع المختلفة، نقاط معينة من السوق تسمى باسم المنتج المعين لتفرض هذه النقاط المبعثرة في أزقة ودهاليز السوق كأماكن معلومة يصلها الزبون بصعوبة، ولكنه يجد ما يبحث عنه عند الوصول إليها فوراً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فضاءات الخردة
يتابع كوركي، "إلى جانب الحركة التجارية النشطة للسوق، لا تخلو تلك الحركة من مناظر مضحكة وغريبة كأن تشاهد بعض الحمالين يحملون على رؤوسهم بضاعة تفوق الأوزان العادية، وآخرين يجرون حاملات متحركة مليئة بالملابس بأصناف البضائع المتعددة، وتجد البعض من الأفراد يفترشون بضائع وخردة متنوعة وأسلاك ومسامير بضاعة زهيدة يهتمون بها ويقدمونها كخدمات غريبة لبعض الزبائن الراغبين". ويشير إلى أن "السوق تضم فضاءات واسعة ومتعددة لطرح وبيع الخردة، من حديد وآليات وكل الأدوات المنزلية وغير المنزلية. كل ما يخطر على البال تجده في أسواق ماركاتو، لذلك تجد السوق دوماً مكتظة بالرواد من مشترين وبائعين وسماسرة وعمال تضيق بهم شوارعه المكتظة بالمارة والسيارات".
تحديث
ويشرح عباس كوركي أن "الحكومة الإثيوبية ممثلة في سلطة العاصمة أديس أبابا، وفي سبيل تطوير سوق ماركاتو والنهوض به سبق وطرحت عروضاً استثمارية للشركات المحلية والأجنبية لأجل تنظيمه وتحديثه بما يواكب الحركة المعمارية المتنامية والتوسع المطلوب، وعندما لم تجد الحكومة عروضاً مشجعة بدأت خططها التحديثية للسوق مع أصحاب المحلات التجارية وفق خطط مدروسة للنهوض بالسوق، ولا يزال المشروع في بداياته، حيث تجد عديداً من البنايات التي بدأت تمثل مجمعات تجارية متخصصة لمختلف البضائع وفق التنظيم والترتيب المنشود للأسواق المتخصصة مستقبلاً".
الوجه الآخر لـ"ماركاتو"
إلى جانب النشاط الشرعي من بيع وشراء وحركة تجارية لا تتوقف طوال النهار هناك أنشطة أخرى يولدها الازدحام ويقودها العاطلون من العمل، سواء في الشحاذة، أو غيرها من الممارسات. ويحذر الأهالي دوماً القادمين حديثاً إلى أديس أبابا عند زيارتهم سوق "ماركاتو" لأخذ الحيطة والحرص حفاظاً على أموالهم من اللصوص والنشالين، كما المحافظة على هواتفهم النقالة وحاجاتهم التي قد تتعرض للخطف ما لم يحرصوا على مراعاة استخدامها.
وبقدر ما تجمع "ماركاتو" من نشاط شرعي، للسوق أوجه أخرى من أنشطة مستورة يمارسها البعض مع حلول الظلام. ومن الغرائب أن المحلات التجارية بوسط سوق "ماركاتو" برمتها لا تعمل ليلاً، وتغلق أبوابها منذ الساعة الخامسة عصراً، ويستعجل أصحابها الخروج من السوق في وقت مبكر، فتتناقص حركة الناس تدرجاً، ويحل الهدوء في الأماكن والشوارع والأزقة التي ظلت نشطة طوال النهار، فيتحاشى الناس البقاء فيها طويلاً بمجرد انحدار الشمس نحو المغيب.