انطلق في القاهرة معرض "الأبد هو الآن" الذي ينظم للعام الثالث تحت إشراف مؤسسة "آرت دو إيجبت". يستمر المعرض حتى 18 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وهو يتيح الفرصة لفناني العالم لخلق حوار بصري مع أهرام الجيزة، إحدى عجائب الدنيا السبع، وأحد أضخم الإنشاءات البشرية في التاريخ القديم. المعرض هو الأول الذي ينظم على الإطلاق بين أحضان الأهرام، ويستلهم رؤيته من هذا المزج والحوار بين القديم والحديث. تضم هذه الدورة أعمالاً لأربعة عشر فناناً وفنانة من دول مختلفة بينها أربع دول عربية هي مصر والسعودية والإمارات والبحرين.
الأعمال المشاركة هي أعمال تجهيزية، وتعرض في الهواء الطلق، كما تتيح للزائر رؤية قريبة للأهرام الثلاثة من منظور مختلف. في معظم الأعمال المشاركة يتم التعامل مع هيئة الأهرام كعنصر رئيس في تكوين العمل، إذ تتفاعل الأعمال مع الحضور البصري للأهرام، بل تمثل امتداداً لهذا الحضور أحياناً.
في عمله التجهيزي على سبيل المثال يستخدم الفنان السعودي راشد الشعشعي أعواد الخوص المصنعة من سعف النخيل لإنشاء مجسم هرمي على رمال الصحراء. في الخلفية تبدو الأهرام الثلاثة حاضرة ومسيطرة على المشهد. وإذا ما نظرت إلى العمل من زاوية معينة سيبدو المجسم الهرمي الذي صنعه الشعشعي واحد من هذه الأهرام. يحمل هذا الحوار بين عمل الفنان السعودي وأهرام الجيزة عديداً من المفارقات، فالأول مصنوع من مادة هشة يتخللها الفراغ من كل جانب في مقابل الطبيعة المستقرة والقوية للأثر الفرعوني بالغ الضخامة، ولكن على رغم هذه الاختلافات فثمة نقاط مشتركة بينهما، فالقديم والمعاصر يتجاذبان هنا أطراف الحوار، إذ إن الخامة التي شيد بها العمل الفني تحمل عبق الماضي، كما أن لها علاقة وثيقة بهؤلاء الذين شيدوا هذه الأهرام الثلاثة، فأعواد الخوص هي أحد العناصر التي استخدمها المصريون القدماء في صناعة أدواتهم، كما يقول الفنان.
يحمل هذا التجاور بين الشكلين، عمل الشعشعي والأهرام، خداعاً بصرياً متعمداً يحتل فيه مشهد أهرام الجيزة جانباً من التجهيز الفني. هذا الإيهام البصري الذي ينطوي عليه عمل الفنان السعودي يتكرر تقريباً في جميع الأعمال المشاركة، فالرؤية المسيطرة على معظم الأعمال تحرص على خلق حوار بصري بين التركيب المعاصر ونظيره القديم، والذي لا يمكن إغفال حضوره بسهولة.
الفنان المصري محمد بنوي يعرض عمله تحت عنوان "في الأعلى كما في الأسفل"، أو قبة السماء المرصعة بالنجوم. يتخذ عمل بنوي هيئة هرمية كذلك، وهو مستوحى، كما يقول، من النصوص المنسوبة للإله تحوت إله الحكمة عند المصريين القدماء. هذه النصوص تمثل رموزاً وإشارات تتحدث إلينا من مستوى الروح لا العقل، كما يقول الفنان، فالعالم المادي هو صورة من عالم موجود في بعد آخر. يستلهم الفنان المفردة الرئيسة في تكوينه من هيئة النجمة الخماسية التي زين بها المصري القديم مشهد السماء في رسومه على جدران المعابد والمقابر الفرعونية.
ومن اليونان يقدم الفنان كوستاس فاروتسوس عمله تحت عنوان "أفق"، ويركز فيه على العلاقة بين نهر النيل وهضبة الأهرام. يتخيل الفنان اليوناني أفقاً جديداً للعالم، وهو يرى أن هذا الأفق الجديد يتحدد من خلال ثماني دوائر يدور فيها العالم. أما القبة السماوية ودورة الحياة، فيعبر عنهما الفنان من خلال الشكل الهندسي للدائرة، وهي مفاهيم مرتبطة بهندسة الأهرام وتاريخها، كما يقول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الفنان البحريني راشد آل خليفة يعرض عمله تحت عنوان "الواقع لا زمان له". يتلاعب خليفة بمفهوم الزمن، كما يستكشف علاقته بالأساطير القديمة. ينشئ خليفة مجموعة من التجهيزات المعدنية المثبتة في الأرض. تتشكل هذه التجهيزات في النهاية على هيئة متاهة لتبدو كبقايا من أثر قديم. أما عمل الفنان البلجيكي أرني كوينز فهو على هيئة دائرة مصنوعة من الألومنيوم الملون. تبدو الدائرة الملونة كباقة من الزهور تحيط بالهرم الأكبر الذي يظهر في الخلفية كاملاً داخل الدائرة. إلى جانب هذه الأعمال ثمة أعمال أخرى لفنانين من البرازيل والإمارات والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والأرجنتين وهولندا وإنجلترا، وجميعها تتعاطى بصرياً مع مشهد الأهرام على نحو مباشر أو غير مباشر.