ملخص
يكثف المغرب من مساعيه للتوسع أفريقيا عبر دبلوماسية الاستثمار والاقتصاد في التعامل مع محيطه الأفريقي.
يراهن المغرب على تعزيز "دبلوماسيته الاقتصادية" من أجل تعزيز علاقاته السياسية مع العديد من بلدان القارة الأفريقية، من خلال إبرام الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية ومشاريع الاستثمار بهذه الدول في سياق إرساء علاقات "رابح ـ رابح" بين الأطراف المعنية.
ويوقع المغرب العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية مع بلدن في غرب القارة السمراء وشرقها، وإرسال الكثير من البعثات التجارية، وإقامة المشاريع المدرة للربح في هذه الدول، وهي الدبلوماسية التي جنى منها المغرب عدداً من الثمار والمنافع السياسية، أبرزها ما يتعلق بملف وحدته الترابية.
وتختتم في مدينة مراكش المغربية اليوم الجمعة الدورة الرابعة لمنتدى الاستثمار الأفريقي، إذ قال العاهل المغربي الملك محمد السادس إن "بلاده ظلت تعمل بمعية شركائها الأفارقة، من أجل إطلاق مشاريع كفيلة بتحقيق التحولات المنشودة، بما يمكن من إحداث نقلة كبيرة في ظروف عيش ملايين الأشخاص في أفريقيا".
ويندرج في سياق هذه المشاريع التي يراهن عليها المغرب، مشروع أنبوب الغاز الذي سيربطه بنيجيريا، والذي سيؤمن لمجموع البلدان الأفريقية التي سيمر منها الأنبوب مصدراً يمكن الاعتماد عليه للتزود بالطاقة، ويزيد من قدرتها على تحمل الصدمات الخارجية المتعلقة بأسعار المنتجات الطاقية.
وتتجلى الدبلوماسية الاقتصادية التي ينهجها المغرب داخل القارة الأفريقية في زيارات الملك محمد السادس بنفسه التي أجراها خلال السنوات الأخيرة إلى أكثر من 30 دولة أفريقية، وكان يحرص على أن ترافقه بعثات اقتصادية رفيعة المستوى إلى القارة السمراء، من رجال أعمال ومديري بنوك ورؤساء شركات كبرى.
وتفيد المعطيات بأن البنوك المغربية أسست فروعاً لها في أكثر من 21 دولة أفريقية، وهو ما سبق أن عبر عنه تقرير سابق لمركز الدراسات الاستراتيجي والأمني الأميركي، بأن البنوك الأوروبية تختفي تدريجاً من أفريقيا، في الوقت الذي بصم فيه المغرب عن حضور لافت لمؤسساته البنكية في القارة، من خلال "توظيف ثرواته المالية لإبراز قوته في جميع أنحاء القارة".
وفي سياق متصل، يصنف بنك التنمية الأفريقي المغرب ثاني أكبر مستثمر أفريقي في أفريقيا جنوب الصحراء، وأكبر مستثمر أفريقي في غرب القارة. كما يتوقع البنك الأميركي "جي بي مورغان تشيس" أن يكون المغرب أكبر مستثمر أفريقي داخل القارة في أفق عام 2025.
"رابح ـ رابح"
ويعلق الباحث في العلاقات الدولية حسن بلوان على تحرك بلاده بقوله إنه منذ عودة المغرب إلى أجهزة ومؤسسات منظمة الاتحاد الأفريقي عام 2017 كثفت الرباط من استثماراتها الاقتصادية داخل القارة السمراء، حيث تتركز معظم الشركات والمؤسسات والبنوك المغربية في غرب القارة ووسطها، وتتمدد في اتجاه الشرق وسط منافسة قوية من بعض القوى الإقليمية والدولية.
ويرى بلوان أنه "إذا كانت الدبلوماسية الاقتصادية للمغرب تركز على البلدان الصديقة والقريبة منه، فإن التوجه الجديد للاستثمار المغربي يفصل بين العلاقات الاقتصادية عن المواقف السياسية، إذ يتم الانفتاح أكثر على بعض الدول التي لها مواقف ملتبسة أو ملتوية من سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية".
ويكمل، "يستفيد المغرب داخل أفريقيا من تداخل شبكات متداخلة من الروابط الروحية والسياسية والثقافية يؤطرها مبدأ (رابح ـ رابح)، مما يجعل الدبلوماسية الاقتصادية المغربية أكثر جاذبية وتنافسية، حتى إنها استطاعت أن تزاحم قوى دولية تقليدية داخل القارة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويمتلك المغرب رؤية طموحة وواقعية للاستثمار الاقتصادي داخل القارة السمراء – وفق بولان - وهو ما تأكد في آخر خطاب للعاهل المغربي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، والذي رسخ توجه بلاده نحو عمقها الأفريقي من خلال استكمال البنيات التحتية والمشاريع الكبرى في الصحراء، كمحطة للإشعاع القاري والتعاون الدولي".
وأوضح بلوان أن العاهل المغربي اقترح تمكين دول الساحل والصحراء التي تعاني من الحروب من ممرات نحو الواجهة الأطلسية كبديل اقتصادي وتنموي للحلول الأمنية والعسكرية التي تزيد من الاضطرابات والفوضى في المنطقة، ووضع جميع مقدرات البنية التحتية المغربية في خدمة هذه الورش الطموحة.
وخلص المتحدث عينه إلى أن "التوجه الجديد للمغرب يركز على التعاون والاستثمار الاقتصادي والمالي والتنموي داخل القارة الأفريقية يشكل مفتاحاً لحل مجموعة من المعضلات التي تعانيها القارة، كما تزيد من التأييد الدبلوماسي والسياسي له أفريقياً بخاصة في ما يتعلق بحسم قضية الصحراء باعتبارها قضية مقدسة عند المغاربة، وتحظى بالأولوية القصوى لدى دبلوماسية الرباط".
عوائد سياسية
من جهته، أفاد الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي عبدالواحد أولاد مولود، بأن المغرب اتجه في السنوات الأخيرة نحو دول أفريقيا جنوب الصحراء لتوطيد تلك العلاقة القديمة الجديدة بين الطرفين، والتي تقوم على مرتكزات اقتصادية وسياسية وروحية وحضارية.
وتابع أولاد مولود أن المغرب منذ عودته إلى الحضن الأفريقي عام 2017 ركز على المنظور الاقتصادي لتركيز نفوذه في القارة السمراء، من قبيل الاتفاقيات العديدة بين المغرب وعدد من دول القارة، على غرار المؤتمر الدولي الثاني لإقلاع أفريقيا المعقد في أبيدجان، الذي كان بمثابة تحول اقتصادي للمغرب في القارة، بالتالي بداية نهج للدبلوماسية الاقتصادية بهدف بسط النفوذ السياسي والدبلوماسي للرباط.
وأبرز المحلل عينه أن "المدخل الاقتصادي بات مدخلاً رئيساً لترسيخ السياسة الخارجية للرباط في أفريقيا، التي حققت المبتغى وكرست منطق التعاون بين (دول جنوب ـ جنوب) والتركيز على الاعتماد المتبادل، وسياسة (رابح ـ رابح)".
ولفت إلى أنه في وقت سابق كان هناك تباعد بين المغرب وعدد من بلدان أفريقيا، مع حفاظه على علاقات وثيقة مع حلفائه التقليديين مثل الغابون وكوت ديفوار، غير أن الرباط انفتحت أخيراً على مناطق أخرى في غرب أفريقيا وشرقها لترسيخ النفوذ الاقتصادي في أرجاء القارة.
وحول ثمار الدبلوماسية الاقتصادية سياسياً في أفريقيا، بين أولاد مولود أن هناك عائدات سياسية لهذه الدبلوماسية المرتكزة على الاقتصاد، أهمها دعم العديد من الدول الأفريقية للوحدة الترابية للمغرب، بدليل اعترافها بسيادة الرباط على الصحراء، وفتح قنصلياتها في كبريات حواضر الصحراء، خصوصاً في العيون والداخلة.
ومن ثمار الدبلوماسية الاقتصادية للمغرب في أفريقيا أيضاً، كون عدد من القوى الدولية الكبرى مثل أميركا وروسيا صارت تعول على المغرب ليكون بوابة لها ومفتاحاً رئيساً لولوج أسواق القارة الأفريقية"، وفق أولاد مولود، الذي ختم حديثه بالقول إن "المغرب لا يقتصر فقط على تقديم المساعدات المالية والاقتصادية إلى أفريقيا، بل يراهن على النهوض بمقدرات الدول الأفريقية ومواردها البشرية، مما ينعكس إيجاباً في المستقبل على نفوذه داخل القارة السمراء".