ملخص
أنجزت الحكومة اللبنانية مشروع قانون لفرض ضريبة على القروض التي استفادت من انهيار الليرة
وضعت الحكومة اللبنانية لمساتها الأخيرة على مشروع قانون لفرض ضريبة على القروض المسددة من دون قيمتها الحقيقية. وأحالت الحكومة مشروعها الذي رعاه نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي على وزارة المالية لإبداء الرأي قبل إحالته على مجلس النواب.
ينتمي هذا المشروع إلى فئة قوانين "الضرائب التخصصية" لأن الأموال الناجمة عنه ستتجه مباشرة إلى صندوق إعادة تسديد الودائع، مما يسهم في رفد الصندوق بكمية من الأموال على أرض الواقع، وعدم انتظار تذويب ما تبقى من الودائع في ذمة المصارف.
وأكد مستشار رئيس الحكومة نقولا نحاس أن "الحكومة تقوم بواجباتها لناحية إيجاد بعض الحلول للأزمة، وستحيل المشروع على مجلس النواب الذي يقع على عاتقه مناقشته وإقراره"، ونفى نحاس "قيام الحكومة بالتواصل مع الكتل النيابية قبل الشروع في إعداد مشروع القانون"، و"كل مؤسسة تقوم بواجباتها بصورة مستقلة، والحكومة تلتزم الأصول الدستورية والقانونية بغض النظر عن مآل المشروع". وشدد على أن "السبب الأول لوضع قانون كهذا هو قيام فئة كبيرة من المقترضين بالدولار بسداد قروضهم وفق سعر الصرف 1500 ليرة لبنانية، مما أدى إلى أرباح كبيرة لفئة من الناس، ولذلك لا بد من فرض ضريبة على هذا الدخل"، مشيراً إلى "تحديد التفاصيل الدقيقة للقانون في المراسيم التنفيذية التي تصدر بصورة لاحقة عن الحكومة".
مشروع اللحظة الحرجة
ومع بدء انهيار العملة اللبنانية، بادر كثر من المقترضين إلى دفع قروضهم الدولارية بالعملة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة لبنانية، في وقت كانت العملة الوطنية مستمرة في سقوطها الحر. وفي موازاة ذلك، برزت ظاهرة بيع شيكات "اللولار" بأقل من سعرها بمعدل بلغ 80 في المئة. وبعد مرور أربع سنوات على بدء الأزمة، لفت بعض رجال القانون إلى أهمية فرض ضريبة على المداخيل والأرباح المحققة من سداد القروض المصرفية من دون قيمتها الحقيقية، وجاء ذلك على حساب المودعين الذين كانوا يخسرون ودائعهم، إما بسبب احتجازها في المصارف، أو بسبب إلزامهم سحبها ضمن هامش أقل بكثير من قيمتها.
وتعاون نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي والمحامي كريم ضاهر رئيس لجنة حماية حقوق المودعين من أجل صياغة مشروع القانون. وشدد ضاهر على أهمية المشروع "لأنه يؤمن المساواة بين المودعين والأشخاص الذين استفادوا من تهاوي سعر الصرف، والتدابير الاستنسابية للمصارف التجارية، والتعاميم التنظيمية التي أصدرها حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة. وأعطي بعض المقترضين الفرصة للسداد وفق سعر الصرف الرسمي، فيما ألزم المودعون قبض أجزاء من رصيدهم من دون قيمتها، وإقناعهم ألا أفق مستقبلياً لاسترداد الودائع". وتابع ضاهر "لم يكن لدى المودع خيار آخر لتأمين نفقات الطبابة والاستشفاء والتعليم، لذلك اضطر إلى قبول الدخول في تجارة الشيكات، وتنازل البعض عن الوديعة لقاء 10 في المئة من قيمتها، فمن يمتلك 800 ألف دولار، اضطر إلى بيعها لقاء 80 ألف دولار نقداً، في المقابل، كان المقترض يحقق ربحاً كبيراً من الفرق الشاسع بين دولار السوق والدولار الرسمي".
المستفيدون الكبار
وتوزعت المنفعة من سداد القروض على شريحة كبيرة من المقترضين. وأشار الخبير المصرفي نسيب غبريل إلى أن "الأمر لا يقتصر على الأفراد، وإنما جنت شركات كثيرة أرباحاً كبيرة على حساب المصارف والمودعين، وهذا ما أطلق عليه صندوق النقد الدولي بإعادة توزيع الثروة من المودع إلى المقترض"، كما انعكس ذلك على محفظة قروض المصارف للقطاع الخاص بالعملات الأجنبية بنسبة 80 في المئة، في الفترة المتراوحة بين سبتمبر (أيلول) 2019، وسبتمبر 2023 بما يوازي 33.2 مليار دولار أميركي. وكذلك تراجعت القروض بالليرة اللبنانية بما يقدر بـ55 في المئة، أي بمبلغ يقدر بـ15 تريليون ليرة لبنانية بسبب السداد المسبق للقروض قبل استحقاقها بسنوات، أو تسديدها بشيكات على سعر الصرف الرسمي. ولفت غبريل إلى استغلال التعميم الذي صدر بعد انفجار مرفأ بيروت والذي سمح للأفراد بسداد القروض وفق سعر الصرف الرسمي، ما ترافق مع تناقض في القرارات المصرفية لناحية إلزام المصارف بدفع الودائع بالدولار نقداً في مواقف السماح بتسديد القروض بالشيك، مما سبب خسائر للمصارف والمودعين معاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذ أشار إلى بروز اعتراضات على المشروع، تطرق غبريل إلى سلسلة قرارات أدت إلى ضرب القطاع المصرفي والاستقرار المالي بدءاً بالتعثر عن دفع سندات اليوروبوند مما أدى إلى خفض قيمة الودائع التي كانت تباع لقاء شيك بقيمة 70 في المئة، ولكن بعد التعثر بدأت القيمة بالهبوط إلى 10 في المئة، ما ترافق مع تسارع انهيار سعر الليرة اللبنانية، وقرارات الدعم الكارثية التي شجعت على الاحتكار والتهريب والتخزين، لذلك، دعا غبريل إلى ضريبة موازية هي "الضريبة على كل من خزن أو هرب السلع المستوردة بسبب استهلاكها 12 مليار دولار من احتياط مصرف لبنان، وهي مبالغ كان بالإمكان استخدامها لإعادة الودائع لأصحابها".
الدولة فاعلة أساسية
وفي ظل الأزمات، تعتبر الدولة فاعلة أساسية من أجل القيام بالإصلاحات وتحقيق العدالة الاجتماعية. من هذا المنطلق، شدد كريم ضاهر على دور الدولة من أجل إحقاق الحق والعدالة وإعادة توزيع الثروة والمحافظة على التوازن المالي والاقتصادي متحدثاً عن "أهمية الضريبة في ذلك باعتبارها الوسيلة المتاحة حالياً لتأمين المساواة بين المكلفين"، مضيفاً أنها "ليست بجديدة"، ومنطلقاً من النظام الضريبي الذي أقر عام 1959 في عهد رئيس الجمهورية الراحل فؤاد شهاب، الذي تضمن مجموعة من الضرائب على غرار الضريبة العقارية، وضريبة رؤوس الأموال المنقولة، وغيرها من الضرائب النوعية التي فرضت على الأبواب المختلفة للإيرادات كالضريبة على الرواتب والأجور وضريبة الأرباح التجارية والصناعية.
وجزم ضاهر أن الأرباح الناجمة عن سداد القروض خاضعة للضريبة من جهة المبدأ، وضرورة تحرك وزارة المالية في هذا الشأن قبل مرور الزمن أي خمس سنوات على المداخيل المصرح عنها، وسبع سنوات عن غير المصرح عنها، ذلك أن "المشرع أخضع الإيرادات غير المحددة ضمن الضريبة النوعية للضريبة العامة العادية، أي الضريبة على النشاطات الاقتصادية والصناعية التي تتراوح ما بين أربعة و25 في المئة".
ضريبة بمفعول رجعي؟
وعن طرح مشروع القانون الحالي فكرة الأثر الرجعي، أوضح كريم ضاهر أن "القانون يسمح لوزارة المالية دراسة أعمال المكلفين المصرحين خلال مهلة خمس سنوات، وغير المصرح عنها خلال سبع سنوات"، ولكن بسبب الخلل وعدم تصريح معظم المستفيدين من سداد القروض عن أرباحهم المحققة، جاء مشروع القانون الجديد، داعياً مجلس النواب إلى تحمل مسؤوليته، والقيام بخطوات إصلاحية لإقراره إضافة إلى قانون إعادة هيكلة المصارف، و"الكابيتال كونترول"، وصولاً إلى الدفع نحو عقد اجتماعي جديد. وأشار إلى أن القانون يأتي من أجل لفت نظر شريحة من الناس إلى أن استفادتهم من المبالغ جاءت على حساب ودائع المودعين، ومطالبتهم برد جزء من الأرباح من طريق هذه الضريبة التي تعتبر بمثابة "تعويض عن الخسارة التي لحقت بالمودعين".
إعفاءات لمحدودي الدخل
كما تضمن مشروع القانون إعفاءات لشريحة من المكلفين، وتحديداً الحاصلين على قروض التجزئة وقروض شخصية لغاية 100 ألف دولار. وبرر ضاهر الأمر بأن "هؤلاء من شريحة متوسطي وصغار الذمة المالية ممن تحملوا أعباء التضخم".