Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشرق السوري... أرض التوترات وتصفية الحسابات

أطراف النزاع يحولونه إلى كتلة من نار تتسع لتحرق الجميع

أخذت الحسابات الخارجية على الأرض السورية بالاتساع خلال الصراع المسلح المستمر منذ الـ 12 سنة الماضية (اندبندنت عربية)

ملخص

تتجرع أرض سوريا وأهلها المرارة بعد أن طال أمد النزاع المسلح فوق ثنايا ترابها، واتسعت حلقات النار على امتداد بادية مترامية وواسعة المساحة

تتجرع أرض سوريا وأهلها المرارة بعد أن طال أمد النزاع المسلح فوق ثنايا ترابها، واتسعت حلقات النار على امتداد بادية مترامية وواسعة المساحة وسط ترقب حول ما سيفضي إليه جنون آلة الحرب، لا سيما التطورات الأخيرة شرق سوريا بين الفصائل الموالية لإيران والقوات الأميركية المتحصنة بقواعدها العسكرية.

وصل حدة الصراع ذروته عبر قصف متبادل لم يهدأ منذ أسبوعين، ولعل يوم الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) يعد الأكثر قوة وتركيزاً حيث كشفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن استهداف منشآت عسكرية قالت إنها مراكز تتبع للحرس الثوري الإيراني تضم عتاداً عسكرياً من صواريخ وأسلحة وذخائر ومسيرات.

في المقابل لا تزال طهران تنفي أية صلة رسمية لها مع المجموعات المهاجمة على القواعد العسكرية الأميركية في الشرق السوري، وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان قد جزم بشكل قاطع في تصريحات صحافية سابقة بعدم صلة بلاده بتلك الجماعات في سوريا والعراق، وقال إنها تتصرف بشكل مستقل ولا تتلقى أوامر أو توجيهات من طهران.

وتعاني القوات الأميركية (يبلغ تعداد الجنود في سوريا 900 وفي العراق 2500) من استهداف متزايد مع اندلاع حرب غزة، وتفاقمت الاعتداءات مع إقدام حركة "حماس" على إطلاق عمليتها ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول).

نائب المتحدث باسم "البنتاغون" سابرينا سينغ أفصحت عن مجمل الهجمات التي تعرضت لها القوات الأميركية في سوريا والعراق منذ السابع من أكتوبر الماضي حيث بلغت 46 هجوما أصيب خلالها 56 جندياً بجروح، وأعلنت بالوقت ذاته عن ضرورة مصادقة "الكونغرس" بشكل سريع على حزمة الدعم العسكري لكل من أوكرانيا وإسرائيل.

اتساع رقعة الحرب

في غضون ذلك تتزايد مخاوف الأهالي في الجزء الشرقي من ارتفاع حدة القصف، خصوصاً ما أسفر عن ذلك من سقوط مدنيين أبرياء أثناء القصف المتبادل، فضلاً عن تجدد المعارك بين فصائل العشائر العربية وقوات الحمادية الكردية، وهذا بحسب خبراء ما يعقد المسألة ويزيد أتون الحرب.

كانت الأمم المتحدة قد حذرت من تداعيات الهجمات الأخيرة على القوات الأميركية في سوريا. وقال المتحدث الأممي ستيفان دوجاريك إن الهجمات مؤشر إلى خطر اتساع نطاق الصراع، وأكد في الوقت ذاته ضرورة احترام جميع الأطراف لوحدة الأراضي السورية، وممارسة أقصى درجات ضبط النفس الممكنة خشية توسع نطاق الحرب في المنطقة.

يرجح الباحث في شؤون السياسة الخارجية محمد هويدي انفجار الموقف في منطقة الشرق القابع على صفيح ساخن، ويرى أنه تتجه الأوضاع على الأرض إلى مزيد من التصعيد، لا سيما أنها فرصة تستغلها سوريا وحلفاؤها مع قرب الانتخابات الرئاسية الأميركية لزيادة التصعيد "بالتالي يصب بمصلحة تركيا التي تشعر بقلق من القوات الكردية المقاتلة، والمدعوم أميركياً".

وفي حين يعتقد أن المشهد بشرق سوريا معقد بحسب الظروف الدولية والمحلية مع وجود لاعبين فاعلين غير الأميركي مثل فرنسا وبريطانيا وأيضاً تركيا وإيران وروسيا وقوى متعددة تنتشر في الشمال السوري، مع بروز قوى أخرى يمكن أن يكون لها دور مستقبلي، منها العشائر التي تتمتع بغطاء من حلفاء سوريا، بالتالي المشهد في الجزيرة السورية قابل للتطور وبشكل متسارع خلال المرحلة المقبلة.

صراع نفوذ

النزاع الأميركي- الإيراني لم يأتِ كحالة طارئة بسبب حرب غزة حديثاً، وإن اشتد خلال الفترة الحالية، لكن الأمر يتعلق بتصفية حسابات خارجية، وصراع نفوذ دولي في تلك المنطقة دارت بينها فضلاً عن توسع النفوذ الروسي والتركي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى هويدي أن هناك ثلاث نقاط أدت لاشتعال الحرب في شرق سوريا، منها الخطر الذي يتهدد الأمن القومي الإيراني والمتمثل بحسب رأيه بدعم قوات سوريا الديمقراطية، أو للأكراد تحديداً، وهذا يشكل تهديداً لطهران وأنقرة معاً.

وأضاف "ومن جهة ثانية تعمل إيران إلى إضعاف النفوذ الأميركي وتحديداً في سوريا، ويتم لهذا الغرض حسابات معقدة في كيفية التعاطي مع هذا الملف، والنقطة الثالثة هي إخراج الأميركي من حسابات جيوسياسية كالمشروع الصيني، ويعد الإيراني جزءاً من مبادرة الحزام، علاوة عن الصراع الروسي والغربي الحاصل حيث تحولت سوريا إلى منطقة لتصفية الحسابات وللصراعات".

القوى المتحالفة

حيال ما يدور في الشرق السوري يرجح مراقبون المزيد من التوتر، بخاصة إعلان العشائر العربية عودة انتفاضتها التي بدأتها في أغسطس (آب) الماضي، وتعد هذه المعارك المندلعة بالتوازي مع القصف المتبادل على القواعد الأميركية بمثابة تحريك للمياه الراكدة.

من جانبه، أشار رئيس المجلس الأعلى القبائل السورية الشيخ مضر حماد الأسعد إلى تطور لدى الفصائل المقاتلة من العشائر بعد هذه المدة بعد تدريبات وتنظيم أعمالها القتالية مستخدمة أسلوب "الكر والفر" بشكل منسق.

ورد الأسعد في لـ"اندبندنت عربية" مسوغات تجدد الاشتباكات منذ شهر إلى فشل المفاوضات بين قوات التحالف الدولي وشيخ قبيلة العكيدات، الذي أطلق شرارة الهجمات على القوات الكردية "رفضت هذه القوات الالتزام بالبنود التي توافق عليها مع التحالف الدولي في شأن إدارة المنطقة إدارياً وعسكرياً وتعليمياً ورغبتهم بالسيطرة الكاملة وتعيين من ينوبون عنهم"، بينما لم تتوان قوات قسد من إعلان مصالحة، وأجرت في المقابل تسويات لمن حمل السلاح في وجهها لمرات عدة.

تمسك الإدارة الذاتية الكردية على قيادة قوات سوريا الديمقراطية، وتختصر باسم (قسد) ويعد تشكيل عسكري من مكونات عرقية وأثنية ودينية وعشائرية يضم العرب والكرد والآشوريين والسريان والتركمان وغيرهم من أبناء منطقة الفرات والجزيرة السورية وتشكلت بدعم من التحالف الدولي لمكافحة "داعش" هدفه رد هجمات التنظيم.

هذا التطور أقلق تركيا، خصوصاً تنامي نفوذ الأكراد العسكري، ودعمة من قبل واشنطن، في حين شنت عمليات توغل لداخل مناطق الأكراد في الشمال السوري واستحوذت على مناطق واسعة بذريعة تأمين منطقة آمنة، وما زالت تسعى إلى استكمالها بعمق 30 كيلومتراً.

المربع الأول

أخذت الحسابات الخارجية على الأرض السورية بالاتساع خلال الصراع المسلح المستمر منذ الـ 12 سنة الماضية، فإيران تعاني حصاراً اقتصادياً منذ 40 عاماً حتى الآن من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية، بالتالي بحسب رأي الباحث السياسي هويدي فإن الأمر الذي أخذ يفاقم المشكلة هو حساب قديم يعود منذ انطفاء الاتفاق النووي مع تسلم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب سدة الحكم ليلغيه ويعيده للمربع الأول، بالتالي الدوافع كثيرة في الصراع بين نيويورك وطهران، وعلى المستويات كافة السياسية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة، ناهيك بالخلاف التاريخي، وفق رأيه.

وأضاف "بالحقيقة النزاع اليوم بين الطرفين ينطلق من الخليج العربي مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان، بالتالي سوريا تشكل قاعدة استراتيجية لإيران بتأمين الدعم اللوجيستي والعسكري لـ"حزب الله"، وأي تغيير سيؤثر في هذا المحور والقوى المتحالفة مع إيران، ولذلك الأهمية الاستراتيجية تتمثل في دفع أميركا بالخروج من سوريا، لاستكمال المشروع الإيراني الممتد من طهران إلى بغداد ودمشق".

وبالنتيجة لن تتوقف الحسابات الدولية وأطراف النزاع الدولي في سوريا عن تصفية مشكلاتهم وقضاياهم المعقدة على الأرض السورية، ومن غير المستبعد أن يدور على أرض الشرق معارك أكثر سخونة مما حصلت إلى اليوم، فضلاً عن توفر بيئة مناسبة لعودة الجماعات المتطرفة، وأبرزها "داعش" إلى الضوء.

وتستعر المعارك بين فصائل العشائر والقوات الكردية، وكلها يأتي بالتوازي مع حرب مصالح ونفوذ تدور بين واشنطن وطهران كل منها ترغب بسد الطريق على الأخرى.

المزيد من تقارير