ملخص
يرى النائب عبد الرزاق عويدات أن "الأحزاب التي سبق وقاطعت الانتخابات التشريعية، كان تأثيرها محدوداً، على رغم ضعف المشاركة في تلك الانتخابات، وذلك لأنها فقدت جزءاً كبيراً من قواعدها الانتخابية"
تُعتبر المقاطعة تعبيراً رمزياً عن الرفض والاحتجاج، وفي الحقل السياسي فهي تعكس موقفاً سياسياً رافضاً للسلطة الحاكمة.
وعادةً ما تستمد السلطة شرعيتها من خلال تنظيم الانتخابات، والفوز بغالبية أصوات الناخبين، ومن نسبة المشاركة، ما يعطيها شرعية ممارسة السلطة وتشريع القوانين.
وفي تونس، التي تستعد لمحطة انتخابية جديدة، وهي الانتخابات المحلية، إذ تعتبر المحطة الأخيرة في المسار الذي رسمه رئيس الجمهورية، قيس سعيد، في 25 يوليو (تموز) 2021، أعلنت أحزاب عدة مقاطعتها لهذه الانتخابات المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
انتخابات لا تثير اهتمام التونسيين
ومن بين الأحزاب التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات المحلية المقبلة، "حركة النهضة"، و"حزب العمال"، و"الدستوري الحر"، مبررةً ذلك برفضها المسار السياسي الذي وضعه، الرئيس قيس سعيّد، وقلّص بمقتضاه وجود الأحزاب والأجسام الوسيطة، من منظمات نقابية، وحقوقية في المشهد السياسي والانتخابي، من خلال تنقيح القانون الانتخابي واعتماد التصويت على الأفراد بدل القائمات.
وكان رئيس "جبهة الخلاص الوطني"، أحمد نجيب الشابي، أعلن الاثنين 20 نوفمبر (تشرين الأول) 2023، قرار الجبهة مقاطعة الانتخابات المحلية المقبلة، وأنها "تدعو إلى مقاطعتها وإلى إلغاء الإطار القانوني الذي سنّه رئيس الجمهورية، قيس سعيد، بصفة فردية، ومن دون أي استشارة"، مؤكداً أن "لا حل إلا في حوار وطني والذهاب إلى انتخابات مبكرة تشريعية ورئاسية، تعيد التفريق بين السلطات وتضمن الحريات العامة". وأضاف الشابي في ندوة صحافية عقدتها الجبهة، أن "الانتخابات المحلية لا تثير اهتمام التونسيين"، لافتاً إلى "انعدام الشفافية في ما يتعلق بعدد المترشحين لهذه الانتخابات"، فإلى أي مدى ستؤثر مقاطعة هذه الأحزاب في الانتخابات المحلية المقبلة؟
المقاطعة طعن في مصداقية الانتخابات
ويعتبر أستاذ القانون الدستوري شاكر الحوكي أن "نسبة المشاركة الضعيفة في أي انتخابات لا تضفي ما يكفي من الشرعية على الحاكم أو على المنتخَبين. وحتى تكتسب الانتخابات، الشرعية الضرورية، لا بد من نسبة مشاركة تفوق الخمسين في المئة من الناخبين، إضافة إلى الإجماع الشعبي، والتوافق بين القوى السياسية والقوى الحزبية على تلك الانتخابات".
وفي هذا السياق، يرى الحوكي أن "المقاطعة في تونس تتعاظم، وهو ما يقيم الدليل على أن هذه الانتخابات هي انتخابات انفرادية خاضعة لأهواء رئيس الجمهورية، وأن القرارات التي اتخذها سواء في علاقتها بالدستور أو بالصلح الجزائي أو بالشركات الأهلية، هي قرارات فردية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتبر شاكر الحوكي أن "قرار المعارضة مقاطعة الانتخابات المحلية، هو طعن في مصداقية وشرعية هذه الانتخابات"، مضيفاً أن "التجربة أثبتت أن مقاطعة الأحزاب كانت مؤثرة في المحطات الانتخابية السابقة، تُضاف إليها المقاطعة الشعبية، من خلال تراجع نسبة المشاركة التي لم تتجاوز 11 في المئة في الانتخابات التشريعية الأخيرة". وأشار المتحدث ذاته إلى أن "الشارع التونسي لا يبالي بهذه العملية، لأنها عملية فردية مرتبطة بأهواء الرئيس، وهذا العزوف والمقاطعة سيجرّدان العملية الانتخابية من أي صبغة شرعية".
يذكر أن المشهد السياسي الراهن في تونس تمزقه الانقسامات بين أحزاب من عائلات سياسية مختلفة، ترفض مسار سعيد، وأخرى مساندة لهذا المسار تحمّل الأحزاب التي كانت في الحكم مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس من تدهور لافت.
واستدعى معارضو سعيد من أحزاب ومنظمات وشخصيات سياسية، فكرة المقاطعة في محطات سابقة (الاستفتاء على الدستور، والانتخابات التشريعية)، من دون أن يكون لهذه الفكرة تأثير مباشر في العملية الانتخابية، على رغم تسجيلها نسب مشاركة ضعيفة.
الأحزاب المعارضة فقدت قواعدها
ويرى عضو مجلس النواب عن "حركة الشعب"، عبد الرزاق عويدات، أن "الأحزاب المعارِضة خسرت قواعدها، وفقدت تأثيرها في المشهد السياسي، لأنها باتت بعيدة من المطبخ السياسي، وهو ما سيؤثر في وجودها في الحياة السياسية". ويعتبر عويدات أن "الأحزاب التي سبق وقاطعت الانتخابات التشريعية، كان تأثيرها محدود، على رغم ضعف المشاركة في تلك الانتخابات، وذلك لأن الأحزاب المقاطعة فقدت جزءاً كبيراً من قواعدها الانتخابية بسبب السياق السياسي الجديد في تونس".
ويتوقّع النائب التونسي أن تكون "نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية ضعيفة، نظراً إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة"، معتبراً أن "الشعب التونسي يريد أن يشارك في عملية سياسية يجني ثمارها في الرفاه الاجتماعي، من مستشفيات ونقل عمومي مريح ومدرسة عمومية لائقة وقدرة شرائية قوية"، معبّراً عن أمله في "استكمال المسار الذي بدأه رئيس الجمهورية".
يذكر أن "حركة الشعب" سبق ودعت سعيد لتأجيل الانتخابات المحلية إلى موعد لاحق إلى حين تحسّن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، ليتحسّن الإقبال والمشاركة في هذه الانتخابات.
هيئة الانتخابات مستعدة
وكان الناطق الرسمي باسم "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات" محمد التليلي المنصري، أعلن أن العدد الإجمالي للمرشحين للانتخابات المحلية "فاق كل التوقعات، وبلغ 7777 مرشحاً، 900 منهم من ذوي الاحتياجات الخاصة"، مشيراً إلى أن "جميع المجالس المحلية سجلت تقديم ترشيحات".
وحول مدى جاهزية الهيئة وفروعها للانتخابات المحلية، أفاد التليلي المنصري بأن "الهيئة مستعدة لهذا الاستحقاق الانتخابي على جميع الأصعدة البشرية واللوجيستية في 24 ديسمبر المقبل".