تحاول الكتل الشيعية المنضوية في تحالف "الفتح" طرح مشروع قانون "إخراج القوات الأجنبية من البلاد" في البرلمان العراقي من جديد، وذلك بعدما أخفقت في إدراجه على جدول الأعمال خلال الأشهر الماضية، بسبب معارضة الكتل السنية والكردية وإعلان الحكومة حاجتها إلى جهود التحالف الدولي.
ويسعى تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري هذه المرة إلى استغلال حوادث استهداف مقار ومخازن أسلحة "الحشد الشعبي" التي حصلت، ويتهم فيها إسرائيل، لتمرير القانون بحجة إن الطائرات الإسرائيلية التي قصفت مواقع الحشد انطلقت من قواعد أميركية داخل الأراضي العراقية.
وبحسب النائب العراقي صادق السريطي فإن أكثر من 160 نائباً وقعوا على "قانون إخراج القوات الأميركية وإن عدداً من اللجان البرلمانية المعنية ومنها الدفاع والخارجية والقانونية، ستشترك لإنضاج القانون وعرضه على أعضاء البرلمان خلال الفصل التشريعي الجديد"، ويرجح السريطي أن "يأخذ القانون وقتاً طويلاً في النقاش قبل التصويت عليه".
وكانت الكتل الشيعية قد كشفت للمرة الأولى عن مقترح القانون، الذي يستهدف بالدرجة الأساس القوات الأميركية، في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، لكنها لم تشرح الخطوط العريضة للقانون أو تأثيره في الاتفاق الأمني الموقع بين بغداد وواشنطن عام 2008، على الرغم من تأكيدها أنه سيشمل القوات الأجنبية كافة على الأراضي العراقية من دون استثناء. إلا أن اتفاق الرئاسات الثلاث (الجمهورية والوزراء والبرلمان) على ضرورة بقاء القوات الأميركية لمواجهة الإرهاب أدى إلى تراجع فرص مناقشته في البرلمان.
رئاسة البرلمان
وتتفق الكتل المعارضة للوجود العسكري الأميركي في العراق على أن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي كان السبب الرئيس وراء عرقلة تشريع إخراج القوات الأجنبية، وفي تصريح إلى صحيفة "اندبندنت عربية" يقول النائب يوسف الكلابي "أكثر من 100 نائب وقعوا على عريضة تطالب الحلبوسي بإدراج مشروع القانون على جدول أعمال البرلمان والبدء بمناقشته، إلا أنه يرفض باستمرار من دون أن يعلن ذلك أمام الرأي العام"، ويرى الكلابي أن الفصل التشريعي الجديد الذي سيبدأ خلال الأسبوع المقبل سيشهد الصراع ذاته بين الأطراف المؤيدة للقانون ورئاسة البرلمان التي ترفض مناقشته".
كما يؤكد النائب عن تحالف "الحكمة" علي العبودي أن "الكتل الكردية والسنية تمارس الضغوط على الحلبوسي من أجل الإبقاء على القوات الأميركية في العراق، وإن هذه الكتل لا تريد حتى مناقشة ملف الوجود الأجنبي في البلاد".
مبررات القوى السنية والكردية
وتمتلك القوات الأميركية 8 قواعد عسكرية في العراق كلها في المناطق السنية والكردية، وهي عين الأسد، والحبّانية، وفيكتوري، وحلبجة، والتون كوبري، وسنجار، والقيارة، وبلد، وتضم حوالى ستة آلاف جندي ومستشار أميركي، يتولون مهام التدريب والإشراف على القوات العراقية، وتقديم المعلومات الاستخبارية بشأن مناطق وجود تنظيم "داعش" إضافة إلى وجود فرق أميركية خاصة تنفذ أحياناً بعض العمليات ضد التنظيم.
وترى الأطراف السنية أن مناطقها التي تحررت مؤخراً من احتلال "داعش" لا تزال بحاجة إلى القوات الأميركية، ويقول عضو "تحالف القوى العراقية" الذي يضم الكتل السنية، فالح العيساوي لـ"اندبندنت عربية" إن "تحالف القوى العراقية يرفض استهداف الحشد الشعبي ويعتبره اعتداء آثماً، يجب ألا يمر مرور الكرام، لكننا في الوقت ذاته نرفض إخراج قوات التحالف الدولي في هذا التوقيت، خصوصاً أننا بحاجة إلى قوات تمسك بالأرض، وتقوم بعمليات المسح الجوي وتقديم المشورة والمعلومات الاستخبارية، وكلها مهام لا تستطيع القوات العراقية القيام بها الآن".
ويستبعد العيساوي أن تتمكن الكتل الأخرى من طرد قوات التحالف بسهولة، ومن خلال البرلمان لأنها "لا تستطيع تقديم المشروع البديل القادر على حفظ أمن المناطق المحررة وتوفير البيئة المناسبة لتطوير القوات العراقية".
ويشارك "التحالف الكردستاني" وجهة النظر السنية، بشأن الوجود الأميركي في العراق، لأن برأيه "إبعاد التحالف الدولي عن المشهد العراقي يأتي "بأوامر إيرانية لزعماء شيعة في العراق" بحسب تغريدة على موقع تويتر للقيادي في "الحزب الديمقراطي الكردستاني" ووزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري.
جلسة خاصة
والمقرر أن تكون جلسة البرلمان الأولى في فصله التشريعي الجديد يوم 3 سبتمبر (أيلول) المقبل مخصصة لمناقشة ما تعرضت له مخازن أسلحة "الحشد الشعبي"، وذكرت مصادر مقربة من الحكومة العراقية أن بعض قادة الكتل السياسية اقترحوا تصويت البرلمان على قرار يلزم الحكومة بإدانة "الاعتداءات الإسرائيلية" وتقديم شكوى لمجلس الأمن الدولي ضد تل أبيب، بدلاً من استدعاء القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء عادل عبد المهدي للجلسة ومناقشته في التدابير اللازمة للرد على الحوادث الأخيرة التي تعرض لها الحشد. وتشير المصادر إلى تفضيل الحكومة جلسة اعتيادية لتجنب إحراج عبد المهدي لاسيما أنه اتخذ بالفعل مجموعة من الإجراءات المناسبة ومن بينها حظر الطيران في الأجواء العراقية، وتأكيده "حق العراق باتخاذ الإجراءات اللازمة قانونياً ودبلوماسياً من خلال المؤسسات الإقليمية ومجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة دفاعاً عن سيادته وأمنه ووحدة أراضيه وبكل الوسائل المشروعة".
غير أن كتل تحالف "البناء" الداعمة للحكومة العراقية تسعى إلى الحصول على مواقف اكثر صرامة من عبد المهدي تجاه واشنطن وتل أبيب وتريد منه الاعتراف الصريح بمسؤولية إسرائيل عن الهجمات الأخيرة التي تعرض لها "الحشد الشعبي"، للحيلولة دون تكرارها، وإلا فإن تلك الكتل وبالتعاون مع كتلة "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر، الرافضة للوجود الأميركي، ستكون قادرة على تمرير التشريع اللازم لإبعاد قوات التحالف الدولي عن العراق، ووضع الحكومة العراقية في أزمة كبيرة مع الولايات المتحدة وتعرض البلاد لخطر عودة التنظيمات الإرهابية من جديد، فضلاً عن تحول مسار الصراع الأميركي الإيراني إلى المواجهة المباشرة في العراق.