Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الهند تسلك الطريق نحو القمة الدولية... فهل تصل؟

تطور اقتصاد البلاد وتقدمها التكنولوجي والعسكري يؤثران في التوازنات الجيوسياسية في شرق آسيا ومنطقة الإندوباسيفيك... وفي المشهد دائماً أميركا والصين

تشكل القوة العسكرية الهندية الصاعدة أول عناصر تصدر نيودلهي الساحة الدولية (غيتي)

ملخص

تطور اقتصاد البلاد وتقدمها التكنولوجي والعسكري يؤثران في التوازنات الجيوسياسية في شرق آسيا ومنطقة الإندوباسيفيك... وفي المشهد دائماً أميركا والصين

ضمن التساؤلات المثيرة للتفكير في عالمنا المعاصر، وفي سياق التحركات الجيوسياسية التي تسعى تلقائياً إلى تشكيل نظام عالمي جديد، يتوقف المرء أمام علامة استفهام موصولة ببعض الدول المرشحة لأن تضحى نافذة على الصعيد الدولي، وبمعنى آخر مرشحة لأن تجد ذاتها على سلم القطبية العالمية.

من بين هذه الدول الهند، الدولة التي مثلت يوماً ما جوهرة التاج للإمبراطورية البريطانية وعصب قوتها واعتمدت لندن طويلاً على خطوط الإمداد إليها من شبه القارة الهندية.

ولعله من المؤكد أن تعبير "شبه القارة الهندية"، يعني مساحة جغرافية أكثر اتساعاً من الهند فقط، وتمتد إلى ما حولها من باكستان وبنغلاديش، وتاريخياً تعد من أقدم الدول على وجه الكرة الأرضية.

التساؤل الأول الذي يقابلنا، هل تتوافر في الهند أول الأمر الشروط المطلوبة لأن تكون دولة عظمى وقطباً مشاركاً في تشكيل العالم الجديد، أو عالم ما بعد النظام الأميركي الواحد المنفرد بمقدرات الكون، منذ سقوط الاتحاد السوفياتي أواخر ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضي؟

عند زبيغنيو بريجنسكي، حكيم أميركا المعاصر، ومستشارها للأمن القومي في زمن الرئيس جيمي كارتر، أن هناك أربعة عوامل تمثل محددات أي دولة عظمى وهي كالتالي

** القوة الإقتصادية

** قوة التماسك الاجتماعي

** قوة التلاقي على هدف قومي محدد

** القوة المسلحة وإمكاناتها

والثابت أنه على رغم أهمية هذه العوامل الأربعة، إلا أن متغيرات أحدث باتت تتشارك مع الثوابت الأربع، ومنها محددات ثلاثة تكاد تشكل العالم

** الذكاء الاصطناعي

** الحوسبة الكمومية

** الشرائح أو الرقائق التكنولوجية

وبالنظر إلى الهند بصورة إجمالية، يجد المرء أن لديها بعضاً من مقومات القطبية، وفي الوقت عينه تنقصها بعض العناصر المهمة مجتمعياً، لا سيما في ظل تنامي التيارات الدينية ذات الخلفيات الراديكالية التي لا تقبل الآخر.

في هذه القراءة نحاول الاقتراب من هذا المشهد، خصوصاً في ضوء دنوّ عدد سكان الهند من 1.408 مليار في مقابل عدد سكان الصين 1.412 مليار، وتوقعات بأن تسبق الهند الصين سكانياً، ووسط التحالفات الهندية- الأميركية الجديدة التي يمكنها أن تضحى شأناً مزعجاً لروسيا والصين في شرق آسيا.

الهند قوة إقليمية أم عالمية؟

من المؤكد أن الهنود، لا سيما خلال العقدين الأخيرين باتوا ينظرون إلى أنفسهم نظرة مغايرة عما كانت عليه الحال في الفترة الممتدة منذ الاستقلال عن بريطانيا، وحتى نهاية الألفية الميلادية الثانية.

يرى الهنود أنهم ثاني أكبر دولة في العالم سكانياً، وكما أسلفنا  ستكون الأولى خلال بضعة أعوام، كما أنها سابع دولة من حيث المساحة الجغرافية، والنظام الديمقراطي.

من هذا المنطلق ليس غريباً أن نرى الهند تسعى جاهدة إلى الاضطلاع بدور أكبر في الشؤون العالمية، وبما يتجاوز مداها الإقليمي أو تنحصر في إشكالياته وزواياه.

يتابع العالم اليوم الحكومات الهندية، تحديداً حكومة ناريندرا مودي، وهي تسعى إلى القيام بدور أكبر في شؤون العالم من خلال المشاركة في المؤسسات والمبادرات الدولية مثل هيئة الأمم المتحدة و"مجموعة الـ20" و"بريكس" والاتحاد الآسيوي.

في هذا الإطار تقود الهند جهود التعاون في قضايا عالمية مثل التغير المناخي والإرهاب والتجارة والصحة والطاقة.

وتستخدم الهند نموذجها التنموي كمصدر إلهام للدول النامية وتقدم المساعدات والاستثمارات والخبرات، كما تعرف جيداً كيف تستفيد من قوتها الثقافية والإبداعية لزيادة نفوذها اللين في العالم من خلال صناعة "بوليوود" وأفلامها وأدبها وفنونها ورقصاتها ومطبخها وغير ذلك.

هل لهذا السبب اعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون أثناء زيارتها للهند عام 2009، أن "الهند قوة عالمية وليست قوة إقليمية فقط".

الأمر نفسه يراه كبير محللي شؤون الدفاع في مؤسسة البحث والتطوير الأميركية، الخبير الاستراتيجي الأميركي ديريك غروسمان الذي يعتبر الهند بالفعل قوة عظمى مقبلة، لا سيما أن كل المؤشرات تقول إن الهند قد تتحول إلى لاعب استراتيجي في جنوب شرقي آسيا، فضمن نشاط دبلوماسي إقليمي وقعت الهند أخيراً صفقة أسلحة مع فيتنام وانحازت إلى جانب الفيليبين في نزاعها مع الصين حول مناطق السيادة في بحر الصين الجنوبي،  وحسنت كذلك تعاونها العسكري مع إندونيسيا وأصبح المشهد نموذجاً لسياسات توازن القوى.

الأمر الآخر الذي يلفت إليه غروسمان، هو أن تحركات الهند  تعزز احتمال تكامل التحركات الجيوسياسية الموالية لواشنطن في منطقة الإندوباسيفيك، وبهدف واضح لا يغيب عن الأعين وهو محاولة احتواء الصين إقليمياً خلال الأعوام المقبلة.

تبدو الهند وكأنها ماضية قدماً في طريق تنفيذ استراتيجية "الإغراق في المحلية، طريق الصعود إلى العالمية".

الثابت أنه في ظل حكم رئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي أطلق في البداية ما بات يعرف بـ"قانون الشرق"، تعزز الهند بصورة مطّردة شراكاتها في مختلف أنحاء جنوب شرقي آسيا، بخاصة مع الدول الواقعة في النطاق البحري للمحيطين الهندي والهادئ،  وتستهدف هذه التحركات وبالتعاون مع الشركاء "الجنوب شرق آسيويين" الذين يريدون المحافظة على النظام الدولي القائم على القانون ومعايير السلوك، في مواجهة التشدد الصيني المتزايد في المنطقة.

تكاد الهند تضحى حجر زاوية حديثاً في منطقة آسيا، لكنه حجر مصبوغ بلون العلم الأميركي، ومضفر ومدعوم بحلفاء الولايات المتحدة الأميركية، بل داعم لهم في الوقت ذاته.

على سبيل المثال لا الحصر، في يونيو (حزيران) الماضي، زار وزير الدفاع الفيتنامي بان فان جيانغ، نظيره الهندي راجنات سينغ في نيودلهي، وأعلن موافقة الهند على منح البحرية الفيتنامية طراد صواريخ للأمن البحري. كما أعلن الجانبان مناقشة التوسع في تدريب عناصر الجيش  الفيتنامي على تشغيل الغواصات والطائرات المقاتلة، إلى جانب التعاون في الأمن السيبراني والحرب الإلكترونية.

 لا يقتصر الأمر على فيتنام فحسب، بل يمتد أيضاً إلى الفيليبين  المرتبطة باتفاق دفاع مع أميركا والتي باتت نيودلهي تعزز تعاونها معها عسكرياً وأمنياً.

ففي يونيو عينه، زار وزير خارجية الفيليبين إنريك ماتالو، نيودلهي، والتقى نظيره الهندي إس جايشانكار وللمرة الأولى تعترف الهند بشرعية حكم التحكيم الصادر عام 2016 عن المحكمة الدولية الدائمة في لاهاي لمصلحة الفيليبين في نزاعها مع الصين حول مناطق السيادة في بحر الصين الجنوبي.

يعنّ لنا هنا أن نتساءل وبعدما بدا الامتداد الإقليمي للهند واضحاً  للقاصي والداني، هل للولايات المتحدة الأميركية خطة للتحالف مع الهند، لا سيما أنها باتت حجر زاوية أصيلاً في تحالفات "أوكوس" و"كواد"، وبهدف جلي للجميع وهو حصار الصين أو تهديدها  على أقل تقدير؟

واشنطن ودفع الهند إلى مدارات القطبية

منذ بدايات العقد الأول من القرن الـ21، تحديداً بعد الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، ثم العراق في 2003، بدا واضحاً أن هناك رهاناً أميركياً على الهند المقبلة على مدارات القطبية بقوة، لا سيما في ظل رؤى استشرافية تقطع بأن روسيا والصين لن تتركا الساحة الآسيوية للولايات المتحدة تسرح وتمرح فيها، كيفما يحلو لها.

في فبراير (شباط) 2004، كانت صورة التعاون الأميركي – الهندي تتبلور في الأفق من خلال أكبر مناورات عسكرية جوية مشتركة بين البلدين استمرت لـ10 أيام، استخدمت فيها الهند كل ما لديها من طائرات مقاتلة رئيسة، ومنها الطائرة "إس يو 30" في التصدي للمقاتلة الأميركية "إف – 15".

اعتبر المراقبون وقتها أن الهدف من ذلك هو تعزيز التنسيق بين القوات الجوية للطرفين، بينما المناورة نفسها تمتن التحالف العسكري في البلدين.

على مدى عقدين من الزمن جرت بين واشنطن ونيودلهي مياه كثيرة، منها ما تم الإعلان عنه مباشرة ومنها ما حدث في الكواليس، وخلص المراقبون إلى القول إن الهند باتت هدفاً أميركياً  غالياً وعالياً ينبغي اقتناصه، خصوصاً بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا والمخاوف من أن تقوم الصين باجتياح مماثل لجزيرة تايوان.

لا يبدو التحالف بين الهند وأميركا عسكرياً وأمنياً فحسب، بل هناك الجانب الاقتصادي والتكنولوجي الفائق الأهمية، بخاصة بعدما أصبحت الهند وكبريات مدنها، المورد الرئيس لنحو 20 ألف خبير برمجيات لوادي السيليكون في كاليفورنيا كل عام.

سعت إدارة الرئيس بايدن منذ أن جلس سعيداً على مقعد البيت الأبيض إلى توثيق شراكة قوية مع الهند، لا سيما في مجال الذكاء الاصطناعي وبهدف استباق بكين في عالم الرقائق الإلكترونية وكل أشكال أشباه الموصلات.

ويخطط البيت الأبيض لتقوية جبهته في حربه التكنولوجية ضد الصين، ولهذا يفتح أبواب التعاون واسعة مع الشركات الهندية ويمنحها امتيازات تسمح لرؤوس الأموال الأميركية أن تهجر الصين إلى الهند، وفي الخلفية التاريخية من المشهد ما جرى  خلال تفشي فيروس "كوفيد -19" عندما توقفت سلاسل الإمداد الصينية إلى الداخل الأميركي.

ولعل نظرة سريعة إلى جوانب التعاون بين البلدين، تقطع بأن هناك رؤية مستقبلية عميقة لتوطيد العلاقات المشتركة، لا سيما في مجال "الفيزياء الكمية" والفضائية عالية التقنيات والأداء، وبلغ الأمر حد أن طلبت واحدة من كبريات الشركات الأميركية "جنرال إلكتريك" الإذن من حكومة الولايات المتحدة لإنتاج محركات نفاثة مع الهند، كما يطبق التعاون أيضاً على أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي وكثير من الاختراعات المتقدمة.

ولعل الذين تابعوا زيارة رئيس وزراء الهند مودي في يونيو الماضي إلى واشنطن، أدركوا مقدار الرهان الأميركي على الهند، خصوصاً بعدما تغاضت إدارة جو بايدن إلى حد بعيد عن رفض الهند الانضمام إلى العقوبات الغربية على روسيا وشرائها النفط  الروسي بسعر منخفض.

تظهر الهند وكأنها مرام استراتيجي لأميركا، ولهذا تركز الأخيرة  على تحالفها معها، وفي الجعبة الأميركية هدفان، الأول وهو الأهم من دون أدنى شك يتمثل في وقف نمو الصين واستخدام نيودلهي كمخلب قط، في حال التصاعد المستمر والمستقر للصين والصينيين.

أما الهدف الثاني، فيتمثل في مواجهة ما تراه واشنطن نوعاً من أنواع الصحوة الإسلامية الراديكالية مرة جديدة في أفغانستان وباكستان، وأي نمو عقائدي مشابه على قرب من نيودلهي التي تمثل كتلتها البوذية الجانب الأكبر والأهم، على رغم وجود نحو مئتي مليون مسلم في الهند أو أكثر.

في حديقة البيت الأبيض ووسط هتاف آلاف من الهنود الأميركيين باسمه، سار مودي على سجادة حمراء فيما حياه حرس الشرف.

في ذلك النهار قال بايدن "لطالما اعتقدت بأن العلاقة بين الولايات المتحدة والهند ستكون واحدة من أهم العلاقات في القرن الـ21".

فيما أعلن مودي أن الزيارة رسمت "اتجاهاً جديداً" للشراكة مع الولايات المتحدة.

وفي وقت لاحق، ألمح مودي في خطابه أمام الكونغرس بمجلسيه  إلى مخاوف الولايات المتحدة في شأن الصين، معلناً دعمه لأن تكون منطقة المحيطين الهندي والهادئ "حرة ومفتوحة"، وهي عبارة تستعملها باستمرار الولايات المتحدة.

لكن التساؤلات التي لا تتوقف حول الهند وقطبيتها، تأخذنا في مدار آخر، مدار يتعلق بأوضاعها الاقتصادية وقدراتها العسكرية، وما إذا كانت هذه وتلك تمهدان الطريق لها وعن حق لتسلق سلم القطبية الأممية.

اقتصاد سريع ومرتبة عسكرية متقدمة

ذات مرة تحدث الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت عن الجيوش التي تمشي على بطونها، فيما حديثاً باتت الشعوب وليس الجيوش فقط تحتاج إلى مزيد من عوامل الثبات الاقتصادي لتمضي قدماً.

المتابع للتقارير الاقتصادية الصادرة عن عدد من الهيئات والمؤسسات المالية العالمية يدرك كيف يصعد الاقتصاد الهندي بسرعة فائقة ويتنامى بصورة تفوق التوقعات.

وأصدر "مركز وورلد بوبيولوشن ريفيو" البحثي في لندن في فبراير (شباط) الماضي تقريراً حول حجم الاقتصاد الهندي... كيف جاءت الأرقام معبرة عن قرب الهند من القطبية الأممية أو بعدها منها؟

باختصار غير مخل، ذكر التقرير أن حجم الاقتصاد الهندي بلغ 2.94 تريليون دولار، مما يضعها في المركز الخامس على مستوى العالم من حيث القوة الاقتصادية.

وتجاوزت نيودلهي باريس ولندن، مما يعني بالفعل أن قلب العالم تحرك لجهة الشرق الآسيوي، ولم يعد متمركزاً في الغرب كما ذهب إلى ذلك السير هالفي ماكندر قبل عقود طوال.

من أسرع القطاعات الاقتصادية نمواً حول العالم، يأتي قطاع الخدمات الهندي الذي بات يشكل نحو 60 في المئة من اقتصاد البلاد ويستوعب 28 في المئة من العمالة.

ما هو مستقبل الاقتصاد الهندي؟، تشير غالبية التقارير الصادرة عن جهات موثوقة بأنه مرشح للنمو بنسة 5 في المئة سنوياً ليضحى بذلك أحد أسرع الاقتصادات العالمية نمواً.

أما الأكثر إثارة للعجب والدهشة، وربما لاحقاً للخوف، هو أنه بحلول عام 2050 ستصبح الهند ثاني أكبر اقتصاد في العالم متجاوزة الولايات المتحدة وسترتفع حصة الهند في الناتج الإجمالي العالمي إلى 15 في المئة.

هل يضمن هذا الصعود الاقتصادي تفوقاً عسكرياً موازياً؟

يمكن أن يكون ذلك كذلك قولاً وفعلاً، وعلى القارئ أن يطالع التراتبية الخاصة بجيوش العالم على موقع "غلوبال فاير باور"  الذي يهتم بتصنيف مواقع ومواضع الجيوش حول العالم، فيجد أن الجيش الهندي يحتل المرتبة الرابعة بعد أميركا وروسيا والصين.

هنا يبدو العنصر البشري فاعلاً مهماً، إذ يصل عديد الجيش الهندي إلى 4.2 مليون جندي، بينهم 2.8 مليون في قوات الاحتياط.

وعلى صعيد القوة النووية فإن الجيش الهندي يمتلك ترسانة نووية  من 90 إلى 110 رؤوس، وهي كافية لتهديد من يرغب في مجابهتها عسكرياً، في حين ارتفعت موازنة الدفاع ومعدل الإنفاق  السنوي للجيش الهندي عام 2020 لتصل إلى 61 مليار دولار أميركي، مما يمثل 2.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

غير أنه وعلى رغم هذا التقدم على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، تبدو هناك بعض الآراء التي تجزم بأن البون شاسع بين الهند والمرتبة القطبية.

قطبية الهند وأصوات مشككة في المستقبل

في منتصف أبريل (نيسان) من عام 2012، أي قبل نحو عقد من الزمن بالتحديد، فاجأ مساعد رئيس أركان القوات الجوية الهندية أرجون سوبرامانيام الهنود أنفسهم ومن حولهم من دول الجوار، بمقالة عنوانها "الهند ليست قوة عظمى... ولن تكون".

بدا وكأن منطلق هذا القائد العسكري للتعليق على وضعية بلاده، هو تصريح لهيلاري كلينتون عام 2009 قالت فيه إن الهند مرشحة لأن تصبح قوة عظمى.

يرى سوبرامانيام أنه وفقاً لكثير من المفكرين في مجال العلاقات  الدولية، فإن أي قوة عظمى يجب أن تكون لديها القدرة على ممارسة النفوذ واستخدام القوة في كل مناطق مصالحها بغض النظر عن مكانتها في العالم.

تبدو المصالح اليوم بحسب سوبرامانيام، ممتدة إلى أعماق الفضاء، والأكثر أهمية أن الواقعيين الجدد يعتقدون بأن مكانة القوة العظمى  الحقيقية اليوم تنعكس أيضاً في الرغبة في تغيير أنظمة الحكم في دول أخرى لحماية مصالحها ونمط حياتها أو حتى تبني أجندات تتجاوز مصالحها المباشرة من أجل "جعل العالم مكاناً أكثر أمناً".

هل الهند بالفعل قادرة على القيام بمثل هذه المهمات التي تقوم بها الدول الكبرى والأقطاب العظمى؟

عند رجل القوات الجوية الهندية أنه لا يوجد هندي ذو عقل ناهيك عن صناع السياسة وخبراء الاستراتيجية الهنود يمكنه التفكير في مثل هذا الطموح الزائد الآن.

وعنده كذلك أنه إذا تمكنت الهند من سد كل الثغرات ونقاط الضعف التي تحدثت عنها لجنة مدرسة لندن للاقتصاد في تقريرها الصادر عام 2009 عن مستقبل الهند خلال العقود المقبلة، فإن الهند لن تصبح قوة عظمى على غرار الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفياتي السابق ولا حتى القوة الصاعدة حالياً الصين.

خلاصات مساعد رئيس أركان القوات الجوية الهندية قبل عقد صادمة، إذ يؤكد أنه لا يجب على الهنود القفز فوق حقيقة أن بلاده لا تزال تحتاج إلى تطوير قدرات الردع من أجل الحفاظ على مصالحها.

هل هناك من يمضي في الطريق عينه، أي ينكر على الهند اليوم برئاسة مودي أن تضحى قوة عظمى؟

في الواقع كانت هذه مداخلة سوشانت سينغ، المحاضر في جامعة ييل الأميركية الشهيرة، وزميل أول في مركز بحوث السياسات في الهند، عبر مقالة مطولة له في مجلة "فورين أفيرز"، عدد سبتمبر (أيلول) الماضي.

ما هو المدخل الذي يستند إليه سينغ؟

الشاهد أنه يتناول جزئية مهمة وخطرة وتحتاج إلى قراءة مفصلة  قائمة بذاتها، إذ يسلط الضوء على حال التعصب والتمذهب التي تدعمها حكومة مودي في الداخل الهندي، مما يمزق البلاد إرباً على حد تعبيره.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ما هو أصل المشكلة؟

بحسب مقالة سينغ، فإنه لا يوجد سبب يذكر يدعو إلى التفكير في أن التوترات العرقية والعنصرية الدائرة والحائرة في الهند هذه الأيام سوف تهدأ في عهد مودي، وفي المقابل هناك أسباب كثيرة تدفع إلى الاعتقاد بأن التوترات ستزداد حدتها، ويتمثل المشروع الأيديولوجي المركزي لرئيس الوزراء في إنشاء دولة قومية هندوسية يصنف فيها الأشخاص غير الهندوس، في أفضل الأحوال  كمواطنين من الدرجة الثانية.

هل يمكن إذاً اعتبار المشهد الحالي كنوع من أنواع أجندات إقصائية تعمل على تهميش مئات ملايين الهنود الذين لا ينتمون إلى الغالبية الهندوسية في البلاد، وهي أجندة لها سجل حافل في إثارة العنف والاضطرابات؟

قراءة سينغ تجعلنا نعتقد بأن الهند على هذا النحو تفقد عنصراً مهماً للغاية من العناصر التي تحدث عنها بريجنسكي، أي قوة التماسك الاجتماعي بين مواطني الوطن الواحد، وهذا في غالب الظن أهم شرط لقيام دولة قطبية قادرة على التأثير في العالم، أما في حال انقسام البيت الهندي من الداخل، فإن المحصلة الطبيعية ستتمثل في تراجع الوزن النسبي لهذه القوة بصورة أو بأخرى.

ما هي الخلاصة؟

المؤكد أن فكرة القطبية الهندية لديها ما يدعمها في المستقبل المتوسط، شريطة إنهاء أزمات الداخل في المدى الزمني القريب أو المنظور.

وفي كل الأحوال ستبقى مسألة التوازنات الجيوسياسية في شرق آسيا متطورة ومتغيرة خلال الأعوام المقبلة وبصورة متسارعة، ولن يستقر المشهد ما دام أن هناك ملفات خلافية كبرى مفتوحة بين الأقطاب القائمة، كما الأمر مع الملف الأوكراني والملف التايواني، إذ يصعب وضع تصورات جيوسياسية مستقبلية من غير صورة واضحة لنهاية تلك الأزمات، سلماً أو حرباً، وفي جميعها تبقى الهند في قلب المشهد في مختلف الأجواء والأنواء.

المزيد من تقارير