ملخص
حال من الجدل بين العراقيين بسبب لافتة مشروع طريق تلزم الأهالي نقل رفات ذويهم في بغداد من إحدى المقابر لتوسعة طريق.
تزخر العاصمة العراقية بعدد من المقابر الأثرية والتراثية التي يعود بعضها لقرون طويلة، إذ إن بعض المتوفين الذين دفنوا فيها لهم مكانة دينية وتاريخية واجتماعية لدى المجتمع العراقي والإسلامي، إلا أن ما أثار الرأي العام أخيراً الإنذار الذي وجهته وزارة الإعمار والإسكان لذوي بعض المدفونين في "مقبرة الشيخ معروف" ببغداد بإزالة القبور وضرورة نقل رفات متوفين إلى مكان يرونه مناسباً بهدف استغلال الأرض لإنشاء مجسر الطلائع.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي لافتة تتحدث عن منح وزارة الإعمار والإسكان موعداً أقصاه منتصف ديسمبر (كانون الأول) الجاري لذوي بعض المتوفين الذين تقع قبورهم ضمن مساحة تبلغ 20 متراً كتوسعة تحتاج إليها الشركة المنفذة لمشروع مجسر الطلائع وربطه بطريق البيجية، لنقل الجثامين منها.
قبور وأعمدة المجسر
لكن الأمر الذي أثار تداعيات كبيرة، لا سيما لذوي المتوفين، وحال السخط الشعبي، هو إصدار وزير الإعمار والإسكان بنكين ريكاني أول من أمس الأحد توضيحاً حول رفع مقبرة الشيخ معروف.
وقال الوزير في بيان له إنه "كان مخططاً إنشاء شارع داخل مقبرة الشيخ معروف، لكن الحكومة قررت استبداله بمجسر لتقليل عدد القبور التي يتم رفعها"، مبيناً أن "جميع الخطوات تتم بالتنسيق مع الوقف السني ويتم عرضها على الفقهاء وفق القواعد الشرعية".
ونفى صحة ما يتردد حول رفع المقبرة بالكامل و"إنما فقط القبور التي تتقاطع مع أعمدة المجسر التي سيتم تقليصها إلى الحد الأدنى بإنشاء مجسر ذي فضاءات طويلة"، مبيناً أن "جميع الرفات سيتم نقلها على نفقة الوزارة وبإشراف العلماء".
وتابع أن "العمل داخل المقابر ليس جديداً لأغراض المصلحة العامة، وحتى مقبرة الشيخ معروف نفسها تم رفع عدد من قبورها في التسعينيات لأغراض بناء الجامع والشارع وغيرها كثير من الأمثلة داخل العراق وخارجه"، مقراً بأن "الشركة المتعاقدة استعجلت في وضع اللافتة، وسيتم اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة وفق القانون والأصول الشرعية".
والمقبرة الشهيرة في بغداد تضم عدداً من القبور، أبرزها قبر الفقيه مفتي بغداد أبو الثناء الآلوسي وقبر بهلول الكوفي صاحب هارون الرشيد وقبر العلامة عبدالرحمن الآلوسي وقبر مفتي بغداد نوري الشيراوني، وعلماء آل السنوي وآل الحريري وعائلات بغداد القديمة وأعيانها، وقبر والدة الناصر لدين الله العباسي وقبر عائشة خاتون والدة والي بغداد، أحمد باشا.
ملك للدولة
المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان نبيل الصفار سبق وقال إنه "لغاية الآن لا يوجد أي شكوى أو اعتراض من قبل المواطنين على نقل رفات بعض المدفونين في مقبرة الشيخ معروف، وفي حال صدرت أي ردود فعل غاضبة، فإن الوزارة ستكون لها إجراءات وخطوات، وهي لا تريد أي ضرر لهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف في تصريح صحافي أن "أرض المقبرة في الأساس ملك للدولة، وهناك موافقات قانونية وحتى شرعية وفتوى من أجل نقل رفات بعض المدفونين في مقبرة الشيخ معروف إلى مناطق داخل المقبرة ذاتها، إذ إن الـ20 متراً التي يراد نقل بعض الرفات منها لها تأثير في مشروع فك الاختناقات المرورية، ونحن لدينا في كل المشاريع خطة (أ) وأخرى بديلة (ب)، للتعديل على بعض التصاميم، ولا نرضى بأي أذى للمواطنين، خصوصاً أن مشاريع فك الاختناقات المرورية جاءت لخدمة الناس وليس لأذاهم".
قبور مهددة بالإزالة
بدوره، قال معاون مدير عام الدائرة الهندسية في ديوان الوقف السني إسماعيل عايد إن المشروع يتضمن إنشاء جسر يربط البيجية بتقاطع ساحة الطلائع ويصل إلى شارع مجاور لمقبرة الشيخ معروف لكنه ضيق جداً"، موضحاً أن أصل المشروع يعود لثمانينيات القرن الماضي لكن لم يتم تنفيذه.
وتابع في تصريح متلفز أنه "الآن وبعدما فاقت الاختناقات المرورية في بغداد الوصف بدأنا بتنفيذه، إذ يمر المشروع بهذا الشارع وبسبب موضوع القبور نواجه صعوبة شديدة في إنجازه".
وقال "أما اللافتة المعلقة الخاصة، فهي خطأ في الأساس لكن إلى الآن لا يوجد إحصاء بالقبور التي تعارض المشروع حتى إن رئيس الوقف السني اجتمع مع المجلس العلمي وبحضور مدير عام الطرق والجسور وشرح القصة وقال نحن الآن بصدد إصدار فتوى شرعية من قبل المجلس لرفع القبور ووضع الآلية لذلك حتى لا يكون الأمر عشوائياً مثلما تصوره المواطنون".
غضب عارم
وبكثير من الغضب العارم، خرج عدد من أهالي المتوفين احتجاجاً على قرار إزالة القبور ورفضاً له، وسط موجة أثارها القرار في الأوساط الشعبية بالعراق.
وبنبرة غاضبة، قال أحد ذوي المتوفين، "بعد وفاة والدي ووالدتي قبل أكثر من 10 أعوام ودفنهما في المقبرة يأتي القرار مجحفاً بحق الآلاف من ذوي المتوفين فأين حرمة الميت؟".
وتساءل، "هل يعقل أن استخرج عظام أبي وأمي لأضعها في كيس وأنتظر لحين إنشاء مقابر أخرى لدفنها فيها؟"، مستدركاً أن المدة الزمنية أي أسبوعين من تاريخ الإبلاغ غير كفيلة بنقل جميع المتوفين من قبورهم.
القبور التراثية
في السياق ذاته، قال عضو الأمانة العامة لعلماء العراق الشيخ محمد خليل السنجري إن الآثار هي إحدى سمات الدول التي تفتخر بها سواء كانت تراثاً قديماً أو حديثاً، فجميع الدول لها وزارات ومديريات عامة للآثار تحرّم انتهاك هذه المناطق من الفئات كافة التي تريد العبث بها لأنها تمثل حاضر الأمة وماضيها.
ويرى أن عملية تهديد القبور التراثية "عيب على الأمم"، خصوصاً في بلد مثل العراق يحمل حضارات 3 آلاف سنة وأكثر قبل الميلاد، مطالباً بحماية رفات رجال مهمين في التاريخ تتردد أسماؤهم كل يوم أمام الكبار والصغار.
وختم حديثه بالتحذير من أن إثارة هذا الأمر في التوقيت الحالي يعد "هدماً لحضارة الأمة ونشير نحن كعراقيين إلى أهمية المحافظة على تراث وحضارة الأمة سواء كانت قبوراً أو شواهد أخرى".