Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المعادلة السياسية العراقية... عام تغيير الثوابت

هل انتهت حال الهدوء السياسي مع بوادر عودة الصدر وعزل الحلبوسي؟

يحظى مقتدى الصدر بقاعدة شعبية واسعة في العراق  (أ ف ب)

ملخص

تصاعد المخاوف داخل أروقة التيار الصدري من احتمال حصول سطوة أكبر لحلفاء إيران على الدولة العراقية ربما يعيد الصدر للمشهد سريعاً.

بدأ عام 2023 في العراق بصورة هادئة مع اختيار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اعتزال العمل السياسي في أغسطس (آب) 2022، وسيطرة قوى "الإطار التنسيقي" الموالية لإيران على مقاليد السلطة في البلاد، إلا أن هذا الهدوء لم يدم طويلاً حتى بدأت بوادر العواصف السياسية مع اقتراب العام الجديد في سلسلة من الأحداث كان آخرها إقالة رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي.

ولم تدم فترة الهدوء السياسي بالنسبة إلى "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية" بخاصة مع انعكاسات الأزمة في غزة على مجمل الوضع السياسي في البلاد، والتي أعادت أجواء المواجهة بين الميليشيات المدعومة إيرانياً والوجود العسكري الأميركي في العراق.

وتثير المدة الطولية لغياب الصدر عن المشهد السياسي في البلاد وما جرى من عزل لرئيس البرلمان كثيراً من التساؤلات حول شكل الخريطة السياسية في العراق، مع استمرار محاولات حلفاء طهران إخلاء الساحة السياسية من المنافسين السياسيين.

عام الفواعل الخارجية

ويرى مراقبون أن تصاعد المخاوف داخل أروقة التيار الصدري من احتمال حصول سطوة أكبر لحلفاء إيران على الدولة العراقية ربما سيعيد الصدر للمشهد سريعاً، مع سعي قوى الإطار بصورة مستمرة إلى محاصرة مناطق نفوذه، فضلاً عن استهداف شركائه السياسيين والتي كان آخرها ما جرى مع رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي.

 

 

ويعتقد رئيس المركز العراقي -الأسترالي للدراسات أحمد الياسري أن عام 2023 "شهد زيادة تأثير الفواعل الخارجية في صناعة السياسة في البلاد على حساب الفاعل الداخلي، والذي تكلل بعودة سيطرة ثنائية طهران واشنطن على المشهد من جديد".

ويبدو أن محاولات الفواعل السياسية الموالية لإيران خلال العام الحالي تثبيت سيناريوهات التوافق الإيراني- الأميركي في العراق، بحسب الياسري، "ستؤدي في النهاية إلى إنتاج حال اعتراض شعبية واسعة تشبه انتفاضة تشرين بصورة ربما أقسى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولعل ما يحفز إمكان دخول البلاد مرحلة جديدة من الاهتزازات السياسية هو الحملات الواسعة لمقاطعة الانتخابات المحلية المقبلة التي انضم إليها أخيراً التيار الصدري، إذ يرى الياسري أن "وضع المقاطعة في سياق تنظيمي سيضعف قوى الإطار التنسيقي خلال الفترة المقبلة".

 

 

ويضيف أن ما جرى خلال العام الحالي يدلل بصورة واضحة على "تراجع استراتيجية القوى المدعومة إيرانياً، وبخاصة مع انتقال السردية السياسية التي تعتمدها من الترويج لحال التوافق السياسي إلى عودة الحديث عن التوازن وحصص المكونات الطائفية"، مبيناً أن هذا الخطاب كان "المحفز الأكبر للحراك الشعبي في البلاد".

ويشير الياسري إلى أن التحولات السياسية التي قد تحدث خلال العام المقبل ستأتي "بتحفيز من سطوة الإطار بصورة أكبر على أجهزة الدولة، مع احتمال سيطرة حلفاء إيران على مجالس المحافظات في الوسط والجنوب مستغلين غياب التيار الصدري".

ويلفت إلى أن ملف إقالة الحلبوسي هو مثل "محاولة إضافية للإطار في خلق الانشقاقات داخل التيارات غير مضمونة الولاء، وإضعاف قدرة السنّة في العراق على إنشاء كتلة متماسكة قوية كما هو الحال مع الكتلة الصدرية".

احتمالات عودة التيار الصدري

وربما يحفز مسار التغييرات والسيطرة شبه التامة من القوى الموالية لإيران على المشهد السياسي "احتمالات العودة السريعة لنشاط التيار الصدري"، كما يعبر الياسري الذي يبين أن هذا الأمر قد يدفع حلفاء طهران إلى "اتخاذ خطوات أوسع بعد الانتخابات المحلية المقبلة".

ويرى رئيس المركز العراقي -الأسترالي للدراسات أن الإشكال الرئيس الذي ستواجهه الجماعات الموالية لإيران يتمثل في محاولات تلك الأطراف تهديم ثنائية "طهران- واشنطن" التي جاءت بالحكومة الحالية، مما يرجح إمكان "قلب إدارة بايدن الطاولة على حكومة السوداني التي تعيش أزمات مركبة وعلى رأسها الارتفاع الكبير في أسعار الصرف".

ويعتقد أن الضربات الأميركية الأخيرة حملت "رسالة تحذير سياسية أكثر من كونها رداً على الهجمات المتكررة التي طاولت القواعد الأميركية"، موضحاً أن ما جرى هو "عملية ضبط لحال التوازن التي جاءت بحكومة السوداني".

ويتابع أن ما يمكن أن يضبط الأوضاع في البلاد هو رغبة صانعي القرار في إيران في "عدم المجازفة بهدم ما تحقق خلال العام الحالي من توافق مع واشنطن في شأن العراق".

ويختم أن ما يقوم به المعسكر الإيراني في العراق هو "محاولات للتخفيف من وطأة الضغوط الأميركية للايفاء بالتزامات تشكيل الحكومة العراقية".

خطة استكمال الهيمنة الإيرانية

وعلى رغم الهدوء السياسي الذي عاشته القوى الموالية لإيران خلال الأشهر الأولى من العام الحالي إلا أن مساعي تلك الأطراف إلى الانتقام من أركان التحالف الثلاثي مع الصدر والذي ضم حينها "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"حزب تقدم" أعادت التوتر مرة أخرى للمشهد، بحسب مراقبين.

ولم تدم فترة اعتزال الصدر طويلاً حتى عاد من بوابة الانتخابات المحلية عندما دعا أنصاره منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى حملة واسعة لمقاطعة الانتخابات، مما أعاد احتمالات العودة القريبة لأنشطة التيار الصدري.

وفي السياق يقول رئيس منطقة الشرق الأوسط في مؤسسة "غالوب الدولية" منقذ داغر إن الحديث عن ابتعاد الصدر من المشهد السياسي خلال العام الحالي "ليس دقيقاً"، مبيناً أن التيار الصدري "ابتعد من البرلمان وإدارة الدولة إلا أنه لا يزال فاعلاً في الساحة السياسية".

ويضيف لـ "اندبندنت عربية" أن سعي حلفاء طهران إلى "استكمال الهيمنة على الدولة العراقية ربما يدفع لعودة الصدر المباشرة"، لافتاً إلى أن تلك الجماعات انتقلت من "فكرة صناعة الدولة العميقة إلى الدولة الممتدة نحو كل مساحات الحكم ومن ضمنها أدوات الحكم المحلي في المحافظات".

ولعل الإشكال الرئيس الذي يواجه الحراك السياسي في البلاد، بحسب داغر، يتمثل في "محاولات الإطار التنسيقي السيطرة على كل المناطق العراقية ومن ضمنها المدن السنيّة والكردية"، لافتاً إلى تمكنها في الساحة السنيّة من "إزاحة الشخصيات التي يعتقد أنها تشكل خطراً على رغم عدم بعدها من قوى الإطار، واستبدالها بشخصيات أكثر ولاء".

 

 

أما في المدن الكردية فيرى داغر أن ما يجري الآن في أروقة حلفاء إيران هو "استكمال خطة الهيمنة على أربيل بعد أن تمكنت من عزل محافظة السليمانية خارج المظلة الكردية الجامعة".

وعلى رغم المساعي الحثيثة للقوى الموالية لإيران للسيطرة على كل مفاصل الدولة، يعتقد داغر أن هذا الأمر "سيبقى مرهوناً باحتمالات عدة، بخاصة أن الصدر لا يمكن أن يبقى ساكتاً طوال العام المقبل في حال اقتراب موعد الاستحقاق البرلماني".

ويختم أن كل المتغيرات على المشهد العراقي "مرهونة بالمتغيرات على الساحة الدولية بعد حرب غزة ومسارات تعامل الإدارة الأميركية مع المنطقة".

نصر غير ممكن

وفي سياق متصل يرى أستاذ العلوم السياسية عصام الفيلي أن اعتزال الصدر العمل السياسي "خلق إرباكاً للمشهد السياسي في البلاد"، موضحاً أنه "على رغم الهدوء النسبي الذي عاشته قوى الاطار التنسيقي خلال العام الحالي إلا أنها كانت تدرك أن استمرار عزلة الصدر ستعني في النهاية إشكالات كبرى تواجه الأجواء السياسية في البلاد".

وعلى رغم الحديث عن سعي "الإطار التنسيقي" إلى إخلاء الساحة السياسية من أي منافسين، يعتقد الفيلي أن تحقيق هذا الأمر غير ممكن، مشيراً إلى أن ما جرى مع الحلبوسي "لا يعد انتصاراً حتى الآن، خصوصاً أن الأخير لا يزال رقماً انتخابياً كبيراً، فضلاً عن احتمالات عودة التيار الصدري في أية لحظة".

ويلفت إلى أن ما يتم الترويج له على أنه نجاح لأطراف "الإطار التنسيقي" في توسيع نفوذهم "ليس دقيقاً"، مردفاً أن ما جرى مثّل "هدماً لحال الاستقرار السياسي التي شهدتها البلاد"، مضيفاً أن التحركات السياسية الأخيرة حفزت كثيراً من الأطراف داخل المكون السنّي إلى "التخوف من احتمال استهدافها مستقبلاً كما حصل مع الحلبوسي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير