على العكس من كافة التصريحات التي تنطلق من واشنطن حول تعهدها تخفيض سيرة ومسيرة النزاعات النووية فوق سطح الأرض، إلا أن المتابع لتطورات المشهد النووي العالمي يدرك أن واشنطن ماضية قدماً في طريق معاكس.
على قدم وساق يجري استنهاض جهود القوة النووية الأميركية جواً وبراً وبحراً، وربما هناك دائرة أخرى من دوائر الانتشار النووي، ونعني بها الفضاء الخارجي... فهل يعني ذلك أن واشنطن تستعد بالفعل لمواجهة أو مواجهات نووية عما قريب؟ وإذا كان ذلك كذلك، فهل الأمر قاصر فقط على روسيا الاتحادية، أم أنه بات هناك لاعبون جدد في الملعب الأممي للسلاح النووي؟
التساؤلات عديدة، لا سيما أن الثورة النووية الأميركية الأخيرة، تكاد تنقل التهديدات المحتملة، إلى ما هو خارج الكرة الأرضية، أي عبر عسكرة الفضاء.
من أين يمكن البداية؟ من عند القاذفات الأميركية النووية الجديدة، أم من طرف القنابل النووية الخارقة للعادة التي يجري تطويرها؟ المؤكد أن جميعها تقودنا إلى قناعة واشنطن، بأن العالم لا تحكمه سوى القوة، ويبدو أن زمن التقليدية منها قد تجاوزه الزمن، وحان أوان النووية بامتياز.
قاذفات وقنابل نووية أميركية جديدة
في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حلقت فوق سماوات الولايات المتحدة قاذفة قنابل نووية جديدة من نوع "بي 21 - رايدر"، في أول اختبار طيران لها لتقترب من أن تصبح قاذفة القنابل النووية الجديدة للبلاد.
حلقت الطائرة فوق منطقة "بالمنديل" في ولاية كاليفورنيا، حيث كانت قيد الاختبار والتطوير من قبل تكتل الصناعات العسكرية "نورثروب غرومان".
تخطط القوات الجوية الأميركية لبناء 100 طائرة من هذه النوعية من القاذفات النووية المتقدمة، والتي تتضمن مواد متطورة ونظام دفع وتكنولوجيا سلسة، تجعلها أكثر قدرة على البقاء في أي صراع مستقبلي.
ما الذي ستحمله هذه القاذفات النووية الجديدة؟
قطعاً تحمل أنواعاً محدثة من القنابل الأميركية النووية الجديدة، بعضها تم السماع عنه من خلال وسائل الإعلام الأميركية التقليدية، في حين أنه من المؤكد جداً، أن أنواعاً أخرى، لا تزال في طي الكتمان، وربما لن يسمع بها أحد مستقبلاً، إلا أطراف الدولة الأميركية العميقة، وبنوع خاص، أصحاب المجمع الصناعي العسكري والمعنيون باتخاذ القرارات الاستراتيجية.
خذ إليك على سبيل المثال لا الحصر، ما أعلن عنه البنتاغون، في أواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في شأن عزم واشنطن على صناعة نوع جديد من القنابل النووية في ظل ما أطلق عليه "الظروف الأمنية المتغيرة".
جاء في بيان البنتاغون بهذا الصدد، أن الولايات المتحدة تعتزم إنتاج نسخة حديثة من القنبلة النووية ذات السقوط الحر "بي 61" أطلق عليها اسم "بي61-13".
تعرف هذه القنابل باسم "قنابل الجاذبية"، التي توفر خيارات جديدة وإضافية ضد أهداف عسكرية أكثر صعوبة وواسعة النطاق.
وبحسب المجلة العسكرية الأميركية Military Watch فإن هذه النوعية الجديدة من القنابل النووية، ستحل محل القديمة منها الموجودة في الترسانة النووية الأميركية، والتي لا تحوي حمولة كافية لتدمير الأهداف الصلبة تحت الأرض.
هنا يبدو التوجه إلى جهة هذه النوعية من القنابل، بعدما تزايدت أهميتها انطلاقاً من قدرتها على اختراق التحصينات، لا سيما مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وخصومها الرئيسين، حيث تمتلك كل من الصين وكوريا الشمالية وروسيا وإيران منشآت عسكرية رئيسة شديدة التحصين في أعماق الأرض.
هذه القنبلة وبحسب الإعلام الأميركي، تبلغ قوتها 24 ضعف قوة قنبلة هيروشيما ونغازاكي، وتقول شبكة "فوكس نيوز"، إن البنتاغون في طريقه للحصول على موافقة الكونغرس وتخصيص الأموال اللازمة لإنتاج هذا النوع الجديد من القنابل النووية.
هل تستعد واشنطن لمواجهات نووية؟
من الواضح جداً أن واشنطن ليس لديها أية نوايا لتخفيض ترسانتها النووية، أو التخلي عن الأسلحة القديمة منها، وهناك كثير من الأسلحة العتيدة، التي تعود إلى زمن الحرب الباردة، فيما المرجح أن تتوسع في حيازة الجديد منها، وهذا إلى جانب حملتها الأحدث واسعة النطاق لإنتاج صواريخ باليستية عابرة للقارات وقاذفات قنابل من طراز الشبح وأسلحة منخفضة القوة وصواريخ نووية أسرع من الصوت وأنواع من الأسلحة النووية التي يتم إسقاطها جواً.
عبر مجلة "ذا ناشيونال إنترست"، يصرح المتخصص العسكري "كريس أوزبورن"، الذي عمل في وقت سابق في مكتب مساعد وزير الدفاع الأميركي بالقول، "إن السنوات الأخيرة شهدت تنفيذ برامج نشطة للأسلحة النووية الأميركية، شملت عديداً من النوعيات التكتيكية والاستراتيجية على حد سواء".
هل يعني ذلك أن واشنطن بالفعل تستعد لمواجهة عسكرية نووية عند نقطة زمنية ربما ليست بعيدة؟
الشاهد أنه منذ وقت طويل أكد كثير من أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وكذلك كبار قادة البنتاغون وغيرهم من مطوري الأسلحة، أن هناك حاجة إلى التجديد والتوسع بصورة كبيرة.
لم تكن هذه مجرد مشاعر شخصية، بل أمر قائم على قراءات استشرافية، وتقديرات مواقف نووية إن صح التعبير، قادت منذ سنوات عدة إلى خلاصات جعلت القائمين على الأمر في الداخل الأميركي يعملون على خطين متوازيين، الأول هو مزيد من الأسلحة النووية فائقة التطور، أما الخط الثاني، فهو الاستعداد جدياً لهجوم نووي على الداخل الأميركي.
في أبريل (نيسان) من عام 2017 صدرت مجلة "فورين بوليسي" محتوية على تقرير يفيد بأن هناك وثائق جديدة لوكالة الاستخبارات المركزية، أزيح عنها الستار أخيراً، تقدم لمحة عن الاستراتيجية التي تسعى الإدارات المتعاقبة للوصول إليها حال اندلاع حرب نووية، فيما وصفته المجلة بالخطة السرية للحكومة الأميركية للنجاة من نهاية العالم، وتلك التي وضع أساساتها الرئيس جيمي كارتر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الوثائق نرى خططاً لتأمين نحو 80 في المئة من الولايات المتحدة، حال تعرضها لهجوم نووي، عطفاً على إجراءات مثيرة، لا تتسق أبداً والمساقات الديمقراطية للجمهورية الأميركية، ومنها فرض قانون عسكري خاص بهذه الأوقات الاستثنائية، ومنح القوات المسلحة الأميركية سلطات استثنائية، وجمع القادة التنفيذيين بمنشآت "إعادة توطين".
من هنا يمكن للمرء أن يتفهم أن قيادات أميركا، الظاهرين منهم والخفيين، يتوقعون يوماً ما هجوماً نووياً لا يبقي ولا يذر.
على سبيل المثال، كتب رئيس القيادة الاستراتيجية الأميرال تشارلز ريتشارد في مقال لمجلة المعهد البحري العسكري في فبراير (شباط) 2021 يقول، "هناك احتمال حقيقي لأن تتصاعد أزمة إقليمية مع روسيا أو الصين بسرعة إلى صراع نووي، إذا شعروا بأن خسارة صراع تستخدم فيه الأسلحة التقليدية قد يهدد النظام أو الدولة".
وفي رأيه، أدت نهاية الحرب الباردة إلى ظهور أمل كاذب في واشنطن بأن "استخدام الأسلحة النووية أصبح الآن مستحيلاً عملياً"، لكن على أميركا الآن أن تضع في اعتبارها أن "استخدام الأسلحة النووية احتمال واقعي".
والثابت أنه في أوائل أكتوبر الماضي، قالت لجنة مكونة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس، إنه يتعين على أميركا الاستعداد لحروب متزامنة محتملة مع روسيا والصين من خلال توسيع قواتها التقليدية، وتعزيز التحالفات وتحديث برنامجها النووي.
وقد جاء التقرير الصادر عن لجنة الوضع الاستراتيجي وسط توترات مع الصين في شأن تايوان وقضايا أخرى، وكذا تفاقم الاحتكاكات مع روسيا في شأن غزوها لأوكرانيا.
يعن للقارئ أن يتساءل: هل الاستعدادات النووية الأميركية تجري فوق سطح الأرض فحسب، أم أن هناك بعداً جديداً غير مسبوق، موصول بالفضاء؟
القوة الفضائية الأميركية والأسلحة النووية
تبدو واشنطن، ومهما حاولت إنكار ذلك رسمياً، ساعية إلى عسكرة الفضاء، بأسلحة متقدمة للغاية، لا سيما النووية منها... هل كان مشروع القوة الفضائية الأميركية الذي دشنه الرئيس ترمب في أغسطس (آب) 2019، هو بداية طريق عسكرة أميركا للفضاء نووياً؟
تمثل القوة الفضائية الجديدة الفرع السادس للجيش الأميركي النظامي، ومهمتها المقترحة قيادة الفضاء الخارجي والاضطلاع بمعظم أنشطة الولايات المتحدة العسكرية فيه، ومواجهة النفوذ المتزايد والمنافسة المتنامية والتهديدات المستمرة من روسيا والصين ومحاولاتهما عسكرة الفضاء، حيث تشير التقارير الاستخباراتية الأميركية إلى أنهما يطوران تكنولوجيا قادرة على إيقاف عمل أو تدمير الأقمار الاصطناعية ذات الأهمية الحيوية لأنظمة الاتصالات.
على أن أهم جزئية باتت تشغل الروس والصينيين بنوع خاص، تدور حول الأسئلة السرية التي غالباً ما يفكر الأميركيون في نشرها في الفضاء الخارجي، وهل من بينها أسلحة نووية محدثة أم لا.
ليس سراً أنه منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، حين بدأ الرئيس رونالد ريغان مشروعه المعروف باسم "حرب الكواكب أو النجوم"، وهناك مخطط أميركي لا يخفى على أحد، قوامه نشر شبكات دفاعية تحمي سطح أميركا، وغالباً ما كان الحديث يجري عن أسلحة ليزر تقطع الطريق على الصواريخ الباليستية الروسية خاصة.
اليوم، وفي ظل تطور التسليح الروسي والصيني، سواء بالأسلحة فرط الصوتية، أو الكهرومغناطيسية، وريادتهما للفضاء معاً ومنفردين، فإن واشنطن - ترمب، ومن بعده بايدن، ومن يليهما أضحت منشغلة بمستقبل الفضاء بأكثر من الأرض.
أخيراً، نقلت الصحافة الأميركية المتخصصة في أخبار القوات المسلحة، أخباراً عن تطوير بعض الأسلحة الواعدة لقوة الفضاء الأميركية.
يقال إن مثل هذا المشروع تم تطويره في جو من السرية التامة، والمعلومات المتعلقة به ممنوحة فقط لدائرة ضيقة من القادة والمشاركين، ومع ذلك قد يتم تقديمها للجمهور في المستقبل القريب.
تشير تقاير منصة Breaking Defence إلى أن بعض الأسلحة الجديدة تم تطويرها لصالح القوة الفضائية، وفي الوقت نفسه لا تزال فئة هذه العينة وقدراتها وخصائصها غير معروفة.
هل أجج الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، المخاوف وأطلق الهواجس من تلك الأسلحة الفضائية السرية؟
يمكن أن يكون الأمر بالفعل على هذا النحو، فقد كشف ترمب عن معلومات دفاعية بالغة السرية في واحدة من 17 مقابلة مسجلة أجراها مع الصحافي الأميركي الشهير "بوب وودوورد"، خلال تحضيره لكتابه الذي أطلق عليه "الغضب".
قال ترمب إن حكومته أنشأت نظام أسلحة لا يعرف أحد عنه شيئاً، ولا حتى قادة روسيا أو الصين، ولمح إلى أنه "نووي".
بوب وودوورد بدوره، لم يتوقف عند ما تفوه به ترمب وعلى ما يبدو فقد كانت "زلة لسان"، من رجل غير متوقع، ربما جرت عليه عداءات مع الدولة الأميركية العميقة، فقد تأكد صحافي "ووترغيت" الشهير وبصورة منفصلة من مصادره في البنتاغون، أن واشنطن لديها سلاح سري جديد، ما يفتح المجال لأحاديث نشر أسلحة نووية فوق سطح الأرض وفي الفضاء الخارجي بنوع خاص.
هل من علماء آخرين يمكن تأكيد توجهات واشنطن النووية في الفضاء من خلالهم؟
هناك "هانز كريستنسن" مدير مشروع المعلومات النووية في اتحاد العلماء الأميركيين، والذي قال إن هذا السلاح الجديد يمكن أن يكون رأساً نووياً جديداً وخطراً.
أما "شيريل روفر"، العالمة النووية الأميركية، فبدورها قالت إن تلك التصريحات يمكنها أن تشير إلى رأس حربي جديد قيد التطوير، وهو "دبيلو 93".
في الطريق لملاقات الصين النووية
وفي طريق البحث عن الأسباب التي تعجل بهذه الثورة النووية الأميركية المحدثة، يبدو التقاطع واضحاً جداً مع الطموحات النووية الصينية بأكثر من الخوف من الترسانة النووية الروسية، وإن كان من غير الممكن تجاهلها أميركياً.
الذين قدر لهم مطالعة استراتيجية الأمن القومي الأميركي الصادرة في أكتوبر 2022، والأولى في عهد الرئيس بايدن، يدركون كيف أن المخاوف من صحوة التنين الصيني تسابق القلق من أية قوة أخرى، ولو كانت روسيا التي قامت بغزو أوكرانيا... هل من سر نووي خاص في هذا السياق؟
مؤكد أن الصينيين قد خبروا درساً استراتيجياً متقدماً عبر قراءة واحدة من مقولات رئيس وزراء بريطانيا العتيد، ونستون تشرشل، خلال الحرب العالمية الثانية، فقد كتب ذات مرة يقول، "أنت لا تستطيع أن تفاوض إلى مدى أبعد مما تصل إليه نيران مدافعك".
من هنا بدا واضحاً أن الصينيين يعمدون إلى حيازة قوة نووية رادعة للولايات المتحدة أول الأمر، وربما لروسيا تالياً، ولا يغرنك شأن التعاون البراغماتي القائم حالياً بين موسكو وبكين لمواجهة واشنطن.
في تقرير للبنتاغون بنهاية أكتوبر الماضي، نجد إشارة إلى أن الصين تطور ترسانتها النووية بوتيرة أسرع مما توقعته الولايات المتحدة، وتعمل في الوقت ذاته على توسعة وتحديث جيشها بصورة متزايدة.
التقرير يؤكد أن الصين طورت ترسانة تضم أكثر من 500 رأس حربي نووي جاهز للاستخدام، ومن المقرر أن تضاعف هذا العدد بحلول نهاية العقد، وما يتجاوز تقديرات البنتاغون السابقة.
كان لدى الصين "أكثر من 500 رأس نووية جاهزة للاستخدام في مايو 2023"، وهي بصدد امتلاك "أكثر من 1000 رأس على الأرجح بحلول عام 2030"، وفقاً للتقديرات الأميركية المنشورة في هذا التقرير السري الصادر عن الكونغرس.
هنا يقول القائد السابق للقيادة الاستراتيجية الأميركية، الأدميرال تشارلز ريتشارد، إن التعزيزات النووية الصينية، مذهلة ومتسارعة في آنٍ واحد، وهي تشكل خطراً جديداً وفريداً على الولايات المتحدة، إذ تفرض عليها ردع خصمين مسلحين نووياً.
حدد الرئيس الصيني شي جينبينغ عام 2027 باعتباره العام الذي ينبغي أن تمتلك فيه الصين القدرة العسكرية لحل مسألة تايوان، وقد يعني هذا كما حذر الأدميرال ريتشارد، أن الصين تسعى إما إلى إرغام أو ابتزاز الولايات المتحدة للتخلي عن أي صراع يتعلق بتايوان، معتقدة أن امتلاكها لقدرة نووية كبيرة يمنحها النفوذ اللازم لذلك.
من هذا المنطلق يمكننا تفهم ما أوصت به "لجنة الوضع الاستراتيجي" الأميركية، بأن الأمر لا يعني أن الولايات المتحدة يجب أن تضاهي عدد الرؤوس الحربية الصينية والروسية مجتمعة، ولكن كما أكد كثير من أعضاء اللجنة، أن الولايات المتحدة تحتاج إلى قدر أكبر من الردع النووي لأن البرنامج القائم ليس كافياً.
ومن هنا أيضاً أوصت اللجنة بزيادة سريعة في الرؤوس الحربية التي يحملها الصاروخ الباليستي Minuteman 111 العابر للقارات والصاروخ الباليستي Trident D-5 الذي يطلق من البحر. واقترحت أيضاً الحصول على مزيد من الغواصات من طراز كولومبيا، وبعض الصواريخ الباليستية العابرة للقارات المتنقلة، وأوصت اللجنة بشدة بامتلاك قدرة صاروخية ممثلة في صواريخ كروز مسلحة نووياً تطلق من البحر.
الكونغرس ومزيد من الأموال للنووي
هل يوافق الكونغرس على تخصيص مثل هذه الأموال الطائلة لمزيد من الأسلحة النووية؟
غالب الظن نعم، لا سيما أن الجناح الثالث من أجنحة المجمع الصناعي العسكري الأميركي، هم أعضاء الكونغرس بمجلسيه، وكلهم يتلقى التبرعات من شركات الأسلحة العملاقة، لضمان دعم الحملات الانتخابية.
هل من رقم مقدر بعينه لصيانة الترسانة النووية الأميركية، ومن غير حساب كلفة مزيد من الأسلحة الحديثة؟
بحسب تقرير نشره مكتب الموازنة في الكونغرس في نوفمبر 2017، فإن تحديث وصيانة الترسانة النووية على مدى الـ30 عاماً المقبلة سيكلف أكثر من 1.2 تريليون دولار.
هل هناك مزيد من الأموال التي ستتدفق في قنوات الإنفاق على المشروع النووي الأميركي عما قريب؟
نعم، هناك مزيد، وبخاصة بعدما مرر مجلس الشيوخ، مشروع قانون موازنة الدفاع للسنة المالية 2024، وتصل إلى أكثر من 886.3 مليار دولار، وهي موازنة تفوق كافة الموازنات التي خبرتها الولايات المتحدة حتى في أوج الحرب الباردة مع المعسكر الشيوعي.
ماذا عن البرامج النووية في أحدث موازنة أميركية؟
المعروف أنه في أول ميزانيتين له، تجاهل بايدن تعهداته الخاصة بحملته الانتخابية بتقليل الاعتماد المفرط على الأسلحة النووية.
بدلاً من ذلك، في موازنته الأولى، تبنى بايدن بالفعل الاقتراح الذي ورثه لإعادة بناء وتحديث الأرجل الثلاث للمثلث النووي الاستراتيجي بكلفة 1.7 تريليون دولار، وقدم تمويلا لثلاثة أسلحة نووية تكتيكية جديدة، بما في ذلك الصواريخ النووية منخفضة القوة.
وفي العام الماضي حاول بايدن بالفعل إلغاء الرؤوس الحربية منخفضة القوة، لكن الكونغرس أبطل ذلك المسعى.
كان عديد من أنصار بايدن يأملون في أن تؤدي تعهداته إلى تقليص أو حتى إزالة المكون الأرضي للمثلث النووي الاستراتيجي، الذي سيكلف 264 مليار دولار للمحافظة عليه وتحديثه، فيما لم تقدم مراجعة الوضع النووي لبايدن مثل هذه التوصية.
غير أنه في السنة المالية 2024، تقوم إدارة بايدن مرة أخرى بتضمين التمويل لجميع الأرجل الثلاث للمثلث النووية الاستراتيجي وسلاحين تكتيكيين جديدين، ولكن لا يشمل أي تمويل للسلاح النووي منخفض القوة SLCM-N.
هل عاد العالم للسباق النووي ثانية؟
يبقى التساؤل عما إذا كان بات من المؤكد أن عالمنا يعود إلى سباق تسلح نووي بصورة مؤكدة، لا سيما بعد انسحاب روسيا من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا.
خيل لكثر أنه مع سقوط الاتحاد السوفياتي، أن العالم قد خلف وراءه سباق الحصول على الأسلحة النووية، غير أنها ثلاثة عقود فقط، تبخرت بعدها هذه الآمال، وحلت محلها مشروعات العسكرة النووية.
منذ بداية الحرب الروسية - الأوكرانية، في فبراير (شباط) 2022، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوامره بوضع القوات النووية لبلاده في "حالة تأهب قصوى"، وبعد عام تقريباً، وتحديداً في فبراير 2023، أعلنت روسيا تعليق مشاركتها في معاهدة "نيو ستارت" مع الولايات المتحدة للحد من الأسلحة النووية، وبخاصة عدد الرؤوس النووية التي يمكن للبلدين نشرها، مما فتح الباب أمام سباق تسلح نووي جديد وغير مقيد انخرطت فيه كل من موسكو وواشنطن ومعهما بكين.
هل سيتوقف السباق النووي عند هذه الدول الكبرى الثلاث؟
حتماً، ستنشأ قوى جديدة، شرق الأرض وغربها، ساعية إلى حيازة السلاح النووي، باعتباره الضمانة الوحيدة لدعم التعرض للعدوان فتاك، وهو ما تبدى واضحاً من نموذج أوكرانيا التي تخلت طوعاً في تسعينيات القرن الماضي عن ترسانتها النووية زهاء حفنة دولارات، واليوم يتساءل الأوكران وغيرهم: هل كان بوتين يقدم على فعلته لو كانت أوكرانيا نووية؟