ملخص
أحكام المادة السابعة من معاهدة الاتحاد الأوروبي، تسمح بحرمان بودابست من حق التصويت، لكن ليس هناك سابقة لذلك
بينما يحتدم الجدل في الأوساط السياسية بالاتحاد الأوروبي حول موقف فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية، وإصراره على استخدام حقه في التصويت ضد قبول أوكرانيا في عضوية الاتحاد الأوروبي، على ضوء فشل رؤساء بلدان الاتحاد في قمتهم التي جرت في الـ15 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أعلنت أوكرانيا احتمالات تحولها إلى ما يسمى بالخطة "ب"، في حال عدم حصولها على ما وعدت به من أموال ومعونات مادية وعسكرية مطلع العام المقبل.
أوكرانيا والخطة "ب"
وكشف مستشار الرئيس الأوكراني للشؤون الاقتصادية أوليغ أوستينكو عن احتمالات تحول أوكرانيا إلى ما وصفها بالخطة "ب"، في حال لم تحصل أوكرانيا على ما وعدتها به الدول الغربية من مساعدات في الأيام الأولى من يناير (كانون الثاني) من العام المقبل. وقال أوستينكو في حديث تلفزيوني إن الخطة "ب" قد تكون متعددة المستويات، لكنه يعتقد أنها في المرحلة الأولى ستكون كافية "في حال اللجوء إلى السوق المحلية لاقتراض رأس المال، والحصول على الأموال في السوق المحلية". وكان أوستينكو اعترف في الوقت نفسه بأن مثل هذا التطور سيسبب كثيراً من الإرباك والتوتر، وأن الأوضاع ستكون في غاية الصعوبة، ويمكن أن تكون سبباً في ظهور الحساسية والعصبية بين المسؤولين من العاملين في وزارة المالية، نظراً إلى تحملهم المسؤولية عن موازنة البلاد. ومع ذلك فإن هذا سيسمح بترتيب الأوضاع طوال شهر يناير من العام المقبل، بحسب ما يعتقد.
وكانت قمة رؤساء بلدان الاتحاد الأوروبي التي جرت في الـ15 من ديسمبر الجاري، فشلت في التوصل إلى اتفاق في شأن تخصيص برنامج مساعدة بقيمة 50 مليار يورو لأوكرانيا حتى عام 2027. وقال رئيسا المجلس الأوروبي شارل ميشيل والمفوضية الأوروبية وأورسولا فون دير لاين إن الاتحاد الأوروبي سيعقد قمة طارئة في أوائل عام 2024 للاتفاق على البرنامج، وسيعمل أيضاً على البدائل في حال عدم موافقة بودابست على التخلي عن حق التصويت في القمة المقبلة. وفي الوقت نفسه لم يقدم شارل ميشيل إجابة دقيقة عن السؤال حول موعد عقد هذه القمة، التي ثمة من يقول إنها قد تعقد في يناير من العام المقبل.
ما حقيقة مواقف أوربان؟
يواصل فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية مواقفه المتشددة ضد أوكرانيا، منذ ما قبل "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. وكانت الحكومة المجرية هاجمت سياسات الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو في إطار احتجاجها ورفضها قراراته التي أصدرها عام 2017 في شأن الأقليات القومية في أوكرانيا، لتطاولها على حقوق الأقليات المجرية في ترانسكارباتيا (ما وراء الكاربات)، وهي الأراضي المجرية التي ضمها الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين إلى أوكرانيا بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية، وهو ما تناولته "اندبندنت عربية" في تقارير سابقة. وجعلت المفوضية الأوروبية التشريع الذي يحمي الأقليات في أوكرانيا أحد الشروط لبدء مفاوضات انضمام ذلك البلد إلى الاتحاد الأوروبي. كما اعتمد بالفعل هذا القانون، إلى جانب قوانين أخرى، من جانب البرلمان الأوكراني. كما انتقد أوربان كثيراً سياسات الرئيس فلاديمير زيلينسكي ومواقفه من "العملية العسكرية الروسية الخاصة"، من منظور رفضه للمبادرات السلمية التي قدمتها المجر وغيرها من البلدان الأوروبية والآسيوية والأفريقية، وإصراره على التمسك بمبادرته ذات النقاط الـ10.
كما أن فيكتور أوربان اتخذ موقفاً مناهضاً لما قاله دميترى كوليبا وزير الخارجية الأوكرانية في بروكسل الإثنين الماضي، حول أن "أوكرانيا قامت بواجبها". ولم يتخل أوربان عن "لا" التي قالها. ومن غير المرجح أن تتمكن أوكرانيا من تغيير هذا الموقف بمفردها. ومع ذلك فإن الاتحاد الأوروبي قادر تماماً على ذلك. كيف؟ فإما أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من إقناع أوربان، أو أن الاتحاد الأوروبي سـ"يتجاوزه" ببساطة.
وهناك بالفعل من يقول في بروكسل بإمكان عقد قمة غير عادية في يناير المقبل، إذ ستقوم 26 دولة (أو 25 دولة إذا رفضت سلوفاكيا المشاركة) بالتوقيع على اتفاق خاص مع أوكرانيا في شأن المساعدات المالية لها، وبما قد يتيسر معه "إنقاذ المليارات التي ستنفق على أوكرانيا وسمعة الأوروبيين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان أوربان اعترف في حديثه الإذاعي الدوري بأنه "لم يستطع إقناع زملائه في الاتحاد الأوروبي، وأن قبول أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي عملية طويلة، وأن البرلمان المجري سيكون قادراً على إيقافها في حال اعتباره ذلك ضرورياً". أما بالنسبة إلى المساعدة المقدمة لأوكرانيا، فذكر أوربان أنه بالفعل مستعد لمواصلة منع هذا القرار، كما ربط إلغاء "حق التصويت" بتخصيص الاتحاد الأوروبي لجميع الأموال الأوروبية التي طلبتها بودابست. وبينما قال رئيس الوزراء الهولندي مارك روته "لا يزال لدينا الوقت، لن تترك أوكرانيا من دون أموال في الأسابيع القليلة المقبلة"، وصف الرئيس فلاديمير زيلينسكي قرار التفاوض على عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي بأنه "انتصار". أما عن احتمالات حرمان المجر من "حق التصويت" على رغم عدم تأييد جميع أعضاء الاتحاد لهذه الفكرة، فثمة من يقول إن رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان قد يغير رأيه في شأن قضية المساعدات لأوكرانيا بعد إظهار "الكلفة الحقيقية" لعزلة بودابست داخل الاتحاد الأوروبي، على حد قول بعض أعضاء الاتحاد، بينما يقول مراقبون آخرون، ومنهم سيرغي تسيكوف عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الاتحاد (المجلس الفيدرالي الروسي)، إن "ذلك سيشير إلى أن الاتحاد الأوروبي مستمر في التدهور والتفكك"، وإنه "ليس لديه أي آفاق في المستقبل البعيد".
هل يمكن حرمان المجر من "حق التصويت"؟
في حواره مع صحيفة "فزغلياد" الروسية، قال الخبير السياسي الألماني ألكسندر رار "إن بروكسل لن تخاطر بحرمان المجر من حق التصويت في الاتحاد الأوروبي". وأضاف أن الاتحاد الأوروبي ناقش إمكان حرمان المجر من حق التصويت لإبرام اتفاق في شأن تقديم المساعدة إلى أوكرانيا، وأنه ووفقاً للمادة السابعة من معاهدة الاتحاد الأوروبي، من الممكن حرمان بلد عضو من حقه في التصويت إذا ثبت أن الدولة انتهكت القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي. "من الغريب أن المساعدة المقدمة لأوكرانيا تندرج ضمن هذه الفئة"، فوفقاً لهذه المادة يمكن للمجلس الأوروبي أن يقرر بأغلبية أربعة أخماس، أنه "كان هناك انتهاك خطر ودائم للقيم الأساسية، ولهذا فإن ذلك يتطلب أيضاً موافقة برلمان الاتحاد الأوروبي".
وتابع ألكسندر رار "هذا ليس الشرط الوحيد، فمن أجل حرمان المجر من الحق في التصويت على أساس قرار في شأن انتهاك القيم، يجب على جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين الموافقة على هذا الاقتراح. فماذا لو استخدمت سلوفاكيا حق النقض؟ لن يكون من الممكن الحد من بودابست. ومن المهم ملاحظة أن الحرمان من حق التصويت هو إجراء خطر، وينبغي اعتباره ملاذاً أخيراً. يفضل الاتحاد الأوروبي إيجاد حلول من خلال الضغط المالي والسياسي، وفي الواقع لم يحرم أي بلد من التصويت بموجب هذه المادة".
واستطرد رار قائلاً "من غير المرجح أن تحرم المجر من حق التصويت، فذلك سيؤدي إلى سابقة خطرة داخل الاتحاد الأوروبي، إذ إن البلدان الصغيرة ستفهم أنه في المستقبل لن تحل جميع القضايا في بروكسل عن طريق قرار مشترك، ولكن بأغلبية الأصوات، التي ستجمعها ألمانيا وفرنسا". وخلص إلى أنه "من المرجح أن توافق المجر على التصويت مع بقية الاتحاد الأوروبي في شأن القضية الأوكرانية إذا كشفت بروكسل أخيراً عن 30 مليار يورو لم تتلقاها المجر بسبب انتهاك الديمقراطية في سياستها الداخلية. وبالنسبة إلى بروكسل، لا شيء أكثر أهمية من دعم أوكرانيا، وستحقق ذلك حتى على حساب منافعها الاقتصادية الخاصة".
غير أن هناك من يدعو إلى حرمان بودابست من "حق التصويت" وهي Rasa Juknevičienė عضو البرلمان الأوروبي عن ليتوانيا، التي قالت في حديث لـ www.currenttime.tv ، "يجب على محامينا إيجاد الطرق القانونية لوقف الدمار في الداخل والخارج. لمن يعمل أوربان؟ لصالح بوتين. ولماذا لا يفعل الاتحاد الأوروبي شيئاً لإيقافه؟ ألا ترى كيف يدمر الاتحاد الأوروبي من الداخل؟ نحن نرى، وأنا أقول ذلك. لسوء الحظ الأدوات اللازمة لإيقافه ضعيفة للغاية. هذه إجابة مخيبة للآمال لأن الناس يريدون رؤية اتحاد أوروبي فعال"، لتخلص إلى القول "لا يمكن أن يستمر الأمر على هذا النحو". ورداً على سؤال حول فرص حرمان المجر من الحق في التصويت، وما إذا كان ثلثا دول الاتحاد الأوروبي ستفعل ذلك، قالت "الوضع غير عادي للغاية، لأن هذا الإجراء ليس سهلاً، وربما بعض الدول ليست ناضجة بعد". (حرمان دولة عضو في الاتحاد الأوروبي من الحق في التصويت، يحتاج إلى 72 في المئة من جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي سيكون لديها ما لا يقل عن 65 في المئة من سكان الاتحاد الأوروبي).
وكانت صحيفة "فايننشال تايمز" أشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي يفكر في استخدام "أقوى سلاح" لحرمان المجر من حق التصويت، كما إنه يحاول إقناع أوربان بالتخلي عن مطلبه بدفع كل ما هو مخصص للمجر في مقابل مساعدة مالية لأوكرانيا بقيمة 50 مليار يورو، فيما يظل الخيار البديل هو حرمان بودابست من حق التصويت، وهو ما يدرسه بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي من خلال إمكان تطبيق أحكام المادة السابعة من معاهدة الاتحاد الأوروبي، التي قد تسمح بحرمان بودابست من حق التصويت، ويستخدمه رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان لمنع تخصيص الأموال لأوكرانيا.