Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران والانتخابات... النظام أولا (7)

نجاح الدولة العميقة في هندسة الاستحقاقات البرلمانية والرئاسية لم يترجم انسجاماً بين هاتين السلطتين

نظرية النظام الإيراني تروج أن الانتخابات مهمتها الكشف عن الشخصية التي يريدها الله (أ ف ب)

ملخص

تطعيم البرلمان بجنرالات حرس الثورة عبر الدفع بأكثر من 70 نائباً من ضباطها لم يمنع من انكشاف حالة الضعف التي ظهر عليها

على رغم كل التحديات التي واجهها النظام الإيراني على المستوى الاقتصادي في ظل رئاسة حسن روحاني للجمهورية والسلطة التنفيذية، فإن النظام استطاع توظيفها لإضعاف الرئيس ومشروعه بالتحول إلى قطب في الحياة السياسية يطمح لمنافسة التيار المحافظ، أو في الأقل مشاركته في النفوذ بالحد الأدنى.

بعض الإشارات الصادرة من روحاني حول دوافع ومحركات هذه الاعتراضات ومسارعة مراكز القرار في النظام لإلقاء اللوم والمسؤولية على الحكومة بعجزها عن معالجة الأزمات الاقتصادية واقتصار رهاناتها على الخارج، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية كمدخل لتغيير الواقع الاقتصادي المأزوم والمتعثر، عزز فرضية أن تكون هذه الاعتراضات مخططاً لها ومدروسة من قبل جهات في التيار المحافظ بهدف محاصرة روحاني ومنعه من تحقيق إنجاز اقتصادي يعزز موقفه وتوجهاته، إلا أن تداعياتها وانفلاتها من الإطار المرسوم لها، حولها إلى أزمة حقيقية وموجة اعتراض واسعة شملت غالبية المدن الكبرى، مما أجبر النظام على اللجوء إلى مستويات من العنف كبيرة، أدت بحسب اعتراف وزير الداخلية حينها علي رضا رحماني فضلي إلى سقوط نحو 350 قتيلاً، في حين ذهب النظام إلى اتهام أيادٍ خارجية وأجهزة استخبارات دولية بالوقوف وراءها من جهة، والتنصل منها وتحميل روحاني وحكومته المسؤولية عنها.

وعلى رغم جهود روحاني للصمود في وجه حملات التشويه والإضعاف، وحتى الدخول في مواجهات كلامية مع المرشد الأعلى وإعلان مواقف مختلفة مع مواقفه في عديد من المسائل، سواء في موضوع المفاوضات النووية، أو المسائل المتعلقة بإدارة شؤون البلاد الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية، لم تشكل عائقاً أمام التيار المحافظ والدولة العميقة لإعادة ترتيب أوراقها وأوضاعها استعداداً لمرحلة ما بعد روحاني، ومن أجل استعادة المبادرة والإمساك على السلطتين التنفيذية والتشريعية وإقصاء أي صوت لا ينسجم بالحد الأدنى مع توجهاتها.

الخطوة الأولى على مسار استعادة السيطرة جاءت من بوابة الانتخابات البرلمانية الحالية التي شارفت على الانتهاء، إذ لم يتردد مجلس صيانة الدستور وتنفيذاً لتوجهات الدولة العميقة المدعومة بموقف المرشد الأعلى وانسجاماً مع سياساته العامة حول رؤيته لمستقبل مؤسسات الدولة، لم يتردد في تحويل لجنة دراسة أهلية المرشحين التابعة له إلى مقصلة حقيقة طاولت كل المرشحين من غير المرضي عنهم أو الذين لا ينسجمون أو ينتمون إلى التيار المحافظ بكل أطيافه، مما سمح للنظام بهندسة السلطة التشريعية على النحو والصورة اللذين يريدهما ويخدمان أهدافه، ولم يكتب النجاح سوى للموالين الذي أقسموا على الولاء للمرشد والعمل بتوجيهاته وعدم معارضتها كتكليف شرعي وديني قبل أن يكون نيابة عن الأمة التي انتخبته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يمكن القول إن آلية انتخاب البرلمان الجديد، تحول إلى مصداق حقيقي للرؤية التي أسس لها أصحاب نظرية الحكومة الإسلامية، وفي مقدمهم رجل الدين المتشدد محمد تقي مصباح يزدي، بأن العملية الديمقراطية أو صناديق الاقتراع ليس مهمتها إقامة نظام ديمقراطي، بل مهمتها هي الكشف عن الشخصية التي يريدها الله لتولي هذا المنصب. وانطلاقاً من نظرية ولاية الفقيه والتقنين الشرعي والأيديولوجي لها، فإن ولي الفقيه يمثل امتداداً لسلطة أئمة أهل البيت ومن قبلهم سلطة الرسول الأكرم، والذي تعد سلطته وولايته امتداداً ونيابة عن سلطة الخالق وولايته، فتصبح مهمة صندوق الاقتراع هي الكشف عمن يريده ولي الفقيه ليكون في موقع المطلوب ومسؤول أمامه وليس أمام المرجعيات القانونية.

جهود التيار المحافظ والدولة العميقة الداعمة له في إنتاج برلمان مطيع، أو كما وصفه المرشد الاعلى "برلمان ثوري" يعيد للنظام رونقه الثوري والأيديولوجي، لم تكن بالمستوى المطلوب، بخاصة أنه لم يستطع الحصول على الشرعية الشعبية المطلوبة، ولأن تراجع نسبة المشاركة التي لم تتجاوز نسبتها 45 في المئة بعد تدخل الإدارات المعنية في وزارة الداخلية لرفعها، كشفت عن حجم التراجع الحاصل في قاعدة النظام والتيار المحافظ الشعبية.

إضافة إلى أزمة الشرعية الشعبية، فإن تطعيم البرلمان بجنرالات حرس الثورة، بعد أن استطاعت هذه المؤسسة العسكرية إيصال أكثر من 70 نائباً من ضباطها وكوادرها العسكريين المتقاعدين إلى هذا البرلمان، لم يمنع من انكشاف حالة الضعف التي ظهر عليها، نتيجة سيطرة الصراعات بين ممثلي أجنحة التيار المحافظ ومحاولة كل طرف الاستحواذ على المشهد والظهور بأنه الأجدر والأقدر على تولي المسؤولية.

واستكمالاً لمساعي استعادة السيطرة على مراكز القرار، عملت الدولة العميقة على هندسة الانتخابات الرئاسية، هذه المرة بالشكل الذي لا يسمح بحدوث أية مفاجآت، وقد لجأت إلى الأداة الأكثر فاعلية، وهي مجلس صيانة الدستور، لاستبعاد الشخصيات التي قد تشكل تهديداً حقيقياً لمرشحها إبراهيم رئيسي، ثم تعاملت مع طموحات أقطاب من التيار المحافظ الرئاسية بنوع من الترغيب والترهيب، وحتى بتدخل مباشر من المرشد الأعلى الذي طلب من بعض هؤلاء الانسحاب من السباق الرئاسي، في حين تم استرضاء آخرين بوعود لتولي مناصب في الحكومة الجديدة. أما المنافس الأبرز محمد باقر قاليباف، فانسحب من السباق مفضلاً البقاء على رأس السلطة التشريعية، لأنه أدرك أن عدم نجاحه في الرئاسية سيجعله يخسر موقعه في البرلمان أيضاً.

النجاح الذي حققه التيار المحافظ والدولة العميقة في هندسة الانتخابات البرلمانية والرئاسية واستعادة السيطرة عليها وعودتها إلى السياق الذي يخدم المشروع الأساس للنظام، لم يترجم انسجاماً بين هاتين السلطتين، فسرعان ما ظهرت وسيطرت الخلافات والصراعات بينهما، مما أسهم في عرقلة كثير من الرهانات التي كانت يعقدها النظام لتقديم نموذج مختلف قادر على اجتراح الحلول لكل الأزمات، في مقدمها الأزمة الاقتصادية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل