Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تغيير خريطة الحرب السودانية بعد سقوط ود مدني

"الدعم السريع" استولى عليها بسهولة والجيش يفتح تحقيقاً عسكرياً حول شبهات بوجود "خيانة" بين صفوفه

سقطت مدينة ود مدني في أيدي قوات "الدعم السريع" على نحو مفاجئ وصادم (أ ف ب)

ملخص

سقوط ود مدني في أيدي "الدعم السريع" يفتح تكهنات المؤامرة داخل صفوف الجيش السوداني.

أثارت الانسحابات المتكررة لفرق الجيش السوداني داخل الولايات أمام هجمات قوات "الدعم السريع" استفهامات وتساؤلات عدة في أوساط مختلف فئات الشعب السوداني وقطاعاته، وكثر الحديث عن وضع الجيش في ظل النكبات المتتالية التي يتعرض لها، وآخرها سقوط مدينة ود مدني على نحو مفاجئ وصادم.

هذه الأمر فتح الباب أمام تأويلات نظرية المؤامرة والتواطؤ والخيانة بصورة دفعت قيادة الجيش إلى إقالة قائد الفرقة الأولى وفتح تحقيق حول انسحابها من المدينة بتلك الطريقة، وظل الناس يتساءلون بعفوية عن أسباب تلك الانسحابات وتداعياتها، فهل تهدد تلك النكبات بفقدان الجيش السوداني سيطرته على البلاد؟ وهل سببها ضعف في قدراته حقاً؟

انسحابات وتمدد

رصد متابعون تطورات الحرب الميدانية حيث كان الجيش يسيطر على 13 ولاية آمنة بخلاف الولايات المتأثرة أصلاً بنزاعات، موضحين أنها تقلصت الآن إلى خمس ولايات فقط.

وأشار المراقبون إلى انسحاب الفرقة 16 مشاة في مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور بعد صمود لأكثر من ستة أشهر على رغم هجمات "الدعم السريع" المتكررة التي تجاوزت 40 محاولة، ثم انسحاب الفرقة 21 مشاة زالنجي وسط دارفور بعد ما يقارب سبعة أشهر،

تلتها الفرقة 15 مشاة الجنينة والفرقة 20 بمدينة الضعين (شرق دارفور) بعد حصار لأيام عدة.

وفي وقت لا تزال الفرقتان الخامسة بالأبيض شمال كردفان، والسادسة مشاة في الفاشر شمال دارفور صامدتين أمام كل  محاولات اقتحامها، جاء انسحاب الفرقة الأولى مشاة بمدينة ود مدني مفاجئاً بعد أربعة أيام فقط من المعارك، على رغم الدعم الجوي الكثيف والإسناد البري من الوحدات المجاورة.

استبعاد الانهيار

وفي السياق يقول المتخصص بالأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية معتصم عبدالقادر إنه "معلوم للجميع وبصورة مكشوفة وواضحة أن هذه الحرب تمثل الميليشيات إحدى أدواتها المحلية المتعددة، وتكاد تكون حرباً دولية ضد الوطن والشعب السوداني تشارك فيها قوى كبرى ودول إقليمية وأحزاب وتكوينات سياسية واجتماعية داخلية تدعم كلها التمرد بالسلاح والعتاد الحربي بالمال والدعاية والإعلام".

وأكد الخبير الأمني أنه على رغم ضخامة الدعم والإسناد المادي والمعنوي للميليشيات فإن الجيش السوداني لن يتعرض للانهيار، وله تجارب كبيرة ومشرفة في استعادة واسترجاع المواقع عبر التاريخ المعاصر، فضلاً عن أنه يتمتع بالسند الشعبي الكافي الذي يؤهله لتغيير الواقع العسكري الراهن.

دعم مفتوح

وأشار عبدالقادر إلى "استمرار الدعم الخارجي من سلاح هجومي ومضادات الصواريخ، يرافقه أيضاً دعم مالي مفتوح ومغر، كما أنه في الجانب المتعلق بالخيانة والتآمر فهنالك محاولات لاستغلال التباين الاجتماعي الجهوى والقبلي ورفده بالإغراءات السلطوية والمادية وخطاب الكراهية غير المؤسس على مظالم حقيقية".

ونوه الخبير الاستراتيجي بأن الشعب السوداني بمختلف مكوناته واع بكل ما يدور من محاولات للاستيلاء على موانئه ومياهه وأراضيه الزراعية وثرواته المعدنية والحيوانية، وكذلك محاولات إحداث تغيير ديموغرافي يؤدى إلى سيطرة الطامعين الدوليين في هذه الخيرات بمعاونة عناصر محلية تجهل تاريخ وحضارة البلد.

وشدد عبدالقادر على أن القوات المسلحة ستظل تمثل البناء الهيكلي للشعب السوداني والطليعة المتقدمة لكفاحه ونضاله، لذلك فإن خسارة أي معركة مهما كانت أهميتها لا تعنى خسارة الحرب، مؤكداً "لو خسرنا كل مدن السودان فسيظل الجيش وقيادته وشعبه أوفياء لمعارك التحرير مهما طالت الحرب".

شكوك وتحقيق

بدوره يعتقد المراقب العسكري محيي الدين بابكر أن سقوط مدينة ود مدني في حوزة "الدعم السريع" يمثل مستوى جديداً من التصعيد العسكري، ويمنح قواتها دفعة معنوية فائقة بات يحلم معها ويخطط بعدها للوصول إلى ولايات سنار في عمق الوسط والقضارف وكسلا وبورتسودان في الشرق.

وأشار بابكر إلى أن سقوط ود مدني بالطريقة الدراماتيكية التي حدثت شكل صدمة ومفاجأة للسودانيين وقيادة الجيش، كما أثار كثيراً من الاستفهامات، لافتاً إلى أن إعفاء قائد الفرقة الأولى والشروع في إجراء تحقيق عسكري لمعرفة ملابسات ذلك يشير بوضوح  إلى شكوك بحدوث قصور مهني في الدفاع عن المدينة.

تحول تكتيكي

ويتوقع المراقب أن يقود سقوط حامية ود مدني الجيش إلى تغيير منهجه وتكتيكه الميداني الذي كان يبنى على تكفل كل فرقة بالدفاع عن منطقتها مع الإسناد الجوي القوي، إذ أثبتت معارك ود مدني أهمية تعاضد الفرق المتجاورة في عمل جماعي متضامن بخاصة مع وجود شبكة طرق تساعد في سرعة الوصول والإسناد، مشيراً إلى أن هذا التضامن يواكب الطريقة والتكتيك ذاته الذي تتبعه قوات "الدعم السريع" في ما يعرف بنظرية (الفزع) الذي يقوم على إسناد جميع الوحدات القريبة للفرقة التي عليها الثقل الهجومي أو الدفاعي، فهي تتجمع بسرعة وتهاجم ثم تتشتت عائدة لمواقعها ونقاط ارتكازها الأصيلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونوه بابكر إلى أنه من المحير أن تقطع قوات "الدعم السريع" كل تلك المساحات الواسعة والمفتوحة حتى وصلت إلى شرق الجزيرة ومن ثم إلى مشارف مدينة ود مدني الشاسعة، انطلاقاً من مناطق شرق النيل بالخرطوم بحري من دون أن تتعرض إلى أية مقاومة أو رادع، متخفية بين القرى ومستغلة الوجود الأمني والعسكري الضعيف في تلك المناطق.

نكبات مهددة

من جانبه قال المحلل العسكري عضو تجمع قدامى المحاربين السودانيين معتصم العجب إنه لا يتمنى ولا يستبعد أن تقود النكبات المتتالية التي يتعرض لها الجيش إلى تدهور أوضاعه أكثر نحو الانهيار، في ظل الأصوات المتشنجة التي تقف خلفها تيارات متشددة بالمضي قدماً في التصعيد العسكري ورفض خيارات الحلول التفاوضية التي من شأنها أن تحقن الدماء وتحافظ على قدرات الجيش المادية والبشرية.

ويرى العجب أن حملة إضعاف وتدمير الجيش بدأت منذ تولي ما عرف بحكم الإنقاذ عام 1989 الذي شرع في أول أسبوع من أغسطس (آب) من العام نفسه في إحكام سيطرة التنظيم على القوات المسلحة، وبدأ تفريغها من الكوادر المؤهلة حتى بلغ عدد الضباط المبعدين من الجيش والمحالين إلى المعاش خلال 10 أشهر 7 آلاف ضابط، وتم لاحقاً إحالة نحو 15 ألفاً من ضباط الصف المؤهلين وذوي الخبرات الكبيرة في مجال العمل العسكري وفنون الحرب إلى التقاعد، وإعدام 28 من الضباط بتهمة محاولة انقلابية من دون محاكمات عادلة.

التدريب والقدرات

وأضاف العجب، "شهدت تلك الفترة إهمالاً واضحاً للتدريب والتأهيل الخارجي إلا من دورات قليله لبعض منسوبي التنظيمات المتشددة، فضلاً عن انقطاع الدعم بالأسلحة والمعدات القتالية"، مشيراً إلى أنه في الوقت الذي توقف التجنيد لقوات الجيش لأكثر من 15 عاماً كانت "الدعم السريع" مستمرة في التمدد حتى وصل عددها إلى 120 ألف مقاتل.

وأوضح المحلل العسكري، "اتخذ الطريق إلى تجنيد الضباط عبر الكلية الحربية مساراً بات فيه دخولها حكراً على كوادر التنظيمات المتشددة، وفق تزكية حتمية من مؤسساتها، أما بالنسبة إلى الرتب العليا في الجيش فقد كانت الترقيات إلى رتبة لواء لا تتم إلا بموافقة الهيئة القيادية لحزب المؤتمر الوطني، وقصر رتبة العميد على القياديين في التنظيم".

تسليح الميليشيات

ويلفت المحلل العسكري إلى أن فكرة إنشاء قوات "الدعم السريع" قامت على أساس عجز الجيش في القضاء على متمردي دارفور، مما حدا بالسلطة حينذاك إلى الاستعانة بميليشيات "موسى هلال" ثم لاحقاً "حميدتي" الذي نجح فعلاً في كسر شوكة الحركات المسلحة، ليجري بعد ذلك تأهيل تلك الميليشيات بصورة متقدمة وتسليح مثالي، ودعمها بأموال ذهب جبل عامر باحتكار التنقيب فيه، مما ضاعف طموحات قائدها محمد حمدان دقلو إلى أن جاء عبدالفتاح البرهان ليجعل منها بعد عام 2013 "قوات الدعم السريع"، وتكون قوة موازية للجيش ويلحق مجموعة كبيرة من ضباط الجيش المميزين بها.

وظلت السلطات العسكرية في السودان خلال الشهور الثمانية الماضية تتهم جهات عدة بالتنسيق ودعم قوات "الدعم السريع" في حربها ضد الجيش، وهي الاتهامات التي طاولت دولاً ومنظمات دولية وكيانات سياسية داخلية.

إرث تاريخي

وأنشئت القوات المسلحة السودانية عام 1925 تحت مسمى "قوات دفاع السودان"، وشاركت وحدات منها في الحرب العالمية الثانية.

وتصنف تقارير منظمات دولية متخصصة القوات البرية في المرتبة الـ 69 عالمياً، حيث تضم 170 دبابة و6967 مركبة عسكرية و20 مدفعاً ذاتي الحركة و389 مدفعاً مقطوراً و40 راجمة صواريخ، فضلاً عن الأسطول البحري، واعتبر بذلك من أقوى وأكبر الجيوش في منطقة القرن الأفريقي.

وتقدر التقارير عدد قوات الجيش السوداني بنحو 205 آلاف جندي، بمن فيهم النظاميون العاملون والاحتياط وشبه العسكري.

ويضع التصنيف سلاح الطيران السوداني في المرتبة الـ47 عالمياً بقوة 191 طائرة، 45 منها مقاتلة و37 هجومية، وكذلك 25 طائرة شحن عسكري و12 طائرة تدريب.

وينتج الجيش كثيراً من حاجاته العسكرية عبر هيئة التصنيع الحربي، لا سيما الذخائر المختلفة والراجمات والمركبات المصفحة، كما أنشأت الهيئة شركة "صافات" لتصنيع الطائرات، كما سبق أن أعلن قائد الجيش عبدالفتاح البرهان إنتاج طائرات مسيرة قتالية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير