Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا حققت في 365 يوما؟

يأتي شهر ديسمبر وكأنه وقفة مع النفس لمراجعة أهداف العام ومتخصصون يرونها فعلاً إيجاباً ويحذرون من "شعور التقصير"

يميل البعض إلى التفكير في حياتهم على هيئة فصول تصنع أحداثاً كبرى (فريبيك)

ملخص

يأتي شهر ديسمبر وكأنه وقفة مع النفس لمراجعة أهداف العام: ماذا حققت في 365 يوماً؟

حين نوى المطرب الشعبي المصري الراحل شعبان عبدالرحيم أن يمتنع عن تدخين السجائر، وبدء رفع الأثقال، في إطار عزمه على أن يصبح إنساناً جديداً، بحسب وصفه في أغنية شهيرة، وضع خطة محكمة تجمع تفاصيل التغيير في حياته، مثل الاستيقاظ مبكراً، والبحث عن زوجة، والمحافظة على الجنيه، على أن يكون بداية تنفيذ الخطة أول يناير (كانون الثاني).

مثل رأس الساعة انقشاع ظلمة الليل وضوء الصباح وأول الأسبوع والشهر، يكون مطلع العام وآخره، فرصة مثالية لكثر لأحد أمرين، مراجعة خطة العام الماضي، وما جرى تحقيقه، وما لم يصل أثره لنتيجة مرجوة، ووضع خطة جديدة في إطار رؤية تضم أهدافاً قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى.

جرد نهاية العام

في ديسمبر (كانون الأول) من كل عام، تعيد سما عزت تقييم ما انتهت إليه أوضاعها خلال 12 شهراً، فتنظر في ما حققت، وما لم تحقق، وما الذي ساعدها على تحقيق ما أرادت وما منعها، آملة في أن تضع ذلك كله في حساباتها مع العام الجديد، لكنها وهي تفعل ذلك تضع احتمالات مرنة لأشياء قد تتحقق أو غير ذلك.

"في كل عام يكون لديَّ خطة خاصة بذلك العام، وعلى مستويات مختلفة"، تحكي سما ذات الـ35 سنة، التي تعمل في مكتبة بوسط القاهرة، معددة بعض الخطوط العريضة لأهدافها السنوية، وعلى رأسها ادخار مبلغ جيد، وشراء مصوغات ذهبية بذلك المبلغ، وقراءة عدد محدد من الكتب خلال العام، والسفر إلى مكان جديد، وتغيير وتنسيق شكل منزلها الذي لا تزال تدفع بعض أقساطه، وكذلك تعلم لغة جديدة.

لا تعرف الشابة سبباً لوضع خطة في ديسمبر تمهيداً لتنفيذها في يناير، لكنها تعتقد أنها ليست وحدها من يقوم بذلك الأمر، إذ إنها تتشارك الأمر مع آخرين يعملون معها في تلك المكتبة، ويتناقشون حول الأمر، وإن كانت هناك خصوصية لبعض الأمور فإنها لا تقع ضمن ذلك النقاش بطبيعة الحال، أو تقع ضمن دوائر صغيرة "لكن منذ صغري وحين أنوي تنفيذ أمر ما فإني أؤجله إلى بداية شيء: أسبوع، شهر، سنة، وهكذا".

البداية الجديدة

ربما يكون توضيح سر التعلق ببداية الأعوام والرغبة في التغيير لدى كاتي ميلكمان، أستاذة علم النفس في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، التي سبق أن ألفت كتاباً بعنوان "كيف تتغير"، أن الناس يميلون إلى التفكير في حياتهم على هيئة فصول تصنع أحداثاً كبرى، مثل دخول الجامعة والزواج أو الحصول على طفل، لذلك ووفقاً لتلك الرؤية فإن العام الجديد يعتبر فصلاً مهماً يمكن من خلاله البدء للحصول على شيء مختلف، وفق مفهوم "تأثير البداية الجديدة".

 

هذا التأثير، وفقاً لميلكمان، يجعل الشخص يشعر بأنه يقسم وقته، ويصنع شيئاً خاصاً به كما لو كان الأمر صفحة جديدة بعد صفحات أخرى، لكن هذه الصفحة نظيفة، من ثم فهي بداية جديدة، وبمفردات جديدة، وآليات أكثر حداثة وتصميماً، وعزم أفضل مما سبق، وهو ما يدفع البعض إلى الحماس في شأن تلك البداية، ووضع خطة لها، وقد يحققون ما يريدون إذا بدأوا بالفعل في تنفيذ ما يريدون، ووجدوا أنها تؤتي أكلها.

تصبح حالات الفشل السابقة وفقاً لميلكمان في ذهن الشخص غير موجودة، إذ باتت هناك شخصية جديدة عكس القديمة التي صنعت الأخطاء الماضية، وهو ما يعزز الشعور بضرورة وضع خطط وأحلام جديدة وبداية تنفيذها مع أول العام كبداية تستحق الاهتمام، ويكون لدى الشخص تصورات حول الأخطاء التي وقع فيها من قبل، ويعمل على الابتعاد عنها، لإنجاح ما يريد خلال العام الجديد أو البداية التي وضعها لنفسه.

الأهداف سلعة

هذه البداية الجديدة تعني تقويماً جديداً بالتبعية، وبات البعض يحرص على شراء أجندة ورقية مؤرخة بشكل يومي، تسبقها الأهداف الجديدة للعام الجديد وخطط تنفيذها، ويجري الترويج لها في المكتبات وأماكن بيع المستلزمات الورقية، وعلى المواقع الافتراضية أيضاً، على شاكلة "ضع أهدافك الجديدة للعام الجديد وحققها"، وتلقى مثل هذه الأجندات رواجاً لدى البعض من بينهم سامح مصطفى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعتبر سامح الأمر من قبيل العادة، منذ ستة أعوام وهو يحرص عليها، وبعدما صار عمره 29 سنة فإنه لا يزال يشتري أجندة العام الجديد، ويضع خططاً لذلك العام، ويحرص على تحقيقها، وكان أحد أهدافه خلال العام الماضي استكمال مقدم منزل لشرائه، لكنه لم يتمكن من تحقيق الأمر، نتيجة لكثرة مصروفاته وزيادتها على أثر تضخم ملموس في مصر.

إلى جانب هدف مقدم المنزل، كان سامح يعمل على تطوير ذاته في مجال البرمجة، ويبحث عن فرصة عمل جديدة جيدة، لكنه لم يوفق فيها، ليدخل الشاب في نوبة حزن لعدم تحقيق الأمر، الذي يتمنى أن يحققه العام المقبل الذي يبدأ بعد أيام، يحكي الشاب "شعرت بحزن شديد، كانت لديَّ أهداف عدة لم أحققها، أحاول معرفة السبب، لكن أشعر بعدم ارتياح حين لا أحقق ما خططت له".

جلد الذات

يقول سامح إنه يكون قاسياً مع نفسه، حين يراجع ما حقق وما لم يحقق خلال العام، الذي يوشك أن ينتهي خلال أيام، وقد يدخل في عزلة نتيجة حزنه على عدم تحقيق ما أراد وخطط، لكن ذلك الشعور يتلاشى بعد ذلك مع الأيام "أعود من جديد إلى طاحونة العمل والأيام، فأنسى الأمر، لكن ومع بداية عام جديد فإنه يصبح لزاماً عليَّ وضع تصور للعام الجديد".

جلد الذات والشعور بالذنب أمر غير صحي إذا ظل مستمراً فترة طويلة، لكن إذا ترجم الأمر في تعلم أخطاء قديمة فهو جيد، بحسب ما تقول استشاري علم النفس شيرين شوقي، التي توضح أن هذا الشكل من التحليل للمواقف والرغبة في الكمال ونقد الذات سيكون له تأثير سلبي إذا ظل متواصلاً بذلك الشكل "لكل شخصية نمطها، وقد يترجم الأمر في اكتئاب إذا ظل الشخص ينتقد نفسه بشكل متواصل من دون استفادة من المواقف القديمة التي أعاقت وصوله لما يريد".

على ناحية أخرى ترى شوقي أن وضع خطوات جديدة لهدف ما يرجى تحقيقه وفق خطة "أمر جيد ومقبول"، وإذا كان هناك ندم على عدم التوفيق في الوصول إلى هدف معين فهو أمر مقبول أيضاً، ما دام لم يصل إلى حد جلد الذات بشكل قاس "بالتأكيد لكل شخص مكاسب وخسائر خلال فترة زمنية محددة، من ثم يجب النظر إلى ما حققه من مكاسب، ولا ينظر فقط إلى الخسائر".

مناسبات مختلفة

رشيد شريف، مواطن جزائري يعيش في ولاية الأغواط، يعتبر أن هناك مناسبات تصلح لإعادة تقييم كل ما يحدث حوله من أمور وعلاقته بها، وما الذي يمكن تصحيحه من أوضاع معيشية، ويضرب مثلاً بعيد ميلاده وأول العام الميلادي وأول العام الهجري وشهر رمضان ومناسبات عدة أخرى، يقول "أرى في تلك المناسبات فرصة لإعادة التفكير في كل شيء، على الجانب العملي والمعيشي والاجتماعي أيضاً، هل أموري على ما يرام أم أحتاج إلى خطة جديدة؟".

 

لكن رشيد ذو الـ33 سنة يعتبر تلك اللحظات صعبة بالنسبة إليه، إذ يخضع لتقييم صعب يضعه بنفسه وفق خطوط طول وعرض وجداول ونسب رضاه عن أمر وعدم رضاه عن آخر، ويحرص عقب ذلك التقييم أن يغير شيئاً في حياته، ليشعر معها بالتغيير الإيجابي: "بعض الأمور لا أكون راضياً عنها بالتأكيد، وأحاول تغييرها، وهذا الأمر صعب، لكن الأصعب منه حين ينتهي العام، ولا أكون قد أحرزت تقدماً وقتها أصاب بالإحباط بسبب الأمر".

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرت منشورات مبكرة عدة تتحدث عن العام الجديد 2024، وكيف تعلموا أشياء عدة من 2023، والدروس المستفادة من ذلك العام. آملين في أن تكون تلك الدروس وسيلة لاجتياز أمور صعبة في المستقبل، أو أحداث مشابهة لما مروا به، وفي حين أن كثراً يفعلون ذلك فإن آخرين يتناولون الأمر بسخرية على شاكلة "لا نريد أن نعرف ماذا استفدتم. فقط تعلموا تلك الدروس لأنفسكم".

وتنتشر أيضاً على شاكلة وسوم بأسماء مختلفة، عن أكبر هدف للأشخاص، وما الذي حققوه في العام الماضي، وماذا يأملون في العام الجديد، فيما ينشر البعض نصائح حول وضع خطة جيدة لأهداف قصيرة المدى، كتعلم لغة جديدة أو حرفة مختلفة أو قراءة كتب أو حتى إنجاز اجتماعي، وهي منشورات تلقى رواجاً كبيراً مع نهاية كل عام.

النقد والجلد

يقول استشاري الصحة النفسية وليد الهندي "من المهم أن يكون لدى كل شخص مع بداية كل عام هدف جديد سواء يتعلق به أو بأولاده أو من في محيطه، وهذا الهدف إن كان كبيراً فيكون له مراحل خلال ذلك العام، من ثم يشعر الشخص بالتحقق والنجاح، وإن كان موقتاً، وخلال العمل على ذلك الهدف يجب تجاوز كل أخطاء الماضي، كالتخلي عن العلاقات السامة مثلاً".

وفي الوقت نفسه يلفت الهندي إلى أن نقد الذات إيجابي، لكن لا يصل إلى الجلد، ومن شأن الأمر وفقاً له أن يجعل الشخص "لديه قدرة على التغلب على الهزائم النفسية التي قد تصيب البعض، لكن تجاوز الأمر من النقد إلى الجلد خاطئ وتأثيره سلبي، يجب الخروج من العام الذي يوشك أن ينتهي بعزيمة وإصرار على الوصول إلى الأفضل في العام الجديد".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات