ملخص
سيكون الحكم على الخطوة منطقياً حال تمكنت السوق من اجتذاب 40 8.32 مليار دولار هي خارج النظام المصرفي في البلاد
صمت جرس التداول في سوق المال الليبية تسع سنوات أمام دوي صوت البارود في بلد مزقته التوترات السياسية والحروب والانفلات الأمني، قبل أن يقرع من جديد في طرابلس، في خطوة لاقت ترحيباً حذراً من قبل نخبة الاقتصاديين الليبيين، ووسط شكوك في القوانين والتشريعات اللازمة لصون وحماية المستثمرين، ومنع أشكال التلاعب ومكافحة غسل الأموال، وتنازع حكومتي السلطة في البلد المنقسمة.
وفي طرابلس، قرع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة الجرس إيذاناً باستئناف التداول، بينما من المتوقع أن تشهد بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية، استئناف التداول الأسبوع المقبل.
ويرى الدبيبة في سوق المال الليبية "إحدى الوسائل لتحسين الاقتصاد الليبي" وأن أهمية هذه السوق تتجسد في "مضاعفة الإنتاج المحلي وسد عجز الموازنة" مما يخفف العبء على الموازنة العامة للدولة، متعهداً تقديم الدعم الكامل لتمكين سوق الأوراق المالية من تأدية مهامه كما ينبغي، وليكون في مصاف الأسواق العالمية، ومنوهاً بأن ترسيخ ثقافة التداول لدى الليبيين خطوة يجرى العمل عليها، على ألا يكون التداول مقتصراً على الشركات فقط، لما تشكله السوق من ركيزة مهمة في الاقتصاد الليبي، وفق كلمته.
وبدأت البورصة الليبية نشاطها في عام 2006، ولكن بعد سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011، توقف التداول لأكثر من 12 شهراً، وخلال الحرب الأهلية بين الفصائل المسلحة المتنافسة على السلطة في عام 2014، أوقفت البورصة نشاطها مرة أخرى، وفي العام نفسه، انقسمت الدولة المنتجة للنفط بين فصيلين متحاربين في الشرق والغرب.
استقرار سياسي وأمني
ومن بين 10 شركات أُدرجت ثمانية في جدول التداولات، الإثنين الماضي، لكن ثلاث منها فقط بدأت التداول، ولا يزال ينتظر لنجاح السوق أن تستقر البلاد على الصعيدين السياسي والأمني، وهو ما يقود إلى استقرار اقتصادي مدعوم بتنقيحات التشريعات المنظمة للاستثمار، وتقديم حوافز استثمارية لدعم نمو النشاط الاقتصادي، ودوران عجلة الإنتاج.
في البداية، يستبشر المحلل الاقتصادي الليبي محمد إبراهيم الرفادي، خيراً بالخطوة، في ظل تعطش اقتصاد بلاده لكل مؤسسة تدفع نحو مستوى التشغيل الكامل، فيقول لـ"اندبندنت عربية"، إن سوق الأوراق المالية الأداة الرئيسة لامتصاص المدخرات وتوجيهها نحو الاستثمار لرفع مستوى الإنتاج، الذي يرفع بدوره من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، ويشير إلى أن سوق الأوراق المالية الليبية سوق ناشئة، فهي أبصرت النور عام 2006 وبعد خمسة أعوام توقفت، ومع هذا التوقف كانت بقية المؤسسات الاقتصادية تعاني الأمَرين بين عدم الاستقرار الأمني وفوضى السياسة التي أنهكتها إلى أن وصلت للانقسام وعشوائية تنفيذ السياسات الاقتصادية.
لا ينكر المحلل الاقتصادي الليبي، حاجة بلاده لسوق المال، فيضيف في حديثه "نعم نحن في حاجة ملحة لعمل هذه السوق التي ستمتص جزءاً من المدخرات وتوجهها نحو القطاع الاستثماري، وهي إحدى أذرع تحقيق التوازن الاقتصادي الشامل، لكن في ظل هذه الأوضاع الحالية يظل السؤال المهم هل السوق قادرة على أن تؤدي مهامها التأسيسية كأقل تقدير".
ويعود ليؤكد أن التحديات جمة وصعبة، لكن لعل هذه السوق تكون باكورة خير على الاقتصاد الليبي، خصوصاً أن الاقتصاد الليبي متعطش لكل مؤسسة تدفع نحو مستوى التشغيل الكامل، وفي ظل كمية الأموال المكتنزة لدى أصحاب رؤوس الأموال الذين يبحثون دائماً عن ملاذ آمن لأموالهم التي توجه في جلها إلى السوق العقارية بشكل مطرد وكبير للغاية، لكن التحديين الماثلين حالياً، وفق ما يقول "مؤسسي بالدرجة الأولى، والثاني هو غياب الثقافة المالية للأفراد، ولذلك يجب العمل على المستويين الفترة المقبلة".
شروط نجاح السوق
ويلقي رئيس مجلس إدارة سوق المال الليبية بشير عاشور، باللوم في تعطل عمل التداول لتسعة أعوام على غياب الاستقرار الأمني والانقسام السياسي والمؤسساتي، الذي عرفته ليبيا في العشرية الأخيرة، إضافة إلى تأخر عمل المقاصة وغياب الإفصاح والبيانات والمعلومات، وكذلك تأخر انعقاد الجمعيات العمومية.
وتحدث رئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي في كلمته، أن إدارة السوق ستسعى خلال الفترة المقبلة لإحداث نقلة نوعية ملحوظة وملموسة في النشاط، لكن يبقى هناك ثمة من يهدد تلك النقلة النوعية وفق ما يقول، معتبراً أن نجاح سوق الأوراق المالية في ليبيا مرهون باستقرار البلاد سياسياً وأمنياً، وتطور قطاعات الدولة الاقتصادية المختلفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأطل الانقسام السياسي برأسه منذ عام 2014، عبر حكومتين، تحظى الأولى شرق البلاد بتكليف ودعم مجلس النواب المنتخب، فيما يعترف المجتمع الدولي بالثانية في طرابلس وتحظى بتمثيل رسمي للبلاد في كافة المنابر الدولية، وهو الانقسام الذي امتد ليشمل مؤسسات الدولة من مصرف مركزي وهيئات رقابية وخدمية، وعانت اقتتالاً أهلياً في 2019 دام نحو عامين، ولا تزال تعاني انفلاتاً أمنياً وانتشار السلاح خارج مؤسسات الدولة المعنية بالأمن والدفاع.
وتفيد تقارير ليبية رسمية، باستفحال مظاهر الفساد الإداري والمالي في البلاد، ومن تلك التقارير ما يصدره ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية، فيما تظل البلاد في ترتيب متقدم على مؤشر منظمة الشفافية الدولية للدول الأكثر فساداً في العالم، باحتلالها المركز 171 على مستوى العالم من بين 180 دولة العام الماضي، وحصولها على 17 نقطة على مقياس (فاسد للغاية).
ترحيب حذر
وبينما رحب المحلل الاقتصادي الليبي سليمان الشحومي، بالخطوة ورأى فيها تعزيزاً لمكانة القطاع الخاص، فإن باحثاً ليبياً آخر هو محمد المنفي بدا في حديثه متحفظاً في الحكم على استئناف التداول في سوق المال الليبية، إذ يقول الأول، إن قرع جرس التداول في طرابلس، إيذاناً باستئناف عمل سوق الأوراق المالية الليبية أمر مهم، ويبشر بعودة ضبط عقارب الساعة لمشهد وركن أساس شق طريقه إلى الاقتصاد الليبي منذ عام 2006، قبل أن يتوقف عمل السوق في 2011.
ويعتقد الشحومي، أن سوق الأوراق المالية في ليبيا كانت وستظل أداة مهمة تدعم وتحفز الاستثمار وتنمي الثروات بأسهم الشركات المدرجة، وتعزز السوق من مكانة القطاع الخاص في البلاد، والدور الذي يمارسه، مع منح الفرصة للملكية الفردية وأيضاً الجماعية، وتنويع الاقتصاد وتطويره على نحو منظم في إطار من الرقابة والشفافية.
ويلفت مؤسس سوق الأوراق المالية الليبية إلى أن استئناف التداول بمثابة نقطة أساس لعملية تهدف إلى إعادة تنظيم وتطوير السوق بعد توقف دام سنوات، وهو ما يحتاج إلى جهد مخطط ومنظم، وفق تعبيره.
لكن صوتاً آخر يبدو أكثر تحفظاً في الحكم على الخطوة وما سيتبعها في قابل الأيام، فيرى الباحث الليبي محمد المنفي، أن الحكم على التجربة سيكون مبكراً في الوقت الحالي، فلا يزال هناك عديد من المعايير الأخرى التي تستوجب النظر إليها بعين الاعتبار، متسائلاً في تدوينة، عن مدى نجاح سوق المال الليبية في جذب 40 مليار دينار (8.32 مليار دولار) هي خارج النظام المصرفي في البلاد، وما إذا كان نشاط الوساطة المالية للبنوك سيفعل لمساندة سوق الأوراق المالية في مهمتها أم لا.
على الأرجح ستظل عودة سوق الأوراق المالية الليبية بفعالية مرهونة بتوحيد المؤسسات وتسوية الأزمة السياسية في البلاد، وخلق بيئة عمل داعمة ومحفزة للشركات والقطاع الخاص على نحو أوسع وأكثر تنظيماً، وإن اقتصر خطوة استئناف نشاط البورصة الليبية على الرمزية إلى رغبة البلاد في دفع نشاط الاستثمار وتمكين القطاع الخاص في ليبيا الفترة المقبلة.