سجّلت الفضة مكاسب قوية خلال شهر أغسطس (آب) 2019 بنحو 11% مقارنة بـ 6% مكاسب للذهب، مستفيدة من تدفق السيولة على أصول الملاذ الآمن بعد أن بدأت الأسواق في توقعات الركود الاقتصادي المقبل.
وخلال 2019 خفّض البنك المركزي الهندي الفائدة أربع مرات، وأقدم الفيدرالي الأميركي على أول خفض لسعر الفائدة خلال 11 عاما في 31 يوليو (تموز) 2019، إضافة إلى تسعير الأسواق لمزيد من إجراءات التحفيز وتيسير السياسة النقدية من البنوك المركزية، مما تسبب في زيادة الطلب على السندات السيادية وتراجع العوائد، لتتدفق السيولة على المعادن الثمينة. هذا أحد العوامل التي جعلت الفضة تسجّل هذه المكاسب خلال شهر أغسطس.
وزاد الطلب أيضا على الملاذات الآمنة بسبب الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، أميركا والصين، وارتفاع حدة التوتر التجاري بين طوكيو وسيئول، إضافة إلى تعقيدات ملف "بريكست". كل هذه الأسباب دفعت كثيرا من السيولة في الأسواق المالية إلى التحوط تجاه هذه الأزمات.
الخصائص الفيزيائية للفضة والاستخدامات الصناعية
للفضة خصائص تتجاوز مكانتها كمعدن ثمين، ولها استخدامات صناعية متعددة، لذا يطلق عليها المعدن الصناعي الثمين. وبسبب خصائصها الكيميائية، مثل مقاومة التأكسد، وندرتها وارتفاع تكلفة تعدينها تُصنف ضمن المعادن الثمينة "precious metals".
وتعتبر الفضة من أفضل المعادن في توصيل الكهرباء، وتتوسع استخداماتها في المجالات الصناعية، مثلا تستخدم الفضة في صناعة الهواتف الذكية والحواسيب بنسب ضئيلة مقارنة باستخدامها في ألواح الطاقة الشمسية، وتقريبا تدخل بنحو 300 ملي غرام في صناعة الهاتف، مقارنة بـ20 غرام في كل لوح من ألواح الطاقة الشمسية، وتمثل تكلفة الفضة نحو 6.1% من تكلفة تصنيع ألواح الطاقة الشمسية. هذه الارتفاعات في معدن الفضة سترفع من تكلفة مشاريع الطاقة الشمسية. وكان الطلب الصناعي على الفضة انخفض خلال العام الماضي 2018 انخفاضاً طفيفا بـ 1% إلى 578 مليون أونصة.
اتجاهات العرض والطلب للفضة
في تقرير لمؤسسة الفضة (مجموعة صناعية غير ربحية تتخذ من واشنطن مقرا لها) في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، تُوقع أن يرتفع الطلب من التكنولوجيا الخضراء (ألواح الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية) على معدن الفضة إلى 1.5 مليون أوقية بحلول العام 2030. وفي 2018 بلغ الطلب الصناعي على الفضة 60% من إجمالي الطلب السنوي. هذه التوقعات بارتفاع طلب الصناعات التكنولوجية الخضراء على استخدام الفضة سيكون له تأثير على الأسعار مستقبلا.
وخلال العام 2018 ارتفع الطلب على الفضة إلى أعلى مستوى خلال ثلاث سنوات بـ4% مقارنة بعام 2017، وأيضا انخفض إنتاج المناجم في 2018 بنحو 2% إلى 855 مليون أوقية. وتأتي المكسيك وبيرو على قمة الدول الأعلى إنتاجاً وتستحوذان على 40% من الإنتاج العالمي للفضة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من انخفاض الطلب الفيزيائي على الفضة من قطاع المسكوكات المعدنية والسبائك خلال 2018، هنالك معادلة بشأن الطلب على الفضة، فعندما يتباطأ نمو الاقتصاد وينخفض الطلب الصناعي، في المقابل يرتفع الطلب الاستثماري، وهو حيازات الصناديق الاستثمارية المتداولة في البورصات "ETF".
وتظل خريطة الطلب المتنوعة للمعدن الأبيض هي من تعيد التوازن، حيث ارتفع الطلب على المشغولات بغرض الزينة، حسب تقرير معهد سيلفر، وارتفع الطلب على الفضة بغرض الزينة 4% خلال 2018 إلى 212 مليون أونصة، بينما الطلب على الفضة لقطاع المسكوكات المعدنية بلغ 181 مليون أوقية، وبلغ الطلب على الفضة لصناعة الأواني الفضية 61 مليون أوقية، وأخيرا بلغ الطلب الصناعي على الفضة 578 مليون أونصة، مع استمرار هذا الطلب واستمرار الصعوبات التي تواجه المناجم من عدم الاستقرار.
توقعات بتراجع إمدادات الفضة خلال 2019
يتوقع بنك سوسيتي جنرال أن يبلغ إنتاج المناجم 26.000 طن هذا العام، وهو الأضعف منذ 2013. وتشير بعض حسابات تكلفة التعدين في المناجم بأميركا الجنوبية إلى عدم ربحية التعدين في ظل انخفاض الأسعار دون مستوى 20 دولارا للأوقية، وهذا يدفع بعض المناجم إلى تقليص عملياتها وعدم التوسع.
مؤشر نسبة سعر الذهب إلى سعر الفضة
مؤشر "Gold-To-Silver Ratio" يقصد به عدد أونصات الفضة التي تعادل أونصة ذهب واحدة من حيث السعر في الأسواق، وهي استراتيجية تداول في أسواق المعادن الثمينة. سعر الذهب الآن يعادل (83) ضعف سعر الفضة. وخلال الـ20 عاما الماضية كان متوسط هذا المؤشر (65) أونصة فضة تقريبا تقابل كل أونصة ذهب. وفي منتصف العام 2003 ارتفع هذا المؤشر أو "الريشيو" إلى 82، ثم هبط واستقر عند 65 لمدة 3 سنوات حتى 2006، ثم هبط إلى 43 قبل الأزمة المالية العالمية. وفي العام 2009 ارتفع إلى (84)، ثم هبط في منتصف 2011 إلى (32)، ثم عاود الارتفاع مجددا في منتصف 2016 إلى (83). ويقف الآن في سبتمبر (أيلول) 2019 عند (82).
وتاريخيا كلما ارتفع هذا "الريشيو" أكثر من المتوسط بـ20 أونصة، يبدأ بعض من مشتري الذهب التحول إلى حيازة الفضة، ونشهد ارتفاعا للفضة بوتيرة سريعة مقارنة بارتفاع الذهب، مثل ما حدث في شهر أغسطس (آب) (الفضة ارتفع سعرها بوتيرة تقترب من ضعف ارتفاع سعر الذهب).
تذبذب أسعار الفضة والاتجاه المستقبلي
أسعار الفضة تتسم بالتذبذب، في 1980 بلغ سعر أونصة الفضة 49 دولارا، وفي 1985 انخفض السعر إلى أقل من 10 دولارات للأوقية، ثم في 2011 عاودت الارتفاع مقتربة من 50 دولارا للأونصة، وفي سبتمبر 2019 تتداول عند مستوى 18 دولارا للأوقية. تاريخيا صاحب هذا التذبذب مسيرة أسعار الفضة في البورصات، هذا العام بدأ بسعر 14 دولارا للفضة وتحركت في نطاق ضيق بين 14- 16 دولارا حتى يوليو (تموز) 2019، ومن 21 أغسطس (آب) 2019 لم يتراجع السعر دون 17 دولارا لأوقية الفضة، ومن 28 أغسطس (آب) 2019 لم تتداول الفضة تحت 18 دولارا.
هذا التماسك في الارتفاع والمحافظة على المكاسب يأتي بعد ارتفاع مؤشر سعر الذهب إلى الفضة فوق المستوى القياسي (82). وكما أشرنا أعلاه، هو واحد من المؤشرات المهمة في اتجاهات الفضة المستقبلية، إضافة إلى استمرار الإنفاق على الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية، مما يدعم استقرار الطلب ويعزز من ارتفاع أسعار الفضة خلال المدى الطويل.
إضافة إلى ذلك هناك عامل مهم حدث في 2018، وهو ارتفاع الطلب بـ4% إلى 1.03 مليار أوقية، وهي المرة الأولى منذ 2015 تشهد فيها سوق الفضة انتعاش الطلب، يقابل هذا ضعف الإنتاج في 2018 للعام الثالث مع انخفاض إعادة تدوير الفضة.
هذه الأسباب الأساسية التي ستدعم ارتفاع أسعار المعدن الأبيض، لذلك فإن تجاوز الفضة حاجز الـ20 دولارا للأونصة في ظل هذه المعطيات سيكون مثار اهتمام الأسواق فيما تبقى من العام.