أوقف رجل سيارته في أحد أيام العام الماضي، أمام باب أحد المساجد في إحدى القرى الفلسطينية، منتظراً خروج المصلين، ثم فتح النار على شقيقته وقتلها، وحمل الجثة وأخذها إلى مركز الشرطة وسلّم نفسه، فيما حُوّلت الجثة إلى التشريح. بعد ذلك، انتهت القضية، لكنّ أحد سكان المنطقة قال لـ "اندبندنت عربية" إنّ الشاب صرخ بعد قتل أخته أمام الخارجين من المسجد "غسلت شرف العائلة".
هذه القضية ليست الوحيدة، فمنذ العام الماضي، سُجلت 19 حالة قتل على خلفية "الشرف" في الضفة الغربية وقطاع غزة، معظمها يتم التستر عليها للحفاظ على سمعة العائلة، لكن ما فجّر هذه القضايا في الشارع الفلسطيني الشهر الماضي، هو وفاة شابة في ظروف لم تتّضح بعد، وسط تعذّر تحديد ما إذا كانت قُتلت على يد أحد أفراد عائلتها أو توفيت لسبب آخر. على الرغم من ذلك، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عن جرائم الشرف والمطالبة بمحاسبة القتلة وإدخال تعديلات على القانون الفلسطيني وتضمينه عقوبات رادعة، لا أن يخرج الجاني بعد مدة قصيرة أو يُحَلَّ الأمر بدفع دية وفنجان قهوة، في ما يسمونه "حكم العشائر".
تعديلات قانونية جيدة لكنها غير كافية
وتستند هذه القضايا إلى قانون العقوبات الأردني رقم 16 الصادر عام 1960، والتعديلات التي أدخلها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عام 2014، بعد مطالبات من المؤسسات النسوية والمجتمع المدني بإلغاء بعض البنود، ومنها المادة 340 التي كانت تعفي مرتكب الجريمة بداعي "الدفاع عن الشرف" بشكل كامل من المساءلة والعقاب، إذا كان تحت سيطرة الغضب الشديد، ومواد أخرى مثل المادتين 98 و99 اللتين كانتا تعطيان الفرصة للقاتل للحصول على تخفيف العقوبة الصادرة بحقه.
|وعلى الرغم من كل ما سبق، توضح المحامية لونا عريقات أن جرائم القتل على خلفية "الشرف" مستمرة، إذ يحتاج القانون إلى إدخال تعديلات أخرى كبيرة، وإلغاء المادة رقم 62 من قانون العقوبات التي لا تعتبر "تأديب الآباء لأبنائهم" إذا ما قاموا بما يتعارض مع العرف العام، جنايةً، إذ ربّما تُستخدم أيضاً في تبرير القتل.
مشاكل كبيرة تعترض إقرار قانون جديد لردع هذه الجرائم، فتوضح عريقات أن الوقت الطويل الذي تبقى فيه القضايا داخل المحاكم من دون بتّها، كأن تبقى بعض الحالات أمام القضاء لأربع أو خمس سنوات، يجعل إمكانية دراسة أثر التعديلات في إصدار أحكام رادعة أمراً صعباً. فمنذ العام الماضي 2018، برزت لدينا 19 قضية قتل على خلفية "الشرف"، ناهيك عن المشاكل الأخرى التي تتمثل في الانقسام الفلسطيني، وعدم القدرة على تشكيل مجلس تشريعي، وإصدار قوانين جديدة وإقرار قانون حماية الأسرة من العنف، الذي تطالب به كل مؤسسات المجتمع المدني وتناشد الرئيس بإصداره بقرار، وذلك لغياب قانون يضمن للمرأة حقوقها ويحميها ويوفر لها الدعم النفسي، حتى بعد أن تخرج من البيوت الآمنة ومراكز الإرشاد التي لا تملك القدرة على إبقاء النساء فيها لفترة طويلة، كما أن هذه المراكز غير موزعة بالتساوي على كل المدن الفلسطينية.
"حكم العشائر لا يقلل العنف"
إلى جانب القضاء، تُحلّ قضايا كثيرة بواسطة حكم العشائر، إذ يدفع مبلغ معين لأهل القتيل في مقابل إنهاء القضية ووقف هدر الدم، ولكن جهات عدة ترفض هذا الحكم لأنه لا يحقن الدماء، بل يثبت المنظومة الذكورية كما وصفتها المحامية عريقات، ولا يلتزم بالقوانين. فعلى سبيل المثال، ألغى عباس بند تزويج المغتَصَبة من الفاعل، لكن حكم العشائر له الكلمة الأخيرة في هذا الأمر حتى الآن، ولا يوصله إلى القضاء.
"جريمة الشرف" ليست من الدين
هناك مَن ينسب "جرائم الشرف" إلى الدين وأنه يجب معاقبة الفتاة، لكن الشيخ ماجد صقر أوضح أن العقوبات المفروضة في الدين الإسلامي على "الزانية والزاني" لا تصل إلى حد القتل، بل الجلد 100 مرة، بالتساوي بين الرجل والمرأة. وقبل ذلك يجب أن يكون هناك أربعة شهود رأوا فعل الزنا لإصدار الحكم، لكن ما يحدث في المجتمع الفلسطيني هو معاقبة الفتاة دون الشاب، علماً أن الأمر لا يصل في أحيان كثيرة إلى الزنا. أما عن حكم العشائر، فرأى صقر أنه لا يحقن الدماء، بل يفرض دية باهظة ويزيد الاضطراب الموجود في المجتمع الفلسطيني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
القتل مرفوض ولكن...
ردود فعل الناس على قضايا الشرف اختلفت، فمنهم مَن اعتبر أنه لا يحق لأحد فرض العنف على الفتيات حتى لو ارتكبن خطأً معيناً، مطالبين بفرض عقوبات رادعة على القاتل إما بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة، أو الحبس الانفرادي، ومنهم مَن رأى أنه يجب عقاب الفتاة ولكن من دون أن يصل الأمر إلى القتل، في حين اعتبرت مجموعة أخرى أن ابتعاد الفتيات عن الدين وأعراف المجتمع هو ما يجلب مثل هذه المشاكل.
أما عن حكم العشائر، فبالنسبة إلى البعض يُعتبَر ضرورة لأنه يحل المشاكل ويقلل الخلافات بين العائلات، لكن فئة أخرى أشارت إلى أنه يميز بين الذكور والإناث، ولا يحكم لصالح الفتيات ولا يحقن الدماء، مؤكدةً وجوب الاستناد إلى القانون حصراً، على أن يُعدّل بشكل لا يخضع فيه إلى السلطات التقديرية للقاضي أو لضغوط المجتمع، لأن عمليات قتل كثيرة تحصل باسم "الشرف"، لكنها تكون إما بسبب الميراث أو للتستر على قضايا أخرى.