Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا ستفعل الصين بعد فوز حليف أميركا برئاسة تايوان؟

لن تقف بكين مكتوفة الأيدي وستتحداها واشنطن لكن الحرب ليست حتمية

تعتبر واشنطن أن تايوان هي خط الدفاع الأول عن الاستقرار العالمي (أ ف ب)

ملخص

تساؤلات عما يمكن أن تفعله الصين بعدما ذهبت الرئاسة في تايبيه إلى حزب يروج للهوية التايوانية المنفصلة، وما إذا كانت هذه الخطوة تنبئ بمزيد من التوترات بين واشنطن وبكين؟

على رغم التحذيرات التي أطلقتها الصين للناخبين في تايوان على مدى أشهر مما سمته خيار الحرب أو السلام، واعتبارها أن حليف واشنطن مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم لاي تشينغ تي، عدواً خطراً ربما يجر الجانبين إلى الحرب عبر سياسته الساعية إلى الابتعاد عن بكين، اختار الناخبون في تايوان لاي مما يمثل هزيمة لجهود بكين وانتصاراً لواشنطن، لكن الرئيس الصيني شي جينبينغ عاد وتعهد بتوحيد تايوان مع "الوطن الأم"، باعتبار ذلك "حتمية تاريخية" على حد وصفه، مما أثار تساؤلات عما يمكن أن تفعله الصين الآن بعدما ذهبت الرئاسة في تايبيه إلى حزب يروج للهوية التايوانية المنفصلة، وما إذا كانت هذه الخطوة تنبئ بمزيد من التوترات بين واشنطن وبكين؟

ضربة لبكين

لم تكن الصين في أي وقت مرحبة بالرئيس المنتخب حديثاً لتايوان لاي تشينغ تي، الذي يهدف بمساعدة الولايات المتحدة إلى استمرار الوضع الراهن للجزيرة مع مراعاة أكبر قدر ممكن من الحذر في التعامل مع بكين. ومع ذلك من المرجح أن تتصاعد التوترات بين أميركا والصين على رغم الجهود التي بذلها البلدان خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة للتغلب على الخلافات بينهما، فقد ربط الزعيم الصيني شي جينبينغ مكانة بلاده كقوة عظمى، بوعد واحد وهو توحيد "الوطن الأم" مع تايوان، التي يعتبرها الحزب الشيوعي الصيني "أرضاً مقدسة ضائعة".

وحتى السبت الماضي عندما صوت ملايين التايوانيين لاختيار رئيسهم المقبل، حذرت وسائل الإعلام الرسمية في بكين من أن لاي قد يأخذ تايوان على طريق اللاعودة، وصوره المسؤولون الصينيون على أنه "شرير"، واصفين إياه بأنه "العامل العنيد من أجل استقلال تايوان، ومدمر السلام عبر المضيق"، وأنه قد يتسبب في "حرب خطرة".

ومع ذلك تجاهل الناخبون في تايوان تحذيرات الصين بأن التصويت للحزب الديمقراطي التقدمي يعد بمثابة تصويت للحرب، واختاروا الطبيب السابق ونائب الرئيس الحالي لاي، الذي تعتبره بكين انفصالياً قوياً، كزعيم للبلاد فيما يعد عملاً من أعمال التحدي التي ترسخ الحكم الذاتي للجزيرة، ودليلاً على أن السياسة الأكثر صرامة التي تتبعها بكين اقتصادياً وعسكرياً مع تايوان لم تحقق ما كانت بكين ترغب فيه، بل أدت إلى تعزيز رغبة الجزيرة في حماية استقلالها الفعلي والتحرك إلى ما هو أبعد من سيطرة الصين، وفقاً لأستاذة الأبحاث في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو سوزان شيرك.

اختبار الحساسيات

لكن فوز لاي من شأنه أن يبقي اختبار الحساسيات المستمر منذ سنوات قائماً بين الصين والولايات المتحدة حول تايوان، إذ تعتبر بكين الجزيرة من بقايا الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1927 بين قوات الحزب الشيوعي الصيني والقوميين في حكومة جمهورية الصين بقيادة الكومينتانغ حتى عام 1949، وانتهت بانتصار الشيوعيين وسيطرتهم على الأراضي الرئيسة للصين، فيما هرب القوميون إلى جزيرة تايوان. ولهذا لا تعتبر بكين أن للولايات المتحدة علاقة بالأمر بما يسمح لها بالتدخل فيه، لكن بالنسبة إلى واشنطن، فإن تايوان هي خط الدفاع الأول عن الاستقرار العالمي، وتعتبر أنها ديمقراطية تضم 23 مليون نسمة وتشمل أفضل مصانع تكنولوجيا الرقائق والمعالجات الدقيقة في العالم.

والآن ربما تضيف كل كلمة أو سياسة يقدمها لاي أو حزبه بعد تنصيبه في شهر مايو (أيار) المقبل، مزيداً من الأخطار للحساسيات المفرطة بين الصين وأميركا التي سارعت بتهنئة لاي على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن، والإشادة بشعب تايوان على إظهاره مرة أخرى نظامه الديمقراطي القوي.

وعلى رغم أن لاي (64 سنة) أكد خلال الحملة الانتخابية أن تايوان ليست في حاجة إلى الاستقلال الرسمي. وقال في مؤتمر صحافي بعد فوزه إنه سيسعى إلى اتباع نهج متوازن في العلاقات بما في ذلك التعاون مع الصين، متبعاً مسار الرئيسة الحالية تساي إنغ وين، إلا أنه في ظل شعور تايوان بالذات، من غير المتوقع أن يجلس الرئيس الصيني شي جينبينغ مكتوف الأيدي، لا سيما أن تايوان تواجه حالة من عدم اليقين في علاقاتها مع الولايات المتحدة. ففي حين تعهدت الولايات المتحدة بمواصلة دعمها تايوان، بما في ذلك مبيعات الأسلحة في مواجهة الضغوط التي تمارسها الصين، تبدو واشنطن مثقلة أيضاً بالحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، ومن الممكن أن تجلب الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل مزيداً من التغييرات لتايوان.

سياسة صينية صارمة

وفي حين أن الرد الصيني الكامل على انتخاب لاي سيستمر على مدى أشهر أو سنوات، أثبت تعليق مكتب شؤون تايوان الصيني ليلة السبت أن الانتخابات لا يمكن أن تغير اتجاه العلاقات بالنسبة إلى الصين حيال تايوان، مما يضمن استمرار ديناميكية حافة الهاوية والتوتر، وربما تكثيفها.

وبالنسبة إلى أستاذ الدراسات التايوانية في جامعة بكين يونيون تشو سونغ لينغ، فإن الرئيس التايواني الجديد "يعد شخصية متهورة ومتحيزة سياسياً، ولا يمكن استبعاد احتمال حدوث تطورات غير متوقعة وغير معروفة خلال فترة ولايته، ولهذا فإن الأمر خطر للغاية"، مشيراً إلى آراء الرئيس شي جينبينغ الواضحة في شأن تايوان وإصراره على إمكانية استخدام القوة إذا لزم الأمر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أعوام غير مستقرة

ويتفق الباحثون الغربيون مع هذا التحليل، إذ يشير أستاذ الدراسات الآسيوية في جامعة جورج تاون إيفان ميديروس، إلى أن الأعوام الأربعة المقبلة لن تكون مستقرة على الإطلاق في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين وعبر مضيق تايوان، وهو يتوقع مجموعة مألوفة من تكتيكات الضغط الصينية بما في ذلك التدريبات العسكرية الموسعة، وتسيير الطائرات المقاتلة وطائرات الدرون والسفن الصينية قرب تايوان بشكل شبه يومي، ومواصلة محاولة التلاعب بسياسة تايوان من خلال التهديدات والحوافز الاقتصادية، خصوصاً أن المسؤولين الصينيين لمحوا إلى أنهم قد يستهدفون التجارة، مما يلغي مزيداً من الامتيازات الجمركية.

كما أظهرت بكين أيضاً أنها ستواصل حث واشنطن على الضغط على تايوان وخفض الدعم العسكري لها ضمن رسائل التحذير المتبادلة بين الجانبين، التي أصبحت سمة مشتركة للدبلوماسية الأميركية والصينية.

تحد أميركي متوقع

وعلى سبيل المثال، حذر رئيس الدائرة الدولية للحزب الشيوعي الصيني ليو جيان تشاو، خلال لقائه بلينكن عشية الانتخابات التايوانية، من التدخل الأميركي في "منطقة تايوان" بعدما أثيرت أنباء عن أن وفداً من المسؤولين الأميركيين السابقين سيتوجه إلى تايبيه بعد الانتخابات في إطار الزيارات الشائعة منذ عقود لتايوان، التي تدينها دوماً وزارة الخارجية الصينية.

ومع ذلك، لا توجد خطط لدى واشنطن لالتزام الصمت أو تقييد التعاون بينها وبين تايبيه، بل على العكس تماماً، فقبل أشهر قليلة، أعلنت إدارة الرئيس جو بايدن عن مساعدات عسكرية بقيمة 345 مليون دولار لتايوان، تشمل تزويدها بأسلحة من المخزونات الأميركية، ومن شأن مشاريع القوانين الموجودة في الكونغرس أيضاً تعزيز العلاقات الاقتصادية مع تايوان، وتخفيف السياسة الضريبية معها في مقابل وضع الأساس لعقوبات اقتصادية ضد الصين إذا هاجمتها.

وتشير صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن لاي، بعد أن عمل مع الأميركيين كنائب للرئيس يستطيع التحرك الآن بشكل أسرع، وربما في مجالات أكثر حساسية، إذ يمكن للولايات المتحدة زيادة التعاون في مجال الأمن السيبراني، وتعزيز شبكات الاتصالات إلى درجة تؤهلها لتبادل المعلومات الاستخباراتية، ويمكن أن تسعى واشنطن إلى وضع معدات لوجيستية عسكرية في الجزيرة، وهي استراتيجية يطبقها البنتاغون في جميع أنحاء المنطقة، وليس سراً أن المستشارين العسكريين الأميركيين لديهم حضور متزايد في تايوان، ولهذا ويمكن في عهد لاي، توقع كثير من التعاون الإضافي بعد توليه السلطة.

الحرب ليست حتمية

وعلى رغم المخاوف في شأن المستقبل، يراهن البعض مثل عالم السياسة وين تي سونغ ألا ينظر إلى كل خطوة على أنها استفزازية لإثارة أو تبرير رد فعل صيني هائل، ذلك أن الحرب ليست حتمية، وقد يكون الأمر أقل ترجيحاً في الوقت الحالي في ظل انشغال الصين باقتصادها المتراجع وانشغال الولايات المتحدة بحروبها في أوروبا والشرق الأوسط.

ويأمل بعض المحللين في أن يجد الرئيس شي جينبينغ طريقة لإعلان النصر في الانتخابات التايوانية، بخاصة بعد فوز لاي بنحو 40 في المئة من الأصوات، بينما تقاسم المرشحون المنافسون النسب المتبقية التي تشكل غالبية الأصوات، وهو ما ركز عليه الإعلام الرسمي الصيني.

وإضافة إلى ذلك، ترى سوزان شيرك من جامعة كاليفورنيا أنه من المصلحة الوطنية للصين توسيع مسار التكامل السلمي مع تايوان حتى لا يضطروا إلى القتال، وهناك كثير من المستثمرين الذين يراقبون رد فعل بكين.

مهمة صعبة

في الوقت نفسه تبدو مهمة لاي في الحكم أكثر صعوبة بالنظر إلى التوقيت المثير للانقسام في تايوان، حيث سيجابه لاي مجموعة من التحديات عندما يتولى منصبه في شهر مايو وسيكون أمام مشهد سياسي محلي أقل ترحيباً بشكل ملحوظ من المشهد الذي تمتعت به رئيسة تايوان الحالية، تساي إنغ وين، طوال أعوامها الثمانية في منصبها، فقد خسر حزبه أغلبيته في المجلس التشريعي، مما شكل تحدياً لقدرته على تحقيق أجندته الداخلية، ومن المرجح على الصعيد الخارجي أن يواجه ضغوطاً أقوى من الصين عسكرياً واقتصادياً.

وبينما تركزت حملة لاي الانتخابية على استكمال سياسات الرئيسة تساي، التي سعت إلى بناء الدفاعات العسكرية لتايوان وتعميق العلاقات مع الولايات المتحدة، مع تجنب القطيعة الكاملة مع الصين، فإنه قد يواجه اختباراً مؤلماً لمهاراته السياسية والدبلوماسية للحفاظ على أمن تايوان ووحدتها في مواجهة الضغوط المتزايدة من الصين، في وقت حذر فيه بعض المسؤولين في واشنطن من أن الصين ستكون مستعدة لمحاولة الاستيلاء على تايوان أو إخضاعها بالقوة المسلحة.

وفي الأشهر المقبلة، قد تضغط بكين على لاي من خلال فرض قيود تجارية على المنتجات التايوانية، أو من خلال التدريبات العسكرية، كما يجب على لاي أيضاً أن يتعامل مع مشهد سياسي داخلي أكثر تعقيداً وانقساماً من الرئيسة الحالية تساي إنغ وين، التي فازت بأكثر من 50 في المئة من الأصوات في عامي 2016 و2020.

كما خسر حزب لاي أغلبيته في المجلس التشريعي التايواني المؤلف من 113 عضواً، حيث لم يحصل أي حزب على الغالبية التي تتطلب 57 مقعداً في الأقل، في حين سيشغل الحزب القومي 52 مقعداً، أي أكثر بمقعد واحد من الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم، ويمتلك حزب الشعب التايواني ثمانية مقاعد تمنحه القدرة على تصويت متأرجح، ومن دون غالبية، سيكون هناك كثير من التنازلات التي يقدمها الرئيس الجديد، إذ من المرجح أن يواجه عقبات كبيرة في الحصول على موافقة المجلس التشريعي على السياسات التي يتبعها داخلياً وخارجياً.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات