Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تمنى مصريون هزيمة منتخبهم في أمم أفريقيا؟

تباعد نفسي بين المصريين وفريقهم الوطني تداخلت فيه السياسة بالرياضة مع الاقتصاد ومتخصصون: "اضطراب هوية" نتج من غياب استراتيجية للثقافة والتعليم

كشفت أحاديث مواقع التواصل عن فتور الجمهور المصري تجاه منتخبهم في بطولة أمم أفريقيا (أ ف ب)

ملخص

فتور الجمهور المصري تجاه منتخبهم ظهر في التعليقات على وسائل التواصل وكذلك في الإعلانات التلفزيوينة فما سبب ذلك؟

مع تصدر كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم أحاديث المصريين، لم يكن الغريب هو المستوى الذي ظهر به المنتخب في التعادل أمام موزمبيق في افتتاح مباريات البطولة، إنما الأصوات المتصاعدة على مواقع التواصل الاجتماعي التي بدت منذ الأيام السابقة على افتتاح البطولة إما غير مهتمة بمشاركة المنتخب، أو تصل إلى حد إعراب مصريين عن تمنيهم بخروج المنتخب المصري مبكراً، مرجعين ذلك إلى "أسباب اقتصادية وسياسية".

فتور الجمهور المصري تجاه منتخبهم ظهر في مئات التعليقات على منشور لصفحة أحد المواقع الرياضية الشهيرة التي سألت "من المنتخب الذي تتوقع خروجه مبكراً من كأس الأمم الأفريقية؟"، إذ جاءت معظم التعليقات تتوقع أو تتمنى خروج المنتخب المصري، وأن تفوز بالبطولة جنوب أفريقيا، لأنها البلد الذي قدم دعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة.

مواقف سياسية

لم تكن تلك التعليقات إلا مؤشراً واحداً على اتجاه متصاعد في الأيام الماضية، يسقط موقفه السياسي من حرب غزة على المنتخب، عبر مقارنة مصر بجنوب أفريقيا، بخاصة بعد المرافعات القوية للفريق القانوني بمحكمة العدل الدولية.

ونشر أحدهم على "فيسبوك" جدول مباريات المنتخب الجنوب أفريقي، معتبراً أنه الفريق الوحيد الذي يستحق المتابعة، بينما أكد آخر أنه يعتبر منتخب "البافانا بافانا" الفريق العربي الحقيقي، لأنها الدولة الوحيدة التي انتصرت لقضية العرب، حسب تعبيرهم.

زيارة السيسي

وبعيداً من قضية فلسطين، لم يفت بعض نشطاء "السوشيال ميديا" زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تدريبات المنتخب في العاصمة الإدارية الجديدة، وصورة إهداء قائد المنتخب محمد صلاح قميص الفريق القومي إلى الرئيس، إذ تحولت صورة صلاح والسيسي إلى هدف لكل من يريد إبداء سخطه على الأوضاع الاقتصادية، بخاصة أن مكان الصورة كان ملعباً جديداً وضخماً في العاصمة الإدارية، وهو ما اعتبروه لا يتناسب مع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر في السنوات الأخيرة.

وفي السادس من يناير (كانون الثاني) الجاري زار السيسي مقر تدريبات منتخب مصر، وعبر عن تمنياته بالتوفيق في البطولة التي تقام في كوت ديفوار، معتبراً "المنتخب المصري قوة ناعمة كبيرة جداً لبلدنا"، فيما أعرب قائد المنتخب عن شكره للدعم الذي يقدمه الرئيس، متعهداً أن يبذل اللاعبون أقصى جهد لتحقيق الكأس.

 

ولم يكن ذلك اللقاء الأول بين الرئيس السيسي ومنتخب مصر لكرة القدم، إذ سبقته خمسة لقاءات أولها في فبراير (شباط) 2017، بعد حصد المركز الثاني بكأس الأمم الأفريقية إثر خسارة أمام الكاميرون، وبعد ثمانية أشهر تكرر اللقاء لتهنئة المنتخب على صعوده إلى كأس العالم 2018.

كما استقبل الرئيس المصري اللاعبين في يونيو (حزيران) 2018، لتحفيزهم قبل السفر إلى روسيا لخوض نهائيات المونديال، وأيضاً زار معسكر المنتخب في يونيو 2019 خلال استعداداته لخوض نهائيات أمم أفريقيا التي استضافتها مصر، وكذلك في فبراير 2022 بعد خسارة نهائي كأس الأمم الأفريقية أمام السنغال. ولم تحظ تلك اللقاءات بتعليقات سلبية في حينها.

وفي أولى مباريات المنتخب المصري في البطولة تعادل مع منتخب موزمبيق بهدفين لمثلهما، في مفاجأة مثلت خطراً على حظوظ التأهل للدور الثاني، وأحدثت صدمة لدى المصريين من المستوى الفني للمنتخب صاحب الرقم القياسي في ألقاب البطولة.

اضطراب الهوية

وصاحبت المباراة تعليقات بأن اللاعبين "غير مهتمين" بحمل شارة المنتخب القومي، ومن ثم من لم يشجعهم فـ"هو على حق". وتساءل الإعلامي الشهير أحمد موسى في برنامجه على إحدى الفضائيات المصرية عن السبب وراء "شماتة" البعض في منتخبهم.

ويرجع استشاري الصحة النفسية وليد هندي تلك الأصوات إلى ما يسميه "اضطراب الهوية" لدى البعض. موضحاً "الجيل الجديد تعرض لأفكار ومفاهيم غريبة عن طبيعة المجتمع، مما أحدث خللاً في هويتهم. كثير من عناصر المجتمع اختلفت، سواء طريقة الملبس أو اللغة المستخدمة وتقاليد الزواج، وكذلك اختلاف القيم الدينية، سواء باتجاه التشدد أو الإلحاد، وذلك وسط اختلاف نظم التعليم في مصر والتفاخر باستخدام لغات أجنبية، وهي كلها عوامل تفقد الشخص انتماءه وشعوره بالهوية الوطنية".

وأضاف هندي، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "الأصوات التي تتمنى خسارة المنتخب الوطني لا تعبر عن طبيعة المواطن المصري التي اعتدناها، فحتى في وقت الأزمات كان الشعب يقف لمساندة دولته، مثل التظاهرات الكبرى التي خرجت رفضاً لتنحي الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر بعد الهزيمة في حرب 1967".

ويلفت استشاري الصحة النفسية إلى دور مواقع التواصل الاجتماعي في وصول الشخص إلى "الانفصال عن الواقع"، مؤكداً أنها تؤدي إلى متلازمة تسمى "إدمان الأخبار السلبية"، التي تفقد الإنسان الشعور وتؤثر في سرعة التفكير ورد الفعل ومستوى الانتباه.

تعزيز الانتماء

وطالب هندي بإجراءات عملية لتنمية روح الانتماء لدى الشباب، مثل إشراكهم في خطط الدولة، وتنظيم حملات إعلانية موجهة، متسائلاً عن دور لاعبي المنتخب في إيصال رسائل الانتماء والالتفاف حول اسم مصر، ومؤكداً أنه كان من السهل على كل لاعب تسجيل رسالة بالفيديو عبر صفحته التي يتابعها الملايين لدعوة الجميع إلى تشجيع المنتخب.

فيما اعتبر أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر محمد المهدي أن إبداء البعض تعاطفه مع جنوب أفريقيا لا يتعارض مع انتمائه لمصر، موضحاً أن ذلك الموقف "رمزي لإظهار التحية للموقف في محكمة العدل الدولية، وكأنه كان يتمنى أن تقيم مصر تلك الدعوى"، مشيراً إلى أن "التعاطف مع القضية الفلسطينية لا يمكن فصله عن الانتماء لمصر، لأنها قضية أمن قومي وتمس مصر بالأساس".

وفي شأن تأثير الأوضاع الاقتصادية على الموقف من متابعة المنتخب، قال المهدي لـ"اندبندنت عربية"، "هناك تباين بين من يرى أن كرة القدم تخفيف موقت لما يعيشه من أزمات، وآخر تكون المشكلات ضاغطة عليه، ويدخل في اكتئاب يشعره بعدم الحماس لمتابعة أي شيء، لكنه أكد أن أي نجاح للمنتخب سيعطي دفعة معنوية مهمة للمصريين".

غياب استراتيجية للثقافة والتعليم

وإلى جانب أحاديث مواقع التواصل، ظهرت الإعلانات التلفزيونية قبل البطولة لتعطي مؤشراً إلى التباعد النفسي بين المصريين ومنتخبهم، إذ كانت فكرة إعلان إحدى شركات الاتصالات على وجود أحد اللاعبين ومجموعات مختلفة من الجمهور لدى طبيب نفسي، إذ يشكو الجمهور من "ابتعاد" لاعبي المنتخب عنهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما اعتمد إعلان لإحدى شركات الدفع الإلكتروني على وجود نجم الأهلي والزمالك السابق رضا عبدالعال، الذي يبدي عدم اكتراثه بمباريات المنتخب، ويصفها في الإعلان بـ"الدوشة" (الضجيج)، واشترط الإعلان فوز المنتخب بكأس الأمم الأفريقية قبل عودة حماس الجمهور المصري لمنتخبه.

المتخصص في علم الاجتماع بجامعة عين شمس سامية خضر، رأت أن تلك الأصوات "تعد نتاجاً لسنوات من غياب استراتيجية للثقافة والتعليم في مصر"، موضحة أن "الإعلام المصري يتحمل جانباً كبيراً من المسؤولية عن غياب النزعة الوطنية وحس الانتماء لدى قطاع كبير من المواطنين، بخاصة من الشباب".

وقالت خضر لـ"اندبندنت عربية"، "المصريون يفتقدون الأعمال الفنية والمواد الإعلامية التي تبث الروح الوطنية، التي كانت تنتج وتذاع بكثرة في عقود سابقة، وفي المقابل تسود الآن أفلام ومسلسلات موضوعاتها منفصلة عن اهتمامات المواطن الحقيقية". مطالبة بتصحيح ذلك الوضع عبر "استراتيجيات إعلامية جديدة تبدأ منذ برامج الأطفال".

الوضع الاقتصادي

وفي شأن تأثير الأوضاع الاقتصادية على مستوى الانتماء الوطني، أوضحت المتخصصة في علم الاجتماع أن الشعب المصري مر بظروف أصعب مما يشهدها حالياً، خلال الفترة بين حربي 1967 و1973، ومع ذلك كان الجميع يتكاتف للعبور من الأزمة، ولم تخرج أصوات تقلل من الوطن، لأن أوضاعه صعبة.

كما ألقت خضر باللائمة على الفنانين والرياضيين والشخصيات العامة، باعتبارهم "لا يقدمون القدوة والنموذج الذي يمكن الاقتداء به، ولا يخاطبون الجمهور في شأن القضايا المهمة مثل مساندة المنتخب باعتباره رمزاً لمصر، تتخطى أهميته رياضة كرة القدم".

وعلقت دار الإفتاء المصرية على جدل تشجيع المنتخب، إذ قال أمين الفتوى بدار الإفتاء علي فخر، إن تشجيع المنتخب المصري "واجب وطني"، مؤكداً أنه "لن نستطيع أن نجمد حياتنا بسبب أي أزمة أو مشكلة تواجهنا، والتفاعل مع المجتمع وتشجيع المنتخب الوطني في البطولة الأفريقية أمر محمود ولا بأس به"، حسب قوله في تصريحات صحافية.

وتتربع مصر على عرش بطولة كأس الأمم الأفريقية بالرقم القياسي في مرات الفوز بالبطولة، بسبعة ألقاب، كان أولها في عام 1957 وآخرها عام 2010.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات