ملخص
"أن يكون هنري كيسنجر معنياً بالوضع في تونس، فهذا أمر يثير نقاط استفهام عدة"
فجر إعلان محامين من "هيئة الدفاع عن الموقوفين السياسيين"، في تونس، عن اتهام وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في قضية تآمر، هي الـ13 في غضون أشهر، جدلاً واسع النطاق في الشارع السياسي.
وكشف عضو هيئة الدفاع المحامي سمير ديلو عن أنه وقع اتهام كيسنجر بتمويل سياسيين معارضين مثل زعيم "جبهة الخلاص الوطني" أحمد نجيب الشابي، ورئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، والوزير الأسبق المهدي بن غربية وآخرين.
ولم تعلق السلطات القضائية على الفور على هذا الإعلان الذي أثار موجة من ردود الفعل بين ساخر ومحذر من أن يكون هناك من يسعى من ورائه إلى توريط السلطة في تونس بافتعال مثل هذه القضايا.
توتير المشهد السياسي
وسمير ديلو الذي انتمى سابقاً إلى "حركة النهضة" الإسلامية المعارضة للرئيس التونسي قيس سعيد، ليس المحامي الوحيد الذي أعلن عن توجيه تهم لكيسنجر إذ كشفت المحامية دليلة بن مبارك عن ذلك أيضاً في تطور يثير تساؤلات حول دلالاته.
وما زاد من حدة الجدل في البلاد أن كيسنجر، الذي لعب دوراً محورياً في السياسة الأميركية الخارجية، حتى إن البعض يصفه بـ"ثعلب السياسة الدولية"، توفي في الـ29 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وقال الباحث السياسي هشام الحاجي "أن يكون هنري كيسنجر معنياً بالوضع في تونس وبهذه الطريقة، فهذا أمر يثير نقاط استفهام عدة"، ورأى أن "من حق الرأي العام أن يطلع، ولو على الحد الأدنى من المعطيات، وهو حد لا يمكن أن يمس بسرية الأبحاث والتحقيقات، لأن الزج باسم كيسنجر يدعم اعتقاد ألسنة الدفاع التي ترى أن مثل هذه القضايا كيدية، هناك ضرورة للخروج والتعليق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب التفاصيل الأولية للقضية التي كشف عنها ديلو، فإن رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، الذي يوجد في باريس حالياً وتلاحقه اتهامات في تونس بالفساد والتآمر على أمن الدولة أيضاً، قد كان همزة وصل بين كيسنجر والمعارضة التونسية لتسليم الأخيرة أموالاً.
وقال ديلو في تصريحات بثتها إذاعة "إي أف أم" المحلية والخاصة إن "هذه الاتهامات مثيرة للضحك".
واعتبر الحاجي أن "التلويح بورقة التآمر في تونس وتعميمها بهذه الصورة يطرح أسئلة عدة حول جاهزية بعض أجهزة الدولة، وخصوصاً العقل المسير لها الذي يجب أن يكون بارداً ولا ينساق وراء كل الوشايات". أضاف "يجب على هذا العقل أن يدرك أنه أحياناً يتم الدفع بمؤامرات وهمية، ويتم استعمالها من قبل البعض للقيام بمؤامرات حقيقية، لأن قضايا كهذه ستؤدي إلى توتير المشهد السياسي في تونس أكثر، وفي ظل غياب أية تفاصيل أو تعليقات رسمية فإن ذلك لن يخدم السلطة".
قضايا غامضة
وهذه ليست قضية التآمر الأولى في البلاد، إذ أوقفت السلطات عديداً من النشطاء السياسيين المعارضين على غرار الأمين العام لـ"الحزب الجمهوري" عصام الشابي، والناشط السياسي جوهر بن مبارك، وغازي الشواشي وآخرين في قضية التآمر الأولى.
وعند توقيفهم في فبراير (شباط) 2023، تردد، وقتذاك، أن هؤلاء النشطاء متورطون في التآمر مع شخصيات ودبلوماسيين أجانب من بينهم الصحافي الفرنسي برنارد هنري ليفي الذي يوصف بأنه عراب ما يعرف بـ"الربيع العربي".
وتتهم المعارضة السلطة السياسية في تونس باختلاق هذه التهم من أجل التخلص من نشطائها وإضعافها، لكن السلطات ترفض هذه التهم. وسبق أن قال الرئيس قيس سعيد، في أبريل (نيسان) إن "الموقوفين في إطار قضية التآمر أياديهم ملطخة بالدماء، ومن يبرئهم هو شريك لهم" مما أثار ردود فعل متباينة.
وعلق الباحث السياسي وأستاذ التاريخ بـ"الجامعة التونسية" محمد ذويب على هذه التطورات بالقول إن "القضايا التي تتعلق بالتآمر على أمن الدولة تبقى غامضة ما دامت النيابة العامة لم توضح حيثياتها". أضاف ذويب أن "فعل التآمر غير مستبعد خصوصاً من قبل أطراف سياسية بعينها في تونس مثل الإخوان وبعض القيادات السياسية التي تقربت منها في فترة معينة، لكن صمت النيابة العامة يفتح الباب أمام محامي وأحزاب الموقوفين، فتتحول رواياتهم بسبب التواتر والتكرار إلى ما يشبه الرواية الرسمية"، وختم ذويب أن "على النيابة العامة توضيح كل حيثيات هذه القضية من أجل قطع الطريق أمام أي إشاعات أو تأويلات".
وكانت تونس قد بثت، في أبريل 2023، على لسان المتحدثة باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب حنان قداس، رسائل طمأنة إلى البعثات الدبلوماسية الأجنبية من خلال نفي ما تم الترويج له عن تورط سفراء في قضية التآمر على أمن الدولة، وهو أمر رحبت به الولايات المتحدة.
وجاء ذلك بعد تقدم هيئة "الدفاع عن الموقوفين السياسيين" بطلب إلى النيابة العامة من أجل الاستماع إلى ستة سفراء سابقين وحاليين لكل من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وأميركا والمكلفة الشؤون السياسية في سفارة الولايات المتحدة وسفير الاتحاد الأوروبي.
وفي ظل عدم بدء المحاكمات العلنية في ما يتعلق بقضايا التآمر على أمن الدولة، فإن السجالات ستستمر على الأرجح بين السلطة والمعارضة، خصوصاً مع تنظيم تونس استحقاقات سياسية حاسمة على غرار الانتخابات البرلمانية والمحلية واستعدادها للرئاسية.