ملخص
عقب متحدث إثيوبي على تصريح لوزير الخارجية المصري سامح شكري بالقول إنه "يصور إثيوبيا على أنها دولة تزعزع الاستقرار"، مضيفاً أن "هذا تصريح غير مقبول"
عبرت إثيوبيا عن رفضها "رفضاً قاطعاً" البيان الصادر عن جامعة الدول العربية عقب اجتماعها الاستثنائي في الـ17 من يناير (كانون الثاني) الجاري على مستوى وزراء الخارجية، والمتعلق بمذكرة التفاهم الموقعة أخيراً بين أديس أبابا وإقليم أرض الصومال.
وقال وزير الدولة بوزارة الخارجية الإثيوبية السفير ميسغانو أريغا إن بيان الجامعة العربية هو "محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية وينتهك سيادة إثيوبيا". وأضاف أن "إثيوبيا تتمتع بعلاقات ثنائية ممتازة مع عديد من الدول العربية، لكن الجامعة العربية تخدم مصالح قليل منها".
من جهته، علق المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية ميليس ألم على بيان الجامعة العربية بالقول إنه "غير مقبول"، مشيراً إلى أن "إثيوبيا ترفضه بصورة قاطعة". وأضاف أن "لدى الأفارقة القدرة على حل مشكلاتهم بأنفسهم، دون تدخلات دولية وإقليمية".
وعقب المتحدث الإثيوبي على تصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري بالقول إنه "يصور إثيوبيا على أنها دولة تزعزع الاستقرار"، مضيفاً أن "هذا تصريح غير مقبول". ومضى المتحدث الإثيوبي في تعليقه ليشمل الجامعة العربية كمؤسسة قائلاً إن "الجامعة العربية ومصر وجهان لعملة واحدة".
وكان مجلس جامعة الدول العربية قد عقد على مستوى وزراء الخارجية، عبر الفيديو الأربعاء الماضي بطلب من الصومال، وأصدر قراراً يدعم مقديشو ويرفض أي عمل من شأنه المساس بسيادته، معتبراً مذكرة التفاهم الموقعة بين أديس أبابا وإقليم أرض الصومال "اعتداءً صارخاً على المبادئ العربية والأفريقية والدولية، وانتهاكاً واضحاً للقانون الدولي". ورأى أن المذكرة تنذر بـ"زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهدد السلام والأمن الإقليميين" لمساسها بمبادئ أساسية في القانون الدولي، ومواثيق المنظمات الإقليمية والدولية.
لا اتفاق دون مقديشو
من جهة أخرى، أعربت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) عن مخاوفها الكبيرة في شأن التوترات المتصاعدة بين إثيوبيا والصومال. وأعرب البيان الصادر عن الاجتماع الاستثنائي الثاني والأربعين، الذي انعقد بمدينة عنتيبي الأوغندية، عن قلق دول الإيغاد جراء التطورات الأخيرة المتعلقة بالعلاقات بين أديس أبابا ومقديشو.
ودعت المنظمة الإقليمية في بيانها إلى "الانخراط في حوار بناء وتنفيذ إجراءات وقف التصعيد لتخفيف التوترات وإقامة علاقات متناغمة بين البلدين".
وشددت "إيغاد" على "أهمية الحفاظ على مبادئ السيادة والوحدة والسلامة الإقليمية في الصومال"، مضيفة أن "أي تفاعل أو اتفاق بين إثيوبيا والصومال يجب أن يتم بموافقة صريحة ومشاركة نشطة من الحكومة الفيدرالية الصومالية".
وأكدت الكتلة الإقليمية أنها ستدعو "كلا الطرفين بجدية إلى الدخول في حوار موضوعي، مع إعطاء الأولوية لمجابهة لتحديات التي تمثل تهديداً لاستقرار المنطقة، وضرورة التوصل إلى حل سلمي ومفيد للجانبين".
واختتمت قمة "إيغاد" أعمالها أمس الجمعة، بغياب ثلاث دول أساسية من أعضاء المنظمة، وهي إثيوبيا التي تذرعت بتداخل الجدول الزمني مع التزامات مسبقة لرئيس وزرائها آبي أحمد، والسودان الذي جمد عضويته في المنظمة الإقليمية، وإريتريا التي لم تكشف عن أسباب تحفظها عن حضور القمة، إلا أن مراقبين للشأن الأفريقي، يرجحون أن يكون غيابها عائداً إلى العلاقات المتوترة بين رئيسها أسياس أفورقي، والرئيس الجيبوتي إسماعيل جيلا، الرئيس الحالي للمنظمة.
قضية بقاء
بدوره، ذكر السفير رضوان حسين المستشار الأمني لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، للملحقين العسكريين وممثلي الشركاء الدوليين المقيمين في أديس أبابا، أن جهود بلاده لتأمين الوصول إلى البحر، ليست قضية "ترف، بل مسألة بقاء". وقال إنه على مدى العقود الثلاثة الماضية، كانت إثيوبيا تمارس أعمال الاستيراد والتصدير عبر ميناء جيبوتي، مردفاً "أصبح من المهم الآن، إيجاد بدائل إضافية، تتناسب مع الديناميكيات الوطنية والدولية الحالية". وأضاف "لا نوافق على الاعتماد على ميناء خارجي واحد، في ظل التحديات التي يشهدها نمو اقتصادنا، وعلينا أن نتوصل إلى بدائل".
وفي تفسير جديد لمنحى المذكرة الموقعة في أول يناير (كانون الثاني) الحالي، قال رضوان "نحن لا نأخذ أرض أحد، بل نقوم فقط بتأجير الأراضي مثل أية دولة أخرى"، مستطرداً "لسنا وحدنا من يفعل ذلك، فهناك دول لديها قواعد بالفعل، في أرض الصومال" وذلك في إشارة إلى دولة الإمارات التي سبق وعقدت اتفاقاً لتأجير منطقة محددة في ميناء بريرة. وأضاف رضوان، "لا يمكنها لإثيوبيا البقاء على قيد الحياة، ما لم نتمكن من الوصول إلى هذه القاعدة، وهذا من أجل بقائنا، ولكي نكون قادرين على المساهمة بصورة إيجابية في تحقيق السلام والأمن في المنطقة. لا يمكننا أن نتجاهل هذا فحسب"، مما يشير إلى أن المذكرة لا تتعلق بالنشاط التجاري فحسب، بل ثمة أهداف استراتيجية تتعلق بإقامة ارتكازات وقواعد عسكرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
البعد الاستراتيجي للمذكرة
من جهته رأى الباحث الإثيوبي غيداون بيهون أن "أديس أبابا كشفت عن كافة أوراقها بتمسكها بمذكرة التفاهم الموقعة مع أرض الصومال، وذلك من خلال خطوتين، الأولى، غيابها عن قمة (إيغاد)، إذ إن الأخيرة سعت إلى ابطال المذكرة من خلال اشتراط توقيع حكومة مقديشو على أي اتفاق يخص أراضي الصومال، بما في ذلك الأراضي الخاضعة لحكومة هرجيسا في أرض الصومال، أما الخطوة الثانية فتتعلق بالاجتماع التنويري الذي عقده مستشار الشؤون الأمنية لرئاسة الوزراء، السفير رضوان حسين، إذ أكد ان المذكرة تمثل مسألة حياة بالنسبة إلى أديس أبابا، كما أنها لا تتعلق بأداء الاقتصاد فحسب، بل هي جزء من استراتيجيتها المتعلقة بالسلم والأمن في منطقة البحر الأحمر، مما يعني أن إثيوبيا تسعى إلى تطوير قدراتها وتأمين وجودها العسكري، في هذه المنطقة المضطربة". ورجح بيهون أن يكون هذا السعي الإثيوبي مدعوماً من جهات دولية، أهمها الولايات المتحدة، التي تسعى إلى تكثيف وجودها العسكري في حوض البحر الأحمر، بخاصة بعد عملياتها العسكرية الأخيرة ضد الحوثيين في اليمن.
وتوقع الباحث الإثيوبي أن "تنسق أديس أبابا جهودها مع واشنطن وقوى دولية أخرى، مستفيدة من الوضع الإقليمي المضطرب في محيط باب المندب وحوض البحر الأحمر"، وأقر بأن ذلك قد يتعارض مع استراتيجيات دول أخرى مطلة على البحر الأحمر، كما يجدد المخاوف الإريترية، المتعلقة بإمكانية بناء أديس أبابا قاعدة عسكرية متقدمة في خليج عدن، بهدف استعادة الموانئ الإريترية، بخاصة ميناء عصب بمحاذاة باب المندب".
وقدر بيهون أن "رئيس الوزراء الإثيوبي يحاول الاستفادة من التوترات الأخيرة لتأكيد أحقية بلاده، ذات الـ100 مليون نسمة، بإيجاد موطئ قدم لها في استراتيجيات البحر الأحمر". وأضاف أن "نجاح ذلك مرهون بمدى قدرة نظامه على فرض الاستقرار الداخلي، من ثم تقديم نفسه كجزء من الديناميكيات الدولية في منطقتي البحر الأحمر والقرن الأفريقي".
تبرير الانتهاك
في المقابل، اعتبر الباحث الصومالي عيدي محمد، أن "الدبلوماسية الصومالية نجحت خلال الأسابيع القليلة الماضية، في تأكيد فاعليتها الدولية والإقليمية وقدرتها على كسب تأييد معظم الجهات الدولية". وأضاف أن "البيانات الصادرة عن الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن والسلم الأفريقي وجامعة الدول العربية، ثم منظمة (إيغاد) جميعها نصت على الحفاظ على سيادة الصومال، وأن أي اتفاقات يتم توقيعها خارج إطار موافقة الحكومة الفيدرالية في مقديشو تعد انتهاكاً للسيادة الصومالية، على النحو الذي ترسمه حدود يوليو (تموز) 1960".
وأوضح عيدي أن "ذلك لا يعود إلى فاعلية الدبلوماسية الصومالية فحسب، بل أيضاً لتعارض بنود المذكرة الموقعة بين أديس أبابا وهرجيسا مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي ومواثيق الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية". وفي رده على تعليق مستشار رئيس الوزراء الإثيوبي في شأن تضحيات الجيش الإثيوبي لعقود داخل الصومال، قال عيدي إن "مشاركة وحدات من الجيش الإثيوبي، في عمليات حفظ السلام الأفريقي، داخل الصومال، لا ينبغي استحضاره لتبرير الرغبة في امتلاك أراضٍ سيادية صومالية"، مضيفاً أن "هذا التبرير يتيح الفرصة لكل الدول التي سبق وشاركت في جهود حفظ السلام، لاقتطاع أراضٍ من دول أخرى"، واصفاً الأمر بأنه "دعوة إلى الفوضى وعدم الاستقرار". وأضاف أن "جهود حفظ السلام تمت في إطار اتفاقات واضحة ومحددة، لا تتعلق بشروط امتلاك أراضٍ أو موانئ"، معتبراً الأمر "مجرد تبرير لاتفاق تنتهك مبادئ القانون الدولي".