ملخص
نتنياهو يفصح علناً عن عدم اعتباره حل الدولتين في خطأ استراتيجي قد يكلفه غالياً.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو واحد من قلة قليلة من القادة في العالم الذين تمتد خبرة توليهم منصب رفيع المستوى إلى القرن الـ20.
كان نتنياهو قد انتخب ليشغل منصب رئيس الحكومة الإسرائيلية أول مرة في عام 1996. وقد عاش عن قرب مبادرات السلام [بين الفلسطينيين والإسرائيليين] التي ظهرت واختفت (وبعضها كان هو مسؤولاً بشكل شخصي عن إفشالها)، إضافة إلى الانتفاضات الفلسطينية، والعمليات العسكرية التي نفذت وحققت نتائج متفاوتة من النجاح، إضافة إلى الفظائع الوحشية، مثل تلك الهجمات التي نفذت في السابع من أكتوبر على يد حركة "حماس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
طوال كل تلك المدة، كان نتنياهو صريحاً في كلامه - حتى إنه تخطى الصراحة أحياناً. ولكنه قال بعض الأشياء بالغة الأهمية، أو كان توقيتها سيئاً للغاية، تماماً مثل رفضه الأخير فكرة إقامة دولة فلسطينية تقام على أسس جيدة كدولة مستقلة للفلسطينيين، أو "حل الدولتين" - وهو المبدأ الذي كان قد كون الأساس الذي استندت إليه السياسة الخارجية الأميركية لحل هذا الموضوع. رفضه هذا، والذي يأتي بعد أشهر من الدبلوماسية الهادئة والدعم الذي قدمته إدارة الرئيس بايدن الأميركية، يبدو بمثابة إهانة، ولعله كان متعمداً أيضاً من الأساس.
ربما نتنياهو كان مستاءً من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أو حتى من الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه، بسبب مواصلة مناشداتهم إياه لضبط النفس، لذلك قام بإزاحة الضغوط الممارسة عليه وصرح بما قد كان واضحاً ولفترة طويلة، بأنه يؤمن بأن إسرائيل لا بد أن يكون لديها حق السيطرة الأمنية على كل الأراضي التي تقع غرب نهر الأردن، وهو ما سيضم أي أراض تكون بمثابة الكيان المستقبلي للفلسطينيين.
وأفاد "يعتبر ذلك شرطاً أساسياً، وهو يتعارض مع فكرة السيادة [الفلسطينية]. ماذا يمكن أن نفعل في هذه الحالة؟ أنا أفصح عن هذه الحقيقة لأصدقائنا الأميركيين، وقد أوقفت المحاولات لفرض واقع علينا من شأنه أن يضر بأمن إسرائيل".
فورته الكلامية تلك أدت إلى تأنيب أميركي مباشر من البيت الأبيض، الذي أوضح وبشكل كان لا بد منه: "ليس هناك أي طريق آخر لمواجهة تحديات إسرائيل البعيدة المدى لضمان أمنها الدائم، كما أنه ليس هناك أية وسيلة للتعامل مع التحدي على المدى القريب لإعادة إعمار قطاع غزة، وتشكيل نوع من أنواع الحكم في غزة، وتوفير الأمن في القطاع، من دون إقامة دولة فلسطينية".
لكن السيد نتنياهو كان من خلال تصريحاته قد بين حقيقة موقفه، وأدى ذلك إلى إلحاق الضرر [بالعلاقات مع واشنطن] - وهو ضرر معتبر.
فالسيد نتنياهو، ومن دون أي سبب وجيه، تحدى أقوى حليف لإسرائيل وبصورة علنية - وهو الحليف الوحيد الذي في حال مواجهة إسرائيل أي أزمة وجودية، يمكنه وحده حماية دولة إسرائيل من أعدائها الكثيرين. لقد كان موقفه مسيئاً وينال من احترام أميركا وصورة صارخة. وقد يثير هذا الموقف غضب الدول العربية التي نجحت إسرائيل في التوصل إلى سلام معها، وتلك التي، وحتى موعد إطلاق "حماس" الحرب الحالية، كانت على وشك توقيع معاهدات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
قد لا يكون في مصلحة إسرائيل تنفير كل من مصر والأردن والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أو أي من جيرانها الآخرين - لكن وببساطة هذا كان بالضبط ما اختار فعله السيد نتنياهو، وقد فعل بلامبالاة مطلقة. لا شك أن أعداء إسرائيل سيصبحون أكثر تصميماً، وسيعتبرون تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي أنها دليل إضافي بأنه لن يكون ممكناً إقامة دولة فلسطينية بشكل عادل ومتساوية الحقوق فيما يبقى في إسرائيل حكومة يرأسها نتنياهو.
بالطبع، ثمة حقيقة غير مريحة وراء إصرار السيد نتنياهو. فالسبب يعود إلى عدد المستوطنات [الإسرائيلية] غير الشرعية المنتشرة على أراضي الضفة الغربية، التي تمت إقامتها على مدى عقود من الزمن، إضافة إلى الخروق الإسرائيلية الأخرى، مما يجعل من مبدأ إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، أمراً غير قابل للعيش، مقارنة بما كان عليه الوضع في السابق - فيما الأوضاع في غزة غنية عن التعريف.
كثيراً ما لجأ السياسيون الغربيون، وبكل صدق، نظراً إلى سهولة الأمر إلى الحديث عن مبدأ حل الدولتين كسبيل لعدم مواجهة المشكلات الآنية والمباشرة التي تقع في الإقليم، مثل المجاعة التي من الممكن أن تضرب غزة حالياً. مراراً وتكراراً، تحول فيه مبدأ حل الدولتين أيضاً إلى شماعة يتمسك بها الأطراف بدلاً من العمل أو تقديم الأفكار [الجديدة].
من الجلي أيضاً، أنه كانت الحكومات الليكودية مثل التي ترأسها نتنياهو المتعاقبة، لها اليد الأساسية في السماح بقيام المستوطنات غير الشرعية، التي كانت قد عملت على ضرب المحاولات الماضية لتحقيق حل الدولتين بشكل واقعي. لكن إذا وضعنا شكوكنا جانباً، يبقى أن الواقع والعوامل على الأرض التي من شأنها تحديد ما إذا كان سيمكن للإسرائيليين والفلسطينيين أن يتعايشا [في المستقبل] كدولتين ذواتي سيادة، قد تغيرت بشكل راديكالي منذ، لنقل، زمن اتفاق أوسلو.
على رغم ذلك، وتماماً كما وصف رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل الديمقراطية بأنها أسوأ أنواع الحكم بصرف النظر عن الأنواع الأخرى، فإن حل الدولتين يبقى الأقل سوءاً، والأكثر واقعية.
ويبقى حل الدولتين حلاً أهم مما يطرحه نتنياهو، وهو نوع من وضع الأراضي المحتلة تحت شكل من أشكال الحماية الإسرائيلية. وحتى لو نجح الإسرائيليون في العثور على فلسطينيين يكونون مستعدين لإدارة هذا النوع من المستعمرة، إلا أن ذلك الكيان الفلسطيني سيكون فاقداً الشرعية، وسيكون غير قادر على منع الإرهابيين من مهاجمة الإسرائيليين من دون توقف.
يقول السيد نتنياهو إنه يريد أن تكون إسرائيل آمنة، لكن إدارته للحرب في غزة وآخر طروحاته حول شكل التسوية السلمية قد تأتي بنتائج عكسية، كي لا نقول أكثر من ذلك. إن "خطته" تمثل ما يعتبر حرباً متواصلة سيسودها وقفات لإطلاق النار بدوافع إنسانية بشكل مرحلي. ولن تكون من إسرائيل دولة آمنة لشعبها، وتربطها علاقات سلمية مع الدول المحيطة بها.
قد ينتظر السيد نتنياهو ليرى ما إذا كان دونالد ترمب سيعود إلى البيت الأبيض، وهو بذلك يتلاعب في تعامله مع السيد بايدن. إن أفكار السيد ترمب المتعلقة بمستقبل المنطقة هي ومن دون مبالغة، أكثر إهانة بالنسبة إلى الفلسطينيين من الأفكار التي يحملها السيد نتنياهو.
فالأمل الوحيد المتاح على صعيد السياسة المحلية الإسرائيلية هي أن السيد نتنياهو لن يبقى مدة طويلة على رأس السلطة بعد انتهاء الحرب في غزة. وكما نلاحظ، فهو لم ينجح في الإفراج عن الرهائن بعد، كما أنه لم ينجح في تحقيق النصر في الحرب، وهو بالطبع لن يكون الشخصية التي ستحتاج إليها إسرائيل لتحقيق السلام.
يمكن للسيد بايدن أن يذكر نتنياهو بهذه الحقائق في المرة المقبلة التي يتحدثان بها، والأفضل أن يكون ذلك الحديث غير علني.
© The Independent