Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

برلمان العراق من التصالح مع الشعب إلى مصالح الأحزاب

الدستور عمَّق أزمة المؤسسة التشريعية بالكتل الطائفية والنواب غارقون في سياسة تجنيب الديمقراطية وتغليب "المحاصصة"

خمس دورات من عمر البرلمان العراقي الحديث ولم يحظ برضا المواطنين منذ 2005 (أ ف ب) 

ملخص

البرلمان العراقي غارق في الصراعات ونسي الديمقراطية... تعرف إلى التفاصيل

أمضى مجلس النواب العراقي خمس دورات من عمره، بعد التغيير الذي حدث عام 2003 في العراق، وإعلان تحول النظام السياسي العراقي إلى نظام برلماني اتحادي، تعزز بُعيد إعلان دستور الدولة الجديد في 2005 بتعجيل ومطلب من الحاكم المدني الأميركي إبان حقبة الاحتلال (2003-2011).

وحدد الدستور الجديد الذي انبثق في عاصفة من الاعتراضات على توقيته وتمريره ومواده وظروف إعلانه، في ظل وجود الاحتلال، حدد مهمة البرلمان بكونه "السلطة التشريعية والرقابية العليا، ويمارس الاختصاصات المنصوص عليها في المادة (61) من الدستور والمواد الأخرى ذات الصلة".

الدستور الحل السحري

ينقسم المجتمع حول فقرات ومواد الدستور، والضغط الأميركي والغربي للفكاك من الفوضى المجتمعية التي أحدثوها، وظنوا أن دستوراً توافقياً سيحل الأزمة، تحت ضغط مطالبات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي غير المؤيد أصلاً لفكرة الاحتلال وتسويغاته، فرضت الإسراع بكتابة دستور الدولة العراقية الدائم، والفضيلة الوحيدة أنها أبقت الباب مفتوحاً لتغيير مواده، في فقرة عدت يتيمة وحددت ستة أشهر وقتها خلال عام 2005، وسط عاصفة الاعتراضات والجدل السياسي الذي لم يمهل "السنة العرب" وقتاً كافياً للإصلاح، وكانت المحصلة أن الدستور الجديد، لم ينبثق من عقد اجتماعي توافقي كما ظنوا، وفرض دستوراً وصفوه بأنه قاصر وغير حاصل على إجماع.

إرث المعارضة المر

ألغام كثيرة طوقت النظام السياسي الجديد، الذي أفتى بدولة برلمانية، بدأت من خلفيات وإرث أيام المعارضة العراقية مطلع التسعينيات، وما سبقها من مقررات في مؤتمرات فينا وبيروت ولندن وصلاح الدين (أربيل) يوم كان حلم تغيير نظام صدام حسين وإسقاطه ضرباً من الخيال.

في إقليم كردستان شمالي العراق الذي كان يحظى برعاية دولية لحماية الأكراد، تم التمهيد لنظام المحاصصة وفرضها في ما بعد التغيير في 2003، كما فرضوا "الثلث المعطل" لقرارات البرلمان بأصوات ثلاث محافظات هي: أربيل والسليمانية ودهوك، في وقت فرض مشرعو البرلمان الجدد رباعية عددية بنسبة 60 في المئة للشيعة، و20 في المئة للسنة، و15 في المئة للكرد وخمسة في المئة للأقليات الأخرى، ويتوقف عليها الكم العددي لأعضاء البرلمان وفق النسبة السكانية للعراق، في معادلة جديدة لم يؤخذ بها من قبل.

عقد اجتماعي منقوص

الباحث العراقي مؤيد الونداوي متخصص العلوم السياسية والتاريخ العراقي الحديث أكد أن فكرة العقد الاجتماعي تتعقد عندما تكون المجتمعات منقسمة على ذاتها طائفياً ودينياً وعرقياً، لذلك فإن فكرة العقد الاجتماعي للدولة العراقية الحديثة روعي فيها ذلك التقسيم، وأخذ المشرع بعين الاعتبار، الحقوق الثقافية والاجتماعية والدينية لجميع المكونات، لكن بعد الغزو في 2003، لم تكن الفكرة موجودة بقدر ما صيغ عقد اجتماعي لخدمة مصالح عرقية وطائفية، وخدمة مصالح الأطراف السياسية التي تم تهيئتها لتسلم النظام السياسي بعد الغزو.

 

 

وقال الونداوي "الملاحظ أن لجنة صياغة الدستور أقرت في ثناياه الذي استفتي عليه العراقيون بأنه في حاجة إلى تعديلات، وإقرار أن هذا الدستور كتب على عجالة، وهنالك نقص ويجب أن يعدل خلال سنة، لكنه لم يعدل منذ 2005 حتى الآن".

وأوضح متخصص العلوم السياسية أن هذا يعني أننا أمام إشكالية دستورية تطال جميع المؤسسات بما فيها البرلمان، فمنذ تشكيله لا تزال سياسة التوافق تقوم على مصالح الكتل السياسية المهيمنة، لافتاً إلى أن الكتلة الأكبر وهي "الجماعة الشيعية" تستطيع أن تمرر أي قانون وفق الغالبية البسيطة (50 في المئة + صوت واحد) التي تستحوذ عليها، من ثم تستطيع أن تشرع القانون الذي تريده حتى لو كانت هناك ممانعة للأطراف الشريكة في العملية السياسية.

الاستقرار السياسي

وأشار الباحث العراقي إلى إشكاليات كبرى تجابه عمل البرلمان منها عدم وجود استقرار سياسي داخلي وكثرة أوجه الصدام، إذ إن هناك تباعداً واضحاً بين أطراف المجتمع، فالكرد لا يزال لديهم إشكالية مع العرب، وكذلك تفاوت بين السنة والشيعة، متابعاً "يزيد الأمر تعقيداً أن الكتل السياسية التي تصيغ النظام الانتخابي بعد هذه التجربة لا تزال تعمل من أجل مصلحتها السياسية، فتعطينا نظماً انتخابية تؤمن هيمنتها واستمرارها في العودة لجولة لاحقة، ولا تهتم بمدى مشاركة الجمهور أو صدقية الانتخابات وشفافيتها".

وأكد الونداوي أنه لا يمكن أن نتكلم عن الديمقراطية وحرية الانتخاب والشارع ممتلئ بالسلاح والانفلات، ولا يستطيع الإنسان أن يعبر بحرية عن رأيه وقناعاته بشكل علني، خصوصاً أمام الشاشات أو في مؤتمرات معينة، لافتاً إلى أن هناك دائماً أشخاصاً غاضبين وقد يقود ذلك إلى صراعات أو اغتيالات، لافتاً إلى وجود إشغال متعمد للمجتمع يبدأ من الحصول على الغذاء والمشاريع والطرق المزدحمة والسفر والأزمات، ولا ينتهي بظاهرة محددة، وكل ذلك يؤشر إلى وجود ركود اقتصادي، بحسب قوله.

وعقد مجلس النواب العراقي (البرلمان) الحالي أولى جلساته في 2006، وتوالى عليه خمسة رؤساء أربعة منهم إسلاميون وآخر علماني مدني هو محمد ريكان الحلبوسي، الذي حظي بدورتين برلمانيتين لكنه لم يكمل الأخيرة بعد إقصائه من الغالبية الشيعية.

الديمقراطية الغائبة

الباحث إحسان الشمري رئيس مركز التفكير السياسي ومتخصص السياسات العامة في جامعة بغداد، قال إنه من المفترض أن يكون البرلمان معقلاً للديمقراطية في العراق وحامياً لها ومطبقاً لكل آلياتها الدستورية من خلال التشريعات وضبط عمل مؤسسات الدولة بصورة عامة، لكن منذ أول دورة برلمانية لم يكن في مستوى الديمقراطية ولم يدرك حقيقة هذه المؤسسة وجوهر عملها، حيث بدأت القوى السياسية تميل نحو الأداء الحزبي أكثر مما تميل إلى مسار عمل ديمقراطي مؤسساتي، وتحول البرلمان تدريجاً إلى "منصة صفقات" على مستوى تشكيل الحكومات وتشريع القوانين من عدمها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكد الشمري أن مسار العمل الرقابي حولته بعض الأطراف إلى نشاط وسلوك "ابتزازي" للمسؤولين والمؤسسات، ولم تلامس جوهر الديمقراطية المنشودة، وتسببت في تعطيل الدور التشريعي للبرلمان حتى باتت بعض القوانين الخلافية ترحل لخمس دورات، لافتاً إلى أن البرلمان استهدف في كثير من الأحيان حرية التعبير والتضييق على سقف الديمقراطية، وتقليص مستوى المشاركة السياسية من خلال بعض القوانين الانتخابية التي سمحت فقط للقوى النافذة بالوصول إليه.

وأوضح متخصص السياسات العامة أن السلوكيات البرلمانية شوهت صورة الديمقراطية في مؤسستها الرئيسة حتى وصل الأمر إلى اتهام أعضاء البرلمان بتلقي رشاوى في مقابل التصويت من عدمه بعدم الحضور، لافتاً إلى وجود خلل بنيوي كبير جداً يبدأ من اختيارات الأحزاب السياسية لمرشحيها.

وأشار الشمري إلى أن الناخب الذي كان مستعداً في 2005 لاختيار ممثليه تراجع هذا الاستعداد كلياً، وبات ينظر إلى البرلمان على أنه يمثل مصالح القوى والزعامات السياسية ولا يمثل الشعب، مؤكداً أن الديمقراطية اهتزت في نظر النخبة والشعب عموماً، وذهبنا باتجاه ظاهرة "الغالبية الصامتة".

وخلص إحسان الشمري لأهم التحديات التي تقف إزاء تقليص الدور الحقيقي للبرلمان وانحسار دوره إلى وجود طبقة سياسية لا تعي عمل البرلمان ودوره الحقيقي، إضافة إلى استشراء الفساد وصعود شخصيات غير مؤهلة تسببت في إخفاقات كبيرة، وكذلك قضية الصفقات السياسية التي تُعقد والتضييق على المعارضين بشتى الوسائل، الذي بات جزءاً من أجندة الأحزاب السياسية داخل البرلمان.

أزمة نظام وليس برلمان

ويذهب الباحث والكاتب جمال حسن العتابي بعيداً إلى جوهر الأزمة التي تكمن في العملية السياسية، مشيراً إلى أن العراق يعاني العراق منذ 2003 من أزمة في نظامه السياسي تحول دون استقراره، والقيام بوظائفه وفق بديهيات النظم السياسية المتمثلة في القوانين والدساتير ومؤسسات سلطاته الثلاث.

وبعد أكثر من 20 عاماً على قيام هذا النظام يتضح أن ما يسمى "العملية الديمقراطية والانتخابات النيابية"، ما زالت محكومة بقدر من التوافق بين الطوائف والعرقيات أو ما يعرف بـ"نظام المحاصصة" وهي الإشكالية الأولى التي تواجه الدولة، ومن نتائجها السلبية عدم الإسهام في بناء الهوية الوطنية والمواطنة أمام إحياء الروابط العرقية والمذهبية والعشائرية على حساب الرابط الجمعي للوطن، وتأكيد الانتماءات الفرعية، وفق العتابي.

 

 

ومن المظاهر السلبية إشكالية تعطيل القرار السياسي والقوانين التي تستهدف خدمة المواطن، ربما في استبيان متواضع يستطيع المتابع أن يقيس الفائدة التي جناها الشعب العراقي خلال عقدين من الزمن عبر التشريعات التي صدرت عن البرلمان، وفق العتابي، الذي أكد أن النتائج لن تأتي لصالح مجلس النواب، في حين يتطلع المواطن إلى تشريعات قانونية تسهم في توفير أبسط الخدمات وسبل الحياة الكريمة للمواطنين.

وحدد العتابي مظاهر الإخفاق في البرلمان في انعدام التوازن بين المكونات الرئيسة للبرلمان ووصول النواب إلى مقاعدهم بالرشى والمال الفاسد والتزوير ما تسبب في عزوف الناس عن المشاركة في الانتخابات، مؤكداً أن نظام التوافق في السلطة التشريعية يعد آلية معطلة للقرار التشريعي والسياسي التنفيذي، وفي الوقت نفسه معطلاً للدور الرقابي.

خلل بنيوي

الباحث السياسي مازن صاحب وهو مدير مركز أبحاث في بغداد، فإنه يشخص الخلل الذي تمر به العملية التشريعية بقوله "تقديم (الأنا) المصلحية للأحزاب على الـ(نحن) الجامعة لعراق واحد ووطن الجميع، وهكذا ظهرت تطبيقات سياسية شعبوية مناطقية عشائرية، كل منها يفترض الصحيح لكل الدولة، فيما نتائج هذا الخلل البنيوي انتهت إلى تطبيقات (مفاسد المحاصصة) بإدارة أمراء العائلات الحزبية التي أوجدت شريحة مجتمعية واقتصادية منتفعة تخرج للانتخابات مقابل غالبية صامتة".

تغليب الهوية

مستشار رئيس الوزراء مظهر محمد صالح خلص إلى أن الخروج من الأزمة المجتمعية المركبة تتعدى الأبعاد الظاهرة للواقع السياسي إلى مسألة أزمة هوية وطنية، حيث قال "ما لم تغلب الهوية الوطنية في الحياة الانتخابية البرلمانية بمؤسسات سياسية عابرة للمحافظات وتكويناتها الإثنية أو المذهبية والقبلية كي تتشكل منها السلطة التشريعية، فإن أزمة الديمقراطية ستستمر في تمييع العقد الاجتماعي الشامل وتحويله إلى تجميع من أجزاء وهويات رغوية مفككة، كي تمارس الديمقراطية وفق رغبات إثنية ومناطقية ومذهبية، وهو مما سيبقى النمط السياسي الحالي يمارس دوره، وهو من أنماط الطراز أو التفضيل الثالث في النظم السياسية الديمقراطية في العالم".

وتابع صالح "استدامة البنية الفوقية السياسية بتوافقية تجزيئية يطلق عليها اليوم (المحاصصة) أو تقاسم قوة القرار في أجزاء الدولة ستبقى المؤسسة التشريعية مرتبطة بخيوط واهنة من التفاهمات التي تغلب الجزئيات ومصالح الأجزاء المحاصصة الضعيفة على المصالح الكبرى القوية للبلاد، وهو مما يجعل الحياة البرلمانية أكثر تعقيداً في تسيير شؤون البلاد في نموها وتقدمها وسعادتها".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي