ملخص
إن خسارة خمسة أرواح في المياه المتجمدة للقنال الإنجليزي الأسبوع الفائت جاءت بمثابة تذكير صارخ بأن رحلات القوارب الصغيرة المحفوفة بالأخطار لا ينبغي اعتبارها جانباً طبيعياً أو مقبولاً لنظام لجوء يعمل بشكل صحيح
إن خسارة خمسة أرواح في المياه المتجمدة للقنال الإنجليزي الأسبوع الفائت جاءت بمثابة تذكير صارخ بأن رحلات القوارب الصغيرة المحفوفة بالأخطار لا ينبغي اعتبارها جانباً طبيعياً أو مقبولاً لنظام لجوء يعمل بشكل صحيح.
إن المناقشات الجارية داخل الحكومة بشأن سياستها المثيرة للجدل بشأن إرسال اللاجئين إلى رواندا - والتي من المقرر أن تعود إلى مجلس العموم لإجراء قراءة ثالثة حاسمة - تسلط الضوء على الانقسامات العميقة بين ساستنا إما حول المبادئ الرئيسة التي تحكم هذا القانون أو تجاه التنفيذ العملي لبديل قابل للتطبيق.
"من المهم تجنب هدر مبالغ كبيرة من أموال دافعي الضرائب على سياسة قد تفشل أمام أول عقبة قانونية"، بحسب ما ذكره ريشي سوناك خلال سباق قيادة حزب المحافظين. لقد فكر في التخلي عن خطة كان يشتبه بعدم صحتها من الناحية القانونية وبأنها مكلفة وغير فعالة. ومع ذلك، فقد اقتنع في النهاية بالتعهد، على الأقل من الناحية الخطابية، بتوسيع كبير للمشروع.
رأى سوناك أن رواندا قد تكون بمثابة رادع إذا كان جميع طالبي اللجوء الذين يعبرون القناة متأكدين من إرسالهم إلى أفريقيا. ومع ذلك، وحين كان وزيراً للخزانة، قام بتمويل خطة يمكنها، من الناحية النظرية، نقل 500 شخص فقط إلى هناك. هذا التبدل في الموقف خلال حملته الانتخابية لترؤس المحافظين تحول في ما بعد إلى نهج معياري طبقه لاحقاً على وعوده التي أطلقها تحت شعار "أوقفوا القوارب" عندما أصبح رئيساً للوزراء.
سوناك هو من جديد اليوم في مواجهة ضغوط من أولئك الذين يعتقدون أن إجراءاته لم تكن صارمة بما فيه الكفاية.
الوزيرة كيمي بادينوك حذرت من أن الخطة تتطلب نهجاً أكثر صرامة. وفي الوقت نفسه، يميل لي أندرسون، نائب رئيس الحزب، المستقل بآرائه إلى حد ما، إلى الوقوف إلى جانب المتمردين من النواب في المقاعد الخلفية، والذي يقودهم الفريق السابق لسوناك في وزارة الداخلية: سويلا برافرمان وروبرت جينريك. هذان الأخيران يدعوان إلى إزالة أي إمكانية لامتثال الحكومة لأمر قضائي موقت صادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، على غرار ذلك الذي أوقف رحلة جوية إلى رواندا في يونيو (حزيران) 2022.
لكن لا بد من الإشارة إلى أن هناك تداعيات سلبية لطرح مثل هذا الرأي.
وقد نص الحكم الموقت الصادر عن "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان" ECHR ببساطة على ضرورة تأجيل الرحلة حتى تتمكن المحاكم البريطانية من تحديد مدى قانونية هذه السياسة من عدمها. وفي وقت لاحق، اعتبرت المحكمة العليا في المملكة المتحدة هذه السياسة غير قانونية. وشددت المحكمة على أن العقبات القانونية لا تقتصر على الاتفاقية الأوروبية وقانون حقوق الإنسان في المملكة المتحدة، ولكنها تشمل أيضاً الالتزامات تجاه اتفاقية اللاجئين والتي ينص عليها القانون البريطاني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان من الممكن أن يصبح موقف الحكومة في ما يتعلق بسياسة رواندا أكثر إشكالية لو أنها مضت في ترحيل الأشخاص إلى رواندا بطريقة اعتبرت في ما بعد غير قانونية. وعلى رغم ذلك، فإن الوزراء السابقين يعربون عن استيائهم من وقف عمليات الترحيل غير القانونية هذه. والحل الذي يقترحونه هو استبعاد الدور الرقابي للمحاكم في المستقبل في ما يخص جميع المسائل ذات الصلة.
وهذه المسألة ستكون بادية في مداولات أعضاء مجلس اللوردات خلال مراجعتهم لمشروع القانون. عند استلام مشروع القانون من مجلس العموم، سوف يميل العديد منهم إلى التفكير في كيفية قدرة المجلس التشريعي الأعلى، من خلال فحص التشريعات أو تعديلها أو تأخيرها، على حماية المبادئ الدستورية لسيادة القانون وتدعم التزامات بريطانيا تجاه القانون الدولي بشكل خاص.
إن الموقف الحكومي الرسمي هو أنها تقبل وتحترم قرارات المحكمة العليا، لذلك تتخذ خطوات لمعالجة أوجه القصور الموجودة في المعاهدة الجديدة بين المملكة المتحدة ورواندا والقوانين الجديدة في رواندا أيضاً خلال الأشهر المقبلة. ومع ذلك، إذا كانت الحكومة واثقة حقاً من نجاح هذه الجهود، فلن تكون هناك ضرورة لمنع المحاكم من مراجعة الأدلة التي تقول بأن روندا بلد غير آمن.
إن فكرة قيام خطة رواندا بدور الرادع هي في الغالب خدعة. في مارس (آذار) 2023، تعهد سوناك بضمان ترحيل كل من يعبر القنال الإنجليزي بدءاً من ذلك اليوم فصاعداً خلال أسابيع. على رغم ذلك، وصل ما يقرب من 50 ألف طالب لجوء منذ ذلك الحين، مما يجعل تحقيق الوعد أمراً بعيد المنال. قد ينجح مخطط رواندا، أو لا ينجح، في إبعاد حوالى 1 في المئة من طالبي اللجوء هؤلاء إلى أفريقيا. ولذلك، يصبح من غير المجدي أن تقوم الحكومة مراراً وتكراراً بسن قوانين تعلن أن طالبي اللجوء لن تتاح لهم أبداً فرصة البقاء عندما لا تكون هناك فرصة عملية لتنفيذ عمليات الترحيل هذه.
في العام الماضي، أحرزت وزارة الداخلية تقدماً كبيراً في معالجة القضايا المتراكمة (على رغم التفاخر المفرط بهذا الإنجاز). ومع ذلك، فإن موقفهم الحالي هو تجاهل أي مطالبات من الأفراد الذين وصلوا منذ الصيف الماضي، وبالتالي فإن حالة التراكم الجديدة ستكون نوعاً من عدم اليقين الدائم. في النهاية إن الحكومة البريطانية تعلم تماماً بأنه لن يكون لديها أي بديل عملي أو قانوني غير إدراج هذه الطلبات الجديدة في سياق نظام اللجوء أيضاً، حتى ولو أنها تتمنى تأخير الاعتراف بذلك خلال سنة انتخابية.
هناك مشكلة واحدة تواجه الحكومة، وهي غياب أي طريق آمن آخر [يسلكه طالبو اللجوء]. إن الملفات الحكومية كشفت في الأسبوع الماضي أن بريطانيا كانت قد منحت اللجوء من خلال برنامج مفصل بعناية للعديد من المواطنين من سوريا، وأوكرانيا، وهونغ كونغ، وأفغانستان خلال السنوات القليلة الماضية. لكن في عام 2023، لم تمنح الحكومة حق اللجوء إلى بريطانيا من خلال الطرق الشرعية إلا لـ 700 شخص من غير الدول المذكورة آنفاً.
في الوقت نفسه، ارتفعت التكلفة الأولية لخطة رواندا، المقدرة بـ 120 مليون جنيه استرليني، إلى 400 مليون، بغض النظر عما إذا كان أي شخص سيرسل بالفعل إلى رواندا أم لا. إضافة إلى ذلك، وفي حال إرسال طالبي اللجوء، فسيكلف ذلك 170 ألف جنيه استرليني إضافية للشخص الواحد. ويشير استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "يوغوف" YouGov خلال العام الحالي بشأن خطة رواندا إلى تزايد الشكوك العامة مع تأييد 40 في المئة من المستطلعة آراؤهم التخلي عن الخطة، بينما يؤيد 34 في المئة الحفاظ عليها، مع انقسام الآراء بشكل حاد على طول الانتماءات الحزبية.
إذاً، لا يمكن القول إن خطة رواندا هي عامل ردع بقدر ما هي وسيلة لصرف الأنظار بعيداً من التحديات الحقيقية المتمثلة في إدارة موضوع اللجوء بشكل فعال.
يتعين على بريطانيا وجيرانها الأوروبيين معالجة القضايا الأساسية بشكل جماعي، أي تحقيق التوازن بين كل من مكافحة الاتجار بالبشر وإنشاء مسارات خاصة بتأشيرات اللاجئين، إلى جانب سياسات إعادة اللاجئين غير المؤهلين وبالتالي تمكين البلدان في المساهمة بشكل عادل في الإدارة الفعالة للجوء. هذا النهج هو الطريقة الوحيدة القابلة للتطبيق لتقليل احتمالية وقوع المزيد من الوفيات في المياه المتجمدة للقنال، وتحقيق حل منظم وإنساني.
ساندر كاتوالا هو مدير مؤسسة مستقبل بريطانيا
© The Independent