منذ الوهلة الأولى لإعلان إثيوبيا عن توقيع اتفاقية مع إقليم "أرض الصومال" الانفصالي للحصول على ميناء على خليج عدن، أنذرت خطوة أديس أبابا بإشعال صراع جديد في القرن الأفريقي، المنطقة ذات التاريخ الطويل من النزاعات، وكان لافتاً أن الحكومة الفيدرالية في مقديشو لجأت إلى مصر منذ اللحظات الأولى للأزمة.
كان أول اتصال هاتفي للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عقب الإعلان عن الاتفاقية مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وأتبع ذلك بزيارة للقاهرة هي أول محطة خارجية له أيضاً بعد الاتفاقية الإثيوبية.
الدعم المصري لموقف الصومال كان واضحاً في حديث السيسي خلال المؤتمر الصحافي مع شيخ محمود بالقاهرة، إذ تحدث بلهجة حازمة عن أن مصر لن تسمح بتهديد الصومال أو أمنه، ووجه رسالة أشبه بالتحذير إلى إثيوبيا "ماحدش يجرب مصر ويهدد أشقاءها". كما لوح بتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك باعتبار الصومال عضواً في جامعة الدول العربية.
وتنص الاتفاقية الموقعة عام 1950 على أن "تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها، اعتداءً عليها جميعاً، ولذلك فإنها عملاً في حق الدفاع الشرعي (الفردي والجماعي) عن كيانها تلتزم أن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما"، كما تتضمن الاتفاقية "تتشاور الدول المتعاقدة في ما بينها، بناءً على طلب إحداها كلما هددت سلامة أراضي أية واحدة منها أو استقلالها أو أمنها".
قوات عسكرية
وأثارت تصريحات السيسي تكهنات حول شكل الدعم المصري الذي سيقدم للصومال، إذ ترى الأستاذ بكلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، هبة البشبيشي، أن حديث الرئيس المصري يفهم منه أن القاهرة قد توجد بقوات عسكرية في الصومال لدعمه في مواجهة أطماع إثيوبيا، على حد وصفها، وذلك تنفيذاً لمعاهدة الدفاع العربي المشترك.
وأشارت إلى أن القاهرة تمد مقديشو منذ وقت طويل بالدعم في مكافحة الإرهاب عبر المعلومات الاستخباراتية والتدريب العسكري ونقل الخبرات، وقد يتطور ذلك التعاون بعد الأزمة الأخيرة إلى تدريب الجيش الصومالي.
وقالت البشبيشي في حديثها لـ"اندبندنت عربية" إن اتفاق إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال يعد تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري، لأن السواحل التي ستستخدمها أديس أبابا تقع في مدخل البحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس، التي تعتبراً مصدراً رئيساً للدخل القومي المصري، ومن ثم فإن احتمالية وجود قوات مصرية في الصومال في تلك الحالة سيكون دفاعاً عن الأمن القومي للبلاد على المدى البعيد، بخاصة أن "إثيوبيا اختارت مناصبة مصر العداء وتشكيل تهديد عليها"، بحسب قولها.
دعم سياسي
ولا يتفق الأمين العام المساعد الأسبق لمنظمة الوحدة الأفريقية، السفير أحمد حجاج، مع تلك الرؤية، إذ اعتبر أن مصر "بالتأكيد" لن ترسل قوات عسكرية إلى الصومال لمقاتلة الجيش الإثيوبي، موضحاً أن حديث السيسي عن "الوجود" بجوار الصومال يأتي في إطار أنه بلد عربي موقع على اتفاقية الدفاع المشترك. وأضاف أن مصر تسهم في تدريب العسكريين الصوماليين منذ سنوات كما تقدم أسلحة للشرطة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى الدبلوماسي المصري السابق أن دعم القاهرة للصومال سيكون "سياسياً" في الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، إضافة إلى مجلس الأمن في حال رفع مقديشو دعوى ضد أديس أبابا، مؤكداً أن رفض الاتفاقية لم يأت فقط من القاهرة وإنما أجمعت عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وتجمع دول شرق أفريقيا وغيرها، باعتبارها انتهاكاً لسيادة ووحدة أراضي الصومال.
كذلك استبعد السفير أحمد حجاج أن تنشئ مصر قاعدة عسكرية في الصومال، لكنه أشار إلى أن القاهرة سترد في حال إضرار أديس أبابا بها بعد إقامة قاعدتها البحرية على سواحل إقليم أرض الصومال.
سد النهضة
الخلاف المستمر على مدى أكثر من عقد بين القاهرة وأديس أبابا على وقع ملف سد النهضة الإثيوبي قفز إلى الأذهان في أعقاب الموقف المصري القوي الداعم للصومال في مواجهة إثيوبيا. واعتبر كثير من المراقبين الصومال ساحة جديدة لنزاع يبدو أنه أصبح مزمناً بين مصر وإثيوبيا.
وفي اجتماع لوزراء الخارجية العرب، الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن إثيوبيا أصبحت "مصدراً لبث الاضطراب" في محيطها الإقليمي. وحذر من تداعيات "السياسات الأحادية لأديس أبابا المخالفة لقواعد القانون الدولي"، التي تهدف إلى "فرض سياسة الأمر الواقع من دون الاكتراث لمصالح الحكومات والشعوب الأفريقية"، معتبراً أن الاتفاقية تثبت أن تحركات إثيوبيا تؤثر في استقرار الإقليم وتزيد حدة التوتر في العلاقات بين دوله.
هنا أشار الأمين العام المساعد الأسبق لمنظمة الوحدة الأفريقية إلى احتمالية أن يكون التحرك المصري الداعم للصومال هو رد فعل غير مباشر على ما فعلته إثيوبيا في ملف سد النهضة، مشيراً إلى رفض الإثيوبيين التوصل إلى اتفاق ينظم تشغيل السد والاستمرار في ملئه بشكل أحادي على مدى أربع سنوات.
لكن الأكاديمية المتخصصة في الشأن الأفريقي هبة البشبيشي رأت أنه لا علاقة بين ملف سد النهضة والدعم المصري لمقديشو، مؤكدة أن موقف القاهرة ينبع من إدراكها خطورة تهديد الملاحة في قناة السويس، في وجود إثيوبيا على مدخل البحر الأحمر، وهو الخطر الذي تجد البشبيشي أنه محقق ومؤكد أكثر من تهديد سد النهضة الذي تختلف آراء المتخصصين حول مداه.
خبرة دبلوماسية
من جانبه، قال مدير مركز هرغيسا للدراسات والبحوث في الصومال محمود محمد حسن إن مصر لها تاريخ كبير في النجاح الدبلوماسي، ولديها كوادر خبيرة ومؤهلة في هذا المجال، لذا فإن تقديم القاهرة دعماً غير محدود للدبلوماسية الصومالية، سواء من خلال تقديم المشورة، أو من خلال الثقل التقليدي لها على مستوى النظام العربي، والمنظمات والأجهزة القارية والدولية والأممية، "سيوفر لمقديشو دفعة تحتاج إليها في سبيل ردع مطامع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وتحد من تهوره الناتج من حاجته للهرب إلى الأمام من الأزمات التي تحاصره"، بحسب تعبيره.
وأضاف حسن أن "تدهور الخلاف الإثيوبي الصومالي سيكون المتضرر الأكبر فيه أديس أبابا، وسيؤدي إلى توحيد الأقاليم الصومالية ضدها، وكذلك إقليم "أوغادين" الذي تتهم الصومال إثيوبيا باحتلاله ودارت حوله حرب بين البلدين عامي 1977 و1978".
كما توقع الباحث الصومالي أن "يؤدي النزاع العسكري إلى صعود قوى إسلامية وقومية تسيطر على الأقاليم الصومالية، من ثم تجنيد مئات آلاف المقاتلين قد توقع الجيش الإثيوبي في حرب مفتوحة قد تؤدي لانهيار إثيوبيا وقد تثور المطالبات بضم إقليم أوغادين الذي خسره الصومال لصالح إثيوبيا بيد القوى الغربية"، وفق تعبيره.
واستبعد حسن أن تقدم الدول العربية دعماً عسكرياً حقيقياً للصومال في أزمته الحالية، معتبراً أنها غير مؤهلة لذلك، نظراً إلى الأزمات السياسية والأمنية التي تعانيها عديد من الدول العربية، إضافة إلى عدم وجود تنسيق عربي في وجه القضايا الكبرى، بل ووجود تناقضات عربية - عربية، قد تؤدي في حال دخول دول عربية على خط الدعم المباشر أن تؤدي إلى تسرب تلك الانقسامات إلى داخل البنية الصومالية، مما قد يتسبب في إطالة الحرب وارتفاع غير ضروري في الخسائر.
تفاصيل الاتفاقية
ووقعت إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال الانفصالي في الأول من يناير (كانون الثاني) الجاري، مذكرة تفاهم تحصل أديس أبابا بموجبها على حق استخدام واجهة بحرية بطول 20 كيلومتراً من أراضي الإقليم لمدة 50 عاماً، وفي المقابل "ستعترف إثيوبيا رسمياً بجمهورية أرض الصومال" كما أعلن موسى بيهي عبدي زعيم هذه المنطقة، لكن حكومة أديس أبابا لم تعلن عزمها الاعتراف بالإقليم الذي لم تعترف به أية دولة منذ إعلان انفصاله عام 1991، واكتفت بالإشارة إلى أنها ستجري "تقييماً متعمقاً بهدف اتخاذ موقف في شأن جهود أرض الصومال للحصول على الاعتراف الدولي".
وقوبلت الاتفاقية بإدانة قوية من الحكومة الصومالية التي أكدت أنها "ستتصدى لهذه الاتفاقية بكل الوسائل القانونية"، معتبرة إياها "عدواناً وانتهاكاً صارخاً لسيادتها"، كما وقع الرئيس الصومالي قانوناً يبطل الاتفاقية.
ومنذ أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، كثف رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد من تصريحاته حول ضرورة إيجاد منفذ بحري لبلاده، التي تضمنت تحذيرات بإمكانية استخدام القوة في حال فشل التفاوض. وأصبحت إثيوبيا دولة حبيسة منذ عام 1993 عقب استقلال إريتريا.
وبحسب دراسة لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية تعتمد إثيوبيا على ميناء جيبوتي في تمرير أكثر من 95 في المئة من تجارتها الخارجية، فإنها ظلت متخوفة من تقلبات الأوضاع في المنطقة، مما دفعها إلى ضرورة توسيع دائرة بدائلها الاستراتيجية من الموانئ البحرية في المنطقة، بينما تتزايد مخاوف دول المنطقة من الأطماع التوسعية الإثيوبية في السيطرة على الموانئ البحرية بالمنطقة، مما جعلها تتردد في منح أديس أبابا امتياز تأسيس ميناء بحري وقاعدة عسكرية خلال السنوات الأخيرة.
وتشير تقارير إلى أن رغبة إثيوبيا في الحصول على ميناء ترجع إلى تحملها نحو ملياري دولار سنوياً في صورة رسوم تدفع للموانئ وطرق الشحن، فيما توقعت دراسة للأمم المتحدة بأن يزيد الحصول على منفذ بحري الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنحو 25 إلى 30 في المئة.