ملخص
نحن الآن في أتون حرب إقليمية وقد ارتكبت جميع الأطراف المعنية أسوأ الأخطاء الممكنة في التقدير
تنفذ الولايات المتحدة ضربات جوية في ثلاث دول في أنحاء الشرق الأوسط. كما أرسلت معدات عسكرية بمليارات الدولارات وتقدم دعماً تكتيكياً لأوثق حلفائها في المنطقة [إسرائيل]، التي تخوض حرباً ضد جماعة متشددة ومناوشات شبه يومية مع جماعة أخرى على حدودها الشمالية. تعرضت القوات الأميركية في اثنتين من تلك الدول للهجوم أكثر من 150 مرة في الأشهر الثلاثة الماضية، وأدت سلطة الأمر الواقع في بلد فقير في البحر الأحمر إلى توقف الشحن الدولي هناك.
لم يجر الإعلان عنها بطقوس رسمية كبيرة، مثلما جرت العادة في الإعلان عن المغامرات الأميركية السابقة في الشرق الأوسط - لا بل في الواقع، لم يعلن عنها على الإطلاق. لكن الولايات المتحدة غارقة الآن في حرب إقليمية ضد تحالف من الجماعات المسلحة المدعومة من إيران التي تمتد من سوريا إلى اليمن. تجري هذه الحرب من دون إشراف يذكر من الكونغرس، ودونما أدنى اعتراف من إدارة بايدن بحجم المعركة.
إنها النتيجة التي ادعت إدارة بايدن أنها عملت بجد للحيلولة دون وقوعها، لكن المحللين يقولون إن دعم الرئيس غير المشروط لحرب إسرائيل ضد "حماس"، رداً على هجوم المجموعة الفلسطينية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، قد أشعل فتيل أزمة سيكون من الصعب احتواؤها.
يقول ثاناسيس كامبانيس، كبير الزملاء ومدير شركة "سينشري إنترناشيونال" Century International، الذي حذر من مثل هذا الاحتمال في الأيام الأولى للحرب بين إسرائيل و"حماس": "لسوء الحظ، نحن الآن في أتون حرب إقليمية وقد ارتكبت جميع الأطراف المعنية أسوأ الأخطاء الممكنة في التقدير".
في الواقع، بدت الأولويتان الرئيستان لإدارة بايدن في أعقاب هجوم "حماس" غير متوافقتين منذ البداية. وعد بايدن بدعم غير مشروط لحرب إسرائيل في غزة، وكذلك منع تفاقم هذا الصراع إلى حرب إقليمية أوسع. لكن السيد كامبانيس يجادل بأن دعم إدارة بايدن للحرب في غزة على وجه التحديد، ورفض استخدام نفوذها للضغط على إسرائيل لوضع حد لها، هو الذي أذكى نيران التصعيد الإقليمي.
يضيف كامبانيس لـ"اندبندنت": "إن مفتاح تهدئة النزاع الإقليمي الأوسع هو وقف الحرب في غزة. لقد كان الأمر على هذا النحو منذ البداية. لدى الولايات المتحدة كثير من النفوذ الذي اختارت للأسف عدم استخدامه وإنما ظلت محركاً رئيساً في الصراع المستمر".
في الأيام الأولى من الصراع، حقق بايدن أول أهدافه - دعم قدرة إسرائيل على مهاجمة "حماس" في غزة - من خلال إرسال مئات الملايين من الدولارات من الإمدادات العسكرية إلى إسرائيل، متجاوزاً الكونغرس بغية إنجاز ذلك بسرعة.
ثم، وبهدف ردع أي حلفاء لـ"حماس" من الانضمام إلى المعركة، أرسلت الولايات المتحدة مجموعتين من حاملات الطائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. كانت الولايات المتحدة قلقة خصوصاً في شأن جماعة "حزب الله" اللبنانية، التي خاضت حرباً مدمرة ضد إسرائيل في عام 2006. في مقابلة أجريت بعد أيام فقط من هجوم "حماس"، أطلق بايدن تحذيراً قاطعاً: "إلى أي بلد، أي منظمة، أي شخص يفكر في استغلال الوضع، لديَّ كلمة واحدة: لا تفعل ذلك".
إلا أن هذه الكلمات لم تلق آذاناً صاغية.
إن معركة إسرائيل مع "حماس" في غزة هي محور هذا الصراع، ولكنها أيضاً مجرد جزء واحد فقط من حرب أكبر بالوكالة بين الخصمين إسرائيل وإيران. أمضت الجمهورية الإسلامية سنوات في بناء شبكة من الجماعات المسلحة الحليفة المعادية لإسرائيل في إطار مفهوم يشار إليه باسم "وحدة الجبهات". وقد زودت تلك الجماعات - التي تشمل الحكومة السورية، و"حزب الله" في لبنان، و"حماس" في غزة، والمتمردين الحوثيين في اليمن، ومختلف الجماعات المسلحة الشيعية في العراق وسوريا - بالتدريب العسكري والدعم المالي والصواريخ والقدرة على صنع صواريخها الخاصة. وها قد انجروا جميعاً الآن إلى القتال بشكل ما.
مع استمرار إسرائيل في حربها ضد "حماس" بشراسة متزايدة، وارتفاع عدد القتلى المدنيين يوماً بعد يوم بالآلاف، زادت وتيرة الهجمات ضد المصالح الأميركية في جميع أنحاء المنطقة. أحصى المسؤولون العسكريون الأميركيون أكثر من 150 هجوماً على قواتهم في العراق وسوريا منذ الـ17 من أكتوبر. كما استهدفت السفارة الأميركية في أوائل ديسمبر (كانون الأول) في بغداد بنيران الصواريخ.
واستمرت تلك الهجمات بإيقاع ثابت على خلفية حرب غزة المدمرة. لكن جماعة "حزب الله" اللبنانية هي التي كانت مصدر القلق الأكبر للولايات المتحدة.
يخوض "حزب الله" وإسرائيل مناوشات شرسة على نحو متزايد على الحدود منذ بضعة أشهر. حتى الآن، تمكن الطرفان من منع حرب شاملة، لكن ذلك قد لا يستمر إلى الأبد. في حديث له في أوائل يناير (كانون الثاني)، قال عضو مجلس وزراء الحرب الإسرائيلي، وزير الدفاع السابق، بيني غانتس، للصحافيين إن "وقت الحل الدبلوماسي آخذ بالنفاد".
وأضاف: "إذا لم يتحرك العالم والحكومة اللبنانية من أجل منع إطلاق النار على سكان شمال إسرائيل، وإبعاد (حزب الله) عن الحدود، فإن الجيش الإسرائيلي سيقوم بمنعه".
ربما كانت الولايات المتحدة قادرة على التعامل مع الهجمات الصغيرة ضد قواتها في العراق وسوريا. وهي كانت منخرطة في غزة، ولكن بشكل غير مباشر فقط. وكان "حزب الله" يتجنب إلى حد كبير أي إجراء يمكن أن يثير صراعاً أوسع نطاقاً. لكن المشكلة الكبرى بالنسبة إلى الولايات المتحدة جاءت من مكان غير متوقع.
أدخلت مشاركة المتمردين الحوثيين في اليمن بعداً جديداً للصراع بالنسبة إلى القوات الأميركية. لقد صمدت جماعة الحوثيين، وهي جماعة تدعمها إيران وتسيطر على معظم أنحاء اليمن، في وجه حملة قصف على مدى سنوات تدعمها الولايات المتحدة وتنفذها السعودية. دخل الحوثيون الصراع في الـ19 من أكتوبر، أي بعد أسبوعين تقريباً من هجمات "حماس"، وبعد فترة قصيرة من بدء حملة القصف الإسرائيلية ضد غزة. في ذلك اليوم، أطلقت الجماعة وابلاً من الصواريخ والطائرات المسيرة نحو إسرائيل وقالت إن الهجمات ستستمر حتى تتوقف الحرب وتصل المساعدات الإنسانية إلى غزة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطوال أسابيع، تواصل إطلاق الجماعة هذه الصواريخ التي زودتها بها إيران باتجاه إسرائيل. وقد اعترض جميعها إما من قبل الدفاع الجوي الإسرائيلي أو السفن الحربية الأميركية في المنطقة. بعد ذلك، في الـ14 من نوفمبر (تشرين الثاني)، حذر زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي من أن مجموعته ستستهدف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وبعد أقل من شهر، بدأت المجموعة في مهاجمة جميع السفن التي زعمت أنها كانت متجهة إلى إسرائيل. في الواقع، استهدفت الجماعة أيضاً السفن التي لها روابط ضعيفة أو معدومة على الإطلاق مع إسرائيل.
علقت عديد من شركات الشحن المرور عبر المضيق وتضرر الشحن العالمي بشدة نتيجة لذلك. وقد انخفضت التجارة العالمية بنسبة 1.3 في المئة في ديسمبر نتيجة الاضطراب، وانخفض عدد حاويات الشحن التي تمر عبر البحر الأحمر بنسبة 60 في المئة.
وفي الـ11 من يناير، بعد أن تجاهل الحوثيون التحذيرات المتكررة، نفذت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضربات جوية وصاروخية ضد أهداف الحوثيين في اليمن. استهدفت الضربات العاصمة صنعاء، وكذلك محافظات صعدة وحجة والحديدة وتعز. ويقول البنتاغون إن 60 هدفاً أصيبت باستخدام أكثر من 150 صاروخاً موجهاً. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن: "إن هذه الضربات المستهدفة هي رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة وشركاءها لن يتساهلوا مع الهجمات على مواطنينا أو يسمحوا للجهات المعادية بتعريض حرية الملاحة للخطر".
وبذلك، انتقلت الولايات المتحدة من التدخل غير المباشر إلى حملة قصف جديدة في الشرق الأوسط. وقال الرئيس بايدن، الذي حدد مبررات الضربات، إن غرض الضربات توجيه "رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة وشركاءها لن يتساهلوا مع الهجمات على مواطنينا أو يسمحوا للجهات الفاعلة المعادية بتهديد حرية الملاحة في أحد أهم الطرق التجارية في العالم".
كما أعادت الولايات المتحدة تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، بعد أن شطبت إدارة بايدن الجماعة من القائمة في أحد أول إجراءاتها بعد دخولها البيت الأبيض.
ومع ذلك، لا يبدو أن الضربات أوقفت الهجمات. في الأسبوع الماضي، شن الحوثيون 30 هجوماً على حركة الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن.
ويعتقد الكاتب والباحث اليمني في "تشاتام هاوس" Chatham House، فارع المسلمي، الذي أمضى سنوات في الكتابة عن حملة القصف السعودية المدعومة من الولايات المتحدة في اليمن، والضربات الأميركية ضد "القاعدة" قبل ذلك، أن الولايات المتحدة تخوض معركة خاسرة.
المسلمي ذكر أن "بايدن في موقف أشبه بتلك المواقف التي يكون المرء فيها مذموماً إذا تحرك، ومذموماً إذا لم يتحرك. فإذا تركت الحوثيين ينجون بفعلتهم، فهذا أمر خطر وسيئ للاقتصاد العالمي، ثم إنك إذا قصفتهم، فأنت تصعد وتفتح جبهة أخرى".
وأضاف: "لكنهم جربوا القصف لسنوات عديدة مع تنظيم (القاعدة). وجرب السعوديون ذلك. وهو لا يجدي في اليمن. لهذا، يبدو أن سياسة الإدارة الأميركية الحالية هي أن تخوض حرباً إقليمية من دون أن تسميها كذلك".
ويعتقد المسلمي أن الولايات المتحدة وغيرها ربما أساءوا فهم الحوثيين وربما قللوا من شأنهم. وبعيداً من كونهم مجرد وكلاء لإيران، فهم لديهم أسبابهم الاستراتيجية الخاصة لما يقومون به في هذه اللحظة.
"أولاً، عندما يقولون إنهم يدعمون فلسطين، فإنهم يعنون ذلك حقاً. فهم يؤمنون بذلك عقائدياً ويرون أن في وسعهم المساعدة".
"بالنسبة إليهم، تمثل غزة فرصة لإعادة الظهور كلاعب قوي. هل يمكنك تصديق الأمر؟ قبل 20 عاماً كانوا يرتدون الشباشب [في الجبال[، والآن يطالبون بانسحاب القوات من غزة ووقف الشحن في البحر الأحمر".
وعلى رغم الضربات الجوية المستمرة ضد أهداف الحوثيين الخميس، قللت إدارة بايدن من أهمية فكرة أن الولايات المتحدة منخرطة بالفعل في حرب إقليمية.
"نحن لا نسعى إلى الحرب، ولا نعتقد أننا في حالة حرب. لا نريد أن نرى حرباً إقليمية "، بحسب ما ذكرت نائبة السكرتيرة الصحافية للبنتاغون سابرينا سينغ في مؤتمر صحافي الخميس الماضي.
الزميل في "مركز سوفان" للدراسات Soufan Centre، كولن بي كلارك، وصف عديداً من الأزمات المتداخلة في الشرق الأوسط بأنها "عاصفة مثالية" لإدارة بايدن، ويعتقد أن سبب تردد الإدارة في الاعتراف بخطورة الصراع قد يكمن في المخاوف المحلية.
كلارك قال إن "الهدف المعلن للإدارة منذ وقت مبكر من حرب غزة هو منع الصراع من الانتشار والتحول إلى حرب إقليمية. إن الاعتراف بأننا في حرب إقليمية سيكون أقرب إلى الاعتراف بفشل سياسي، وهو ما لا يجدر منحه لخصومك في سنة الانتخابات... لذلك هم فقط لا يعترفون بذلك، ويستمرون في المضي قدماً على أمل أن ينتهي هذا، يبدو أن هذه هي ’الاستراتيجية’".
في غضون ذلك، يبدو أن الرئيس بايدن ملتزم مواصلة قصف اليمن حتى تتوقف الهجمات في البحر الأحمر.
عندما سأله أحد المراسلين عما إذا كانت الغارات الجوية في اليمن تؤتي ثمارها، أجاب باختصار: "حسناً، عندما تقول ’تؤتي ثمارها‘، هل ستوقف الحوثيين؟ لا. هل ستستمر؟ أجل".
© The Independent