ملخص
ضوابط بريطانية جديدة ما بعد "بريكست" على البضائع الأوروبية ستفاقم أزمة المعيشة في البلاد
ثمة أخبار سيئة لأي شخص يعتقد أن المحافظين أنجزوا "بريكست".
نهاية هذا الشهر، في غضون تسعة أيام فقط، في الواقع، تدخل مرحلة جديدة تماماً حيز التنفيذ. لن يفاجأ أحد بأن المملكة المتحدة غير مستعدة لها، أو بالأثر الذي ستحدثه في حياتنا.
اعتباراً من 31 يناير (كانون الثاني)، أي بعد أربع سنوات من مغادرتنا الاتحاد الأوروبي، ستتطلب واردات الأغذية الطازجة والمنتجات النباتية والحيوانية من الاتحاد الأوروبي شهادة صحية، للمرة الأولى منذ عقود.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تستورد المملكة المتحدة ما يقارب نصف حاجتها من الخضراوات الطازجة وغالبية حاجتها من الفواكه، وذلك في صورة رئيسة من الاتحاد الأوروبي. لقد آخر المحافظون حتى الآن بدء تطبيق هذه الضوابط على الواردات خمس مرات بسبب الأثر الحتمي الذي ستحدثه في سبل العيش. هم يعلمون أنها ستعوق عمليات التسليم وترفع الأسعار، وذاك في خضم إحدى أزمات كلف المعيشة.
وإذا لم تكن عملية إنجاز المعاملات الصحيحة لكل شيء من النبيذ الفرنسي ولحم البقر الإيرلندي إلى البطاطا البلجيكية، وحتى بصلات النرجس البري الهولندي التي تصل إلى المملكة المتحدة، تمثل عبئاً كافياً – يقدر أن إدارة الضوابط الجديدة ستكلف الشركات نحو 330 مليون جنيه استرليني (418 مليون دولار)، يمكننا أن نتوقع مزيداً من الروتين الإداري في أبريل (نيسان)، عندما يبدأ إجراء عمليات التفتيش المادي للبضائع المستوردة على حدود المملكة المتحدة.
الأمور بالفعل أكثر من سيئة بما فيه الكفاية. لا يمكن أن تحل الضوابط الحدودية الجديدة المخصصة للفواكه والخضراوات الطازجة في وقت أسوأ لأمة تتدهور صحة شعبها. في السنتين الماضيتين منذ أن تولى ريشي سوناك رئاسة الوزراء، شخصت إصابة عشرات الآلاف في المملكة المتحدة بأمراض تذكر بأجواء روايات تشارلز ديكنز مثل الكساح والإسقربوط، وكلاهما مرتبط بسوء التغذية.
والشهر الماضي، أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" بأن المملكة المتحدة تعاني أسوأ مستويات فقر في صفوف الأطفال بين البلدان الغنية. وأعلنت هيئات قطاعية مثل ائتلاف المنتجات الطازجة Fresh Produce Consortium وائتلاف التجزئة البريطاني British Retail Consortium واتحاد الأغذية والمشروبات Food and Drink Federation أن الضوابط الجديدة ستضيف كلفاً وتأخيرات إلى الإمدادات الغذائية في المملكة المتحدة. كيف سيؤثر ذلك إذا في هؤلاء الأطفال؟
وحاولت الحكومة التقليل من أثر هذه الضوابط الجديدة المفروضة على الواردات بسبب "بريكست". في أغسطس (آب) الماضي، أعلنت أن الضوابط ستضيف 0.2 في المئة فقط إلى الأسعار على مدى ثلاث سنوات، لكن كلماتها وأرقامها نفسها كافية لتجعلكم تشككون في هذا الزعم.
بادئ ذي بدء، ورد في تقرير أغسطس نفسه ما يلي: "ستعتمد الكلف إلى حد كبير على كيفية تكييف الشركات لنماذج أعمالها". هذا يذكرني بقول جاكوب ريس - موغ: "تحب بعض الشركات، غير الناجحة لأسباب أخرى، إلقاء اللوم في مصاعبها على ’بريكست‘. لكن هذا في الواقع عذر لسوء الإدارة". لذلك سيجعل المحافظون، عن دراية، الحياة أكثر صعوبة للأشخاص الذين يعملون في قطاعاتنا الاقتصادية، وعندما نعاني من أفعالهم، سيلوموننا على عدم التكيف بصورة كافية.
أقول "عن دراية" لأن ريس - موغ، حين كان يحاول اقتناص الفضل في تأخير الضوابط المترتبة على "بريكست"، قال إن الضوابط ستسبب "زيادة تصل إلى 71 في المئة، حداً أقصى، في سعر أسعار بيع [الأغذية] بالتجزئة".
علاوة على ذلك، دافع المحافظون في تقريرهم عن فرض الضوابط على منتجات الاتحاد الأوروبي لأن "الضوابط مطبقة بالفعل من قبل الاتحاد الأوروبي على البضائع البريطانية"، لكن هذا الإجراء كان مدمراً للمصدرين في المملكة المتحدة. في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، أعلنت واحدة من كل خمس شركات صغيرة أنها ببساطة لم تعد تستطيع بيع بضائعها إلى الاتحاد الأوروبي بسبب المعاملات الإضافية. وتفيد غرفة التجارة البريطانية بأن القيام بذلك يزداد تكلفة.
وإذا كنتم تعتقدون أن الضوابط على الواردات لن تكون ضارة مثل الضوابط على الصادرات، فما مبرراتكم؟ لقد أمضى مؤيدو "بريكست" السنوات الثماني الماضية يخبروننا بأن بلدان الاتحاد الأوروبي في حاجة إلينا أكثر مما نحن في حاجة إليها لأننا نستورد منها أكثر مما نصدر إليها.
وهل تتذكرون كيف قالوا إننا لسنا في حاجة إلى الاتحاد الأوروبي لأن في مقدورنا مجرد تحويل تجارتنا إلى قارات أخرى؟ حسناً، تظهر بيانات وضعها مكتب الإحصاءات الوطنية ونشرتها "المملكة المتحدة في أوروبا متغيرة" UK in a Changing Europe، وهي منظمة بحثية، أننا في الواقع نميل أكثر نحو التجارة مع الاتحاد الأوروبي مقارنة ببقية العالم. والتجارة مع أقرب أسواقنا إلينا باتت الآن أكبر مما كانت عليه وقت إجراء الاستفتاء على "بريكست" عام 2016. لذلك نحن الآن أكثر اعتماداً على الروابط التجارية التي من المقرر أن يلحق بها المحافظون مزيداً من الضرر في غضون تسعة أيام.
وكما أوضحت كاثرين مان، المسؤولة في بنك إنجلترا، لن ترفع الكلفة الإضافية معدل التضخم بصورة مباشرة فقط، ذلك أن عديداً من شركات الاتحاد الأوروبي الأصغر لم تعد تستطيع بيع منتجاتها إلى المملكة المتحدة بسبب العرقلة الإضافية التي أحدثها "بريكست" بالفعل. وهذا يعني تراجع عدد الشركات التي تتنافس مع بعضها بعضاً على التسعير لكي تتمكن من البيع لنا، ويعني من ثم ارتفاع الأسعار في أسواقنا.
قبل أيام فقط من بدء العمل بالضوابط على الواردات، يمكن للمحافظين تأخيرها للمرة السادسة. وبوسعهم أن يزعموا، في عام سيشهد انتخابات، ومع أزمة كلف المعيشة الشديدة، أن الخطوة هي الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله.
المأساة هي أن النشطاء في هذا المضمار أمضوا ثلاث سنوات في محاولة لوقف "بريكست" لأننا لم نرغب في أن يتأذى الناس على الإطلاق. بوريس جونسون، رئيس الوزراء في ذلك الوقت، اتهمنا بـ"التردد والتأخير" لرفضنا تنفيذ "إرادة الشعب".
أتذكر عندما وعدنا ريشي سوناك بأن إنجاز "بريكست" سيعني حصول المملكة المتحدة على "20 مليار جنيه فورية". وسيمثل الرقم 300 جنيه إضافية سنوياً لكل طفل وامرأة ورجل في البلاد.
بدلاً من ذلك، يدخل المحافظون عام الانتخابات العامة هذا بعدما رفضوا مراراً وتكراراً القيام بالشيء الوحيد الذي انتخبوا على أساسه في المرة الأخيرة: إنجاز "بريكست"، لكنهم وصلوا إلى نهاية الطريق – وهم على وشك جعل الناخبين يدفعون ثمناً أعلى في مقابل ذلك.
فيمي أولول ناشط مناوئ لـ"بريكست" ومؤسس مشارك لـ"مستقبلنا خيارنا"، وهي مجموعة مناصرة مؤيدة للاتحاد الأوروبي
© The Independent