يستعد البرلمان العراقي لطرح مسودة جديدة من مشروع قانون "جرائم المعلوماتية" المثير للجدل على الرغم من الاعتراضات التي أبدتها المنظمات الحقوقية وبعض الأطراف السياسية التي ترى في القانون وسيلة لتقييد الحريات المدنية.
ويؤكد نائب رئيس البرلمان حسين الكعبي أن الفصل التشريعي الجديد سيشهد إقرار مسودة جديدة للقانون بعد أن جرى تعديلها من قبل لجنة برلمانية خاصة من دون أن يكشف عن أهم التعديلات التي أقرتها اللجنة.
جرائم المعلومات
ويحاول البرلمان العراقي منذ سنوات تمرير القانون وتمكن في يناير (كانون الثاني) الماضي من قراءة مسودة "الجرائم المعلوماتية" والذي عرّفته مسودة القانون الحالية بأنه "نشاط إجرامي إيجابي أو سلبي تستخدم فيه تقنية متطورة تكنولوجياً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كوسيلة أو كهدف لتنفيذ الفعل الإجرامي العمدي في البيئة المعلوماتية".
ويهدف القانون وفقاً لما جاء في نص الفقرة رقم "2" منه إلى "توفير الحماية القانونية للاستخدام المشروع للحاسوب وشبكة المعلومات ومعاقبة مرتكبي الأفعال التي تشكل اعتداء على حقوق مستخدميها من الأشخاص الطبيعية أو المعنوية ومنع إساءة استخدامه في ارتكاب جرائم الحاسوب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فقرات عقابية قاسية
إلا أن كثرة الاعتراضات حالت دون التصويت على هذه المسودة بسبب احتوائه على مجموعة من الفقرات العقابية القاسية أساءت إلى مضمونه وتعدت نطاق جرائم المعلومات والابتزاز الإلكتروني وما يلحقه من الجرائم التقنية المتعارف عليها عالمياً، والتي تفتقر القوانين السارية إليها، من دون أن يتعرّض إلى المسائل الأخرى المقننة أساساً في قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 وتعديلاته الذي يحتاج هو الآخر إلى إصلاح كبير ليتوافق مع فلسفة وبنود الدستور العراقي.
على سبيل المثال تذكر مسودة القانون، أن الأشخاص الذين يستخدمون الإنترنت "لإضفاء تعابير أو صور أو أصوات أو أي وسائل أخرى تتضمن الإهانة للآخرين" يكونون عرضة للسجن ضمن عقوبة أقصاها السجن مدة سنتين ودفع غرامة مالية، أما السجن مدى الحياة فهي عقوبة من يستخدمون الإنترنت "لأذية سمعة البلاد"، وكذلك هي عقوبة من "نشر أو بثّ أنباء عن أحداث مضللة بهدف إضعاف الثقة في النظام المالي الإلكتروني، الوثائق التجارية أو المالية الإلكترونية، أو أشياء مشابهة، أو الإضرار بالثقة المالية في الدولة".
ويقول مصدر سياسي رفيع لـ "اندبندنت عربية" إن "سبب إصرار الجهات البرلمانية النافذة على إقرار قانون جرائم المعلوماتية هو مخاوفها من حملات التسقيط التي يتعرض لها بعض الشخصيات السياسية وكشف عمليات أو تهم الفساد والتلاعب بالمال العام وغيرها من الفضائح في مواقع التواصل الاجتماعي الأمر الذي يسبب الكثير من الحرج لقادة هذه الكتل".
ويؤكد المصدر نفسه أن "الإصرار زاد بعد الاحتجاجات الشعبية التي بلغت ذروتها في مدينة البصرة العام الماضي، وكان الإنترنت ومواقع التواصل السبب الرئيس في تحريكها واتساعها، وهناك اتفاق موقّع بين الكتل الكبيرة لتمرير هذا القانون خلال العام الحالي".
جوهر القانون
ويضيف "لا يوجد أي تعديل يمس جوهر القانون وهو تقييد النشر والالتزام بالمعلومات والبيانات التي تصدرها الجهات الرسمية واعتبار ما عدا ذلك جرائم يعاقَب عليها".
في المقابل، يؤكد عضو اللجنة القانونية حسين العقابي لـ "اندبندنت عربية" أن طرح القانون في البرلمان يعني إقراره، فهناك قراءة أولى وثانية وثالثة تتخللها مناقشات ومقترحات تعديل، ويرى أن "العراق بحاجة إلى قوانين تعالج ظاهرة الانفلات الإلكتروني وما يعرف بالجيوش الإلكترونية والتي أصبحت أداة لنشر خطاب الكراهية والعنف". ويضيف "نرفض تقييد الحريات لكننا مع وجود قانون مقبول يكافح الجرائم التي لم ينص عليها القانون العراقي".
ويرى الخبير القانوني طارق حرب أن "البلاد بحاجة إلى قوانين لمكافحة الجهات المخالفة الفنية في استخدام الإنترنت فقط، ذلك أن قوانين العقوبات العراقية تطرقت إلى بقية المخالفات الواردة في مسودات قانون جرائم المعلومات"، ويشير إلى أن "السبّ والقذف والتشهير هي جرائم حقيقية ولا فرق إذا كانت عبر مواقع الإنترنت أو في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة وإن المشرّع أدخل موادّ لا علاقة لها بجرائم المعلومات".
نقابة الصحافيين
ويحذر نقيب الصحافيين العراقيين رئيس اتحاد الصحافيين العرب مؤيد اللامي من خطورة تشريع قانون الجرائم المعلوماتية لمخالفته الدستور العراقي وتقاطعه مع الاتفاقيات المبرمة مع المنظمات الأممية. ويوضح اللامي أن "قانون الجرائم المعلوماتية كتب عام 2008، إي قبل حوالى 11 عاماً، في الفترة التي كانت فيها التطبيقات الإلكترونية الحديثة مثل (الفايبر والواتساب والإنستغرام) غير موجودة، إذ كان المشرّع يرمي إلى الحد من بعض الجرائم التي كانت مدار خلافات بين السياسيين وكتاباتهم في المواقع".
ويكشف اللامي أن "القانون أعيد إرساله الآن إلى البرلمان، من دون إجراء أي تغييرات أو تعديلات تواكب التطورات الحاصلة في التطبيقات الإلكترونية، ويؤكد أن "القانون فيه مخالفات قانونية ودستورية وسالب للحريات، إذ إنه يتقاطع مع الدستور في المادة 38 أولاً وثانياً، وكذلك مع المواثيق والاتفاقيات المبرمة بين العراق والمنظمات الأممية، فضلاً عن تقاطعه مع المجتمع الذي بات مختلفاً تماماً عما كان عليه قبل عام 2003".
فرص تمرير المشروع؟
ولا يبدو أن فرص تمرير مشروع القانون بصيغته الحالية واردة تماماً على الرغم من الاتفاقات الحاصلة بين الكتل المؤيدة للمشروع، خصوصاً أن البرلمان العراقي في الدورات البرلمانية السابقة لم يتمكن حتى من إتمام قراءته بسبب احتوائه على الكثير من الإشكاليات أبرزها تلك المتعلقة بمعارضة مواد الدستور العراقي المتعلقة بحرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وحرية الصحافة والطباعة والإعلام والإعلان والنشر، إضافة إلى حاجة أحزاب داخل البرلمان وخارجه إلى ما بات يعرف بـ "الجيوش الإلكترونية" وهي منصات على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل عناوين مزيفة يسخّرها الحزب أو قيادات سياسية وأمنية لمهاجمة الجهات والأحزاب المعارضة لها وقد يحرمها التشريع الجديد من هذه الجيوش.