حققنا النصر في المعارك التي تدخلنا فيها أخيراً، لكننا فشلنا في الوصول إلى سلام دائم، إذ دُحرت الجماعات المسلحة أو تشتتت، لكنها نجحت في إعادة تجميع صفوفها والعودة بقوة. يشير هذا إلى أن إلحاق الهزيمة بالعدو لم يعد كافيا في الصراعات غير النظامية التي يشهدها العالم اليوم، وأننا بحاجة لمواجهة حقيقة أن طبيعة النزاع قد تغيرت وأن القانون الدولي لم يواكب هذا المشهد المتغير.
في الحالة السورية، قُضي على دولة "الخلافة" لداعش، لكن العدو والأيديولوجية والتهديد ما زالوا كلهم موجودين، وإن كان ذلك في معسكرات اعتقال إلى حد كبير الآن.
يحدث هذا فيما تستنجد تلك طلبا للمساعدة، إذ يُزجّ حالياً عشرات الآلاف من مقاتلي داعش الذين اعتقلتهم "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في منشآت احتجاز مؤقتة ضخمة تدار بطريقة سيئة. ولا تمتلك "قسد" القدرة ولا الرغبة لمعالجة ملفات هذه الأعداد من المقاتلين الذين جاء الآلاف منهم من الخارج.
وقد ناشد الأكراد السوريون المجتمع الدولي لمساعدتهم. غير أن عجزهم عن إدارة موقف بهذا الحجم والحدة يُنذر بتسهيل خروج أو هروب المعتقلين من خلال الرشوة. ويُعد معسكر الهول سيئ الصيت في شمال غرب سوريا مثالاً صارخًا على الأوضاع التي يمكنها أن تثير مثل هذه المخاوف.
صُمِّم المخيم في بادئ الأمر لإيواء اللاجئين، وهو الآن يحوي 75000 شخصاً، من بينهم نحو 30000 من مقاتلي داعش المعتقلين بالإضافة إلى عائلاتهم. وبالتالي يجب على الغرب أن يدرك حقيقة أن داعش لم يُهزم وأنه يعيد تجميع صفوفه ولا يزال نشطا كما اتضح قبل ايام من الهجوم الذي استهدف حفل زفاف في العاصمة الأفغانية كابل أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص.
إن الفشل في التعامل مع الآف العائلات النازحة، التي تعيش الآن خلف الأسلاك الشائكة، ليس مثيرا للقلق فحسب من منظور الرعاية الاجتماعية بل إنه أيضا يوفر لداعش تربة خصبة لتجنيد المقاتلين والأنصار.
ومن هذا المنطلق يجب أن تتغير عقليتنا الغربية، ففي وضع كهذا لا يوجد خصم مستعد للاستسلام دون قيد أو شرط. إننا لسنا في مواجهة مع جيش نظامي تُطبَّق فيها اتفاقيات جنيف، وإنما مع جماعات مسلحة منظمة تنظيما جيدًا مصصمة على تحقيق أهدافها الأيديولوجية، وقد تشبّع مقاتلوها بوعد زائف بالمكافأة في الجنة إذا ضحوا بحياتهم من أجل قضيتهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن الحل لهذه المعضلة لايكمن في إنشاء ممعتقلات على شاكلة تلك الموجودة في خليج غوانتانامو. ففي أيام اعتداءات 11 سبتمبر، أدرجت المملكة المتحدة في قوائم الإرهاب 25 تنظيما دوليا. واليوم، زاد هذا العدد بأكثر من الضعف، ولن يختفي التطرف وحشد المقاتلين المحتملين من جميع أنحاء العالم في المدى المنظور. اتخذت بريطانيا خطوة صحيحة في المشاركة بالتحالف العسكري الدولي لمحاربة داعش في عام 2014. كما عملنا على قيادة الجهود لتفكيك مصادر تمويله، والقضاء على جهوده لتجنيد المقاتلين عبر الانترنت، وعملنا مع الحلفاء لتعزيز فهم أفضل للإسلام. لكن إذا أفسحنا في المجال للتهديدات المتطرفة كي تنتعش، ستذهب عندها جهودنا كلها سدى.
يجب ألا ننسى لماذا سارعنا بالإسهام في التصدي لداعش ودحرها، في المقام الأول. لم يحدث ذلك فقط لكونه أمرا صائبا من الناحية الأخلاقية ، لإن لدى بريطانيا الوسائل والرغبة في المساعدة لتشكيل عالم أفضل وراء شواطئنا. انخرطت الحكومة في محاربة داعش أيضًا انطلاقاً من واجبها في الحفاظ على سلامة بريطانيا ومواطنيها في الداخل والخارج. إن من مصلحتنا منع التطرف من إيجاد حاضنة له واكتساب موطئ قدم في أي مكان في العالم.
قُتل أخي في تفجيرات بالي عام 2002، وقد استُهدف لا لسبب سوى لكونه غربيًا، فيما تستمر الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، وهنا في المملكة المتحدة. وقد يؤدي إلغاء جوازات السفر البريطانية للمقاتلين الأجانب ذوي الجنسيات المزدوجة إلى حشد الرأي العام وإرضائنا لفترة وجيزة ، لكن من الناحية الاستراتيجية، فإن هذا يالإجراء لايكفي حتى لمعالجة المشلكة بشكل سطحي.
لا يمكننا اليوم عزل أنفسنا عن التطرف الدولي، فقد تشبع مئات المقاتلين الأجانب بالفكر المتطرف وهم لا يزالون في بلدانهم، بما في ذلك النمسا والسويد وفرنسا وألمانيا وأستراليا والولايات المتحدة وفي المملكة المتحدة. وبالتالي سنكون في حالة إنكار إذا اعتقدنا أننا قادرون على تجنب المسؤولية على أمل أن يتحملها طرف آخر ويعمل على حلها.
أنا لا أدعو إلى عودة المقاتلين دون محاسبة. ينبغي على بريطانيا أن تستغل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) المقبل لوضع مقترحات خاصة لتحديث القانون الدولي وتوضيح الجهة المسوولة عن تقديم المقاتلين المتطرفين، المحليين والأجانب، إلى العدالة بطريقة صحيحة. إنها الطريقة الوحيدة لمنع انتعاش الأسباب الأيديولوجية للإرهاب وتقليل خطره في الداخل والخارج.
(توبياس إلوود هو نائب محافظ عن بورنموث إيست)
© The Independent