تحاول الشابة الفلسطينية فرح دروزة (22 سنة من مدينة رام الله وسط الضفة الغربية)، كبح غضبها على أحد سائقي المركبات العمومية عندما رفض أن يقلها وقِطتها (ليلي) وهي في حجرها. فليس من المألوف في المجتمع الفلسطيني أن ترافق الحيوانات أصحابها أينما ذهبوا.
ترفض فرح اعتراضات والدتها التخلي عن قطتها، وتصحبها أينما ذهبت. وتروي لـ "اندبدنت عربية" أنها "منذ كنت طفلة وأنا أعشق الحيوانات، وكان لدي مجموعة من القطط والكلاب والأرانب، وعندما انتقلنا للسكن في مدينة أخرى، رفضت أسرتي فكرة نقلها معي، خصوصاً أن البيت الجديد من دون حديقة. أحد أقاربي عَلم بمدى حزني على مفارقة حيواناتي الأليفة، فقام بإهدائي (ليلي) وكانت حديثة الولادة جميلة وبيضاء اللون، تعلقت بها وحاربت من أجل بقائها معي، لا أعلم كيف يمكن البشر رفض الحيوانات، فهي كائنات ودودة ولطيفة، وبالإمكان ترويضها".
لم تتمكن والدة فرح من كبت رأيها المعارض، فتقول إن "الحيوانات مسؤولية كبيرة وتحتاج إلى الاهتمام والرعاية والمتابعة، والأبناء لا يقدرون ذلك، هم يريدون حيواناً يلعبون به، غير مكترثين لبقية الحاجات لتبقى الحيوانات نظيفة وصحية، ومنذ قدمت ليلي رغماً عني إلى المنزل، وأنا أعيش قلق ومشاكل يومية بسبب غريزتها الحيوانية التي لا يمكن أن تتغير، كأن تتعدى على فراشنا وطعامنا ومقتياتنا الشخصية، وأن تتبول في كل مكان، ناهيك عن المواء والإزعاج اليومي وخصوصاً فترة التزاوج".
لا للبلدي ونعم للمستوردة
ظاهرة اقتناء القطط والكلاب ليست جديدة على المجتمع الفلسطيني، لكنها في الآونة الأخيرة ارتفعت بشكل ملحوظ، وبالأخص في مدينة رام الله، بحيث يكاد لا يمر شخص في أحد أحياء المدينة كحي الطيرة مثلاً، من دون أن يشاهد شخصاً على الأقل يتجول مع كلب أو قط، حتى أصبح امتلاك كلب من نوع "هسكي" أو قطة من نوع "سيامي" من البرسيتيج والموضة.
تقول مها الأصبح، صاحبة أول متجر لبيع الحيوانات ومقتنياتها في الضفة الغربية، لـ "اندبدنت عربية" في السنوات الخمس الماضية، بات بيع القطط والكلاب يرتفع لدينا بشكل ملحوظ، حتى بدأنا بتنويع الحيوانات المستوردة، فالفلسطينيون لا يرغبون أبداً في القط أو الكلب البلدي (كنعان)، وأكثر الكلاب مبيعاً لدينا بشكل أسبوعي من الجيرمن، والهسكي، والشيواوا وتبدأ من 400 إلى 4 آلاف دولار، فيما يكثر بيع القطط الشيرازي والسيامي والبنغال، التي يبدأ سعرها من 150 إلى ألف دولار.
اختصاصيون في الطب البيطري ورعاية الحيوانات، يستهجنون رغبة كثيرين من الفلسطينين في انتقاء الكلاب الدخيلة كالهسكي، الشيبرد، شيواوا وغيرها، وتوجه البلديات لاحتقار الكلب البلدي الفلسطيني (كنعان) وقتله وتسميمه وكذلك القطط.
الطبيب البيطري طه الرفاعي يتحدث لـ "اندبندنت عربية" "القطط البلدية من وجهة نظري من أجمل القطط، وما يميزها أنها مهجنة منذ مئات السنين من أنواع مختلفة تجمع بين السيامي والشيرازي والبلدي والمصري، وتتصف بالقوة والنشاط، فيما يتسم الكلب الفلسطيني (كنعان) بالشجاعة والقوة".
قانون لحماية الحيوانات
الجمعية الفلسطينية للرفق بالحيوان، الوحيدة العاملة في مجال حماية الحيوان في الضفة، التي تأسست في 2011، أنهت عام 2016 المرحلة الأولى من مشروع "مشاركة الأعباء"، الذي أنتج مجموعة من التغييرات الجوهرية في حياة الحيوانات العاملة في بعض مناطق شمال الضفة الغربية ووسطها.
وتعمل الجمعية حالياً على المستوى الإستراتيجي مع الجامعات المحلية الفلسطينية، لإنشاء قانون الرفق بالحيوان. أحمد صافي مؤسس الجمعية الفلسطينية للرفق بالحيوان يتحدث إلى "اندبندنت عربية" قمنا بوضع مقترح مشروع بالتعاون مع معهد الحقوق في جامعة بيرزيت، لقانون مفصل تشريعي للرفق بالحيوانات في فلسطين، حيث لا يوجد قانون لحماية الحيوان حتى اليوم، ونحن الآن في طور جمع التبرعات لهذه المبادرة، ونعمل على استقطاب الداعمين لدراسة إمكان مساعدتنا في إنجاح هذا المشروع، وفي عام 2015 طوّرنا الدليل الإنساني لحل مشكلة الكلاب الضالة في فلسطين وإدارة الحيوانات المشردة، مع منشورات توعوية مجتمعية كاملة من شأنها دمج المجتمع المحلي، من أجل إيجاد بيئة متعاونة تتشارك بإيجاد حلول مستدامة للحيوانات في فلسطين".
خدمة مجانية
يكمل صافي لـ"اندبدنت عربية" افتتحنا بداية عام 2019 "الأيام الطبية البيطرية وقدمنا خدمة بيطرية مجانية للحيوانات الشريدة المريضة والمصابة، الأمر الذي تعذّر على الجمعية توفيره سابقاً، وهذا النشاط يندرج ضمن سلسلة نشاطات مقبلة تهدف الجمعية إلى تطويرها بما يسهم في تحسين البيئة الفلسطينية لتكون صديقة أكثر للحيوان، خصوصاً الحيوانات الشريدة، من خلال رفع الوعي المجتمعي بأهمية الرعاية الطبية للحيوانات الأليفة، وتقديم الطعوم والعلاجات الضرورية لها على مدار العام، وأهمية تقديم المساعدة للحيوانات الشريدة ورعايتها وتوفير بيئة آمنة لها بعد تقديم العلاج المناسب.
من جهة أخرى فإن مساعدة الحيوانات الشريدة من شأنها تعزيز ثقافة تحمّل المسؤولية، كما وتُعطي نموذجاً إيجابياً للأطفال بأن دورنا هو مساعدة ورعاية الحيوانات الضعيفة، وليس إساءة معاملتها وقتلها".
مبادرات نوعية لحماية الحيوانات
في بلدة بيت ساحور وسط الضفة الغربية، سيدة أربعينية تدعى ديانا بعبيش، قررت إنشاء مأوى صغير للكلاب الضالة وبعض القطط. بدأت الفكرة عام 2015 لحل أزمة الكلاب الضالة في بيت لحم والتي يصل عددها إلى خمسة آلاف كلب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الملجأ، وفق بعبيش، مؤقت لإيواء الحيوانات الجريحة، وخصوصاً الكلاب الضالة التي تعرضت للتعذيب والحرق والقنص، وبعدما أقدم لها العلاج والتعقيم، لا أعيدها إلى الشارع، لأنها قد تتعرض للقتل، فالبلديات في الضفة الغربية، لا تجد حلاً لمشكلة الكلاب الضالة إلا بالتسميم والقنص.
ومن وجهة نظر جمعيات الرفق بالحيوان، فإن سياسة البلديات بالتسميم والقنص مرفوضة والبديل الأمثل بحسب طروحاتها، إنشاء أماكن لتعقيم الكلاب والقطط (أي استئصال الخصيتين للذكر والرحم للأنثى) ومن ثم إطلاقها في الخلاء، مع تأمين طعامها.
يقول أحد القناصين لـ "اندبندنت عربية" إن "الكلاب الضالة التي تتكاثر في البر وداخل المدن والأحياء معرضة لتكون ناقلة للأوبئة والأمراض، وبسبب ارتفاع هجمات الكلاب الضالة على المواطنين وازدياد ازعاجها وتكاثرها، توجهنا للقنص فهو أفضل الحلول، إذ نستهدف مناطق تجمع الكلاب عند الحاويات والمطاعم، مستخدمين رصاص الخرطوش، الذي نوجهه مباشرة على القلب، ونقتل في كل جولة قنص من 30 إلى 40 كلباً ضالاً".