Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أكتيوم"... آخر حروب الإمبراطورية الرومانية

لهذا السبب صمم أوكتافيوس على الخلاص من صديقه القديم مارك أنطونيو الذي انتحر مع حليفته المصرية كليوباترا

وقائع معركة أكتيوم غيرت وجه التاريخ القديم (المتحف الملكي في غرينيتش)

ملخص

لهذا السبب صمم أوكتافيوس على الخلاص من صديقه القديم مارك أنطونيو الذي انتحر مع حليفته المصرية كليوباترا

في الثاني من سبتمبر (أيلول) من عام 31 ق.م، جرت وقائع معركة غيَّرت كثيراً جداً من مسارات التاريخ، ومن مساقات الإمبراطورية الرومانية من ناحية، ونظيرتها البطليمية في مصر من ناحية أخرى.

لم تكن معركة "أكتيوم"، التي يطلق عليها في أحيان أخرى "أكتيوم البحرية"، مجرد موقعة قتالية بين جيشين من الأعداء، ولم تقم بين قائدين من عرقين مختلفين متنافسين، بل جرت بها المقادير من خلال جنرالين رومانيين، عاشا صداقة طويلة، قبل أن تفرق بينهما الخلافات السياسية، ونعني بها أوكتافيوس قيصر، وماركوس أنطونيو، وما كان مفترض أن يوثق من أواصر الثقة بين الجنرالين، هو حديث المصاهرة، حيث كان ماركوس زوج أخت أوكتافيوس.

هل كانت هذه المعركة قدراً مقدوراً؟ أي هل كان لا بد من حدوثها كنوع من أنواع التصفيات لإمبراطورية مزدهرة امتدت من الشرق الأدنى إلى غرب أوروبا، وفي مسيرتها كانت تخشى من صعود دول أخرى في حوض البحر الأبيض المتوسط، كما الحال مع مصر التي كانت واقعة تحت حكم البطالمة في صورة الملكة المثيرة للشغب الفكري كليوباترا؟

تبدو قراءة وقائع هذه المعركة غريبة وعجيبة، وتظل التساؤلات التاريخية من حولها قائمة، وغالب الظن أن جميع خصائصها ودقائقها غير مكتملة، وإن كانت النتائج المترتبة عليها، تظل حديث المؤرخين عبر الأزمان وإلى الآن.

مقتل يوليوس قيصر وبداية الأزمة

يبدو التاريخ وكأنه مأساة أحياناً، وملهاة في أحايين أُخر، فقد كان الجميع في روما القديمة يتصور أن الأمن استتب، والهدوء عاد إلى ربوع الجمهورية الرومانية، بعد 13 عاماً من الحروب الأهلية، وقد بدا يوليوس قيصر إمبراطوراً متوجاً ومؤهلاً لنقل الإمبراطورية الرومانية، إلى مدارك أعلى وأوسع لوجيستياً.

غير أن الغدر كان يقف للرجل بالمرصاد، فما إن خرج من اجتماع لمجلس الشيوخ، حتى تعرض للطعن المميت على يد 40 من زملائه الأعضاء في المجلس عينه.

كانت التهمة الموجهة إلى القيصر يوليوس، الرجل الذي عبر نهر الروبيكون، وألقى صيحته الشهيرة "لقد ألقي النرد"، الاستبداد والطغيان، وقد جاء مقتله لكي تسود الحرية.

تكاد تكون المنطلقات عينها، التي تجري بها المقادير في أزمنة الثورات التاريخية التي لا تخلف من ورائها سوى الخراب والدمار، بخلاف الثورات الديمقراطية التي ترسي عادة طريقاً جديداً للعيش والمشاركة بين الحاكم والمحكوم.

كان بروتوس وكاسيوس على قائمة القتلة، وهناك من يرجح أن يكون بروتوس ابن غير شرعي ليوليوس قيصر، ولهذا السبب فإنه استسلم للطعنات حين رآه بين الطاعنين، وصاح صيحته التي ستخلد عبر الأمان، كرمز لغدر الأحباء: "حتى أنت يا بروتوس".

بعد ساعات من دفنه عمت الاضطرابات في روما، المدينة العظيمة التي يسكنها أكثر من مليون شخص، وقد كان هذا الرقم هائلاً قبل ألفي عام.

باتت روما في واقع الحال في مأزق يهدد بحرب أهلية جديدة بين أبنائها، ولهذا انطلق الجنرال ماركوس أنطونيوس، الصديق الحميم ليوليوس قيصر، الذي يليه في تراتبية القيادة إلى مجابهة أعمال الشغب. ودعا للانتقام للقيصر.

لكن يوليوس المغدور، لم يكن وفياً لماركوس أنطونيوس، كما كان الأخير وفياً له.

حين تم قراءة وصية يوليوس، كان ماركوس يتوقع أن تمنحه الوصية السلطة والشهرة اللتين يحتاج إليهما كي يتمكن من الحكم.

جاءت الوصية التي تليت على مسامع أهل روما، لتكشف عن خدعة كبرى تعرض لها، فغالبية أملاك القيصر، ولقبه وهو الأهم، لم تترك له، بل لقريب مغمور، لا يبلغ من العمر 18 سنة، يدعى "غابيوس أوكتافيوس".

هل كان يوليوس قيصر هو واضع لبنات الاختلاف بين ماركوس أنطونيو، وغابيوس أوكتافيوس؟

ماركوس وأوكتافيوس صراع الأضداد

خلق القيصر المغدور ربما عن غير قصد، فتنة بين الجنرال الكبير عمرا، أي ماركوس أنطونيو، وقد كان يكبر أوكتافيوس بنحو 20 سنة، وبين الأخير الذي كان في ذلك الوقت يتدرب مع القوات القيصرية في منطقة "أبولونيا"، بالقرب من ليبيا على ساحل البحر المتوسط.

أضحى أوكتافيوس بالوصية ابناً بالتبني للقيصر يوليوس، وقد كان الميراث مفاجأة له، غير أنه ومثلما ستكشف الوقائع والأحداث تباعاً، تبدت شخصية أوكتافيوس قوية صلبة واثقاً من نفسه إلى أبعد حد، فقد تصرف بسرعة كبيرة وحسم أمر العودة إلى روما كي يطالب بالميراث الكبير والثمين الذي تركه له القيصر، فانطلق عبر البحر ليصل شواطئ الإمبراطورية خلال أسبوع.

هل كان ماركوس يتوجس خيفة أول الأمر من أوكتافيوس؟ بالقطع لم يحدث هذا، فقد كان الأول جنرالاً مشهوراً، وعضواً رفيع القدر في مجس الشيوخ الروماني، عطفاً على أن ملامحه الجسمانية كانت تعطي انطباعاً بالهيبة والوقار، فكل من رآه تحدث عن صفات الشهامة والنبل التي تكسو محياه.

لم يقم ماركوس وزناً لأوكتافيوس أول الأمر، بل على العكس من ذلك كان يعامله بشيء من الاستخفاف، وبذل كثير من الجهود لتعمد إهانته والتعامل معه على أنه طفل.

بدا واضحاً أن أوكتافيوس يتذمر من هذا الوضع، وربما خشي على نفسه من مؤامرات ماركوس أنطونيوس، ولهذا سعى حثيثاً لقلب الدفة على منافسه.

لجأ أوكتافيوس إلى تمتين نفوذه من خلال الاستعانة بمواطني روما الأكثر صلابة، كما عرف كيف يغزل جيداً في مجلس الشيوخ من خلال التقرب من معارضي نفوذ ماركوس.

مضى الشاب أوكتافيوس في طريق بعيد، فقد غير اسمه ليضحى "يوليوس قيصر أوكتافيوس"، وتالياً أصدر عملة نقدية تجمع بين رأسه ورأس يوليوس، ونقش عليها عبارة: "القيصر وابن القيصر".

لم تكن كل هذه التطورات لتغيب عن أعين ماركوس أنطونيوس وهو الجنرال الماكر، وقد اكتشف أنه استهان بعقلية الشاب أوكتافيوس.

حاول ماركوس أنطونيو مشاغبة مشاعر أهل روما، من خلال الزعم بمطاردة قتلة القيصر يوليوس، وذلك من خلال قواته العسكرية المنظمة المتوجهة إلى شمال الإمبراطورية الرومانية.

غير أنه لاحقاً اكتشف ماركوس أن كل مربع لنفوذه يخليه في روما وما حولها، سوف يقوم أوكتافيوس بملئه بما يختصم من قدرات الجنرال الأكبر والأشهر.

كانت المعارك السياسية والدسائس الإمبراطورية قد عرفت طريقها إلى داخل الإمبراطورية التي بات يتنازعها طرفان، الأول بحكم التاريخ والخبرة العسكرية والسياسية، والثاني بحكم الوصية والإرث، وبالدهاء والمكر، واللعب على المتناقضات، ولهذا كان الصراع قادماً لا محالة.

روما المنقسمة ومعركة "موديرما"

بدت روما وكأنها على موعد مع حرب أهلية جديدة، ولهذا كان من اليسير على كل من أوكتافيوس وماركوس، استمالة البعض ضد الآخر.

هنا انتهز أوكتافيوس فرصة الخلافات الناشبة بين أعضاء مجلس الشيوخ، حيث كان كثيرون منهم متورطين في اغتيال يوليوس قيصر، وبدأ في تأليب ما يكفي من الأعضاء ضد ماركوس أنطونيو، بعد أن أقنعهم أنه بات يشكل خطراً على أمنهم الشخصي، وفي الوقت عينه، لم يفته أن يحشد الدعم ويجهز المؤن لملاقاة منافسه عما قريب.

باتت الحرب الأهلية أمراً وشيك الوقوع من دون أدنى شك، لا سيما بعد أن منح مجلس الشيوخ أوكتافيوس السلطة باستخدام القوة ضد ماركوس.

بدا واضحاً للجنرال الشهير أن المعركة كانت قائمة وقادمة، من غير أدنى شك، ولهذا عمد إلى تكوين جيش خاص به، موَّله من ثروات القيصر يوليوس الطائلة، تهيئة للمواجهة العسكرية.

جرت بالفعل موقعة عسكرية التقى فيها الجيشان بالأسلحة، في منطقة موديرما شمال إيطاليا، حيث تغلبت حكمة الجنود وولاؤهم للوطن على صراعات القادة، ورغبتهم في التناحر.

كان من الغريب أن يرفض جيش ماركوس أنطونيو، قتال زملاء السلاح في جيش أوكتافيوس، ولهذا فضل جيش ماركوس، ما يشبه الانسحاب أو الهزيمة الخفيفة على التناحر الدموي، الذي كان له أن يتسبب في فناء الجيشين، ما يترك روما العظيمة، عرضة لهجمات الأعداء من خارجها، ناهيك بعودة القلاقل وغياب الأمن والسلام داخلها مرة جديدة.

على الرغم من ذلك، كان جيش ماركوس لا يزال قوياً، وقادراً على القيام بكثير من جولات الحرب.

في هذا الإطار من المؤكد أن هناك من عقلاء وحكماء روما، عطفاً على الرجال الوطنيين من مجلس الشيوخ، من استطاع إقناع الطرفين، بأنه من الأفضل العمل معاً، وتطهير البلاد من الخونة، وملاحقة قتلة القيصر، وذلك من خلال العمل المشترك، الذي يحول دون الوقوع في جب الحرب الأهلية.

في البحث عن عدو مشترك

بدا الحل في أعين الطرفين عبر البحث عن هدف مشترك يجمعهما معاً، أي إنه كان خياراً براغماتياً موقتاً، وليس مصالحة أبدية، بدليل ما سيحدث لاحقاً في معركة أكتيوم الحاسمة.

جادت قريحة الطرفين على تجميع جيوشهما، وتنظيم صفوفها، ووضع أعينهما على ما يعاديهما، لا سيما أعضاء مجلس الشيوخ الذين رتبوا اغتيال يوليوس قيصر، ومن ساندهم من الخلف في مؤامرتهم الدنيئة.

أظهر تحالف ماركوس أنطونيو وغابيوس أوكتافيوس، أن هناك نحو 400 سيناتور من بين نحو 900 عضو، وألفي مالك للأراضي على طول روما وعرضها، يمكن اعتبارهم أعداء للإمبراطورية، ومتورطين في السر مع بروتوس وكاسيوس.

هل كانت اللوائح التي تضم أسماء هؤلاء بمثابة كارثة حلت على حامليها؟

حكماً كان ذلك كذلك، إذ كان كل من ظهر اسمه في تلك اللوائح مقضياً عليه، ولم يكن هناك مجال لاستئناف أو محاكمات، أما الطامة الكبرى فكانت تتمثل في مصادرة جميع الممتلكات.

يحكي المؤرخ الروماني الشهير "تيتوس ليفيوس" (59 ق.م- 17 ق.م)، أن تلك اللوائح سببت ذعراً كاسحاً في أرجاء الإمبراطورية الرومانية، ومن هذا المنطلق، سارع الذين أدركوا وجود أسمائهم على تلك القوائم إلى الانتحار، وقد كان هذا هو السبيل الوحيد الذي يضمن لأسرهم وذريتهم من بعدهم الاحتفاظ بممتلكاتهم.

تم القضاء أول الأمر على من يمكن اعتبارهم أعداء روما المباشرين، من الطابور الخامس، ما أتاح فسحة من السلام في الداخل.

لاحقاً بدا أنه لا بد من الخلاص من قتلة القيصر يوليوس، الذين اعتبرهم البعض التهديد القائم للديكتاتورية الجديدة الوليدة في روما، من خلال تحالف ماركوس وأوكتافيوس معاً، وقد كانت تهمة الديكتاتورية تلك هي التي قادت يوليوس قيصر إلى مصيره المحتوم.

خرج ماركوس وأوكتافيوس على رأس جيش جرار من عدة آلاف من الجنود، لمقاتلة قتلة القيصر، مع من يساندهم من الجنود، وقد كان لديهم بالفعل قوة عسكرية لا يستهان بها، غير أن تحالف ثنائي روما، حسم المعركة في بلدة "فيليب" على أطراف روما، وتم قتل بروتوس وكاسيوس.

ومرة أخرى يتم تأجيل الصراع، بين ماركوس وأوكتافيوس، حتى ولو كانت النيران تحت الرماد كما يقال.

بعد القضاء المبرم على أعداء الإمبراطورية القديمة، اتفق المتنافسان على تقسيم الجمهورية الرومانية بينهما، بحيث يحمل ماركوس أنطونيو، مسؤولية "أثينا " كعاصمة له، وبذلك يسيطر على الولايات الشرقية التابعة للإمبراطورية الرومانية.

وعلى الجانب الآخر يسيطر غابيوس أوكتافيوس على المحافظات الغربية، ومدينة روما التاريخية.

كان أمل سكان روما أنه مع وصول أوكتافيوس منفرداً بسدة حكم روما وتوابعها من ولايات الغرب، أن يسود الهدوء ويعم السلام، غير أن بعضاً من الماضي الذي لا يغيب، كان يقف وراء الباب متشوقاً لحرب أهلية جديدة بين ماركوس وأوكتافيوس، حرب سوف تغير من مسار وربما مصير الإمبراطورية الرومانية.

هل كانت مصر البطليمية هي السبب في النزاع الذي سينشب عما قريب بين ماركوس أنطونيو، وغابيوس أوكتافيوس؟

عن تاريخ مصر البطليمية

تعرف الموسوعات التاريخية البطالمة بأنهم عائلة من أصل مقدوني نزحت إلى مصر بعد وفاة الإسكندر الأكبر سنة 323 ق.م، حيث تولى أحد قادة جيش الإسكندر وهو "بطليموس" حكم مصر.

اهتم بطليموس ببناء مدينة الإسكندرية التي أسسها الإسكندر الأكبر قبل مغادرته مصر في حملة عسكرية إلى بلاد الفرس وأفغانستان والهند.

وصل نفوذ الدولة البطليمية إلى فلسطين، وقبرص، وشرق ليبيا، وقد عرفت ازدهاراً خلال عهود بطليموس الأول وبطليموس الثاني وبطليموس الثالث.

كانت كليوباترا آخر ملوك البطالمة، وقد عرفت بقصة غرامها مع يوليوس قيصر، بل إنها أنجبت منه طفلاً، اسمه "قيصرون".

عرفت مصر في ذلك الوقت بأنها سلة غذاء الإمبراطورية الرومانية، وذلك بعد أن تمكن المصريون من تطوير سبل الري، وقد كان المعتقد واليقين لدى روما أنه طالما بقيت مصر تحت سلطة الدولة الرومانية، فإنها في أمان لجهة سلاسل الإمداد الغذائية.

على أنه خلال حكم كليوباترا لمصر، جرت في المياه علاقة معروفة بين ماركوس أنطونيو، حاكم قطاع الإمبراطورية الرومانية في أثينا وبين كليوباترا.

كان ماركوس أنطونيو، قد طلق زوجته الرومانية، التي هي أخت أوكتافيوس بحسب عدد وافر من المؤرخين ومنهم "بلوتارخ" (45-125 م).

في كتابه الشهير "حياة أنطونيو"، يخبرنا "بلوتارخ" أن أنطونيو وكليوباترا، قضيا وقتاً طويلاً خارج مصر، وفي مطلع عام 32 قبل الميلاد استقر الزوجان في أفسس، وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه ذهبا إلى جزيرة ساموس، وفي مايو (أيار) ويونيو (حزيران) زارا أثينا، وفي شتاء عام 32/31 انتقل أنطونيو وكليوباترا إلى مدينة باتراس.

هل كانت هذه العلاقة تزعج غابيوس أوكتافيوس حاكم القسم الغربي من الإمبراطورية الرومانية؟ وإذا  كان ذلك كذلك، فأي جزئية بالتحديد تلك التي كانت تسبب هلعاً كبيراً له ولحلفائه؟

بدت المخاوف تنتاب روما من عند "قيصرون" الذي جلس على عرش مصر بجوار أمه. لم تكن الأزمة في مصر، وإنما كان من الوارد أن تنتقل من مصر إلى روما، وذلك من خلال مطالبة كليوباترا بعرض روما لابنها قيصرون، بوصفه الابن المباشر للقيصر المغدور يوليوس قيصر.

ولأن العلاقة بين ماركوس أنطونيوس مع كليوباترا، كانت تتعزز يوماً تلو الآخر، فقد شكل ذلك هلعاً لأوكتافيوس، أن يقوم منافسه بتأجيج هذه الفكرة في نفوس الرومان في ذلك الوقت.

على أن أمراً آخر أرعب أهل روما، ذلك أنه من خلال علاقة ماركوس وكليوباترا، بدا وكأن هناك مخططاً جديداً لإنشاء سلالة رومانية إغريقية جديدة، تنشئ من خلالها إمبراطورية جديدة تجمع بين تراث الفراعنة، وسطوة الإسكندر.

بدا واضحاً أن ماركوس أنطونيو، قد وجد مدخلاً للعودة إلى روما، على جناح كليوباترا، قيصراً متوجاً، بعد أن يزيح قيصرون أوكتافيوس، وبما أن الصبي قيصرون غير ناضج، وكليوباترا طوع يديه، فهكذا ستضحى الإمبراطورية الرومانية من أدناها إلى أقصاها طوع أمر ماركوس أنطونيو.

انقلاب أوكتافيوس على ماركوس

لم يكن أوكتافيوس ليستمر طويلاً عاقداً الأذرع على الصدور وهو يرى أنطونيو يعزز من تحالفه مع كليوباترا، وقدر أن الخطر داهم وقريب منه.

من هذا المنطلق يقول المؤرخ الإنجليزي الشهير "إدوارد غيبون"، صاحب كتاب "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية"، إن أوكتافيوس شن أول وأكبر حملة نفسية وإعلامية في التاريخ لتشويه صورة أنطونيو وصورة مصر على حد سواء.

استخدم أوكتافيوس تحالف أنطونيو مع كليوباترا، ليعزز المخاوف في قلب روما من مصر والمصريين، وسعى لإزالة الدعم الذي كان أنطونيو يتمتع به في مجلس الشيوخ الروماني العتيد، وقد كان نصف عدده يدعم أنطونيو بالفعل، إذ لم ينس كثيرون كونه جنرالاً رومانياً ومقاتلاً صنديداً، عطفاً على كونه أحد أكثر الأوفياء للقيصر يوليوس المقتول غدراً.

عزز أوكتافيوس المخاوف من مصر، وروَّج أكاذيب عن كونها بلاد "السحر الأسود" و"القوى الروحانية الشريرة"، وأذاع قصصاً وهمية عن تقديم المصريين ذبائح بشرية قرباناً.

كان أوكتافيوس يستغل مناسبة ما يعرف بـ"المجالدة"، حيث صراع البشر معاً، والبشر والحيوانات معاً، ليكيل الاتهامات لأنداده، ولم يقصر عن الاستعانة بالأدباء والشعراء لبلورة صورة عن ماركوس أنطونيو وكأنه هرقل مهزوم، ومحارب أذلته الهزيمة الساحقة وحرمته من إنسانيته.

نجح أوكتافيوس في تأليب مجلس الشيوخ الروماني في الدعوة لمحاربة أنطونيو، غير أن ذكاءه العسكري والسياسي، دفعه لأن تكون المواجهة العسكرية خارج أراضي الإمبراطورية الرومانية، وعليه فكان لا بد من تحديد موقع وموضع للمعركة يضمن من خلاله التفوق والفوز، فقد كانت المعركة بالنسبة له حاسمة مرة وإلى الأبد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أكتيوم... انتصار أوكتافيوس وهزيمة أنطونيو

يتساءل المؤرخون العسكريون حتى الساعة، كيف تعرضت سفن أنطونيو وكليوباترا للهزيمة، مع أن الأسطول المصري الذي كان يأتمر بأمر كليوباترا كان من القوة والمنعة والضخامة بشكل هائل، عطفاً على وجود نحو 90 ألف رجل مقاتل مع أنطونيو؟

حاصر أوكتافيوس أنطونيو في منطقة أكتيوم بالقرب من أثينا، وهناك التقى الأسطولان، صبيحة الثاني من سبتمبر (أيلول) 31 ق.م، فقد كان أنطونيو يقود 230 سفينة حربية خلال المضايق متجهاً للبحر الواسع، وهناك قابل أسطول أوكتافيوس الذي يقوده الأدميرال "أكريينا".

هل كان وباء الملاريا هو السبب في هزيمة أنطونيو وبحارته، كما هزم الطاعون أثينا أمام أسبرطة؟

غالب الظن أن هذا ما حدث، ولذلك فعلى الرغم من كثرة عدد سفن أنطونيو، فإنه كان ينقصها الرجال بسبب تفشي وباء الملاريا بين قواته بينما كان ينتظر وصول أسطول أوكتافيوس.

مات عديد من المجدفين حتى قبل بدء المعركة، مما جعل تلك السفن غير قادرة على تنفيذ التكتيك الذي تم تصميمها من أجله وكان يعرف بأسلوب "النطح بالرأس"، فقد كانت السفن المصرية وسفن أنطونيو مصفحة بالبرونز، وأجذاع شجر مقطعة بشكل مربع، مما يجعل من الصعوبة أن تضربها بنجاح ناطحات سفن مشابهة.

تراجعت الروح المعنوية لقوات أنطونيو وكليوباترا، وازدادت الأزمة من جراء قطع خطوط الإمداد، مما أدى إلى قيام أنطونيو بإحراق السفن التي لم يعد يستطيع توفير الرجال لها.

انتحر أنطونيو وكذلك كليوباترا، وحقق أوكتافيوس بذلك نصراً غير مسبوق، أعاد من ورائه السيطرة على جانبي الإمبراطورية الرومانية، الشرقي والغربي، تحت سيطرة روما.

كانت موقعة أكتيوم إيذاناً بنهاية عهد البطالمة في مصر، وحرمان المصريين من الحصول على الاستقلال، فبعد أن كانوا خاضعين للبطالمة باتوا تحت سلطة الرومان.

وتخليداً لذكرى انتصاره على ماركوس أنطونيو، أرسى غابيوس أوكتافيوس قيصر ما عرف بالعيد الروماني "أكتيا"، وشيد نصباً فوق موقع المعركة، ضم ناطحات برونزية أخذت من السفن المهزومة.

كانت معركة حاسمة أنهت خلافات روما الداخلية، غير أن خلافات وصراعات أخرى ستكون في انتظار أوكتافيوس، ومملكة وليدة أخرى في الطريق، تنطلق من شبه الجزيرة العربية، ستزيح كثيراً من ممالك روما...

المزيد من تحقيقات ومطولات