قبل عشرات السنوات، أسست الحركة الصهيونية مستوطنة (كفار عصيون) جنوب بيت لحم، التي أصبحت اليوم واحدة من أكبر التجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية، وتعتزم السلطات الإسرائيلية جعلها ضمن حدود "القدس الكبرى".
لكن المستوطنة الواقعة على طريق القدس والخليل، لم تستمر طيلة الـ100 سنة الماضية، حيث تركها المستوطنون أكثر من مرة منذ إنشائها، أبرزها خلال ثورة 1936، وقبيل حرب 1948.
وقبل ثلاثة أيام من اندلاع الحرب في منتصف مايو (أيار) 1948، شهدت المنطقة معركة بين "العصابات الصهيونية" والجيش الأردني، انتهت بطرد المستوطنين منها بعد مقتل أكثر من 200 منهم وأسر العشرات.
وجاءت تلك المعركة بعد سلسلة من المناوشات بين الجانبين بدأت مطلع عام 1948، بسبب اعتداء العصابات على القوافل التجارية والفلسطينيين في الطريق بين القدس والخليل، وقرصنتهم مركبة تقل مرتبات الجيش الأردني.
ودفع ذلك أهالي مدينة الخليل إلى "مناشدة العاهل الأردني الملك عبدالله الأول التدخل للقضاء على المستوطنة، وفتح الطريق التجاري" وفق المؤرخ الأردني بكر المجالي.
لكن المستوطنين عادوا بعد ذلك بـ19 عاماً إلى المستوطنة إثر سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية، إذ تعتبر الأولى التي أقامتها عقب ذلك.
وعلى أرض في الريف الغربي لبيت لحم، أنشأت مستوطنة (كفار عصيون)، وأربع مستوطنات قربها في سنة 1925 بعد شراء مواطن ألماني تلك الأرض من أحد الفلسطينيين، قبل أن يبيعها لشخص يهودي.
ولعل المستوطن الإسرائيلي يوحنان بن يعقوب واحد ممن ولدوا في المستوطنة قبل هربه إثر المعركة التي قتل فيها والده. وبعد حرب سنة 67 عاد إليها في سبتمبر (أيلول) سنة 1967، ليقود تأسيسها من جديد وتوسيعها.
وهنا يقول يوحنان إنه "لمدة 19 عاماً، قلنا مراراً وتكراراً إننا سنعود إلى هناك يوماً ما".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعقب المؤرخ المجالي بقوله إن فلسطينيين شاركوا مع الجيش الأردني في المعركة، مضيفاً أن الأسرى الإسرائيليين نقلهم الجيش الأردني إلى منطقة (أم الجمال) في محافظة المفرق شرق المملكة.
وكشف المجالي عن اجتماع عقد بعد ذلك بين الملك عبدالله الأول والقيادية في الحركة الصهيونية غولدا مائير بهدف "الإفراج عن الأسرى، والتوصل إلى تفاهمات مشتركة حول تقليل الاشتباكات بين الجانبين، والحفاظ على الوجود الأردني في القدس".
واعتبر المتخصص في شؤون الاستيطان والخرائط خليل تفكجي أن الأردن "وضع أراضي مستوطنة كفار عصيون والمستوطنات المجاورة تحت مسؤولية (حارس أملاك العدو) التابع لوزارة الداخلية الأردنية".
وأشار تفكجي إلى وجود أمثلة كثيرة على مستوطنات أجبر الجيش الأردني المستوطنين الصهاينة على إخلائها بعد سيطرته على الضفة الغربية سنة 1948، مثل النبي يعقوب وعطيروت في شمال القدس.
تجمع عصيون
واعتبر الباحث في شؤون الاستيطان سهيل خليلية أن تجمع عصيون أصبح أكبر التجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية، ويعيش فيها أكثر من 60 ألف مستوطن.
ومن أبرز المستوطنات في التجمع، "غوش عصيون" و"بيتار عليت غرب" التي يعيش فيها نحو 40 ألف مستوطن. ووفق خليلية فإن إسرائيل ربطت التجمع الاستيطاني بمدينة القدس عبر شبكة ضخمة من الطرق السريعة، وتعمل حالياً على ربطها بخط القطار الخفيف في المدينة.
وأشار إلى أن ذلك يأتي ضمن مشروع توسيع حدود بلدية القدس لتصبح أكثر من 10 في المئة من مساحة الضفة الغربية، موضحاً أن التجمع يقع في الريف الغربي لبيت لحم على 73 كم مربع من أراضي محافظة بيت لحم، مما يشكل 11 في المئة من مساحة بيت لحم.
وكرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصميمه على ضم تجمع غوش عصيون الاستيطاني إلى إسرائيل.
وخلال زيارته التجمع في عام 2019 إثر إعلان إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب أن المستوطنات "غير مخالفة للقانون الدولي"، قال نتنياهو "أعترف بأنني أشعر بانفعال كبير... نحن موجودون هنا في غوش عصيون الذي طردنا منه إبان حرب الاستقلال وها نحن في هذا اليوم التاريخي حيث تم تحقيق إنجاز عظيم لدولة إسرائيل، وقد عملنا على تحقيقه على مدار فترة طويلة".
ويضم التجمع الاستيطاني معسكراً للجيش الإسرائيلي، ومركز اعتقال تابع له، حيث يحتجز فيها الفلسطينيون بشكل موقت.
ويعتبر مفرق تجميع عصيون الاستيطاني ميدانياً لقتل الشبان الفلسطينيين بسبب محاولتهم دعس وقتل الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، حيث قتل العشرات من الجانبين خلال السنوات الماضية.
وفي يونيو (حزيران) من عام 2014 اختطف مسلحون فلسطينيون ثلاثة مستوطنين من المفرق، لكنهم قتلوهم بعد ساعات على اختطافهم شمال الخليل.
وبعد ثلاثة أشهر، قتل الجيش الإسرائيلي فلسطينيين اثنين من الخليل اتهمهما بخطف وقتل المستوطنين الثلاثة.