Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثلاثية "الحياد والجيش والسيادة" توتر العلاقة بين "حزب الله" وبكركي

مصادر الراعي تتخوف من الهدف الحقيقي للحزب بتحويل لبنان إلى "دويلة" تابعة لإيران

حشود في بكركي في 27 فبراير 2021 دعماً لدعوة البطريرك الماروني لحياد لبنان (أ ف ب)

ملخص

التباين في المواقف والاختلاف في وجهات النظر بين بكركي و"حزب الله"، يتفاقم منذ أن طرح البطريرك الماروني سياسة الحياد والابتعاد عن سياسة المحاور

عند انتخاب بشارة الراعي بطريركاً للكنيسة المارونية خلفاً للبطريرك نصر الله صفير في 15 مارس (آذار) 2011، انتهت القطيعة الطويلة التي كانت سائدة بين "حزب الله" وبكركي، لكن العلاقة بينهما سرعان ما عادت لتتأرجح بين الودية والبروتوكولية بفعل اختلافات كانت تعالج عبر جلسات "حوار" للتفاهم على قضايا وطنية. فإن تلك الجلسات لم تمنع وقوع مراحل من القطيعة بين الطرفين عند أكثر من مفصل وظرف، وصولاً إلى حملات "التخوين" التي بلغت أخيراً حد اتهام البطريرك بالعمالة لإسرائيل.

يعود الإشكال الأول في العلاقة بين "حزب الله" وبكركي، إلى الزيارة التي قام بها الراعي إلى الأماكن المسيحية المقدسة في إسرائيل برفقة بابا الفاتيكان فرانسيسكو الأول في جولة رعوية ودينية بين 24 و26 مايو (أيار) 2014، إذ وصفها الحزب بـ"الخطيئة التاريخية" و"السابقة الخطيرة" على صعيد التطبيع مع إسرائيل كونها أول زيارة لشخصية دينية ورسمية لبنانية إلى الدولة التي تصنفها بيروت "عدواً"، مما دفع الحزب لمقاطعة البطريركية المارونية لعدة أشهر قبل استئناف العلاقات مجدداً.

انقلاب على الدستور

وطيلة المرحلة السابقة، شهدت العلاقة بين الطرفين تذبذبات عديدة تأخذ منحىً "تصعيدياً" بصورة أو بأخرى، كان أبرزها دعوة الراعي الشهيرة في مارس 2021 إلى "الحياد" وصولاً إلى طرحه "تدويل" الملف اللبناني في مواجهة "الجمود" المهيمن على البلاد، محملاً "حزب الله" المسؤولية كونه يربط لبنان بالمحور الإيراني مما أدى إلى عزلة دولية للبلاد. إثر ذلك، رد أمين عام الحزب حسن نصرالله​ بتوجيه سهام مباشرة إلى الراعي، رافضاً طرح "الحياد" الذي وضعه في مصاف استدعاء للحرب الأهلية.

وتعزز الشرخ بعد "الحشد" الشعبي الذي شهدته ​بكركي​ في 27 فبراير (شباط) 2021، بمباركة الراعي الذي حمل في خطتبه رسائل "نارية" إلى الحزب، تجاوزت "الحياد"، لتعيد فتح ​النقاش​ حول ​السلاح​ والشرعية، مطالباً اللبنانيين بعدم السكوت عن تجاوزات الحزب الذي وصفه حينها بالميليشيات الخارجة عن الشرعية متحدثاً عن انقلاب على الدستور وعلى اتفاق الطائف.

"دويلة" إيرانية

وفي السياق، كشف مصدر مقرب من البطريركية المارونية، أن التوتر الذي تشهده العلاقة مع "حزب الله" سببه رفض الحزب ثلاثية "الحياد والجيش والسيادة"، ومصادرته حق المكونات اللبنانية في الشراكة وتقرير مصير البلاد، متهماً الحزب وحلفائه بمنع انتخاب رئيس للجمهورية منذ سنة ونصف السنة، والإصرار على جر البلاد إلى حرب لا تصب في مصلحة اللبنانيين ومن دون أن يأخذ في الاعتبار الأطر الرسمية ودور الحكومة في قرارات الحرب والسلم.

وتخوف المصدر من أن يكون الهدف الحقيقي للحزب تحويل لبنان إلى "دويلة" تابعة لإيران، من خلال المساهمة بضرب المؤسسات الشرعية وإعاقة أي إصلاحات تعيد الاستقرار إلى البلاد، لا سيما أن الحزب هو من يمسك المنافذ الحدودية حيث يسود تهريب البضائع والسلع والأشخاص، الأمر الذي يتسبب بأضرار اقتصادية ومخاطر أمنية كبيرة على لبنان.

المربع الأول

وشهدت العلاقة أيضاً مزيداً من التشنج على خلفية توقيف مطران الموارنة في حيفا والأراضي المقدسة المطران موسى الحاج، في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، على الحدود اللبنانية الإسرائيلية أثناء قدومه إلى لبنان، واتهامه بالتعامل مع إسرائيل على خلفية نقله تبرعات أثناء الأزمة الاقتصادية من لبنانيين مبعدين إلى إسرائيل لذويهم في لبنان، الأمر الذي أعاد القطيعة بين الطرفين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد تصعيد وتوتر واتهامات بين الجانبين، أنهى "حزب الله" القطيعة مع البطريركية المارونية بشكل رسمي في الثالث من يناير (كانون الثاني) 2023، بزيارة رئيس المجلس السياسي للحزب إبراهيم أمين السيد إلى بكركي، من دون التطرق لملفين خلافين بين الطرفين، هما ملف "الحياد" والمؤتمر الدولي في شأن لبنان، اللذين طرحهما الراعي سابقاً.

إلا أن العلاقة عادت إلى المربع الأول من القطيعة في مطلع الـ2024، بعد حملة "التخوين" التي شنت ضد البطريرك على خلفية تصريحات انتقد فيها بشكل ضمني سياسات "حزب الله" "الفاشلة وثقافة الموت التي لم تجر سوى الانتصارات الوهمية"، الأمر الذي أثار ردود فعل شعبية وسياسية داعمة لبكركي ورافضة لسياسة التخوين التي دأب الحزب على استهداف أي مرجع ديني أو سياسي في لبنان عبرها، لمجرد إبداء موقف أو رأي مناهض له.

منطلق وطني

وفي هذا السياق يؤكد رئيس "تجمع موارنة من أجل لبنان" بول كنعان، أن تصعيد الحزب تجاه بكركي والكنيسة غير مقبول على الإطلاق، لافتاً إلى أن البطريرك "له دوره وموقعه ويجب الإصغاء إليه والحوار معه، عوضاً عن التصعيد الذي نرفضه وندينه بشكل صريح وخصوصاً عمليات التنمر، فذلك غير مقبول على الإطلاق".

وقال كنعان، "نحن نقوم بدورنا تجاه أهلنا في في الجنوب وعلى الحدود الإسرائيلية من منطلق وطني لا طائفي، فضلاً عن أن البطريرك الراعي ضنين على كل اللبنانيين لا على المسيحيين فحسب، وما حصل مستنكر ويجب ضبطه والإصغاء إلى الحوار والتواصل لأن البطريرك الماروني داعية حوار".

عودة التواصل

في المقابل، أوضح الصحافي والكاتب السياسي قاسم قصير، أن مواقف الراعي في عظته الأخيرة شكلت صدمة لدى جمهور كبير في البيئة القريبة من "حزب الله" والبيئة الجنوبية، الأمر الذي أدى إلى ردود فعل كانت قاسية أحياناً، مشيراً إلى أن الحزب عمم على المسؤولين لديه بعدم التعليق وعدم إصدار أي موقف في شأن هذه الأمور، وكاشفاً عن مساع تبذل لترتيب العلاقة ولاستيعاب كل هذه الحملات، لأنه لا خيار إلا بالحوار الوطني الداخلي سواء لمواجهة الحرب الإسرائيلية على لبنان أو لأجل تنظيم الوضع اللبناني الداخلي.

وبين قصير أننا أمام مرحلة دقيقة ومصيرية تحتاج إلى مزيد من العقلانية والهدوء لمواكبة الأمور، وطبعاً البطريرك معني بالأخذ بعين الاعتبار بيئة الحزب وجمهوره في جنوب لبنان الذي يواجه تحديات كبرى، مؤكداً أن العلاقة بين "حزب الله" والراعي ستعود إلى طبيعتها الجيدة مع وجود تواصل وحوارات بينهما.

مواجهة الحزب

من جانبه، يوضح المخرج والكاتب يوسف الخوري أنه "منذ بداية حرب غزة ومواقف الراعي التضامنية مع شعب تلك المنطقة هي الأعلى بين كل المواقف بما فيها تلك الصادرة عن الفلسطينيين أنفسهم، ومع ذلك خونوه"، متسائلاً "كيف بالحري حين يطلق موقفاً يدعو في أبعاده إلى عدم توريط لبنان بحرب تضامنية مع غزة؟".

وذكر الخوري يوم بدأ البطريرك بطرح مشروع حياد لبنان، قائلاً إنه قدم الحياد مع التشديد على الالتزام بالقضية الفلسطينية، متجاوزاً، بما لا يقبله المنطق، كل المفاهيم الدستورية والقانونية من أجل تلك القضية، ومن أجل إرضاء اللبناني الآخر، ومع ذلك تم تخوينه.

واعتبر الخوري أن الدفاع عن لبنان بوجه سيطرة "حزب الله" ليس خيانة، لافتاً إلى أن "الحزب مأزوم إلى درجة أنه لا يحتمل انتقاداً بسيطاً، ومن واجب بطريرك الموارنة المناداة بتحرير لبنان واستعادة سيادته".

"تطويع البطريرك"

بدوره، يرى مؤسس "دار الحوار" بشارة خيرالله، أن الحملة التي يتعرض لها الراعي غير مقبولة من الناحية الأخلاقية وغير مبررة، معتبراً أن "البطريرك لم يتوجه لأحد إلا بكل إخلاص ووطنية وأمانة"، ومشدداً على أنه أصاب عمق المشكلة التي يعانيها فريق "حزب الله" عندما تحدث عن ثقافتين مختلفتين، ثقافة الحياة التي ناشد بها وثقافة الموت التي عبر عن رفضها، وهو تعبير مقتبس من أفكار جاءته من المواطنين الذين يزورونه.

وتابع خيرالله أن "هذا الفريق يسعى لتطويع البطريرك من خلال ما يعرف بالزيارات التي يحاول الحزب أن يفتحها معه عبر وسطاء، كي يتناول البطريرك في عظاته ما يناسب مشروع هذا الفريق، وهذا المشروع التدميري لن ينجر إليه البطريرك"، مشيراً إلى عندما يصدر كلام من بكركي لا يتناسب ومصلحة الحزب نرى الهجوم الشرس على تلك المؤسسة الدينية.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات