Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

5 إشاعات أصابت "اتفاقية لوزان" التي أسست تركيا الحديثة

استناداً إلى الوثيقة المكتوبة باللغة العثمانية وتتكون من 143 بنداً ومقدمة وأربعة فصول

وقعت الاتفاقية عام 1923 (اندبندنت عربية)

ملخص

"اندبندنت عربية"، تقصت حقيقة بنود الاتفاقية، وفندت الإشاعات المنتشرة حولها، من خلال البحث بالوثائق العثمانية والتركية والفرنسية والبريطانية.

 

مع نهاية 2023، احتفلت تركيا بالذكرى المئة لتأسيس "الجمهورية التركية"، إذ تأسست تركيا الحديثة بعد اتفاقية لوزان التي وقعت في فندق "بوريفاج بلاس" بمدينة لوزان جنوب سويسرا، وخلال السنوات الماضية تداول على نطاق واسع، معلومات وإشاعات غير حقيقية حول الاتفاقية.

"اندبندنت عربية"، تقصت حقيقة بنود الاتفاقية، وفندت الإشاعات المنتشرة حولها، من خلال البحث بالوثائق العثمانية والتركية والفرنسية والبريطانية، علماً أن الاتفاقية كتبت في تركيا بالأبجدية العثمانية قبل تغييرها إلى الحروف اللاتينية عام 1928.

ما هي اتفاقية لوزان؟

هي وثيقة صلح تمخضت عن مؤتمر لوزان الذي افتتح في نوفمبر (تشرين الثاني) 1922 بين تركيا، وبريطانيا وفرنسا واليونان وبقية دول الحلفاء (يوغوسلافيا ورومانيا واليابان)، وتتكون من 143 بنداً ومقدمة وأربعة فصول.

بعد تعثر المفاوضات مرات عدة، توصل الأطراف إلى صيغة نهائية للاتفاقية، ووقع عليها في 24 يوليو (تموز) 1923، وألغيت بمقتضاها معاهدة سيفر الموقعة عام 1920، وسوّت الاتقافية الجديدة الوضع النهائي لمنطقة الأناضول والقسم الأوروبي من تركيا، وأدت إلى اعتراف دولي بالجمهورية التركية.

في المقابل، انتشرت إشاعات كثيرة حول الاتفاقية، وسنحاول في هذا التقرير، تفنيد أكثر خمس إشاعات منتشرة حولها.

 دولة علمانية

حصلت "اندبندنت عربية" على وثيقة للمادة 38 من اتفاقية لوزان باللغة العثمانية، وبحسب الترجمة الحرفية، يفيد النص "تتعهد الحكومة التركية بضمان الحماية الكاملة والتامة للحياة والحرية لسكان تركيا من دون تمييز بين المولد أو الجنسية أو اللغة أو العرق أو الدين، ويحق لجميع سكان تركيا أن يمارسوا بحرية سواء في الأماكن العامة أو الخاصة أي عقيدة أو دين أو معتقد لا يتعارض احترامها مع النظام العام والأخلاق الحميدة".

وفي هذا الصدد، يقول رئيس تحرير "اندبندنت تركية"، محمد زاهد غول، إن "اتفاقية لوزان لا تنص لا من قريب أو بعيد على أي شيء يخص الدولة التركية في ما يتعلق بشكل نظام الحكم أو هيكليتها الإدارية، لوزان معاهدة صلح تتعرض للمسائل الخلافية بين الأطراف المعنية، والدول العظمى في ذلك الوقت بما فيها بريطانيا، لم تكن تهتم بعلمانية الدولة بشكل أساسي، بل بالعكس تماماً حتى بعد تأسيس الجمهورية التركية عرض البريطانيون بشكل مباشر إبقاء منصب الخليفة".

 

ويضيف "علمنة تركيا كانت إرادة سياسية للمؤسسين بمن فيهم مصطفى كمال أتاتورك، حيث كانت العلمانية هي الحل في سياق تأسيس الدول الوطنية الحديثة بالمعايير الأوروبية، فذهب أتاتورك إلى هذا الخيار كخيار ينهض بتركيا ولم يكن مطالب به في اتفاقية لوزان، وكانت هناك عروض غربية وضغوط مباشرة على أتاتورك لإبقاء منصب الخلافة في إسطنبول".

رسوم مضيق البوسفور 

ورد في المادة 23 من الاتفاقية، النص التالي (تُرجم من العثمانية إلى العربية)، "اتفقت الأطراف السامية المتعاقدة على الاعتراف بمبدأ حرية المرور والملاحة عن طريق البحر والجو، وفي وقت السلم كما في زمن الحرب، في كل من مضيق البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة".

وفي عام 1936، ألغيت هذه المادة من اتفاقية لوزان، واستبدلت بمعاهدة جديدة حملت اسم "اتفاقية مونترو"، نظمت المضائق التركية، وسمحت لتركيا بإعادة تسليح المضائق، وفي 11 ديسمبر (كانون الأول) 1936 سُجلت في مجموعة معاهدات عصبة الأمم، ولا تزال سارية المفعول، وقد فعلتها تركيا بعد الحرب الروسية- الأوكرانية حيث منعت السفن الحربية من المرور عبر المضائق، وكانت أحد الأوراق التي منحت تركيا دوراً أكبر في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا.

إذاً وكما ورد في الوثيقة الخاصة المرفقة، لا يوجد ما ينص على أن تركيا لا يمكنها فرض رسوم على السفن التي تعبر مضائقها حتى عام 2023، والأهم أن عام 2023 قد انتهى ولم يتغير شيء بخصوص اتفاقية لوزان.

تمنع الاتفاقية تركيا من التنقيب عن النفط 

تفيد الإشاعات الرائجة بأن تركيا بموجب اتفاقية لوزان ستتمكن من البدء في التنقيب عن النفط والغاز بعد توقيع الاتفاقية بمئة عام، أي أنه لا يمكن لتركيا التنقيب عن النفط والغاز قبل عام 2023، لكن بالرجوع إلى البيانات الرسمية التركية، نجد أنه بحسب المديرية العامة لمؤسسة البترول التركية، فإنه عام 1999 بلغ الإنتاج اليومي من النفط 59 ألف برميل، وارتفع عام 2020 إلى 64 ألف برميل، وارتفع في عام 2021 إلى 69 ألف برميل يومياً، وهذا يعني أن تركيا تنقب بالفعل عن الثروات الباطنية منذ سنين، إضافة إلى كل ذلك، لا يوجد في جميع بنود معاهدة لوزان أي ذكر لمنع تركيا عن التنقيب.

 

من جهتها، ذكرت رئاسة الجمهورية التركية في أبريل (نيسان) 2022 أنه لا يوجد في اتفاقية لوزان ما يمنع تركيا من التنقيب عن الثروات الباطنية أو غيرها.

بنود سرية لاتفاقية لوزان

إشاعة انتشرت بكثرة خلال السنوات الماضية، بأن لوزان تحتوي على بنود سرية، وهو ما تأكد نفيه من مصادر متعددة ومختصين. أحد أهم النقاط التي تنفي هذا الادعاء، أن مبادئ ويلسون الـ 14 التي تم عليها تأسيس "عصبة الأمم" في يناير (كانون الثاني) 1918 تنص على أنه "لا يمكن أن تكون هناك بنود سرية في المعاهدات الدولية، ولا يمكن تنفيذها سراً بأي شكل من الأشكال".

من جهتها، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تقريراً تنفي فيه وجود بنود سرية لمعاهدة لوزان، أو أن المعاهدة ستنتهي بعد 100 عام من توقيعها.

وفي هذا السياق يقول الصحافي التركي محمد زاهد غول، إن كل البنود والمحاضر المتعلقة بها منشورة بكل شفافية وموجودة في كل أرشيفات الدول المعنية. ويضيف "لمن يدعي خلاف ذلك يجب عليه إثباتها بالبينة وليس بناء على القيل والقال التي لا تصمد أمام الحقيقة والوثائق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد اطلاعنا على كامل بنود اتفاقية لوزان، وتمكن "اندبندنت عربية" من الوصول إلى محاضر الاجتماعات والمفاوضات التي حصلت قبل توقيع الاتفاقية، لم يرد في أي منها وقت محدد لانتهاء الاتفاقية.

لوزان والدول العربية

اتفاقية لوزان كانت بين الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وبين تركيا، ولم تكن الدول العربية طرفاً في هذه المعاهدة، لكن الاتفاقية نصت على تنازلات تقدمها تركيا عن حقوق وامتيازات، وفي ما يلي ترجمتها الحرفية.

تنص المادة 17 من الاتفاقية، على أن تتنازل تركيا عن جميع الحقوق والامتيازات التي حصلت عليها بعد 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 1914، في كل من مصر والسودان.

في المقابل، تنص المادة 22 على اعتراف تركيا بالإلغاء النهائي لجميع الحقوق والامتيازات التي تتمتع بها في ليبيا. أما المادة 29 تنص على أن يتمتع التونسيون والمغاربة الذين هم رعايا فرنسيون، في تركيا بنفس معاملة المواطنين الفرنسيين من جميع النواحي، كما يتمتع الليبيون الذين هم رعايا إيطاليون، في تركيا بنفس معاملة المواطنين الإيطاليين في جميع النواحي.

قضية الموصل

في سياق متصل، اطلعت "اندبندنت عربية" على خريطة لمدينة الموصل تعود إلى عام 1903، وأثناء البحث في قضية الموصل في الأرشيف العثماني الموجود في مكتبة السليمانية بإسطنبول، تبين أن المدينة كانت ولاية تابعة للدولة العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى قبل أن يحتلها البريطانيون في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 1918.

بعد ذلك حاولت تركيا استعادتها، لكن المفاوضات في ذلك الوقت التي أسفرت عن عدة اتفاقيات رحلت قضية الموصل إلى معاهدة لوزان، وهناك لم يتوصل الأطراف إلى اتفاق بخصوصها، فرحلت القضية إلى مفاوضات لاحقة بين "الجمهورية التركية" المعترف بها حديثاً، وبين بريطانيا نيابة عن العراق كونه كان آنذاك تحت الانتداب البريطاني.

 

 

بعد مفاوضات استمرت نحو ثلاث سنوات، وإرسال عصبة الأمم لجنة تحقيق في قضية الموصل، توصلت الأطراف واللجنة الأممية إلى أن الموصل مدينة عراقية، ورسمت حدودها مع تركيا.

اضطرت إسطنبول للموافقة على قرار لجنة عصبة الأمم، وتوصلت لاتفاق مع البريطانيين عام 1926، يقضي بأن الموصل مدينة عراقية، على أن تقدم الحكومة العراقية لتركيا إتاوة بقيمة 10 في المئة من نفط الموصل لمدة 25 سنة.

الحدود السورية - التركية

كما هي الحال في وضع مدينة الموصل، لم تتوصل الأطراف في اتفاقية لوزان إلى حل بخصوص الحدود التركية مع سوريا، وبما أن دمشق آنذاك كانت تحت الانتداب الفرنسي، جرت مناقشات بين الفرنسيين والأتراك، توصلت لاتفاقية حملت اسم "اتفاقية أنقرة الثانية" وقعت في 30 مايو (أيار) 1926 بين الحكومة التركية والمفوض السامي الفرنسي في سوريا هنري دي جوفينيل، ورُسّمت بموجبها الحدود السورية- التركية في ثلاثة قطاعات: من البحر الأبيض المتوسط إلى محطة "ﭽوبان بي"- ومن محطة "ﭽوبان بي" إلى منطقة نصيبين، ومن نصيبين إلى جزيرة "ابن عمر".

 

 

لكن بعد قرب استقلال سوريا، وبترتيب فرنسي- تركي، وقرار من عصبة الأمم المتحدة حوّلت ملكية لواء إسكندرون إلى تركيا في يوليو (تموز) 1939، وهو ما لا تعترف به سوريا حتى الآن، وتعتبر إسكندرون أرضاً سورية، بخلاف القرارات الدولية التي تعترف بسيادة تركيا على اسكندرون وهاتاي.

ومنذ 2016 شنت تركيا عدة عمليات عسكرية على الشريط الحدودي داخل الأراضي السورية، ضد كل من تنظيم "داعش" و"حزب العمال الكردستاني"، وفي 2020 خاضت معارك مع القوات السورية انتهت بتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في موسكو بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، ولا تزال سارية حتى اليوم.

 

في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في شمال سوريا، عيّنت أنقرة والٍ على المنطقة، وقدمت خدمات للسكان المحليين، وباشرت بتعليم اللغة التركية، وفتحت مراكز للبريد التركي وخطوط هواتف تركية، كما يستخدم سكان المنطقة الليرة التركية في معاملاتهم اليومية.

خلاصة

نصت بنود اتفاقية لوزان على استقلال تركيا وترسيم حدودها، وحفظ حقوق الأقليات فيها، كما رتبت علاقاتها بدول الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وتضمنت تنازل الدولة التركية النهائي عن ادعاء أي حقوق سياسية ومالية وأي حق سيادي في الشام والعراق ومصر والسودان وليبيا وقبرص، في المقابل ضمنت إسطنبول اعترافاً دولياً بسيادتها واستقلالها.

كانت معاهدة لوزان، "وثيقة اعتراف بسيادة تركيا واستقلالها"، ولا يوجد أي مجال بأن تكون في المعاهدة بنود سرية أو "مؤامرة"، أو أنها تنتهي بزمن معين.

المزيد من تحقيقات ومطولات