ملخص
في وقت يتم الحديث عن إمكانية التوصل الى هدنة في غزة يتبين أن إسرائيل لا تريد شمولها جبهة جنوب لبنان، فيما يصر "حزب الله" على رفض البحث في رئاسة الجمهورية أو ترتيبات أمنية أو التفاوض من دون وقف إطلاق نار في القطاع
لم تنجح اللجنة "الخماسية" العربية – الدولية حتى الآن بمهمة فك الارتباط بين ملف التوتر في جنوب لبنان وملف الرئاسة اللبنانية، واصطدمت المحاولة الأخيرة برفض "الثنائي الشيعي" طروحات التوافق على مرشح ثالث بعد تنازل فريقي "الممانعة" والمعارضة عن مرشحيهم إفساحاً للمجال أمام مناقشة أسماء تستوفي الشروط التي كانت قد أعلنت عنها "المجموعة الخماسية" (الدول الخمسة المتابعة لملف الرئاسة في لبنان، وهي، السعودية وفرنسا والولايات المتحدة وقطر ومصر) باجتماع الدوحة في 17 يوليو (تموز) 2023.
وتتقاطع المعلومات التي رشحت عن أكثر من مصدر دبلوماسي عربي وغربي وعدد من السياسيين اللبنانيين، أن الملف الرئاسي أصبح مرتبطاً بشكل كبير بتطورات الأحداث في جنوب لبنان، وأنه لا يمكن انتخاب رئيس قبل انقشاع الرؤيا حول كيفية الوصول إلى تسوية شاملة مرتبطة بالأثمان التي يسعى إليها "حزب الله" مقابل قبوله بوقف الاشتباكات وتطبيق القرار الدولي 1701 بصيغته القائمة أو عبر إدخال بعض التعديلات عليه.
وفي حين هدد مسؤولون إسرائيليون في مقدمهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أكثر من مرة في الآونة الأخيرة بشن حرب مدمرة على لبنان بحال عدم تراجع الحزب إلى ما وراء نهر الليطاني، برز تصريح رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي خلال استقباله "جمعية الإعلاميين الاقتصاديين" في السراي الحكومي ببيروت، إذ قال إن "الوضع في الجنوب لا يخلو من الحذر، لكن الأمور تتجه إلى نوع من الاستقرار الطويل الأمد"، معتبراً أن لبنان يقف اليوم أمام خيارين "إما الاستقرار الدائم الذي يشكل إفادة للجميع وإما الحرب التي ستشكل خسارة لكل الأطراف". وأضاف ميقاتي "كل الرسائل التي أتوجه بها إلى الموفدين الخارجيين وجميع المعنيين أننا طلاب أمن وسلام واستقرار دائم في الجنوب". وقال "نحن مع تطبيق القرار 1701 كاملاً، ونريد خطة لدعم الجيش بكل المقومات... أتمنى أن تنتهي هذه المرحلة الصعبة بالتوصل إلى الاستقرار الدائم».
وفي رد على سؤال حول المبادرة الفرنسية، لفت ميقاتي إلى أن لبنان لم يتبلغ من الجانب الفرنسي ورقة رسمية، "بل ورقة أفكار طلبوا الإجابة عنها". وأشار إلى أن الاتصالات مستمرة في هذا الصدد وأنه سيعقد لقاءات مع مسؤولين دوليين خلال مشاركته في "مؤتمر ميونيخ للأمن" يومي الخميس والجمعة المقبلين من بينهم الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، لمعرفة الجديد حول مسار التهدئة وإعادة الاستقرار.
رفض المبادرات
وتشير المعلومات الى أن "حزب الله" رفض أكثر من صيغة تتعلق بالترتيبات التي تؤدي إلى وقف إطلاق النار في الجنوب رغم تكبده خسائر فادحة، حيث قدمت الولايات المتحدة مقترحاً يقضي بابتعاد الحزب عن الحدود الإسرائيلية مقابل معالجة النقاط الـ13 العالقة بين الجانبين، إضافة إلى وضع منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا تحت إدارة قوات السلام الدولية كونها حدوداً عالقة بين لبنان وسوريا.
كذلك لم يكن الرد الأولي إيجابياً على مقترح "الورقة الفرنسية" التي تم تسليمها للحزب عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري، على رغم أنها تنص على مساعدة دولية للجيش اللبناني حتى يتمكن من تطويع حوالى 7 آلاف جندي لنشرهم على الحدود الجنوبية وإضافة 800 عنصر من الكتيبة الفرنسية إلى عديد قوات حفظ السلام الدولية (اليونيفيل) لمؤازرة الجيش اللبناني على تنفيذ مهماته.
وتؤكد المعلومات أن مسؤولين من "حزب الله" التقوا وفدين استخباراتيين، فرنسي وألماني، قبل أسابيع لبحث أفكار وطروحات لتهدئة الأوضاع الأمنية في جنوب لبنان واحتواء الأخطار التي قد تهدد بالانزلاق إلى توسيع الحرب لتشمل جميع المناطق اللبنانية، ورفض الحزب الموافقة على الأفكار المقدمة وأصر على اعتماد سياسة "الصبر" إلى حين حلول اللحظة الإقليمية المناسبة للتسوية، الأمر الذي أكده الأمين العام للحزب حسن نصرالله عبر رفضه جميع الأفكار التي قُدمت لتنفيذ القرار الدولي 1701 سواء بالطرق الدبلوماسية أو تحت وقع التهويل والتهديد.
ثمن الاستقرار
وبرأي مصادر سياسية لبنانية عدة، فإن رفض الحزب لكل تلك المبادرات والتذرع بوقف إطلاق النار في غزة أولاً، سببه بواقع الأمر هو كون أن جميع تلك الطروحات لم تتضمن المقايضة التي يريدها في ملف الرئاسة اللبنانية، ومن بعدها التوازنات في الحكومة المقبلة، التي تضمن استمرار وضع يده على النظام اللبناني بضوء أخضر دولي، مشيرة إلى أن تلك المبادرات، لو تحققت، للبنان مصلحة كبرى فيها.
وتلفت المصادر عينها إلى أنه بخلاف الموقف المعلن، الذي يهدف إلى محاكاة الجماهير الحزبية، فإن الحزب يستتر وراء التشدد برفض أي تسوية قبل التوصل إلى حل في غزة، فيما هو مستعد لتقديم أي تنازل في الجنوب في حال حصل على المقايضة التي ينتظرها، لا سيما لناحية وصول مرشحه سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية.
سلة متكاملة
في المقابل يحرص قياديو "حزب الله" على التأكيد على عدم وجود أي نوع من المقايضة مقابل تهدئة التوترات في جنوب لبنان، لا سيما في قضية رئاسة الجمهورية، حيث يلفت نائب الأمين العام لـ"حزب الله"، نعيم قاسم، إلى أنه "ما لم تتوقف الحرب في غزة فلا يمكن أن تتوقف في لبنان"، مؤكداً أنه "لا ربط للاستحقاقات السياسية، سواء كانت مسألة رئاسة الجمهورية أو غيرها، بما يجري في الجنوب، ولا توجد مقايضة بين ما يجري في الجنوب وأي استحقاق سياسي".
ويشير المحلل السياسي داود رمال، إلى أن "الاستحقاق الرئاسي اللبناني غير مرتبط بالوضع في الجنوب وغزة"، معتبراً أن "الدول تتعاطى مع الاستحقاق الرئاسي في لبنان من زاوية تقطيع الوقت، والقيام بعمليات استطلاع من دون تقديم طرح جدي وعملي". ويرى رمال أن "سبب فشل اللجنة الخماسية هو تضارب الآراء في ما بينها"، وأنها ما زالت عند البيان الذي صدر في أعقاب اجتماع على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي حدد مواصفات رئيس الجمهورية، مؤكداً أن "الاستحقاق هو سلة متكاملة مع استحقاقات أخرى، ولا يمكن إنجازه منفرداً من دون حدوث تفاهم شامل على بقية الأمور السياسية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المعارضة بالمرصاد
من جهته، يرى النائب المعارض أشرف ريفي، أن "حزب الله بات في مرحلة الانحدار السياسي ويستشعر تفلت البلاد من قبضته بشكل تدريجي"، كاشفاً أن "المعارضة استطاعت فرملة اندفاعة الحزب نحو الاستمرار بالسيطرة على البلاد ومنعته من إيصال مرشحه سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية"، مؤكداً أنه "حتى ولو استطاع الحزب التوصل إلى مقايضة معينة مع المجتمع الدولي حول موضوع الرئاسي، إلا أن تمريرها في المجلس النيابي سيواجه بشكل حاسم، لا سيما أن التوازنات النيابة لا تصب بمصلحة الحزب".
بدوره اعتبر النائب عن حزب "الكتائب" سليم الصايغ، أن "حزب الله هو من بادر إلى خرق القرار الدولي 1701 في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عبر إعلانه فتح حرب إشغال الجيش الإسرائيلي لتخفيف الضغط عن غزة"، كاشفاً أن الموفد الأميركي آموس هوكشتاين يعتمد نظرية فكفكة المسائل الواحدة تلو الأخرى، فطرح موضوع الحدود والنقاط المتنازع عليها لربما يكون مدخلاً إلى حلحلة الأمور الأخرى".
وجزم الصايغ بأنه "لا مقايضة بين غزة وبيروت، ولا مقايضة بين أمن الحدود ورئاسة الجمهورية"، إذ إن إعطاء الرئاسة للحزب هو كمن يسلّم شرقي المتوسط إلى طهران، وهذا قرار أكبر بكثير من عملية سياسية دستورية في لبنان"، لافتاً إلى أنه "لم نستشف أي نية عند أي دولة لإعطاء أثمان للحزب"، معتبراً أن "الثمن الوحيد الذي يستطيع أن يربحه هو أن يربح نفسه، وأن ينكفئ تطبيقاً للقرارات الدولية".
تفاهمات إيرانية - أميركية
وفي دلالات زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى بيروت، كان بارزاً إعلانه عن وجود تواصل مع أميركا التي طلبت من طهران التدخل لدى "حزب الله" لمنع توسّع الحرب في الجنوب، الأمر الذي طرح تساؤلات حول تفاهمات أولية بين واشنطن وطهران حول تسوية إقليمية يكون لبنان جزءاً منها.
هذه الأجواء اعتبرت مصادر في المعارضة أنها قد تكون في سياق محاولات ربط جبهة جنوب لبنان بأي تطورات إيجابية تحصل في غزة، لا سيما الحديث عن اقتراب التوصل إلى هدنة طويلة، حيث تخشى طهران من تلويح القادة الإسرائيليين بعدم سريانها، كما جرى خلال الهدنة الأولى، على جنوب لبنان، فيما تنشط المفاوضات بين واشنطن وطهران رغم تزامنها مع مواجهات البحر الأحمر وتبادل القصف في العراق، وسوريا، وشمال الأردن.
وتتقاطع هذه الأجواء مع معلومات يجري تداولها عن ترتيبات تتضمن تطبيق القرار 1701 وتعزيز وجود الجيش اللبناني في الجنوب إلى جانب تفاهمات تتعلق بالداخل اللبناني، لا سيما بانتخاب رئيس وإعادة تكوين السلطة، إلا أن نجاحها يصطدم برفض الحكومة الإسرائيلية، تُرجم عبر تطيير اتفاق باريس حول الهدنة وتبادل الأسرى، وكذلك بالتوتر المستمر بين حكومة نتنياهو وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
يُذكر أنه لطالما وجّه نتنياهو تهديدات باتجاه لبنان و"حزب الله"، وقال أثناء جولة ميدانية أجراها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لتقييم الوضع على الجبهة الشمالية، "إذا شن حزب الله حرباً شاملة فإنه سيحول بيروت وجنوب لبنان إلى غزة وخان يونس".
كما سبق وحذر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، خلال جولة على الحدود مع لبنان، الحزب من ارتكاب "خطأ فادح"، مشدداً على أن "حزب الله يجر لبنان نحو حرب قد تقع، واللبنانيون سيدفعون الثمن".
كما أضاف غالانت "سكان بيروت قد ينتهي بهم الأمر إلى وضع سكان غزة، وعدوانية حزب الله لم تعد مجرد استفزاز".