"عندما يتعلق الأمر بحجز مقعد البيت الأبيض الوثير، فإن أي ثمن يهون"، تلك هي المقولة التي يرددها الجميع سراً أو علانية. ولذلك يجاهد المتسابقون في تقديم القرابين، فغزا بوش الابن العراق، وقتل أوباما بن لادن، ونالت غارات ترمب من قاسم سليمان وأبي بكر البغدادي، قبل أن يباغته كورونا ويسرق منجزاته الاقتصادية الأكثر وقعاً.
لكن في حالة الرئيس الحالي جو بايدن، فإن الأثمان المرشحة لانتخابه مجدداً، ليس لأي منها بريق يماثل إحراز تقدم في قضية تاريخية أتعبت من قبله لعقود، هي الصراع بين العرب وإسرائيل، خصوصاً من بوابة التطبيع بين الرياض وتل أبيب، الذي قال بايدن نفسه إنه قبل بضع سنوات يشك السامع في عقل من يتحدث عن إمكانه.
لكن اصطدام المنطقة والبيت الأبيض بوجه خاص بتفجر الصراع في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حمل معه تهديداً من جوانب عدة ليس للصفقة المرتقبة وحسب، ولكن أيضاً لفرص بايدن في التجديد، نظير تعقد المشهد في الشرق الأوسط الذي ألقى بظلاله على الداخل الأميركي، ولا سيما من جهة الناخبين اليهود والعرب والمسلمين.
الرئيس بايدن بحاجة إلى الاتفاق
في هذا السياق تقول الباحثة الأميركية المتخصصة في شؤون البيت الأبيض مرح البقاعي "الرئيس بحاجة إلى إنجازات مهمة قبيل الانتخابات، وهكذا اتفاق سيسهم في تضييق الهوة التي حدثت في دعم الناخبين له نتيجة سياسات داخلية وخارجية أيضاً"، مشيرة إلى أن "التوافق السعودي - الأميركي الأخير الذي كان نتيجة محادثات على أعلى المستويات السياسية والعسكرية والأمنية بين البلدين أنتج مشروع اتفاق متكامل أحد بنوده هو اتفاق دفاعي أمني مشترك بين البلدين".
غير أن مراقبين بدأوا في وضع سيناريوهات لما يمكن أن تؤول إليه الصفقة، إثر ضغط عامل الوقت قبل الانتخابات الأميركية، فيرى باحثون أن الوقت لا يزال كافياً لإحراز تقدم في مسار التطبيع بين السعودية، على رغم ضبابية أي أفق لنهاية الحرب في غزة، فضلاً عن خطط مسار التسوية النهائية، بشرط أن يحرك المؤثران في المشهد، الرئيس بايدن والأمير محمد بن سلمان، أوراقهما على طاولة الملف المعقد، بحسب ما يرى الكاتب الأميركي المخضرم توماس فريدمان.
خطبة سعودية في القدس!
ويعتبر في "نيويورك تايمز" أن بايدن قادر على تغيير المسار الحالي بمساعدة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، داعياً إياهما إلى "إكمال المهمة التي بدأها أسلافكما"، في إشارة إلى بيل كلينتون والملك عبدالله لدى قيادته جهود بلاده في تقديم مبادرة السلام التي أصبحت عربية، منذ 2002، التي بدأ طبخها على نار هادئة من قبل منذ الثمانينيات في "قمة فاس".
وبنظر الكاتب الأميركي، فإن السعودية يمكن أن تكمل المسيرة من حيث توقفت، داعياً ولي العهد محمد بن سلمان إلى إعلان استعداده للذهاب إلى القدس للصلاة في المسجد الأقصى أولاً ومن ثم التحدث إلى الشعب الإسرائيلي من منصة الكنيست ليقول لهم مباشرة "إذا شرعتم في طريق الدولتين لشعبين، ستوقع السعودية على اتفاق سلام مع إسرائيل وتعترف بالقدس الغربية عاصمة لها ما دام أن إسرائيل تعترف بالقدس الشرقية العربية عاصمة لفلسطين".
ويتوقع فريدمان أن هذه الخطوة من شأنها أن تسهل الاتفاق على التحالف الأمني الأميركي - السعودي ليكون "حجر الأساس لتحالف إقليمي ضد إيران ومحورها من الدول الفاشلة والوكلاء الذين يمتصون الحياة من اليمن وسوريا والعراق ولبنان".
ومن جهته، يحتاج الرئيس بايدن إلى إكمال الطريق من حيث توقف بيل كلينتون الذي قدم في ديسمبر (كانون الأول) 2000 سلة من الأفكار أطلق عليها اسم "معايير كلينتون" التي توضح بالتفصيل كيفية إنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وتقوم على مبدأ دولتين قوميتين لشعبين، ويكمل فريدمان قائلاً "هذا هو الوقت المناسب للقيام بخطوات جريئة من شأنها أن تعطي إشارة للإسرائيليين والفلسطينيين والشرق الأوسط والعالم أن أميركا جادة في رؤية حل الدولتين. وبما أن نتنياهو لن يتفاوض على إقامة دولة فلسطينية، فمن الممكن الاعتراف بالسلطة الفلسطينية كدولة من جانب واحد".
وقت البحث عن المعجزات
بيد أن اللهجة المتفائلة تلك يظهر بيان السعودية الأكثر صراحة في شأن رؤية المملكة لشروط العلاقة مع تل أبيب، أنها تحتاج إلى معجزة لترجمتها إلى واقع، إذ علقت الرياض العلاقة بشروط من غير المرجح استعداد إسرائيل للوفاء بها قبل الانتخابات الأميركية، وهي لم تزل تخوض حرباً تصر على المضي فيها، تقابلها أزمة سياسية داخلية قد تنذر بأي شيء إلا قرب تسويتها.
وكانت السعودية شددت في بيانها الشهير الذي جاء رداً على تصريحات المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، على أن "موقف المملكة كان ولا يزال ثابتاً تجاه القضية الفلسطينية وضرورة حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، كما أنها أبلغت موقفها الثابت للإدارة الأميركية أنه لن تكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وانسحاب أفراد قوات الاحتلال الإسرائيلي كافة من قطاع غزة"، وهو موقف أكبرت صراحته القيادة الفلسطينية في حليفتها السعودية.
وإزاء ذلك، يتردد أن تجزئة الصفقة ربما كانت حلاً وسطاً، بحيث يمضي الاتفاق الدفاعي السعودي مع أميركا، فيما تكثف واشنطن وحلفاؤها الغربيون الضغوط على إسرائيل للوفاء بالتزاماتها نحو فلسطين، ومن ثم تبدأ خطوة التطبيع الموعودة من الرياض، طبقاً لقاعدة أسستها من قبل المبادرة العربية 2002 التي كانت سعودية قبل أن تحظى بالإجماع العربي والإسلامي لاحقاً.
فيديو | المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية سامويل وربيرغ لـ #الإخبارية: الحل الوحيد لحل الصراع هو إقامة دولة فلسطينية#هنا_الرياض pic.twitter.com/69ltKyK36B
— هنا الرياض (@herealriyadh) February 20, 2024
الخارجية الأميركية تجيب
ويشير المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية سامويل وربيرج في حديث مع "اندبندنت عربية" نحو سيناريو تجزئة الصفقة، وحول ما إذا يمكن للاتفاق الدفاعي بين السعودية وأميركا أن يمرر حتى وإن تأخر اعتراف تل أبيب بدولة فلسطينية، إلى أن "الولايات المتحدة تتمتع بعلاقة أمنية ودفاعية ثنائية قوية مع المملكة منذ عقود، وترى الولايات المتحدة أن المملكة العربية السعودية تلعب دوراً حيوياً في أمن واستقرار المنطقة"، في إشارة إلى أن العلاقة الدفاعية معها قد لا تكون مرهونة كما يشاع بتطبيع العلاقة مع تل أبيب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "بشكل عام، سيتعين علينا إحالتك إلى البيت الأبيض والبنتاغون للتحدث بشكل محدد حول أي اتفاقات دفاعية جديدة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، ما يمكنني قوله هو أنه عندما استقبل مستشار الأمن القومي جيك سوليفان وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان آل سعود في البيت الأبيض في أكتوبر (تشرين الأول)، ناقش الجانبان جميع القضايا المهمة المتعلقة بالأمن في المنطقة، بما في ذلك الوضع في غزة، والتهديدات من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، والصراع في اليمن. ومن المهم أيضاً أن نلاحظ أن هذه الإدارة ركزت على توسيع وتعزيز تعاوننا الأمني الثنائي مع المملكة العربية السعودية قبل وقت طويل من الوضع الحالي في غزة".
وفي ملخص الاجتماعات التي عقدها الرئيس بايدن في يوليو (تموز) 2022 مع الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أشار البيت الأبيض إلى أن الجانبين ناقشا تعزيز التعاون الأمني البحري وكذلك التعاون المتكامل في مجال الدفاع الجوي، لذا بحسب وربيرج "تلك محادثات مستمرة، ونحن نتطلع إلى مواصلتها حول العلاقات الأمنية الثنائية، وفي الوقت نفسه بذل كل الجهود لإنهاء الصراع في غزة ودعم إنشاء دولة فلسطينية".
سيناريو "تجزئة الصفقة"
وتعتقد المتخصصة في شؤون البيت الأبيض أن "سيناريو التجزئة ممكن ويتداول في الأوساط السياسية بواشنطن، فولي العهد السعودي كان حاسماً في ضرورة قيام الدولة الفلسطينية، دولة مستقلة وذات سيادة يتمتع شعبها بالحقوق المدنية والسياسية كافة، وهذا التوجه ثابت للملكة ولن يحيد. لذلك من الممكن إبرام اتفاق منفصل بين واشنطن والرياض في موضوعين أساسيين الأول يتعلق باتفاق دفاعي استراتيجي مشترك وطويل الأمد، والثاني مشروع المفاعل النووي لأغراض مدنية سلمية الذي تريده الرياض، وتسهم في إنشائه الولايات المتحدة".
وبدا من تصريحات المتحدث باسم الأمن القومي جون كيربي أن واشنطن تستعجل إعلان أي نوع من التطبيع بين إسرائيل والسعودية لما يعتقد أنه بحث من الرئيس بايدن عن منجز فارق يحسن من مزاج ناخبيه، وهو ما جاء البيان السعودي ليضع حداً فاصلاً له.
وفي هذا الصدد يرجح المحلل السياسي السعودي إياد الرفاعي أن من الطبيعي الترحيب بأية زيادة للضمانات الأمنية لكل الدول ومنها السعودية، لكن استبعد أن تكون "تجزئة الاتفاق وجعله منضوياً فقط على المحور الأمني بين المملكة وأميركا ممكنة لأسباب عديدة تشمل السياسات الإقليمية الراهنة وكذلك المعطيات الداخلية الأميركية".
هل حقاً بايدن أضعف من هكذا اتفاق؟
وفصل ذلك بالتأكيد أولاً، أن الإدارة الأميركية "تدخل سنة الانتخابات وهي بحد ذاتها وقت حرج وصعب لعقد مثل هذه الصفقة. كما أننا نقترب من موسم "البطة العرجاء" في الكونغرس، وخلاله لا يسمح توقيع الاتفاقات والمعاهدات ولا يجتمع الكونغرس إلا لتمرير القرارات الاضطرارية وتسيير الأعمال. ثانياً وضع الرئيس بايدن الداخلي يمر بمنعطفات كبيرة، فهو يفقد ثقة حزبه الديموقراطي وكذلك ثقة الناخب الأميركي".
وفي هذا الصدد لفت إلى ظهور أخبار على السطح مثل "احتمالية ترشح كمالا هاريس أو باراك أوباما لسدة الرئاسة بدلاً عنه، وأعتقد أن كليهما يحمل أجندة مختلفة عن أجندة الرئيس بايدن بخصوص الشرق الأوسط"، أما ثالث أسباب اعتقاده صعوبة تجزئة الصفقة، فيعود لاعتباره أن الانتخابات الأميركية أصلاً بدأت مبكراً من خلال إعلان دونالد ترمب لترشحه "وبدأ الصراع الداخلي يتشكل منذ فوز الحزب الجمهوري بأغلبية الكونغرس في بداية العام المنصرم، 2023. لذا أعتقد أن أي اقتراح بخصوص تتميم مثل هذا الاتفاق سيمر بعثرات كثيرة داخل الولايات المتحدة، وهي لا تقتصر فقط على ما سبق ذكره أعلاه".
لم يعد لدى أميركا الكثير لتقدمه للرياض!
وعلى الصعيد السعودي والإقليمي، يذهب الأكاديمي السعودي إلى أن الرياض لم تعد في وضع معقد أمنياً مثل السابق، بسبب التفاهمات الإقليمية التي استجدت، وليست في عجلة من أمرها، يعود ذلك إلى أن "الاتفاق على المعطيات الدفاعية لا يعتمد فقط على التسليح بل على التفاهمات الأمنية والسياسية التي تؤدي إلى تأمين المنطقة من أذى التناقضات السياسية بين اللاعبين الإقليميين، وهذه الضمانات السياسية - الأمنية لا تستطيع الولايات المتحدة توفيرها في ظل الوضع الراهن في قطاع غزة والأراضي المحتلة. لذا إقليمياً لا أرى أن الاتفاق الأمني سيقدم الكثير، خصوصاً في هذا الإطار إذا ما أخذنا في الاعتبار المتغيرات الإقليمية في توازن القوى وتقارب الأقطاب الإقليمية. أعتقد أن إمكان حماية المنطقة من خلال التفاهمات الاقليمية بين السعودية وإيران وتركيا ومصر والإمارات وقطر سيحل كثيراً من المشكلات الأمنية التي لا يستطيع التسليح الأميركي وحده حلها".
أما الباحثة البقاعي فتؤكد أن الطيف السياسي الأميركي ينظر إلى الاتفاق مع السعودية على أنه إنجاز مستقل بحد ذاته حتى من دون وضعه في فلك العلاقة مع تل أبيب.
وتضيف "ببساطة عودة للعلاقات الثنائية التاريخية والاستراتيجية بين العاصمتين الرياض وواشنطن لمسارها الطبيعي بعد أن انحرفت عنه في السنوات الأولى من إدارة الرئيس بايدن، وهوالذي تنبه للخطأ الذي ارتكبه بالابتعاد عن الشركاء التاريخيين في الخليج العربي وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، وهو من قوم هذا المسار وعاد من جديد للتعاطي القويم مع الحليف السعودي الذي يمتد الحلف والشراكة معه على مدى ثمانية عقود". ولفتت إلى أن ما سمته "التصحيح الذاتي" الذي قام به الرئيس بايدن سيساعده في "كسب الدعم الشعبي الذي يهتم أن تبقى السياسات الخارجية لواشنطن متوازنة وثابتة، وبخاصة لجهة عدم التخلي عن الحلفاء والأصدقاء القدامى".
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أورد في عدد من تصريحاته الصحافية، خصوصاً في مؤتمر "ميونيخ" أخيراً أن البيت الأبيض لا يزال "مصمماً" على إقناع حلفائه في المنطقة بمن فيهم السعودية في سبيل "اتباع المسار الدبلوماسي لتحقيق السلام العادل والدائم والأمن للجميع في المنطقة. كي نرى إسرائيل مندمجة بالكامل في المنطقة، مع علاقات طبيعية مع الدول الرئيسة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، مع ضمانات قوية لأمنها، إلى جانب مسار ملموس ومحدد زمنياً لا رجعة فيه لقيام دولة فلسطينية".
أما متحدثه الإقليمي سمويل، فسألناه عما إذا كان الوقت لا يزال كافياً، لحدوث تطور فيما يدعو إليه بلينكن أم تجزئة الاتفاق ستكون أمراً حتمياً، فقال "لا يمكننا التكهن أو الدخول في أية فرضيات في شأن ما قد يحدث أو لا يحدث. لقد أوضحت المملكة العربية السعودية موقفها بشكل واضح، سواء في العلن أم في اجتماعاتنا الخاصة".
وينقل أن الولايات المتحدة تعي أنه "ليس من حقها أن تضع جدولاً زمنياً أو موعداً نهائياً محدداً لتحديد متى تكون الظروف مناسبة للمضي قدماً في أي جهود نحو التطبيع السعودي - الإسرائيلي. وتعتقد هذه الإدارة أن تطبيع العلاقات الدبلوماسية في جميع أنحاء المنطقة هو أمر إيجابي في حد ذاته، وسيؤدي إلى مزيد من الاستقرار والازدهار في جميع أنحاء المنطقة للجميع. وفي الوقت نفسه، لا تعتقد إدارة بايدن أن تطبيع العلاقات في جميع أنحاء المنطقة يمكن أن يحل محل التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية، لذلك سنواصل العمل على كل هذه الملفات والجهود في الوقت نفسه".
هكذا يفكر بايدن في الأمر
وحين سألته "اندبندنت عربية" عن الاعتقاد السائد بأن الملفات في المنطقة قد تتأثر بأجواء الانتخابات في الداخل الأميركي وتركيز الإدارة على السباق في واشنطن، رفض التعليق على الجانب الذي يمكن فهمه بشكل أو بآخر على أن البيت الأبيض يبحث عما يعزز فرص بايدن لتجديد فترة إقامته الرئاسية.
وقال "باعتباري المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، لا أستطيع التعليق على الانتخابات الأميركية أو القضايا الداخلية الأميركية بشكل عام. ما يمكنني قوله هو أن إدارة بايدن تظل ملتزمة بالعمل مع شركائنا وحلفائنا في المنطقة لتعزيز السلام والأمن والازدهار للجميع. بصفته شخصاً عمل لسنوات كعضو في مجلس الشيوخ ثم نائباً للرئيس والآن رئيساً، يعرف الرئيس بايدن جيداً أن العالم يتطلع إلى الولايات المتحدة للقيادة بغض النظر عن هوية قادتنا المنتخبين. ويعمل فريق الرئيس في البيت الأبيض، ومجلس الأمن القومي، ووزارتي الخارجية والدفاع، وجميع الوزارات والوكالات الأخرى التابعة للحكومة الأميركية على مدار الساعة، بالتعاون مع جميع شركائنا في المنطقة وفي أماكن أخرى، على مصالحنا المشتركة، وسنواصل القيام بذلك بغض النظر عن الحملة الانتخابية أو أية قضايا محلية أخرى".
ولدى سؤال البقاعي عن كيف ينظر الطيف السياسي الأميركي خصوصاً في الكونغرس إلى سيناريوهات الاتفاق المرتقب، خصوصاً وأن الجانب المتعلق من الصفقة بإسرائيل صار شبه معلق بسبب تعنت نتنياهو؟ تجيب "رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي بيبي نتنياهو هو مجرد سياسي عابر في تاريخ إسرائيل وليس دولة إسرائيل! أقصد أن العلاقات الرسمية الأميركية والدعم الذي تقدمه للحليف الإسرائيلي هو دعم للدولة وليس لشخص، أي رئيس وزراء أو زعيم إسرائيلي".
وتعتقد أن "ملف التحقيق الذي فتح الآن لمعرفة الأسباب والمسؤول عن التقصير في الحكومة الإسرائيلية، الأمر الذي أدى إلى هذا الاختراق الأمني الأعظم في تاريخ الدولة منذ تأسيسها، وشهدناه في أحداث السابع من أكتوبر، سينتهي بسقوط حكومة نتنياهو سقوطاً شعبياً مدوياً، وانتهاء للتطرف الإسرائيلي الذي يحكم الائتلاف الحكومي في وزارة نتنياهو".
وتعتبر من هذا المنطلق أن "الأميركيين، ديمقراطيين وجمهوريين، ينظرون إلى هذا الاتفاق بعين الرضا والحاجة إلى عودة العلاقات الأمنية المشتركة بين المملكة وأميركا لوضعها السابق مع الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض، وأن الحلفاء في الخليج وأمن المنطقة إنما يصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي ومصالح أميركا الطويلة المدى في الشرق الأوسط".
من جهته لا يستبعد الباحث في الشأن السياسي سعد الحامد أن يدفع تعقد المشهد السياسي في إسرائيل وأميركا إلى "إقامة هذا الاتفاق مع السعودية على مراحل منفصلة، نظراً إلى قرب الانتخابات الأميركية وضيق الوقت".
وأشار إلى أن وسائل إعلام أميركية مثل "أكسيوس"، نقلت عن السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن، قوله "سيكون من الصعب على الرئيس بايدن إقناع الكونغرس بصفقة من هذا القبيل، إذ يسيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ المكون من 100 عضو بفارق ضئيل بينما يحتاج التصديق على المعاهدة أصوات 67 عضواً من داخل المجلس".
من يهدد الاتفاق الدفاعي إيران أم إسرائيل؟
في وقت يسود اعتقاد بأن إيران فضلاً عن إسرائيل تتقاسمان أدوار صناعة التوتر في المنطقة على رغم العداء الاستراتيجي بينهما، طرحت "اندبندنت عربية" على المحللين والمسؤول الأميركي احتمال أن تحاول طهران إجهاض الاتفاق الدفاعي بين واشنطن والرياض، مثلما اتهمت بأنها أعاقت المحادثات أول الأمر، عند الحديث عن كونها المستفيد من إطلاق عمليات "طوفان الأقصى"، حتى وإن نفت ذلك، فكانت الأجوبة متباينة.
المحلل السعودي إياد الرفاعي لفت إلى أن إسرائيل وليس إيران هي التي قد تشكل عقبة، مؤكداً أن النظرة الإقليمية العامة "تؤكد أن هذا الاتفاق لن يكون مرضياً عنه من حكومة نتنياهو، بل إنها ستعمل كل ما بوسعها داخل أميركا وخارجها لتعطيله. لأنه في وجهة نظر الليكود سيهمش الموقف الإسرائيلي الإقليمي ويجعله أضعف بكثير، هذا الموقف الاسرائيلي قد ينعكس على الداخل الأميركي خصوصاً في موسم الانتخابات".
التواصل السابع بين وزيري الخارجية منذ السابع أكتوبر…
— Eyad Alrefaiإياد الرفاعي (@EyadAlRefaei) February 16, 2024
مثل هذه الأخبار يجب تحليلها سياسياً بشكل واضح، لكن معظم (مخللينا) السياسيين مازالوا مشغولين بالقراءة الصفرية للعلاقة السعودية الإيرانية وكل حديثهم ينصب على مخاوفهم الأمنية المتخيلة، ويستند على الطائفية، و(الأذرع الايرانية). https://t.co/AjdZj9glTW
ولفت إلى أن العلاقات السعودية - الإيرانية تجاوزت فيما يبدو الجانب البروتوكولي إلى التنسيق في العديد من الملفات المحورية في الإقليم، مستدلاً على ذلك بالخط الساخن بين مسؤولي البلدين، في وقت عقد فيه حتى الآن وزيرا خارجية البلدين "سبع محادثات منذ السابع من أكتوبر" هاتفياً أو مباشرة، وهي لقاءات يرى أنها تتطلب "تحليلاً سياسياً أعمق، بعيداً من القراءة الصفرية للعلاقة بين الدولتين التي تنصب أحياناً على المخاوف الأمنية والطائفية وقصة الأذرع الإيرانية".
بينما يرى المسؤول الأميركي وربيرج أن "إحدى التحديات الرئيسة، وربما التحدي الأكبر للأمن والاستقرار في المنطقة، هو إيران. وليس من المستغرب أن تحاول إيران تثبيط أو تخريب أية محاولات من جانب الآخرين في المنطقة لمتابعة المسار نحو مزيد من السلام والاستقرار".
وأضاف " خلال دعم طهران لوكلائها والجماعات الإرهابية في جميع أنحاء المنطقة، تحاول استغلال عدم الاستقرار وانعدام الأمن والاستفادة منه. نعتقد أن معظم دول هذه المنطقة تشاركنا رؤيتنا لمنطقة سلمية ومزدهرة ومترابطة، ونرى أن هذه الرؤية أكثر قوة واستدامة من رؤية النظام الإيراني لمنطقة في حال حرب مستمرة ومهددة في أي وقت بهجمات يشنها وكلاء إيران. ستواصل الولايات المتحدة، بالتعاون مع شركائنا وحلفائنا في المنطقة، الرد على أية محاولات من جانب إيران لعرقلة إرادة ورغبة المنطقة الأكبر في العيش في سلام".