سددت تونس الاستحقاق الأهم لديونها الخارجية في العام الحالي السبت الماضي، إذ تقدر قيمته بنحو 2.86 مليار دينار تونسي أي ما يعادل 850 مليون يورو (915.2 مليون دولار).
يشار إلى أن الاستحقاق يمثل قرضاً عبر سندات أصدرتها تونس في السوق العالمية باليورو قبل سبعة أعوام، مما قلص رصيد احتياط العملات من النقد الأجنبي ليهبط إلى 23 مليار دينار (7.36 مليار دولار) أول من أمس الإثنين، مقابل 26.03 مليار دينار (8.31 مليار دولار) قبل يوم واحد من سداد الاستحقاق.
إلى ذلك فقدت تونس ما يعادل تغطية 14 يوماً من الواردات، بعدما تراجعت قدرة البلاد على تغطية واردتها من 119 يوماً الجمعة الماضي إلى 105 أيام فحسب، إذ تقدر قيمة الواردات من خارج البلاد في اليوم الواحد بنحو 219 مليون دينار (70 مليون دولار).
ووصل إجمالي قيمة الاستحقاق إلى نحو 3 مليارات دينار، أي ما يعادل 898 مليون يورو (964 مليون دولار) تنقسم إلى أصل الدين بقيمة 2.86 مليار دينار ما يعادل 850 مليون يورو (915.2 مليون دولار)، إضافة إلى أعباء خدمة الدين التي تقدر بـ161 مليون دينار، أي ما يعادل 47.8 مليون يورو (51.5 مليون دولار).
في غضون ذلك توقعت الحكومة التونسية أن ترتفع قيمة أعباء خدمة الدين العام في 2024 بنسبة 18.7 في المئة، أي ما يعادل 3.89 مليار دينار (1.2 مليار دولار) مقارنة بالعام الماضي، لتسجل قيمة الأعباء 24.7 مليار دينار (7.89 مليار دولار) تنقسم إلى 12.38 مليار دينار (3.95 مليار دولار) دين داخلي و12.31 مليار دينار (3.93 مليار دولار) دين خارجي، وتصل خدمة الدين العام من الناتج المحلي نحو 14.08 في المئة، مقارنة بـ 20.8 مليار دينار (6.6 مليار دولار) عام 2023.
وأرجعت الحكومة ارتفاع أعباء خدمة الدين العام إلى الزيادة في قيمة أصل الدين مع حلول آجال قروض السندات المصدرة بالسوق العالمية، مشيرة إلى أن أهم الاستحقاقات المطلوب سدادها خلال العام الحالي سواء للديون طويلة أو متوسطة الأجل، هو قرض السندات الذي سدد منذ أيام وعلاوة على قرض سندات بضمان ياباني قبل 10 سنوات بقيمة 50 مليار ين ياباني (333 مليون دولار) في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 دفعة واحدة، إلى جانب أقساط قرضي صندوق النقد الدولي 360 مليون دولار و256 مليون دولار موزعة بين خمسة إلى 10 أشهر، فضلاً عن أقساط قرض البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد في 2022 الذي يقدر بـ105 ملايين دولار موزعة على ثلاثة أشهر وقرض السعودية بقيمة 100 مليون دولار موزعة بين يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز) 2024 وقرض صندوق النقد العربي يساوي حوالى 70 مليون دولار سندات الخزانة وقيمتها 5.8 مليار دينار (1.8 مليار دولار) ومليار دينار (319 مليون دولار) والقرض الداخلي نحو 752 مليون دينار (240 مليون دولار) يحل أجله في أكتوبر 2024.
إقراض استثنائي
واضطرت الحكومة التونسية إلى طلب اقتراض استثنائي مباشرة من البنك المركزي التونسي بقيمة 7 مليارات دينار (2.25 مليار دولار) على خلفية شح التمويلات الخارجية والصعوبات التي تواجه المالية العمومية.
في تلك الأثناء، صادق البرلمان التونسي في السادس من فبراير (شباط) الجاري على مشروع قانون يسمح للبنك المركزي التونسي منح تسهيلات لفائدة الخزانة العامة للبلاد بصفة استثنائية، إذ إن القانون (عدد 35 لسنة 2016 المؤرخ في 25 أبريل (نيسان) 2016) المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك ينص على أنه "لا يمكن للبنك المركزي أن يمنح لفائدة الخزانة العامة للدولة تسهيلات في صورة كشوفات أو قروض أو أن يقتني بصفة مباشرة سندات تصدرها الدولة"، ويضمن القانون الاستقلالية التامة للبنك المركزي، مما أثار ضجة وانتقادات عند مناقشته في البرلمان ودفع وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية إلى الدفاع عن الخيار الحكومي، قائلة "القرض المباشر الاستثنائي لن يكون له تأثير في التضخم".
وأرسلت رسالة اطمئنان مفادها بأن تسهيلات البنك المركزي في 2024 لن تزيد من حجم الكتلة النقدية لأنه سيقع توجيه هذه التمويلات في جزء كبير منها إلى نفقات الاستثمار والتنمية، فضلاً عن توجيه جزء لسداد ديون خارجية قوامها 3 مليارات دينار (958 مليون دولار) وهي قروض سندات صادرة بالسوق المالية العالمية في فبراير 2017 وذلك في إطار تواصل الدولة، وأشارت إلى أن سحب هذه التمويلات على أقساط بحسب حاجة الخزانة العامة سيقلل من الانعكاسات التضخمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهته قال محافظ البنك المركزي السابق مروان العباسي، المنتهية ولايته منذ أيام خلال الجلسة البرلمانية نفسها إن "الوضعية صعبة نظراً إلى نسبة الاقتراض المرتفعة ونسبة النمو الضعيفة"، موضحاً أن "القرض ظرفي وأن خلاص الديون يعد أحد مقومات السيادة الوطنية"، ودعا إلى حسن استغلال إمكانات الاستثمار المتاحة والعمل على إيجاد الحلول العاجلة لجلب العملات".
وتزامن ذلك مع مخاوف حول المس باستقلالية البنك المركزي التونسي والجدل الذي يدور حولها، بعد أن دعا عدد من النواب في وقت سابق إلى تنقيح قانون البنك المركزي لتمكين الحكومة من التمويل المباشر.
يشار إلى أن عضو مجلس إدارة البنك المركزي السابق فتحي النوري عين محافظاً جديداً لمؤسسة الإصدار من قبل الرئيس التونسي قيس سعيد بعد انتهاء مدة نيابة المحافظ السابق.
أزمة هيكلية
وتعليقاً على الجدل الدائر، قال عضو المكتب الوطني لكونفيدرالية المؤسسات المواطنة التونسية (منظمة مستقلة) مهدي البحوري إن "التسهيلات النقدية أو التمويل الاستثنائي الذي تحصلت عليه الحكومة من البنك المركزي هو الثاني من نوعه بعد التسهيلات التي تم اللجوء إليها عام 2020 بسبب أزمة كورونا وما رافقها من توقف للنشاط الاقتصادي"، مستدركاً "لكن اعتمد هذه المرة في خدمة الدين وقد تزامن مع تباطؤ النشاط الاقتصادي، إذ لم تتجاوز نسبة النمو 0.4 في المئة خلال العام الماضي"، وأضاف أن "هذا الأمر حد من الإيردات الضريبية وزاد من وتيرة الاقتراض"، مؤكداً أن "تلك أبرز الإشكاليات الهيكلية للاقتصاد التونسي"، وأوضح أنها "لا تُعد ظرفية، وهو ما يلزم بضرورة التسريع بالإصلاحات الجذرية، على أن يكون إصلاح المؤسسات العامة على رأس الأولويات".
ودعا البحوري إلى توجيه المبالغ المتبقية من التسهيلات النقدية نحو إعادة هيكلة المؤسسات العامة وسداد ديونها وتمويل الاستثمار لخلق الديناميكية الاقتصادية.
من جهة أخرى اعتبر أن "التمويل المباشر لحساب الخزانة العامة من قبل البنك المركزي يحمل أخطاراً تضخمية في حال ضخه وتوجيه جزء منه للاستهلاك بحكم عدم حدوثه عن نشاط اقتصادي"، مستدركاً "لكنه لا يعكس خطر تغيير أو تنقيح في قانون مؤسسة الإصدار، مما يفسر اتجاه الحكومة لاستصدار قانون للحصول على التسهيلات النقدية وعرضه على البرلمان علاوة على صيغته الاستثنائية".